Friday, January 31, 2020

السفر العشرون فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العشرون فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العشرون فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

ثم إنه تعالى بشّره ، أي زكريا عليه السلام بما قدمه تعالى على خلق يحيى عليه السلام وإظهاره من سلامه تعالى عليه ، أي على يحيى عليه السلام "يَوْمَ وُلِدَ"، أي ظهر في الدنيا "وَيَوْمَ يَمُوتُ"، أي يخرج منها إلى البرزخ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا[ مريم : 15 ] ، أي يخرج من البرزخ إلى القيامة ، وعالم الآخرة حيث قال سبحانه :"وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا"[ مريم : 15 ] وسلم هو تعالى على يحيى عليه السلام اعتناء بشأنه فجاء تعالى في ذكر البعث بصفة الحياة له وهي اسمه يحيى عليه السلام وهو الذي يذبح الموت في صورة كبش بين الجنة والنار ، أي يعرضه على أهل الجنة وأهل النار
فيعرفونه كما ورد في الخبر « ونصه : عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجاء بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشربون وينظرون ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ثم يذبح ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود لا موت ". رواه الطبراني في الكبير ورواه النسائي في السنن الكبرى ورواه غيرهما .

" وذلك من خصوصيته عليه السلام بكمال التحقق بصفة الحياة الحقيقة ، حتى يغلب على حقيقة الموت في صورة الكبش فيميته ، وإذا مات الموت فإنه يحيا ويدخل الجنة ، لأن أصله منها ، ولهذا جاء به جبريل عليه السلام إلى إبراهيم عليه السلام فداء لابنه فذبحه في الدنيا ، وهي عالم الخيال المطلق ،
وكان ذبحه في صورة ابنه في عالم خياله المقيد أيضا وهو منامه ، فلم يبرح من البرزخ حتى تقوم الساعة فيذبحه يحيى عليه السلام في ذلك العالم الحقيقي وهو ثالث مرة فيموت ويعود كما

كان في الجنة كبشا أملح ، ولهذا ورد أنه لا يدخل الجنة من الحيوان إلا خمسة :
كبش إسماعيل وناقة صالح ونملة سليمان وحمار العزير وهدهد بلقيس وزاد بعضهم براق النبي صلى اللّه عليه وسلم .
وأعلم أي زكريا عليه السلام أعلمه اللّه تعالى بسلامه سبحانه عليه ، أي على يحيى عليه السلام وكلامه ، أي اللّه تعالى صدقه كما قال :وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا[ النساء : 122 ] فهو ، أي كلام اللّه تعالى مقطوع به فتمت البشارة .
وإن كان قول الروح ، أي عيسى عليه السلام عن نفسه حين تحقق بالروح الحقيقي الروحاني وانسلخ من المقام البشري النفساني والسلام علي ، أي الأمان مني من حيث الهوية القيومية على ذاتي من حيث الصورة اللاهوتية والناسوتية يَوْمَ وُلِدْتُ من أمي بغير أبوَيَوْمَ أَمُوتُبعد هبوطي من السماء وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا[ مريم : 33 ] في يوم القيامة أكمل من السلام على يحيى في تحقيق المقام الاتحاد الروحاني .

قال رضي الله عنه :  (فهذا) السلام اليحيوي (أكمل) منه (في) جمعه بين (الاتحاد) الباطني  (والاعتقاد) الظاهري ، ولا يسلم اللّه تعالى إلا على المتحقق به سبحانه ، لأنه أمان له من الفناء ، وكل ما سواه تعالى يفنى ويزول فهذه دلالته على الاتحاد ، والاعتقاد فيه صريح التمييز بين المسلّم والمسلّم عليه (وأرفع) ، أي أكثر رفعا ، أي إزالة (للتأويلات) حيث لا التباس فيه بخلاف السلام العيسوي (فإن) الأمر (الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى) عليه السلام (إنما هو النطق) في المهد قبل أوان التكلم (فمن تمكن عقله) ،

أي عيسى عليه السلام وتكمل ، أي صار كاملا (في ذلك الزمان الذي أنطقه اللّه فيه) ، وهو صغير في المهد ابن ساعة (ولا يلزم للمتمكن) في نفسه (من النطق) ، أي التكلم بالكلام (على) أي حالة كان سواء كان ممن عادته ينطق أو كان لم يبلغ حد النطق وكان نطقه خرقا للعادة كعيسى عليه السلام (الصدق فيما به ينطق) من الكلام وإن كان قول عيسى عليه السلام وهو في المهد من الإتيان بالسلام منه عليه صدقا فلا شبهة فيه أصلا ، ولكن الخارق للعادة فيه إنما هو نفس النطق لا المنطوق به ، فأي شيء كان المنطوق به كان خارقا للعادة ، فليس معنى ذلك بمقصود في حصول الخارق (بخلاف المشهود له) بالسلام (كيحيى) عليه السلام .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  ( ثم إنه تعالى بشره ) أي بشر زكريا عليه السلام ( بما قدمه من سلامه عليه ) أي على يحيى عليه السلام : (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا[ مريم : 15 ] ، فجاء بصفة الحياة وهي اسمه ) أي اسم يحيى عليه السلام وفيه دلالة على أن الاسم قد يطلق على الصفة.

قال رضي الله عنه :  ( واعلم ) اللّه ( زكريا بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا أكمل في الاتحاد ) .
 أي هذا القول أكمل في الدلالة على اتحاد عيسى عليه السلام مع الحق فإذا كان قول الحق صدقا مقطوعا به ( فهذا ) أي قول الحق يحيى عليه السلام ( أكمل في الاتحاد ) أي أكمل في الدلالة على اتحاد الحق مع يحيى عليه السلام ( و ) أكمل في ( الاعتقاد ) في عدم الاحتمال على خلافه إذ شهادة الحق على سلامه العبد أقوى من شهادة العبد على سلامة نفسه .

قال رضي الله عنه :  ( وأرفع للتأويلات ) بخلاف قول عيسى عليه السلام فإنه يؤول بأن عيسى عليه السلام لسان الحق وبه نطق وشهد على سلامة نفسه فشهادته على نفسه شهادة الحق عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به لأنه كلام الحق .

إذ هو شاهد على براءة أمه وبهذا التأويل يصل إلى درجة الأكملية في الاعتقاد فاحتاج قول الروح في رفع الالتباس إلى التأويل والمقصود ما نص سلامة عيسى عليه السلام مثل تنصيص سلامه يحيى وسلامة عيسى عليه السلام بالنسبة إلى سلامة يحيى عليه السلام كخلافة آدم بالنسبة إلى خلافة داود في التنصيص .
كما مر بيانه في موضعه فقوله وإن كان قول الروح الظاهر أنه يتصل إلى ما قبله من قوله فهو مقطوع أي قول الحق في سلامة يحيى مقطوع به وإن كان قول الروح في سلامة نفسه أكمل في الاتحاد لكن لا يصل إلى درجته في القطع .
فإن قول الحق زائد بزيادتين على قول الروح وهما قوله وأكمل في الاعتقاد وارفع للتأويلات وقال بعضهم إن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا تقديره فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وارفع للتأويلات وإن كان قول الروح أكمل في الاتحاد وهو عدول عن الظاهر بلا ضرورة ونكتة وإنما كان قول الحق في سلامة يحيى أكمل في الاعتقاد من قول الروح في سلامة نفسه.

قال رضي الله عنه :   ( فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى عليه السلام إنما هو النطق ) وهو تكلمه في المهد ( فقد تمكن ) من التمكين ( عقله وتكمل ) من التكميل ( في ذلك الوقت الذي أنطقه اللّه فيه ولا يلزم للمتمكن من النطق ) أي القادر إلى النطق ( على أيّ حالة كان ) المتمكن أي سواء أتى للمعجزة والشهادة على الحق أولا ( الصدق ) فاعل يلزم ( فيما به نطق ) أي في الكلام الذي تكلم به ( خلاف المشهود له كيحيى ) عليه السلام حيث شاهد الحق له بسلام عليه فإذا كان الأمر كذلك.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات. فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه. ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قلت : قال رضي الله عنه إنما سمي يحيى لما فيه من أحياء ذكر أبيه زکریا، فكانت لفظة واحدة تنبئ بالإحياء وبالتسمية
وذكررضي الله عنه المفاضلة بين يحيى وبين عيسى عليه السلام بما يتضح من نفس كلامه.
وباقي النص معناه واضح

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه  : ( ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه ، " يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا " فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلمه بسلامه عليه ، وكلامه صدق ، فهو مقطوع به ، وإن كان قول الروح " وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد ، وأرفع للتأويلات ) .

يشير رضي الله عنه  : إلى أنّ سلام عيسى على نفسه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا أكمل في الاتّحاد من جهته ، فإنّ الله هو المسلَّم على نفسه من حيث تعيّنه في مادّة عيسوية ، ويدلّ على كمال تمكَّن عيسى من شهود هذه الأحدية ،
ولكن سلام الله على يحيى من حيث إنّ الله هو عين هويّته وربّه ، عليه لا في مادّة يحيى ، بل من حيث هو ربّه أتمّ في الاعتقاد بالنسبة إلى شهود أهل الحجاب .

وأمّا بالنسبة إلى شهود أهل الذوق فالاتّحاد من قبل الحق - من كونه تعالى مسلَّما على نفسه في مادّة يحيوية من كونه ربّه ووكيلا له في التسليم عليه ، إمّا من قبله أو من قبل الحق - أتمّ وأعمّ ، ولكن للالتباس الذي عند الجاهل المحجوب .
قال رضي الله عنه  : ( فإنّ الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنّما هو النطق ، فقد تمكَّن عقله وتكمّل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ، ولا يلزم للمتمكَّن من النطق - على أيّ حالة كان - الصدق فيما كان به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى)

فلمّا دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى "يعني عند المحجوب الجاهل "بإشارة أمّه إليه ، وهو في المهد .
يعني  رضي الله عنه  : مجرّد نطق عيسى - بإشارة أمّه إليه عند سؤال الأحبار عن مريم بأنّى لك هذا و  "ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا " كاف في صحّة مدّعا مريم وبراءتها عمّا توهّمت اليهود ممّا برّأها الله ممّا قالوا ، ولكن لمّا يطرق فيما نطق مثل ما مثّل في نطق الحائط عند الجاهل كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
قال رضي الله عنه :  ( ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. ثم إنه تعالى بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، فجاء بصفة الحياة وهي اسمه ، وأعلمه بسلامه عليه وكلامه صدقه فهو مقطوع به وإن كان قول الروح -   "والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات ).

 يعنى أن الله بشر بما قدمه على اقترانه من سلامه عليه ، ووصفه بالحياة التي هي صورته الذاتية واسمه الذي يميزه به عن غيره ، وأعلمه بنفسه بالسلام عليه فكان وصفه إياه بذلك أكمل من حيث أن كلامه صدق مقطوع به عن الكل من أهل الحجاب والكشف ،

وإن كان قول عيسى عليه السلام :  ( والسَّلامُ عَلَيَّ )   - أكمل من حيث الاتحاد ، فإن الله هو المسلم على نفسه من حيث تعينه في المادة العيسوية ، ويدل على كمال تمكن عيسى من شهود هذه الأحدية ، وأما سلام الله على يحيى من حيث أن الله هوية لا في مادة يحيى من حيث هويته المطلقة ، فهو أتم وأكمل في الاعتقاد بالنسبة إلى شهود أهل الحجاب ،
وأما بالنسبة إلى شهود أهل الذوق فالاتحاد من قبل الحق من كونه تعالى مسلما على نفسه في مادة يحيوية من حيث كون ربه وكيلا له في التسليم عليه أتم وأعم ، ولكن لا يدل على تمكن يحيى من شهود هذه الأحدية إلا أنه أرفع للالتباس الذي عند الجاهل المحجوب

"" أضاف بالي زادة :   
( أكمل في الاتحاد ) أي هذا القول أكمل في الدلالة على اتحاد عيسى مع الحق ، فإذا كان قول الحق صدقا مقطوعا به فهذا : أي قول الحق في حق يحيى أكمل في الاتحاد ، أي في الدلالة على اتحاد الحق مع يحيى وأكمل في الاعتقاد في عدم الاحتمال على خلافه ، إذ شهادة الحق على سلامه على العبد أقوى من شهادة العبد على سلامه على نفسه وأرفع التأويلات بخلاف قول عيسى ،
فإنه يؤول بأن لسانه لسان الحق وبه نطق وشهد على سلامه على نفسه فشهادته على نفسه شهادة الحق عليه وكلامه صدق ، فاحتاج قول الروح في رفع الالتباس إلى التأويل ، والمقصود أن نص سلامه على عيسى مثل تنصيص سلامه على يحيى ، كخلافة آدم بالنسبة إلى خلافة داود في التنصيص كما مر بيانه اهـ بالى زاده. "".

قال رضي الله عنه :  ( فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق ، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ، ولا يلزم التمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به نطق بخلاف المشهود له كيحيى). أي عند المحجوب الجاهل
"" أضاف عبد الرحمن جامي :   
فحاصل المعنى ثم أنه تعالى بشر يحيى بما قدمه بشيء قدمه ذلك الشيء وفضله على سائر الأنبياء ، وذلك الشيء سلام عليه في المواطن الثلاثة تفصيلا ، فإنه لم يقع إلى نبي من الأنبياء ومن قوله من سلامه بيانية – "يَوْمَ وُلِدَ "   - من رحم أمه أو أم الطبيعة – "ويَوْمَ يَمُوتُ "   - بالموت الطبيعي أو الإرادى –" ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا "   - يوم القيامة أو بالبقاء بعد الفناء ،
وإذا كان في هذه المرتبة به ذكر زكريا فجاء بصفة الحياة فيها ، وهي ما أخذ منها اسمه الدال على حياة ذكر زكريا وأعلمه بسلامه وكلامه صدق فهو مقطوع به اهـ جامى . ""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  (ثم ، إنه تعالى بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا . فجاء بصفة "الحياة " ، وهي اسمه . وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق ، فهو مقطوع به . )
( اعلم ) من ( الإعلام ) . أي ، بشر الحق زكريا بأن ابنه موصوف ب‍ ( السلامة ) في أوليته وآخريته . أو يحيى عليه السلام ، بما قدمه من السلام عليه .
" يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) سورة مريم"
أي ، بما جعل في عينه الفائضة بالفيض الأقدس من الاستعداد والقابلية ليتجلى له الحق سبحانه باسم ( السلام ) ليسلم من الاحتجاب بالأنانية وظهور النفس بما يوجب البعد من الله يوم ولد ،
أي في أوليته ، ويوم يموت ، أي في آخريته ، ويوم يبعث حيا ، أي يوم تحققه بالوجود الحقاني الباقي بعد الوجود الفاني .
( فجاء ) أي ، الحق سبحانه . ( بصفة الحياة ) في قوله : ( يوم يبعث حيا ) .
وإنما قال : ( وهي اسمه ) أي ، اسم الحق ، أو اسم يحيى ، لأن الاسم والصفة باعتبار كونهما نسبا مترادفين ، وإن كان باعتبار آخر بينهما عموم وخصوص .
والإعلام ب‍ ( السلام ) يوم القيامة موجب لكماله ورفع درجاته في الآخرة ، لأن كلامه صدق مقطوع به .

قال رضي الله عنه :  ( وإن كان قول الروح . ) أي ، قول عيسى ، عليه السلام . ("والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " . أكمل في الاتحاد ، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد ، وأرفع للتأويلات) . اعلم ، أن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا.
تقديره : فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات ، وإن كان قول الروح أكمل في الاتحاد .
وإنما كان هذا أكمل في الاتحاد ، لأن قول الحق سبحانه : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " .
عبارة عن تجليه له بما يوجب السلامة من أحكام الكثرة ونقائض الإمكان ، وارتفاع اللازم موجب ارتفاع الملزوم .
وإذا ارتفعت الكثرة والإمكان ظهرت الوحدة والوجوب الذاتي، فحصل الاتحاد من قول الحق. وهو أكمل مما لزم من قول العبد من الاتحاد هذا بالنسبة إلى أرباب الكشف والعرفان .
وأما بالنسبة إلى أهل الحجاب ، وهو أكمل بالاعتقاد ، لأن سلام الحق أقبل على النفوس من سلام العبد على نفسه . وأيضا أرفع للتأويلات .
بخلاف قول عيسى عليه السلام : فإنه يحتاج إلى أن يأول بأن لسانه لسان الحق بحكم الحديث المشهور ، فبالحق نطق وسلم على نفسه ، أو الحق سلم على نفسه في حجابية عيسى وتعينه

قال رضي الله عنه :  ( فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى ، إنما هو النطق ، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق ، على أي حالة كان . ) أي، المتمكن.
( الصدق فيما به ينطق . ) لإمكان أن يتكلم بكلام لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر .
( بخلاف المشهود له ، كيحيى . ) حيث قال فيه الحق : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) . فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للإلتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه ..

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  (ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا ، فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق فهو مقطوع به ، وإن كان قول الرّوح :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا[ مريم : 33 ] أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد وأرفع للتّأويلات ، فإنّ الّذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنّما هو النّطق ، فقد تمكّن عقله وتكمّل في ذلك الزّمان الّذي أنطقه اللّه فيه . ولا يلزم للمتمكّن من النّطق على أيّ حالة كان الصّدق فيما به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى ).

قال رضي الله عنه :  ( ثم ) أي : بعد هذه العناية والتكريم من اللّه تعالى لزكريا عليه السّلام ( أنه بشره ) ، أي : زكريا ( بما قدمه ) أي : يحيى على سائر من أحيى ذكر آبائهم بهم ، وعلى عيسى عليه السّلام ( من سلامه ) بما قدمه أي : بسبب تقديمه الحق لفظا ومعنى ، إذ قصد إحياء ذكره عزّ وجل في عقبه دون ذكر نفسه ، فظهر في مطلوبه بما له في قدمه من سلامه ؛ لتنزهه عن التعلق بالعالم في القدم ، فجعل سلامه ( عليه ) حتى سلم من التعلق بغير الحق ، فلم يفعل معصية ، ولا هم بها( يَوْمَ وُلِدَ ) ،فصارت ولادته الطبيعية كالمعنوية ، ويوم( يَمُوتُ ) فصار ثبوته الطبيعي كالاختياري ، ويوم ( يُبْعَثُ حَيًّا )[ مريم : 15 ] ،
فصارت حياته بعد الموت كالبقاء بعد الفناء ، ( فجاء ) لظهوره باسم السلام فيه (بصفة الحياة) ؛ ليدل على تنزيه حياته عن نقائص حياة المحدثات ، وهي وإن كانت بتعلق السلام أجرا ؛ فالأجر راجع إلى الأول والوسط أخذ بحكم الطرفين ، فالسلام متعلق بها في كل حال ، كيف ( وهي اسمه ) ؟ أي : داخل في مفهوم اسمه اللازم له أولا وآخرا ووسطا .

قال رضي الله عنه :  ( وهو ) تعالى وإن لم يصرح بكون سلامه على هذا الاسم ، لكنه ( أعلم ) بطريق الإشارة ( بسلامه عليه ) ، فلا يتوهم عدم عمومه الأحوال ، كيف وهو تعالى صادق في إشارته مثل صدقه في عبارته ، إذ ( كلامه صدق ) من جميع الوجوهلا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ،وهو مفهوم العبادةوَلا مِنْ خَلْفِهِ[ فصلت : 43] ( وهو ) مفهوم الإشارة .

ثم مفهوم الإشارة وإن كان عند البعض ظنّا ، فهو عندنا ( مقطوع به ) ، فهو أي سلام الحق عليه بكل حال مقطوع به ، فسلام الحق على يحيى أرجح من سلام عيسى على نفسه من هذا الوجه ، ( وإن كان قول الروح ) أي : عيسى عليه السّلام :" وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا "[ مريم : 33 ] .

قال رضي الله عنه :  ( أكمل من الاتحاد ) لفظا ؛ لإشعاره بحصر السلام فيه ، فيتحد فيه كل سلام فيدخل فيه سلام الحق ؛ ( فهذا ) أي : سلام الحق على يحيى ( أكمل من الاتحاد ) معنى ؛ لأن سلام الحق في معنى كل سلام مع أنه لم يلتفت إلى سلام الغير فيه أصلا ، ( والاعتقاد ) إذ يعتقد كل سامع أنه سلام الحق بخلاف سلام عيسى ؛ فإنه يتبادر إلى أذهان عامة السامعين أنه من عيسى لا من اللّه تعالى ، ( وأرفع للتأويلات ) أي : لاحتمال الكذب ، فإنه مرفوع في خبر الحق بالاتفاق ، ولا يرتفع في خبر عيسى قبل ظهور نبوته ، وإن ظهر فيه خرق العادة قبلها ، وإن كان له دلالة على صدق من ظهر بسببه .

قال رضي الله عنه :  (فإنّ الّذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنّما هو النّطق ) في المهد ، فهو وإن دل في حقه على أمته المنافية لكونه ولد الزنا لا يدل على صدق المنطوق من أوله إلى آخره ، فإن الكرامة لا تدل على عصمة صاحبها عن الكذب ، إذ لم يبعث أمينا على وحي يجب بسببه عصمته عنه ، وليس كلامه كلام الحق على لسانه ، ( فقد تمكن عقله ) من تكلم بما تكلم به ، وما ينطق الحق على لسانه لا يتمكن عقله من ذلك ، كيف والحق لا يقول :"إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ" [ مريم : 30 ] إلى آخره ؛ وذلك لأنه عليه السّلام تكلم ( في ذلك الزمان الذي أنطقه اللّه فيه ) ، وإن كان في المهد إذ النطق فرع العقل الكامل إذ لم يكن نطق الحق .

قال رضي الله عنه :  ( ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان ) أي : سواء كان ذاكرا أمه أم لا ( الصدق فيما به ينطق ) ، أي : في جميع ما ينطق به ، وإنما دلّ صدق المعجزة على صدق جميع ما ينطق به ؛ لأنه للدلالة على الصدق في الرسالة التي هي محتملة الأمانة الوحي والكرامة ، وإن دلت على صدق الولاية ، فليس فيها أمانة وحي ،
فهذا الاحتمال والتأويل له دخل في سلام عيسى على نفسه قبل النبوة ، وإن كان صاحب كرامة ( بخلاف المشهود له كيحيى ) ، وإن لم يكن صاحب كرامة ،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  ( ثمّ ) من جملة ما أكرم الله على يحيى ( أنّه بشّره بما قدّمه ) على الأقران أو بالحياة التي قدّم ذكرها وما يكملها ، أو بشّره بسبب ما قدّم اسم الله على اسمه - وهذا أقرب الوجوه إلى التوجيه ، لكن لا يطابق بيان  ( من سلامه عليه يوم ولد ) أي عند ظهوره من مستجنّ بطون امّهات القوابل واستعداداتها .

أيّام الأنبياء
وذلك لأنّ الأنبياء لهم في استحصال كمال النبوّة ثلاث مراتب ، كلّ مرتبة منها يوم من أيّام ذلك النبيّ باعتبار اشتمال ظهور تلك المرتبة على امتداد يكون مبدأ إعلان جملة من تفاصيل الأعيان وأحكامها ، من مبدأ طلوع حكم تلك المرتبة إلى منتهى غروبه وهذا يشمل اليوم الزمانيّ أيضا .

فأولاها عند استخراج ما في قوّة قبول ذلك النبيّ وبطون استعداده على صحائف الأكوان ومجالي الفعل والعيان ومن الحكم والحقائق والمصالح على ما عليه الأمر في نفسه ، وكنّى عنها بيوم الولادة . ووجه المناسبة بها ظاهر .

وثانيها عند ظهور تمام ذلك الكمال واجتلائه عليه بأحديّة جمعيّته عند سكون أمره وانقطاع تلك الحركة الوجوديّة الشوقيّة فيه وبهذه المناسبة عبّر عنه بيوم الموت ، وإليه أشار بقوله : ( “  وَيَوْمَ يَمُوتُ “  ) وأيضا " الموت " يلوح على « التامّ » بمادته.

