Monday, January 27, 2020

19 -  فك ختم الفص الأيوبى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

19 - فك ختم الفص الأيوبى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

19 -  فك ختم الفص الأيوبى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
1 / 19 -  اعلم ان في تسمية هذه الحكمة بالحكمة الغيبية سرين كبيرين أنبه عليهما ان شاء الله تعالى ، فالسر الأول منها : هو ان المحن والبلايا من حيث صورتها مؤلمة بالنسبة الى جميع الناس غير ملائمة لنفوسهم وطباعهم ولا يصبر عليها إلا من قويت نسبته من العوالم الغيبية وجزم بحسن نتائجها وثمراتها المرضية ، لتصديقه الاخبارات الإلهية والنبوية ، أو لإطلاعه على العوالم التي وراء الحس ، فيهون ذلك عليه الصبر على مضض المحن لما يعلمه او يرجوه من حسن العاقبة واجنائه ثمرات ما يقاسيه من المكاره ، و على كلا التقديرين فالنفع مغيب والعذاب مشهود حاضر .

2 / 19 - والسر الاخر هو ان الإنسان وان جزم عن إيمان محقق أو عيان ، ان للصبر على المحن ثمرات مرضية ، فإنه لا يلزم من ذلك رجوع ما ذهب عنه بعينه فكيف ان يعاد إليه عين ما تلف ومثله معه في الدنيا ؟
وكلا السرين تضمنها حال أيوب عليه السلام .

3 / 19 -  وقد فتحت لك باب هذا المقام فلج فيه ان كنت من أهله ، إنك ان ولجت فيه استشرفت على جملة من اسرار التكاليف وأسرار العبادات الشاقة البدنية والنفسانية وفائدة التحريض عليها وسر المجازاة عليها في الآخرة ، وفي الدنيا دون الآخرة ، وفي الدنيا والآخرة معا وعرفت الفرق بين المواهب الإلهية الواردة ابتداء وليس لكسب فيها مدخل وبين ما تنتجه المكاسب في ظاهر الإنسان وباطنه وغير ذلك مما يتعلق بهذا الباب .

4 / 19 - ثم اعلم : ان البلاء والمحن التي تلحق بالأنبياء والأكابر من أهل الله ينقسم الى ثلاثة أقسام ، لكل قسم منها موجب وحكم وثمرة : فتارة يكون بالنسبة الى البعض مصاقيل لقلوبهم ومتممات لاستعداداتهم الوجودية المجعولة ، لتهيئوا بذلك الأمور لقبول ما يتم به لهم أذواق مقاماتهم التي حصلوها ولم يكمل لهم التحقيق بها ، فيكون تلبسهم بتلك المحن سببا لاستيفائهم ذوق مقامهم الناقص وترقيهم فيه الى ذروة سنامه الموجب الاطلاع على ما فيه ، فإنه من لم يتكلم على المقام - أى مقام كان - ولم يترجم عنه بطريق الحصر لأصوله والإستشراف على جملة ما فيه ، فإنه إنما يتكلم على ذوقه من ذلك المقام ليس بحاكم عليه ومحيط به ، فافهم .

5 / 19 - وموجب القسم الثاني هو سبق علم الحق بأن المقام الفلاني سيكون لزيد لا محالة ، مع علم الحق أيضا ان حصول ذلك المقام لمن قدر حصوله له لا بد وان يكون للكسب فيه مدخل ، فلا يتمحض الموهبة الذاتية فيه ، فإن ساعد القدر الإلهي والتوفيق بإرتكاب الأعمال التي هي شروط في حصول ذلك المقام ، كان ذلك ، وان لم يساعد القدر ولم يف العمر بإستيفاء تلك المشترط إرتكابها للتحقق بذلك المقام ، أرسل الله المحن على صاحب المقام ورزقه الرضا بها والصبر عليها وحبس النفس فيه عن الشكوى الى غير الله والإستعانة في رفعها بسواه ، فكان ذلك كله عوضا عن تلك الأعمال المشترط فيها ذكرنا وقائمة مقامها ، فحصل للمقام المقدر حصوله عليها .

6 / 19 - فإن الصبر والرضاء والإخلاص لله دون الإلتجاء الى غيره وطلب المعونة من سواه - كلها أعمال باطنة يسرى حكمها في الأحوال الظاهرة - كالنية ونحوها - فاعلم ذلك وتدبر ما ذكرت لك تعرف كثيرا من اسرار محن أيوب عليه السلام وما إبتلى به وثمراته .

7 / 19  - إما موجب القسم الثالث فهو سعة مرآة حقائق الأكابر المضاهية للحضرة الإلهية المترجم عنها بقوله تعالى : " وإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُه " [ الحجر / 21 ] فمن كانت مرآة حقيقته أوسع ، كان قبوله مما في الحضرة وحظه منها أوفر ، فكما ان حظهم مما يعطى السعادة ويثمر مزيد القرب من الحق سبحانه والإحتظاء بعطاياه الإختصاصية أوفر ، فكذلك قبول ما لا يلائم الطبع والمزاج العنصري الذي به تمت الجمعية وصحت المضاهاة المذكورة يكون أكثر .
فافهم هذا ، قد أوضحت لك اسرار المحن والبلايا المختصة بالأكابر محصورة الأقسام .

8 / 19 - وإما الخصيصة بعموم المؤمنين : فهي وان كانت من بعض فروع القسم الأول ، لكن أخبرت الشريعة بأحكامها وثمراتها ، فلا حاجة الى بسط القول في ذلك ، لا سيما بعد إستيفاء بيان ما خفى من اسرار الحال الأيوبى عليه السلام لمن تذكر ما ذكرنا.
  
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment