Monday, January 27, 2020

19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

19 – شرح نقش فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
لمّا كانت أحواله عليه السلام في زمان الابتلاء و قبله و بعده غيبية، أسندت هذه الحكمة الغيبية إلى الكلمة الأيوبية:  أمّا قبل زمان الابتلاء، فلأنّ الله تعالى أعطاه من الغيب بلا كسبه ما لم يعط أحدا من المال و البنين و الزرع و الضرع و الخول و العبيد.

و أمّا في زمان الابتلاء، فلأنّه كان يصعد له من الأعمال الزاكية مثل ما يصعد من أهل الأرض أو أوفى، فغار عليه إبليس و بنوه، و قصده بالأذية هو و ذووه.
و كانوا يستكبرون ما يعمل و يستكثرونه. و كان الله تعالى يشكره في الملإ الأعلى و يذكره.
فقال إبليس، «مع هذه المواهب و النعماء و الآلاء التي أنعم بها الله عليه أعماله قليلة.
فلو كان في حال الابتلاء والفقر وصبر و لم يجزع، لكان ما يأتى من الأعمال أعظم قدرا و أعلى مكانة». فأذن له في اختباره و ابتلائه.
و القصّة مشهورة في بلائه . فسلّط الشيطان على ما تمنّى، فغارت العيون، وانقطعت الأنهار، وخربت الديار، ويبست الأشجار والثمار، وهلكت مواشيه، ومات من كان من بناته و بنيه، وهجره جلّ أهله و ذويه.
كل هذا ابتلاء غيبى من غير سبب معهود و موجب مشهود في مدّة يسيرة.
وبعد غيبته عن أهله وماله مسّه الشيطان بضرّ في نفسه. فظهرت من غيوب جسمه الآلام والأسقام، و تولّد الدود في جسمه و غيوب أعضائه و أجزائه.
فصبر لما عرف السرّ. و لم يجزع و لم يقطع الذكر و الشكر متلقّيا بحسن الصبر هذا الأمر. و لم يشك إلى غير الله إلى انقضاء مدّة الابتلاء.

و أمّا بعد زمان الابتلاء، فلأنّه لمّا بلغ الابتلاء غايته، و تناهي الضرّ نهايته، و لم ينقص من أعماله و طاعاته و أذكاره و أنواع شكره شيئا، و لم يظهر الشكوى و الجزع، تمّت حجّة الله على اللعين و على غيره من الشياطين.

فتجلّى من غيبه ربّه تجلّيا غيبيا، فنادى ربّه، "أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ".
فكشف عنه ما به من ضرّ و وهب «لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً» من عنده و خزانة غيبه.
و أظهر له من غيب الأرض
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لمّا لم يناقض الصبر الشكوى إلى الله ولا قاوم الإقتدار الإلهي لصبره .
وعُلم هذا منه . أعطاه الله أهله ومثلهم معهم .  وركض برجله عن أمر ربه . )

مغتسلا باردا و شرابا. و كل ذلك كان من قوّة إيمانه بالغيب و ثقته بما ادّخر الله له في الغيب. فكان أمره كله من الغيب.

(لما لم يناقض الصبر الشكوى الى الله سبحانه) - و لذلك أثنى الله‏ على أيّوب بالصبر مع دعائه في رفع الضرّ عنه.
(و لا قاوم) ، يعنى أيّوب عليه السلام، (الاقتدار الإلهي بصبره ) و حبسه النفس عن الشكوى إليه تعالى بل شكى إليه و ناداه، «أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» .
(و علم هذا) الأمر، يعنى عدم المقاومة، (منه)، أي من أيّوب، (أعطاه الله أهله) بأن أحيا من مات من بنيه و بناته و رزقه (مثلهم معهم) من الأولاد.

ذهب علماء الظاهر و أهل السلوك الذين لم يصلوا إلى مقام التحقيق بعد إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشكوى مطلقا، زعما منهم أنّ من يكون شاكيا لا يكون راضيا بالقضاء، سواء كانت الشكاية إلى الله أو إلى غيره.
و ليس كذلك، لأنّ القضاء حكم الله في الأشياء على حدّ علمه بها و ما يقع في الوجود المقضي به الذي تطلبه عين العبد باستعداده من الحضرة الإلهية.
و لا شكّ أنّ الحكم غير المحكوم به و المحكوم عليه، لكونه نسبة قائمة بهما.
فلا يلزم من الرضا بالحكم- الذي هو من طرف الحق- الرضا بالمحكوم به و من عدم الرضا بالمحكوم به لا يلزم عدم الرضا بالحكم.
و إنّما لزم الرضا بالقضاء، لأنّ العبد لا بدّ أن يرضى بحكم سيّده و أمّا المقضي به، فهو مقتضى عين العبد، سواء رضى بذلك أو لم يرض.
و ذهب المحقّقون من هذه الطائفة إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشكوى إلى غير الله، لا إلى الله، لأنّ الشكاية إلى الغير تستلزم الأعراض عن الله، و هو مذموم.
و الشكاية إلى الله تستلزم إظهار العجز و المسكنة و الافتقار إلى الله سبحانه و إظهار أنّ الحق قادر على إزالة موجبات الشكوى، و كلها محمودة.
قال الشيخ رضى الله عنه في فتوحاته المكية الباب الثالث والسبعون :
«إن كان الدعاء إلى الله في رفع الضرّ و دفع البلاء يناقض الصبر المشروع المطلوب في هذا الطريق، لم يثن الله على أيّوب بالصبر و قد أثنى عليه به. بل عندنا من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه، لأنّ فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر و قوّته.

قال العارف: "إنّما جوّعنى لأبكى". فالعارف و إن وجد القوّة الصبرية، فليفرّ إلى موطن

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فأزال بتلك الركضة آلامه . ونبع الماء الذي هو سر الحياة السارية في كل حي طبيعي . فمن ماء خُلق . وبه يرى . فجعله رحمة لهُ . وذكرى لنا وله .
ورفق به فيما نذره تعليماً لنا ليتميز في الموّفين بالنذر .
وجعلت الكفارة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لسترهم عما يعرض لها من العقوبة في الحنث . والكفارة عبادة .)

الضعف و العبودية و حسن الأدب، فانّ القوّة للَّه جميعا.
فيسأل ربّه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهّم وقوعه.
و هذا لا يناقض الرضا بالقضاء، فانّ البلاء إنّما هو عين المقضي، لا القضاء: فيرضى بالقضاء و يسأل الله في رفع المقضي عنه فيكون راضيا صابرا."

(و ركض) أيّوب عليه السلام (برجله)، أي ضرب الأرض بها، ركضة صادرة (عن أمر ربه)، حيث أمره بها بقوله، «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ».
(فأزال) ربّه (بتلك الركضة آلامه) و أماط بها أسقامه، (و نبع‏) بها، أي بتلك الركضة، من تحت رجله الماء، الذي هو سر الحياة و أصلها، فانّ بالماء حيى ما حيى من الأجسام الطبيعية العنصرية.

فهو أصل الحياة، أي الحياة (السارية في كل حى) جسمانى (طبيعى) عنصرى، فانّ كلّ ما له حيوة من الأجسام الطبيعية العنصرية خلق من الماء.
إذ النطف التي يخلق منها الحيوان ماء. و ما يتكوّن بغير توالد، فهو أيضا بواسطة المائية المتعفّنة.  و كذلك النبات لا تنبت إلّا بالماء.
(فمن ماء)، يعنى النطفة، خلق، و به، أي بالماء حين نبع من تحت رجله، (بري‏ء) من الآلام و الأسقام، فانّه عليه السلام لمّا ضرب برجله الأرض، نبعت عينان، فاغتسل بإحداهما حتّى ذهب الداء من ظاهره.

ثمّ شرب من الأخرى، فذهب الداء من باطنه. (فجعله)، أي جعل الله سبحانه الماء النابع من تحت رجله، (رحمة) من عنده (و ذكرى)، أي تذكيرا، (لنا و له)، أي لأيّوب عليه السلام.