وثالثها عند بعثها بأحكام النبوّة وإظهار الصور الشرعيّة والسنن العمليّة التي عليها يحشر الأمم يوم القيامة . ولهذا عبّر عنه بيوم البعث ، وإليه أشار بقوله : ( “  وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا “  ).

وإذ كان إحياء اسم زكريّا منه مخصوصا بهذه المرتبة ، نبّه إليه  (فجاء بصفة الحياة ، وهي اسمه ) الدالّ على وصفه - أعني إحياء ذكر زكريّا .

الوجوه المتعددة في تفسير آية واحدة من القرآن الكريم
ثمّ هاهنا نكتة حكميّة ينبغي أن يقف عليها المتدبّر في الكلام المنزل النبوي ووجوه معانيه وتأويلاته كلّ الوقوف ، وهو أنّ كل معنى لا يمانع الظاهر ولا ينفي ما يستفاد منه بحسب أصل معنى العربيّة مما يفهم منه العامة ويستكشفونه عن كتب التفاسير ، بل يعمّه ويشمل غيره من وجوه بطون الكتاب ، المنطوية على الحقائق ،
على ما أشير إليه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : "  إنّ للقرآن ظهرا وبطنا وحدّا ومطَّلعا " قاله الغزالى في الإحياء و اخرجه ابن حبان .

فذلك هو المعتبر المعوّل عليه عند المحقّقين ، كما في الأيّام الثلاثة ، على ما اطَّلعت عليه .
وذلك لأن سائر المعاني مراد الله تعالى ، فإنّ المعنى أمر واحد يتنزّل ويترقّى بحسب مدارك الأمم ومدارج أذواقهم وأذهانهم عند التوجّه إلى الكلام ، وإذ كان القرآن جوامع الكلم كلَّها ، لا بدّ وأن يكون مطابقا لسائر المذاهب والآراء وجملة الأذواق والأذهان ، وعند التحقيق لا تنافي بين شيء من ذلك ، فلا تغفل عن النكتة .

مقايسة بين عيسى ويحيى عليهما السّلام
وحاصل هذه البشارة أنّه جاء بصفة الحياة على وجه يتضمّن إجابة دعاء زكريّا ، وذلك في علمه الذي بمثابة العلم في الاظهار .
قال رضي الله عنه :  ( وأعلم بسلامه عليه ) في الأيام الثلاثة ، ( وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح : “  السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا “  [ 19 / 33 ] أكمل في الاتّحاد ) ، لأنّه اتّحاد في مادّة التكلَّم التي لا يشوبه غيبة ولا تعدّد ، فهو التنزيه في غاية التشبيه ولكن هذا لسان الولاية لا النبوّة حيث أنّه مصرّح بالاتّحاد الإطلاقي .
وإليه أشار حيث أسند القول إلى الروح ، لا إلى عيسى .
وأيضا فإنّ الروح هو المكنّى عنه بكناية التكلَّم مطلقا ، فلهذا الكلام أكمليّة في طور الولاية والبطون ، ( فهذا أكمل في الاتّحاد ) الذي يتكلَّم به لسان النبوّة ( والاعتقاد ) .

أما في الاتّحاد : فلأنّه وإن اشتملت عبارته على ضمير الغائب ، ولكنّه كناية عن يحيى ، وهو مشهود حاضر ، فله الدلالة على الاتّحاد الكمالي ، مع قيامه بشرائط مقامه الذي يتكلَّم فيه ، فإنّه لسان النبوّة وينبغي أن يتكلَّم به بما لا يأبى مدارك أهل الحجاب عنه .

وأما في الاعتقاد : فلأنّه أدفع للاحتمالات الواهية المرخية لعقود الاعتقادات ( وأرفع للتأويلات ) المشوّشة للمتردّدين من أهل الحجاب ، الذين معهم كلام الأنبياء ظاهرا ( فإنّ الذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنما هو النطق ) فقط ، وذلك إنما يستلزم تمكَّن عقله وتكمّل آلات النطق الإنسانية وتماميته ،
قال رضي الله عنه :  ( فقد تمكَّن عقله وتكمّل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ، ولا يلزم للمتمكَّن من النطق - على أيّ حالة كان - الصدق فيما به ينطق ) لزوما عقليّا برهانيّا خاليا عن قرائن الأحوال وخصائص المواد ( بخلاف المشهود له ) وقد نبّهت آنفا على وجه هذه العبارة ، من أنّ الضمير وإن كان ضمير غائب ، فإنّ مؤدّاه مشهود حاضر ( كيحيى ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به، وإن كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه.
ولا يلزم للمتمكن من النطق على أي حالة كان الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى. )

قال رضي الله عنه :  ( ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا .  فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق فهو مقطوع به .  وإن كان قول الرّوح :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد وأرفع للتّأويلات . فإنّ الّذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنّما هو النّطق ، فقد تمكّن عقله وتكمّل في ذلك الزّمان الّذي أنطقه اللّه فيه . ولا يلزم للمتمكّن من النّطق - على أيّ )

قال رضي الله عنه :  ( ثم إنه ) أي الحق سبحانه كما أكرم زكريا بقضاء حاجته بتقديمه على ذكر ولده ( بشره بما قدمه ) ، أي بسبب تقديمه الحق على ذكر ولده ، فما في « قدمه » مصدرية و « من » في قوله ( من سلامه عليه ) للابتداء ، فإن التبشير هو الإخبار بما فيه مسرة ، وصيروته تبشيرا إنما نشأت من المسرة اللازمة للمخبر به والمخبر به ههنا سلام اللّه على يحيى ، فصيرورتها الإخبار به تبشير إنما نشأت مما فيه من المسرة أو المعنى ثم إنه ، أي الحق سبحانه بشر يحيى بما قدمه ،
أي بشيء قدمه ذلك الشيء وفضله على سائر الأنبياء وذلك الشيء سلام اللّه عليه في المواطن الثلاثة تفضيلا ، فإن ذلك لم يقع بالنسبة إلى نبي من الأنبياء ف « من » في " من سلامه عليه " بيانية (يَوْمَ وُلِدَ) من رحم أمه وأم الطبيعة ( ويوم يموت ) بالموت الطبيعي أو بالبقاء أو بالفناء عن مقتضيات الطبيعة في اللّه (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [ مريم : 15 ] يبعثه يوم القيامة أو بالبقاء بعد الفناء وإذا كان في هذه المرتبة يحيى به ذكر زكريا
قال رضي الله عنه :  ( فجاء بصفة الحياة ) فيها (وهي) ، أي صفة الحياة ما أخذ منها ( اسمه ) الدال على ذكر حياة زكريا به .
قال رضي الله عنه :  ( واعلم بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح ) ، يعني عيسى عليه السلام (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في ) الدلالة على ( الاتحاد ) ، فإنه يدل على الاتحاد بين المسلم والمسلم عليه في نظر أهل الكشف ، فلأنهما الحق ولكن في حجابية عيسى وتعينه .
( فهذا ) القول الذي وقع في شأن يحيى ( أكمل في الاتحاد والاعتقاد ) ، أي في معنى الجمع بينهما ، أما الاتحاد فلأن المسلم فيه هو الحق باعتبار هويته المتعينة ولا شك أن الهوية المطلقة في الظهور على الهوية المتعينة .

وأما الاعتقاد فلأن اعتقاد الصدق في كلام اللّه وخصوصا من أهل الحجاب أقوى من اعتقاده في كلام العبد ( و ) كما أنه لكل فيما ذكر فهو ( أرفع للتأويلات ) التي تصرفه عن ظاهره (فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق) في الزمان الغير المعتاد فيه النطق (فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه اللّه) على سبيل خرق العادة (فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق على).

قال رضي الله عنه : (حالة كان - الصّدق فيما به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى )
(أي حالة كان ) ذلك المتمكن ( الصدق فيما به ينطق بخلاف المشهود له ) من الحق ( كيحيى ) عليه السلام .
واتساب

No comments:

Post a Comment