Sunday, January 26, 2020

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر
الفصّ الأيوبي
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّهمِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [ الأنبياء : 30 ] وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ . ولا يسبّح إلّا حيّ .
فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على الماء)
فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كانت أحواله عليه السلام غالبا في زمان الابتلاء وقبله وبعده غيبية وصفت حكمته بالغيبية وأسندت إلى كلمته.
والمراد بكون أحواله غيبية إنما ظهر من الغيب بلا سبب معهود وموجب مشهود ، فلا يرد أن أحوال جميع الأنبياء بل أهل العالم كلهم ظهرت من الغيب ، فلا اختصاص حينئذ ، لأن أكثر أحوالهم منوطة بشروط معهودة ومربوطة بأسباب مشهودة ، وتفصيل أحواله التي ظهرت من الغيب بلا سبب ظاهر مذكور في شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي رحمه اللّه فمن أراده فليطالع ثمة .

( اعلم أن سر الحياة ) ، يعني السر الذي هو الحياة . وإنما جعلها سرا لأنها أمر مغيب مستور في الحي لا تعلم إلا في آثارها كالحس والحركة والعلم والإرادة وغيرها ( سرى في الماء ) بسريان الهوية الغيبية فيه منصبغة بصفة الحياة .
وكان المراد بهذا الماء النفس الرحماني الذي هو هيولى للعالم مطلقا ، لأن الشيء المذكور في نتيجة المقدمات الآتية أعني قوله :
فكل شيء الماء أصله يعم عالم الأجسام وغيره ، لا الماء المتعارف .
ولهذا فرع عليه قوله ( فهو ) ، أي الماء ( أصل العناصر ) التي واحد منها الماء المتعارف ، فيلزم من ذلك أن يكون أصلا للمولدات أيضا ، لأن أصل الأصل أصل .
ومنها السماوات السبع ، لأنها عنصرية على مذهب الشيخ رضي اللّه عنه ) والأركان الأربعة ) ، أي سائر أركان العالم من العرش والكرسي ( ولذلك ( ، أي السريان سر الحياة في الماء ( جعل اللّه من الماء كل شيء حي وما ثم ) في الوجود ( شيء إلا وهو حي فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد اللّه ولكن لا يفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ، ولا يسبح إلا حي . فكل شيء حي فكل شيء الماء أصله ) ، والماء الذي هو أصل كل شيء ليس

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه.
وهو قوله عليه السّلام : « لو دلّيتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] ، وَهُوَ )

إلا النفس الرحماني ، وإنما أطلق اسم الماء عليه للطف سريانه في الأشياء ، أو لأنه شبيه بالنفس الإنساني الذي هو أجزاء صغار مائية ممزوجة بأجزائية هوائية فيصح إطلاق الماء عليه ، فكذا على ما هو شبيه به ولكن على سبيل التجوز ( ألا ترى العرش ) وهو أول الأجسام ( كيف كان على الماء لأنه ) ، أي العرش ( منه ) ، أي الماء ( تكوّن فطفا ) ، أي علا وارتفع العرش ( عليه ) ، أي على الماء ، وذلك لأن العرش صورة ، والماء هيولاها وظاهر أن الصورة تعلو على الهيولى وتخفيها فيما تحتها ( فهو ) ، أي الماء ( يحفظه ) ، أي العرش ( من تحته ) ضرورة حفظ الهيولى للصورة ( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه فهو ) سبحانه ( مع هذا يحفظه من تحته ) تحتية علو متوهمة له سبحانه ( بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) عند نفسه لا في نفس الأمر ، وللعبد بوجه آخر علو على الحق سبحانه . وذلك أن للعبد صورة تعين للوجود الحق ، والتعين لا بد أن يعلو على المتعين به ويستره تحته فهو مستور بالتعين العبداني ، ولولا وجود الحق المتعين به إذ لا تحقق للتعين بدون المتعين ، فالحق يحفظ العبد من تحته .
( و ) ما يدل على كون الحق تحت العبد ( هو قوله عليه السلام : "لو دليتم بحبل لهبط على اللّه"  فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوقية )
"" الحديث : « عن أبي هريرة قال بينما نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تدرون ما هذا ؟ فقالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقه اللّه تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ؟ ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : بين سنة ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟
قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السلفي لهبط على اللّه ثم قرأ :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.". رواه الترمذي والبيهقي وابن ابي عاصم في السنة والأصبهاني في العظمة و الهيتمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد والسيوطي في الجامع الكبير"".
، أي كنسبة الفوقية