يعنى جعله رحمة و ذكرى لكل واحد منّا و منه: أما كونه رحمة له، فلما بري‏ء به من الأسقام و أمّا كونه رحمة لنا، فلأنّ جعله تذكيرا لنا، هو عين الرحمة.
و أمّا كونه تذكيرا لنا، فلأنّ إذا سمعنا بما أنعم عليه لصبره، نرغب في الصبر على البلاء و أمّا كونه تذكيرا له، فبالنسبة إلى سائر أحواله و أوقاته.
و يجوز أن يكون قوله «لنا و له» نشرا على غير ترتيب اللفّ بأن يكون رحمة له و ذكرى لنا. و في بعض النسخ: «رحمة له و ذكرى لنا و له»، فيكون رحمة بالنسبة إليه عليه السلام و ذكرى بالنسبة إلى الكل.
(و رفق) الله سبحانه (به)، أي بأيّوب، و رخص له (فيما نذره) حين حلف في مرضه ليضربنّ امرأته مائة إن بري‏ء.
فلمّا بري‏ء، أمره الله سبحانه‏ أن يأخذ ضغثا، أي حزمة من الحشيش، يضرب بها امرأته.
فحلّل الله يمينه بأهون شي‏ء عليه و عليها،

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والأمر بها أمرٌ بالحنث . إذ رأى خيراً مما حلف عليه . فراعى الإيمان . وإن كان في معصية ذاكرٌ لله فيطلب العضو الذاكر نتيجة ذكره إياه .
وكونه في معصية أو طاعة حكم آخر لا يلزم الذاكر منه شيء . )

لحسن خدمتها إيّاه و رضاه عنها.
ثمّ إنّه سبحانه أخبرنا بذلك (تعليما) و ترخيصا (لنا، لنتميز) بهذا الرفق و الترخيص (في الموفين بالنذر)، أي فيما بين الذين يوفون بنذورهم و أيمانهم، فان هذه الرخصة باقية.
و عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه أتى بمخدج قد خبث بأمة، فقال، «خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ، فاضربوه بها ضربة".  رواه النسائي في السنن و أبن أبي عاصم في الآحاد والمثاني
 والحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام من أدلة الأحكام.
(و جعلت الكفارة) و شرعت (في أمة محمد صلّى الله عليه و سلّم لتسترهم) الكفّارة (عما يعرض لها)، أي لهذه الأمّة، و يتوجّه إليها (من العقوبة) الواقعة (في) مقابلة (الحنث) في الأيمان.
و فيه إشارة إلى أنّ الكفّارة من «الكفر» بمعنى الستر، سمّيت بها لأنّها تستر الحالف و تحفظه عمّا يعرض له من عقوبة الحنث
.
(و الكفارة عبادة) مأمور بها. (و الامر بها) قبل الحنث (أمر بالحنث)، ضرورة توقّف تحقّقها على تحقّقه فيكون الحنث أيضا مأمورا به،
لكن (إذا رأى) الحالف (خيرا مما حلف عليه، فراعى الله) سبحانه (الايمان)، أي راعى حقّها لإشتمالها على ذكره تعالى حيث شرع الكفّارة المانعة عن أن يعرض للحالف، عقوبة.

(و ان كان) الحالف (في معصية) بسبب الحنث، (فانّه)، أي الحالف، ذاكر للَّه في يمينه ببعض الأعضاء.
(فيطلب العضو الذاكر) منه- و هو اللسان- (نتيجة ذكره إياه سبحانه) من الرحمة و الثواب و حفظه مع سائر الأجزاء من العقاب، فانّه بالجزء الذاكر يحفظ باقى الأجزاء، كما يحفظ العالم بوجود الكامل، الذي يعبد الله في جميع أحواله، فكما أنّ الدنيا لا تخرب، و لا يستأصل ما فيها، ما دام الكامل فيها، فكذلك وجود العالم الإنساني يكون محفوظا بالعناية الإلهية ما دام جزء منه ذاكرا للحق سبحانه.
و كونه، أي كون الحالف، (في معصية أو طاعة حكم آخر لا يلزم) العضو (الذاكر منه)، أي من ذلك الحكم، (شي‏ء) من عقوبة و مثوبة فانّ الإنسان- من حيث أنّه مركّب من حقائق مختلفة روحانية أو جسمانية- كثير ليس أحدى العين، و إن كان من حيث كلّه المجموعى أحديا.
و ما يلزم من طاعة جزء ما و معصيته طاعة جزء آخر و معصيته.

اعلم أنّ البلايا و المحن التي تلحق بالأنبياء و الأكابر من أهل الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام، لكل قسم منها موجب و حكم و ثمرة:
فتارة تكون بالنسبة إلى البعض مصاقل لقلوبهم و ومتممات لاستعداداتهم الوجودية المجعولة، ليتهيّئوا بتلك الأمور لقبول ما يتمّ به لهم أذواق مقاماتهم التي حصلوها، ولم يكمل لهم التحقق بها.
فيكون تلبّسهم بتلك المحن سببا لاستيفائهم ذوق مقامهم الناقص وترقّيهم فيه إلى ذروة سنامه‏  الموجب للاطّلاع على ما فيه فانّه من لم يتكلّم على المقام، أيّ مقام كان، ولم يترجم عنه بطريق الحصر لأصوله والاستشراف على جملة ما فيه، فانّه إنّما يتكلّم على ذوقه من ذلك المقام، ليس بحاكم عليه و لا محيط به.  فافهم.

و موجب القسم الثاني هو سبق علم الحق سبحانه بأنّ المقام الفلاني سيكون لزيد، لا محالة، مع علم الحق أيضا أنّ حصول ذلك المقام لمن قدّر حصوله له لابدّ وأن يكون للكسب فيه مدخل فلا يتمحّض الموهبة الذاتية فيه.
فان ساعد القدر الإلهي والتوفيق بإرتكاب الأعمال التي هي شروط في حصول ذلك المقام، كان ذلك ...
وإن لم يساعد القدر ولم يف العمر بإستيفاء تلك الأعمال المشترط إرتكابها للتحقق بذلك المقام، أرسل الله المحن على صاحب المقام ورزقه الرضا بها و الصبر عليها و حبس النفس فيها عن الشكوى إلى غير الله و الإستعانة في رفعها بسواه.
فكان ذلك كلّه عوضا عن تلك الأعمال المشترطة فيما ذكرنا و قائمة مقامها.
فحصل المقام المقدر حصوله لصاحبه بالشروط التي يتوقف حصوله عليها، فانّ الصبر والرضا والإخلاص للّه دون الإلتجاء إلى غيره وطلب المعونة من سواه كلها أعمال باطنة يسرى حكمها في الأحوال الظاهرة، كالنية ونحوها.
فاعلم ذلك و تدبّر ما ذكر لك تعرف كثيرا من أسرار محن أيّوب عليه السلام و ما ابتلى به وثمراته.

و أمّا موجب القسم الثالث، فهو سعة مرآة حقائق الأكابر المضاهية للحضرة الإلهية المترجم عنها بقوله تعالى، «وَ إِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ».
فمن كانت مرآة حقيقته أوسع، كان قبوله ممّا في الحضرة وحظّه منها أوفر.
فكما أنّ حظّهم ممّا يعطى السعادة و يثمر مزيد القرب من الحق سبحانه والاحتظاء بعطاياه الاختصاصية أوفر، فكذلك قبول ما لا يلائم الطبع والمزاج العنصري الذي به تمّت الجمعية، وصحّت المضاهاة المذكورة، يكون أكثر.
فافهم، فقد بيّن لك أسرار المحن و البلايا المختصّة بالأكابر محصورة الأقسام.

وأمّا الخصيصة بعموم المؤمنين، فهي وإن كانت من بعض فروع القسم الأوّل، لكن قد أخبرت الشريعة بأحكامها و ثمراتها فلا حاجة إلى ضبط القول فيها.
والله المرشد.

.

واتساب

No comments:

Post a Comment