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [ الأنعام : 18 ] فله الفوق والتّحت .
ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن .
ولا مطعم إلّا اللّه ، وقد قال في حقّ طائفة : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ثمّ نكّر وعمّم فقال :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فدخل في قوله :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ كلّ حكم منزل على لسان رسول أو ملهم ،"لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ " وهو المطعم من الفوقيّة الّتي نسبت إليه ،"وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" [ المائدة : 66 ] وهو المطعم من التّحتيّة الّتي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى اللّه عليه وسلم .)

(إليه ) فما زائدة كما في قوله فبما رحمة نسبت الفوقية إليه ( في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] وقوله ) تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِفله الفوق والتحت ) وسائر الجهات ( ولهذا ) ، أي لإحاطته بجميع الجهات ( ما ظهرت الجهات الست إلا بالنسبة إلى الإنسان ) ، لا به تعالى لأنه إذا أحاط بجميع الجهات لم يكن فوق لا يكون هو فيه وإلا لم يكن محيط بها ، وكذا لو لم يكن تحت لا يكون هو فيه ، وكذا سائر الجهات ، فلم تظهر الجهات بالنسبة إليه ، بخلاف الإنسان فإن له فوقا ليس هو فيه وكذلك له تحت ليس هو فيه ، وعلى هذا القياس سائر الجهات ، فلعدم إحاطته بالجهات بخلاف الحق سبحانه لإحاطته بها كما عرفت ( وهو ) ، أي الإنسان ( على صورة الرحمن ) فلو كان للحق جهة تكون باعتبار صورته لا باعتبار حقيقته ولو كان الإنسان محيطا بالجهات يكون باعتبار من هو على صورته لا باعتبار نفسه .
( ولا مطعم ) بالغذاء الروحاني والجسماني ( إلا اللّه وقد قال في حق طائفة ) : وهم قوم موسى وعيسى عليهما السلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [ المائدة : 66 ] بالانقياد لأحكامهم ( ثم نكر وعمم فقال :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فدخل في قوله :وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ كل حكم منزل منه على لسان رسول أو ملهم ) ، أي معلم بالإلهام الرباني لأرباب القلوب
(لَأَكَلُوا) الأرزاق الروحانية من العلوم والمعارف الوهبية ( من فوقهم وهو المطعم من الجهة الفوقية التي نسبت إليه و ) من الأحوال والمواجيد الكسبية الحاصلة لهم بسلوك الطريقة بالأرجل ( من تحت أرجلهم وهو المطعم من الجهة التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه صلى اللّه عليه وسلم ) ،
وإنما قال رضي اللّه عنه في الجهة الفوقية " نسبت" على صيغة المجهول وفي الجهة التحتية " نسبها "  بإسناد نسبتها إليه سبحانه نظرا إلى حال المحجوبين فإنهم لا يتوحشون من نسبة الفوقية إليه تعالى كما يتوحشون من نسبة التحتية ، كيف وقد ذهب بعضهم إلى إثبات الجهة الفوقية له تعالى وأسند إليه سبحانه نسبة التحتية مع أنها وقعت على لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم دفعا لتوحشهم .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده ، فإنّه بالحياة ينحفظ وجود الحي.  ألا ترى أنّ الحيّ إذا مات الموت العرفيّ تنحلّ أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النّظم الخاصّ ؟
قال تعالى لأيّوب :ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ [ ص : 42]  يعني ماء بارد - وشراب لما كان عليه من إفراط حرارة الألم فسكّنه اللّه ببرد الماء .
ولهذا كان الطّبّ النّقص من الزّائد ، والزّيادة في النّاقص . والمقصود طلب الاعتدال ، ولا سبيل إليه إلّا أنّه يقاربه .
وإنّما قلنا ولا سبيل إليه أعني الاعتدال من أجل أنّ الحقائق والشّهود تعطي التّكوين مع الأنفاس على الدّوام ، ولا يكون التّكوين إلّا عن ميل يسمّى في الطبيعة)

 ( ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده فإنه بالحياة ينحفظ وجود الحي ألا ترى الحي إذا مات الموت العرفي تنحل أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النظم الخاص )
ولما ظهر من أنه بالحياة ينحفظ وجود الحي ولا مادة للحياة إلا الماء
( قال تعالى : لأيوب ) حين أشرف على زوال الحياة لشدة الحرارة المفنية برودة الماء ورطوبتها (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ  [ ص : 42 ] يعني ماء باردا لما كان عليه من إفراط حرارة الألم فسكنه ) ، أي أيوب أو إفراط الحرارة ( اللّه ببرد الماء ) نقص عن حرارته الزائدة على ما ينبغي وزاد على برودته الناقصة عما ينبغي ( ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص والمقصود من ذلك ) النقص والزيادة ( طلب الاعتدال ) ، أي تساوي الناقص والزائد.
( ولا سبيل إليه ) ، أعني إلى الاعتدال مطلقا سواء كان في الكيفيات المتضادة كما في المزاج ، أو في غيرها كما في الصور التي ذكرها الشيخ رضي اللّه عنه ( إلا أنه ) ، أي المقصود من النقص والزيادة ( يقاربه ) ، أي الاعتدال .
( وإنما قلنا ولا سبيل إليه ) ، أعني الاعتدال ( من أجل أن الحقائق والشهود ) ، أي معرفة الحقائق وشهودها على ما هي عليه ( تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام ) ، يعني يعطي العلم نار الأشياء تتكون في كل آن على الدوام ( ولا يكون التكوين ) مع الأنفاس إلا بعد انعدام المكون ( إلا عن ميل ) من الكون تارة إلى العدم وتارة إلى الوجود فلو اعتدل الميلان وتساويا يلزم إما خلوه من الوجود والعدم ، أو اتصافه بهما معا وكلاهما محال ، فلا سبيل إلى الاعتدال ( يسمى ) هذا الميل ( في الطبيعة ) ، أي في علم الطبيعة أو في الطبائع المتضادة المستقرة على حالة وحدانية معتدلة

قال الشيخ رضي الله عنه :  (انحرافا أو تعفينا ، وفي حقّ الحقّ إرادة وهي ميل إلى المراد الخاصّ دون غيره .
والاعتدال يؤذن بالسّواء في الجميع وهذا ليس بواقع فلهذا منعنا من حكم الاعتدال .
وقد ورد في العلم الإلهيّ النّبويّ اتّصاف الحقّ بالرّضا والغضب ، وبالصّفات .
والرّضا مزيل للغضب ، والغضب مزيل للرّضا عن المرضيّ عنه والاعتدال أن يتساوى الرّضا والغضب ؛ فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض .
فقد اتّصف بأحد الحكمين في حقّه وهو ميل . وما رضي الحقّ عمّن رضي عنه وهو غاضب عليه ؛ فقد اتّصف بأحد الحكمين في حقّه وهو ميل .
وإنّما قلنا هذا من أجل من يرى أنّ أهل النّار لا يزال غضب اللّه عليهم دائما أبدا في زعمه فما لهم حكم الرّضا من اللّه فصحّ المقصود .
فإن كان كما قلنا مآل أهل النّار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النّار ، فذلك رضا .)

 ( انحرافا أو تعفينا ) ، إذا كان مبدأ فساد مزاج ( و ) يسمى هذا الميل ( في حق الحق إرادة وهي ) ، أي الإرادة ( ميل إلى ) وجود ( المراد الخاص ) أو عدمه ( دون غيره ) ، فإن استوت نسبته تعالى إلى وجوده وعدمه بخلوه عن إرادتهما أو لاتصافه بإرادتهما من غير ترجيح لزم إما خلو هذا المراد الخاص عن الوجود والعدم واتصافه بهما وذلك محال ،
( والاعتدال يؤذن بالسواء ) ، بين الأمور المتضادة ( في الجميع ) ، أي في جميع هذه الصور ( وهذا ) ، أي الاعتدال ( ليس بواقع ) في صورة منها لامتناعه كما بين ( فلهذا منعنا من حكم الاعتدال وقد ورد في العلم الإلهي ) الفائض من الحضرة الألوهية ( النبوي ) الجاري على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم ( اتصاف الحق بالرضا وبالغضب وبالصفات ) المتقابلة ( والرضا مزيل للغضب ) عن المغضوب عليه ( والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب ) ، ولا سبيل إليه ( فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض . فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه ) ، يعني الغضب ( وهو ميل . وما رضي الحق عمن رضي عنه وهو غاضب عليه فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه ) ، يعني الرضا ( وهو ميل . وإنما قلنا هذا ).
الكلام على وجه لا يدل على زوال غضب الحق عن العبد مطلقا بل قيدناه بشرط المرضي ووجود الشرط مسكوت عنه ( من أجل من يرى أهل النار لا يزال غضب اللّه عليهم دائما أبدا في زعمه فما لهم حكم الرضا من اللّه ) ، فما كان الأمر كما زعمه ( فصح المقصود ) يعني وجود الميل وعدم الاعتدال ( فإن كان كما قلنا ) مرارا وقررناه ( مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار ) وبقيت عليهم الصورة النارية (فذلك رضا ) اللّه عنهم لأنه زال تألمهم بها

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فزال الغضب لزوال الآلام، إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت.
فمن غضب فقد تأذّى ، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلّا ليجد الغاضب الرّاحة بذلك ، فينتقل الألم الّذي كان عنده إلى المغضوب عليه .
والحقّ إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصّفة على هذا الحدّ . وإذا كان الحقّ هويّة العالم ، فما ظهرت الأحكام كلّها إلّا منه وفيه .
وهو قوله تعالى :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ حقيقة وكشفافَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[ هود : 123 ] حجابا وسترا . فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنّه على صورة الرّحمن .
أوجده اللّه أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما ظهر الإنسان بوجود )

 ( فزال الغضب لزوال الآلام إذ عين الألم عين الغضب ) ، أي عين ألم العبد عين غضب الحق إذ ليس عنده تعالى في مرتبة الجمعية شيء من الآلام حتى يكون زوال الغضب بزواله كما يكون عند العبد من التأذي من المغضوب عليه ، فلا يحكم بزوال غضب الرب إلا بزوال ألم العبد ، فعين الألم عين الغضب ( إن فهمت ) المقصود من هذه العينية .
ثم شرع في بيان ما يضاف إلى الحق من الغضب باعتبار مقامي جمعه وتفصيله فقال ( فمن غضب ) من الخلائق ( فقد تأذى ) من المغضوب عليه .
( فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه . والحق إذا أفردته عن العالم ) ، باعتبار غناه الذاتي عن العالمين ( تعالى ) علوا كبيرا عن هذه الصفة يعني الغضب ( على هذا الحد ) الذي تعارفه الخلق من أنفسهم فقوله : على هذا الحد لا بد منه وهو موجود في متن النسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي اللّه عنه مع الأصل ،
فيسقط ما قاله بعض الشارحين من أن الكلام بدونه تمام ، والظاهر أنه كان من الحاشية فوقع في المتن ( وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ) ، باعتبار أنه محل لظهورها ( ومنه ) باعتبار أنه مبدأ لها فلا عليك إذا أسندتها إليه تعالى ( و ) ما يدل على ما ذكرناه من عدم ظهور الأحكام إلا فيه ومنه ( هو قوله : وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ) ، أي أمر الوجود ذاتا وصفة وفعلا ( كله حقيقة وكشفا ) ولا تمتنع من عبودته بانكشاف هذه الحقيقة عليك ( فاعبده وتوكل عليه حجابا وسترا ) ،
أي من حيث أن حجاب العبودية بينك وبينه مسدول ، وهو به عنك مستور . وإذا كان هويته تعالى هوية العالم وترجع جميع أمور العالم إليه ( فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه ) تفصيل ما تجمعه الحقيقة الإنسانية وهي مخلوقة ( على صورة الرحمن أوجده اللّه تعالى ، أي أظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الصّورة الطّبيعيّة .
فنحن صورته الظّاهرة وهويّته تعالى روح هذه الصّورة المدبّرة لها . فما كان التّدبير إلّا فيه كما لم يكن إلّا منه . فهو "الْأَوَّلُ" بالمعنى "وَالْآخِرُ" بالصّورة وهو "وَالظَّاهِرُ" بتغيّر الأحكام والأحوال "وَالْباطِنُ " بالتّدبير ،"وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "[ الحديد : 3 ]  فهو على كلّ شيء شهيد ، ليعلم عن شهود لا عن فكر .
فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصّحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا .
ثمّ كان لأيّوب عليه السّلام ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الّذي هو من النّصب والعذاب الّذي مسّه به الشّيطان ، أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه .
فيكون بإدراكها في محلّ القرب . فكلّ مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا)

ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية ) العنصرية .
( فنحن ) يعني أعيان العالم كلها ( صورته الظاهرة وهويته تعالى روح هذه الصورة المدبر لها فما كان التدبير إلا فيه ) ، أي في الحق باعتبار ظهوره بصورة العالم ( كما لم يكن ) ، أي التدبير ( إلا منه ) باعتبار هويته ( فهو الأول بالمعنى ) ، المنطوي تحت الصورة يعني غيب هويته ( وهو الآخر بالصورة ) التي هي تجلي صورة (وهو الظاهر بتغيير الأحكام والأحوال) ، أي بهذه الصورة المتغيرة الأحكام والأحوال ( وهو الباطن بالتدبير ) والتصرف في هذه الصورة الظاهرة (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [ البقرة: 29]  من حيث أوليته وبطونه
( فهو على كل شيء شهيد ) من حيث آخريته وظهوره في الخلق شاهدا ومشهودا ( ليعلم ) على البناء للفاعل ، أي ليعلم بك ( عن شهود لا عن فكر ) كما كنت قبل الشهود أو على البناء للمفعول ومعناه ظاهر ( فكذلك علم الأذواق ) يكون عن ذوق وشهود لا عن فكر ( وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا ) لإمكان تطرق الشبه من قوتي الوهم والخيال إليه .

( ثم كان لأيوب عليه السلام ذلك الماء ) المدلول عليه بقوله تعالى : هذا مغتسل بارد ( شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه ) وفسر الشيطان بالبعد على لسان الإشارة لأنه من شطن إذا بعد على رأي ( فيكون ) عطف على يدركها أي يدركها فيكون ( بإدراكها في محل القرب ) منها لأن كل مدرك قريب من المدرك ( فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا


قال الشيخ رضي الله عنه :  (بالمسافة ، فإنّ البصر يتّصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده أو يتّصل المشهود بالبصر . كيف كان . فهو قرب بين البصر والمبصر .
ولهذا كنّى أيّوب عليه السّلام في المسّ ، فأضافه إلى الشّيطان مع قرب المسّ فقال البعيد منّي قريب لحكمة فيّ .
وقد علمت أنّ القرب والبعد أمران إضافيان ، فهما نسبتان لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامها في القريب والبعيد .
واعلم أنّ سرّ اللّه في أيّوب الّذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاليّا تقرؤه هذه الأمّة )

بالمسافة فإن البصر ) ، أي نوره وشعاعه ( متصل به من حيث شهوده ) على رأي الذاهبين إلى خروج الشعاع ( ولولا ذلك ) الاتصال ( لم يشهده أو يتصل المشهود بالبصر ) ، على مذهب القائلين بالانطباع ( كيف كان ) الشهود بالشعاع أو بالانطباع ( فهو قرب بين البصر والمبصر ) فقد علم أن الشيطان هو البعد عن هذا القرب ، ولا شك من ابتلي بهذا البعد فهو قريب منه ( ولهذا كني أيوب ) ، أي أتى بالكناية ( في المس ) بأن جعله كناية عن القرب فإنه من لوازمه ضرورة أنه إذا مس شيء شيئا فقد قرب منه وقيل : معناه ، ولهذا كنى أيوب عن نفسه بضمير المتكلم في إيقاع المس فقال :"مَسَّنِيَ "
( فأضافه ) إضافة إسناد ( إلى الشيطان ) الذي هو البعد ( مع قرب المس ) ، أي مع أن المس هو القرب فأسند القرب إلى البعد ( فقال : البعيد مني قريب بحكمه في ) بان جعلني بعيدا فعلى هذا معنى قوله :
مسني الشيطان قرب مني البعد عن إدراك الحقائق على ما هي عليه ، وقرب هذا البعد مني بسبب ثبوت حكمه أي حكم البعد فيّ وهو كوني بعيدا عن ذلك الإدراك ،
وحاصله أنه عليه السلام كان يشكو من بعده عن إدراك الحقائق عما هي عليه بواسطة حجابية بعينه المانعة له عن إدراكها ،
ولما ذكر أن للبعد وقربه من أيوب حكما وأثرا فيه كان محال أن يقال : القرب والبعد أمران اعتباريان لا وجود لهما في الخارج فكيف يكون لهما حكم وأثر في الموجودات الخارجية دفع ذلك بقوله :
( وقد علمت أن القرب والبعد أمران إضافيان ) يحصلان من إضافة أحد الشيئين إلى آخر ( فهما نسبيان )  بين أطرافهم ( لا وجود لهما في العين مع ثبوت أحكامهما في البعيد والقريب ) فإن البعد وإن كان نسبة بين طرفيه غير موجودة في العين ، فإنه يثبت لكل واحد منهم البعد عن الآخر وكذلك القرب ، ولا شك أن ثبوت شيء لشيء في الخارج لا يستلزم إلا وجود المثبت له فيه لا وجود الثابت .
( واعلم أن سر اللّه ) المودع ( في أيوب ) عليه السلام هو السر ( الذي جعله عبرة لنا وكتابا مسطورا حاكيا أحواله تقرؤه هذه الأمة ) التي لها قابلية تعلم جميع ما حكي عن الأنبياء السالفة وأممهم والعمل بمقتضاه

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( المحمّديّة لتعلم ما فيه فتلحق بصاحبه تشريفا لها .
فأثنى اللّه عليه أعني على أيّوب بالصّبر مع دعائه في رفع الضّرّ عنه . فعلمنا أنّ العبد إذا دعا اللّه في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره .
وأنّه صابر وأنّه نعم العبد كما قال تعالى :" إِنَّهُ أَوَّابٌ " أي رجّاع إلى اللّه لا إلى الأسباب ، والحقّ يفعل عند ذلك بالسبب لأنّ العبد يستند إليه ، إذ الأسباب المزيلة لأمر ما كثيرة والمسبّب واحد العين . فرجوع العبد إلى الواحد العين المزيل بالسّبب ذلك الألم أولى من الرّجوع إلى سبب خاصّ ربّما لا يوافق علم اللّه فيه .
فيقول إنّ اللّه لم يستجب لي وهو ما دعاه ، وإنّما جنح إلى سبب خاصّ لم يقتضه الزّمان ولا الوقت .  فعمل أيّوب بحكمة اللّه تعالى إذ كان نبيّا .
لمّا علم أنّ الصّبر هو حبس النّفس عن الشّكوى عند طائفة وليس ذلك بحدّ)

 (المحمدية لتعلم ) ، أي هذه الأمة ( ما فيه ) ، أي في هذا الكتاب المسطور ( فتلحق بصاحبه ) يعني صاحب الكتاب ( تشريفا لها ) ، أي لهذه الأمة مفعول له لجعل . فمن جملة ما جعل عبرة لنا ما صدر منه من الصبر على الضر ( فأثنى اللّه عليه أعني على أيوب بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه فعلمنا أن العبد إذا دعا اللّه في كشف الضر عنه لا يقدح ) هذا الدعاء ( في صبره ) ، أي في تحققه بالصبر في نفس الأمر ( فإنه صابر ) ، أي وفي الحكم بأنه صابر ( وإنه نعم العبد كما ) حكم بتحققه بكمال العبودية حيث ( قال تعالى :"إِنَّهُ أَوَّابٌ ") ، أي ( رجاع إلى اللّه لا إلى الأسباب والحق يفعل عند ذلك ) ، أي عند الفعل الظاهر من الأسباب ( بالأسباب ) فهي آلاته والفاعل هو الحق تعالى لاقتضاء عمله بالأسباب والمسببات ذلك ( لا أن ) ، أي لا لأن ( العبد يستند إليه ) ، أي إلى هذا السبب الخاص ويصير به محجوبا عن المسبب ( إذ الأسباب المزيلة لأمر ما ) من الآلام ( كثيرة والمسبب واحد العين فرجوع العبد إلى الواحد المعين المزيل بالسبب ذلك الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاص ربما لا يوافق ذلك ) السبب الخاص ( علم اللّه فيه ) ، أي في شأن العبد له مكان تعلق علمه بسبب آخر لإزالة ألمه
( فيقول : إن اللّه لم يستجب لي وهو ما دعاه ) ، أي والحال أن العبد لم يدع المسبب الواحد العين ( وإنما جنح إلى سبب خاص لم يقتضه الزمان ولا الوقت ) ، أي وقت الداعي وحاله ( فعمل أيوب ) في الدعاء لرفع الضر ( بحكمة اللّه إذ كان نبيا ) ، عارفا حكمه ومصالحه في جميع الأفعال والأحوال والمقامات ثم إنه ( لما علم ) على صيغة المبني للمفعول ( أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة ) ، الظاهرية من الصوفية

قال الشيخ رضي الله عنه:  (الصّبر عندنا ، وإنّما حدّه حبس النّفس عن الشّكوى لغير اللّه لا إلى اللّه.
فحجب الطّائفة نظرهم في أنّ الشّاكي يقدح بالشّكوى في الرّضا بالقضاء ، وليس كذلك ، فإنّ الرّضا بالقضاء لا تقدح فيه الشّكوى إلى اللّه ولا إلى غيره ، وإنّما تقدح في الرّضا بالمقضيّ ونحن ما خوطبنا بالرّضا بالمقضيّ . والضّرّ هو المقضيّ ما هو عين القضاء .
وعلم أيّوب عليه السّلام أنّ في حبس النّفس عن الشّكوى في دفع الضرّ إلى اللّه مقاومة القهر الإلهيّ وهو جهل بالشّخص إذ ابتلاه اللّه بما تتألّم منه نفسه ، فلا يدعو اللّه في إزالة ذلك الأمر المؤلم ، بل ينبغي له عند المحقّق أن يتضرّع ويسأل اللّه في إزالة ذلك عنه ، فإنّ ذلك إزالة عن جناب اللّه عند العارف وصاحب الكشف .
فإنّ اللّه تعالى قد وصف نفسه بأنّه يؤذى فقال :إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 57] . وأيّ أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهيّ لا تعلمه لترجع إليه بالشّكوى فيرفعه ، فيصحّ الافتقار الّذي هو حقيقتك ، فيرتفع عن)

( ليس ذلك بحد للصبر عندنا وإنما حده حبس النفس عن الشكوى لغير اللّه لا إلى اللّه) ، لا ينافي الشكوى إلى اللّه فهذه الجملة مقدرة ههنا ليكون خبر إن، وإما جواب لقوله : (فحجب) ، أي فعلم أنه حجب ( الطائفة ) المشار إليها عن معرفتهم حقيقة الصبر وعدم منافاة الشكاية إلى اللّه ( نظرهم في أن الشاكي يقدح بالشكوى في الرضا بالقضاء وليس ) الأمر كذلك قال ( فإن الرضا بالقضاء لا تقدح فيه الشكوى إلى اللّه ولا إلى غيره وإنما يقدح في الرضا بالمقضي ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضي والضر هو المقضي ما هو عين القضاء .
وعلم أيوب أن في حبس النفس عن الشكوى إلى اللّه في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي وهو) أليس من آداب العبودية ومقتضيات المعرفة بأوصاف الربوبية بل ( جهل ) متلبس ( بالشخص إذا ابتلاه بما تتألم منه نفسه فلا يدعو اللّه في إزالة ذلك الأمر المؤلم ) فالمراد الجهل ههنا إما مقابل العلم أو فعل الشيء بخلاف ما ينبغي أن يفعل وعلى قوله تعالى :"أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ"[ البقرة : 67 ] فجعل فعل الهزء جهلا ( بل ينبغي عند المحققين أن يتضرع ويسأل اللّه في إزالة ذلك عنه فإن ذلك إزالة من جناب اللّه عند العارف صاحب الكشف ) ، فإن العبد مع العبودية ممحو الأثر عنده فمرجع اللذة والألم هو الوجود الحق وذلك غير ممنوع في الشرع ( فإن اللّه تعالى قد وصف نفسه بأنه يؤذى ) على البناء للمفعول .
( فقال : إن الذين يؤذون اللّه ورسوله وأي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أو عن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك ) المميزة نسبة العبودية عن الربوبية

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحقّ الأذى بسؤالك إيّاه في رفعه عنك .
إذ أنت صورته الظّاهرة ، كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفنّ معاتبا له ، فقال العارف : « إنّما جوّعني لأبكي » يقول إنّما ابتلاني بالضّرّ لأسأله في رفعه عنّي ، وذلك لا يقدح في كوني صابرا . فعلمنا أنّ الصّبر إنّما هو حبس النّفس عن الشّكوى لغير اللّه .
وأعني بالغير وجها خاصّا من وجوه اللّه . وقد عيّن الحق وجها خاصّا من وجوه اللّه وهو المسمّى وجه الهويّة فتدعوه من ذلك الوجه في رفع الضّرّ عنه لا من الوجوه الأخر المسمّاة أسبابا ، وليست إلّا هو من حيث تفصيل الأمر في نفسه .
فالعارف لا يحجبه سؤاله هويّة الحقّ في رفع الضّرّ عنه عن أن تكون جميع الأسباب عينه من حيثيّة خاصّة . وهذا لا يلزم طريقته إلّا الأدباء من عباد اللّه الأمناء على أسرار اللّه ، فإنّ للّه أمناء لا يعرفهم إلّا اللّه ؛ ويعرف بعضهم بعضا .)

 (فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه رفعه عنك إذ أنت صورته الظاهرة ) والصورة عين ذي الصورة من وجه فأذاها أذاه ، وزوال الأذى زوال الأذى عنه ( كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له فقال العارف : إنما جوعني لأبكي .
يقول : إنما ابتلاني بالضر لأسأله في دفعه عني وذلك لا يقدح في كونه صابرا فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى لغير اللّه ) .
ولما كان الغير معدوم العين عندهم قال : ( وأعني بالغير وجها خاصا من وجوه اللّه ) عينه الشاكي لرفع الضر عنه توهما منه أنه السبب في ذلك ( وقد عين الحق وجها خاصا من وجوه اللّه وهو المسمى وجه الهوية ) للدعاء وإزالة الشكوى كما قال تعالى :" فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [ غافر : 14 ] .
( فيدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر لا من الوجوه الأخر المسماة أسبابا و ) إن كانت هذه الوجوه ( ليست إلا هو ) ، أي الوجه الجامع لجميع الوجوه ( من حيث ) أنها ( تفصيل الأمر ) الجامع للوجوه ( في نفسه ) ، أي في نفس ذلك الأمر الجامع لا في الخارج عنه ولا شك أن للمفصل عين المجمل لا فرق بينهما إلا بالتفصيل والإجمال .

(فالعارف لا يحجبه سؤاله هوية الحق في رفع الضر عنه عن أن تكون جميع الأسباب ) ، أي كل واحد منهما ( عينه من حيثية خاصة ) هي عينية لاسم خاص هو عين الهوية المطلقة ( وهذا ) المعنى لا يعرف و ( لا يلزم طريقته إلا الأدباء من عباد اللّه ) المتأدبون بآداب العبودية و ( الأمناء على أسرار اللّه ) الذين لا يظهرون على غير أهله ( فإن للّه أمناء لا يعرفهم إلا اللّه وهم يعرف بعضهم ) من حيث فناؤه في اللّه ( بعضا ) فتكون معرفته معرفة اللّه ، فلا ينافي حصر المعرفة في اللّه أولا

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقد نصحناك فاعمل وإياه سبحانه فاسأل .)

 ( وقد نصحناك ) بلب الحقائق ( فاعمل ) عمل أولي الألباب ( وإياه سبحانه ) من حيث وجه هويته العينية الأحدية ( فاسأل ) لا وجوهه المسماة بالعلل والأسباب وهو الموفق .


التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment