Sunday, January 19, 2020

18 – شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

18 – شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

18 – شرح نقش فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
قال الشيخ الكامل العارف مؤيّد الدين الجندي رحمه الله و هو الشارح الأوّل لفصوص الحكم.
 «إنّما أضيفت الحكمة النفسية إلى الكلمة اليونسية لما نفّس الله بنفسه الرحمانى عنه كربه التي ألبّت عليه من قبل قومه و أهله و أولاده و من جهة أنّه «فَكانَ من الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ»
فلمّا سبّح و اعترف و استغفر، " فَنادى‏ ... أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ"، فنفّس الله عنه كربه ووهبه أهله و سر به. قال تعالى، فـ "نَجَّيْناهُ من الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ".
وقال أيضا رحمه الله، «وجدت بخطّ الشيخ المصنّف رضى الله عنه مقيّدا بفتح الفاء في «النفس»، فصحّحنا النسخ به. و كان عندنا بسكون الفاء فيها.
وقد شرح شيخنا الامام الأكمل أبو المعالي صدر الدين، محيى الإسلام و المسلمين، محمّد بن إسحاق بن محمّد في فكّ الختوم له على أنّها حكمة نفسية ... والوجهان فيها موجّهان."

قال رضى الله عنه في فكّ الختوم، «اعلم أنّ كل نبى وولى ما عدا الكمّل منهم فانّه مظهر حقيقة كلية من حقائق العالم و الأسماء الإلهية الخصيصة بها وأرواحها، الذين هم الملأ الأعلى على اختلاف مراتبهم ونسبهم من العالم العلوي.
وإليه الإشارة بقول النبي صلّى الله عليه و سلّم، «إنّ آدم في السماء الأولى، وعيسى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في‏  الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة صلوات الله عليهم أجمعين".

ومن البيّن أنّ أرواحهم غير متحيّزة. فليس المراد من ذلك إلّا التنبيه على قوّة نسبهم من حيث مراتبهم و علومهم و أحوالهم ومراتب أممهم إلى تلك السماء التي كانت أحوالهم هنا صورة أحكامها، أعنى أحكام المراتب والسموات.
ومن هذا الباب ما يذكره الأكابر من أهل الله في اصطلاحهم بالاتّفاق بأنّ من الأولياء من هو على قلب جبرئيل، ومنهم من هو على قلب ميكائيل، وثمّ من هو على قلب إسرافيل على جميعهم السلام ونحو ذلك.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (عادت بركته على قومه لأن الله أضافهم إليه وذلك لغضبه.
فكيف لو كان في حاله حال الرضا. فظن بالله خيراً. فنجاه من الغم.
وكذلك ننجي المؤمنين. يعني الصادقين في أحوالهم.
ومن لطفه أنبت عليه شجرةً من يقطين إذ خرج كالفرخ.
فلو نزل عليه الذباب أذاه لمّا ساهمهم)

وإذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ سرّ تسمية شيخنا قدّس الله روحه هذه الحكمة بـ «الحكمة النفسية» هو من أجل أنّ يونس عليه السلام كان مظهرا للصفة الكلية التي تشترك فيها النفوس الانسانية و مثالها من حيث تدبيرها للأبدان العنصرية، وأحواله عليه السلام صور أحكام تلك الصفة الكلية وأمثلتها بحسب ما يقتضيه مرتبته واستعداده".

)عادت بركته(، أي بركة يونس عليه السلام، )على قومه( بأن آمنوا، فنفعهم إيمانهم، وكشف عنهم العذاب، )لان الله سبحانه أضافهم اليه( و ألحقهم به إضافة الجزء إلى كلّه وإلحاق الفرع إلى أصله، وحكم الأصل يسرى إلى الفرع.
فلمّا وصلت عناية الله و رحمته إلى يونس، وصلت إلى قومه أيضا، كما قال تعالى، «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ».
وذلك، أي عود بركته إلى قومه، كان لغضبه عليهم فيه، أي في الله، حين حرج صدره لطول ما ذكّرهم، فلم يذكّروا وأقاموا على كفرهم، ففارقهم.
فظنّ أنّ ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلّا غضبا في الله و تعصّبا لدينه وبغضا للكفر و أهله.
وكان عليه أن يصابر و ينتظر الاذن من الله في المهاجرة عنهم. فابتلى ببطن الحوت.
و لمّا عادت بركته عليه السلام عليهم مع كون حاله معهم حال الغضب عليهم في الله، )فكيف( كان الأمر )لو كان حاله عليه السلام معهم حال الرضا( عنهم فيه سبحانه؟

)فظن( يونس عليه السلام باللَّه سبحانه )خيرا(، كما أخبر سبحانه عنه بقوله، «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»،
أي لن نضيّق عليه في مهاجرته قومه من غير انتظار لأمر الله.
)فنجاه (الله سبحانه )من الغم( ببركة ذلك الظنّ.
)و كذلك ينجى( الله سبحانه المؤمنين، يعنى المؤمنين )الصادقين في أحوالهم(، كصدق يونس عليه السلام في حاله، أعنى الغضب في الله.
)و من لطفه( سبحانه و عنايته به عليه السلام أنبت «عَلَيْهِ شَجَرَةً من يَقْطِينٍ»، أي الدّبّاء، فانّ من فوائد الدبّاء أنّ الذباب لا يجتمع عنده.
فكان يستظلّ بها )إذ خرج( من بطن الحوت و نبذ بالعراء، كالفرخ الذي ليس عليه ريش.
)فلو نزل عليه الذباب، آذاه.(
ثمّ إنّه )لما ساهمهم(، أي قارع أهل السفينة حين ذهب مغاضبا على قومه و ركب في السفينة، فوقفت فقالوا، «هاهنا عبد آبق من سيّده» و فيما يزعم البحّارون أنّ السفينة إذا كان فيها آبق، لم تجر- (أدخل نفسه فيهم)، أي في أهل السفينة، فقال، «اقترعوا».

قال الشيخ رضي الله عنه :  (أدخل نفسه فيهم.  فعمت الرحمة جميعهم.)

فخرجت القرعة عليه. فقال، «أنا الآبق»، و أوقع نفسه في الماء، فالتقمه الحوت.
(فعمت الرحمة جميعهم) ببركة إدخاله نفسه فيهم عند تلك المساهمة، فانّ الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه، يتنفّس فيه يونس و يسبّح، و لم يفارقهم حتّى انتهوا إلى البرّ.
فلفظه سالما، لم يتغيّر منه شي‏ء. فلمّا شاهدوا ذلك، أدركتهم الرحمة، وأسلموا.

قال صاحب الفكوك قدّس سرّه، «لمّا كانت النفوس في الأصل منبعثة عن الأرواح العالية الكلية المسمّاة عند الحكماء بـ «العقول»، و كان للنفوس الانسانية شبه قوى بتلك الأرواح من وجوه شتّى- من جملتها البساطة و دوام البقاء ظنّت أنّ تعلّقها بالأجسام من حيث التدبير والتحكّم لا يكسبها تقييدا و تعشّقا و أنّها متى شاءت، أعرضت عن التدبير بصفة الاستغناء، وكانت كالأرواح التي انبعثت عنها.
وذهلت عن نزول درجتها عن درجة تلك الأرواح في هذا الأمر وعن عدم استغنائها عن التعلّق والتدبير.

فلمّا ألفت الأبدان و انصبغت بأحكام الأمزجة- حتّى أثّرت فيها، كما أثّرت هي في المزاج- و تعشّقت بها، و اشتدّ تقيّدها بصحبة البدن، أراها الحقّ عجزها و قصورها عن البلوغ إلى درجة من أوجدها الحقّ بواسطته.

و رأت فقرها و تعشّقها، فرجعت متوجّهة إلى الحقّ بصفة التضرّع و الافتقار الذاتي من الوجه الذي لا واسطة فيه بينها و بين الحق.
فأجاب الحق نداءها و أمدّها من لدنه بقوّة و نور استشرفت به على ما شاء الحق أن يطلعها عليه من حضراته القدسية و لطائف أسراره العلية.
فانعكس تعشّقها إلى ذلك الجناب الأقدس، و اتّصلت به. و حصل لها بذلك الاتّصال الرافع لأحكام الوسائط ما أوجب انتظامها في سلك أولى الأيدى و الأبصار.

و انفتح لها باب كان مسدودا. فصار تدبيرها مطلقا، غير مقيّد بصورة بعينها دون صورة بل حصل لها من القوّة و الكمال ما تمكّنت به من تدبير صور شتّى في الوقت الواحد دون تعشّق و تقيّد و ربّما أكسبتها العناية عزّا أنفت به أن تقف في مراتب الأرواح العالية و تكون كهي، لما رأت من حسن ما تجلّى لها من وراء باب الوجه الخاصّ الذي فتح لها بينها و بين موجدها و ما استفادته من ربّها من تلك الجهة.
و سرى من بركة ما حصّلته إلى صورتها- التي كانت مقيّدة بتدبيرها- قوى و أنوار سارية متعدّية في الموجودات علوّا و سفلا. و صارت حافظة بأحدية جمعها من حيث تلك الصورة التي كانت مقيّدة بتدبيرها صورة الخلاف الواقع و الثابت في الموجودات صورة و معنى، روحا و مثالا.

" وإذا فهمت هذا، فاعلم أنّ يونس عليه السلام من حيث أحواله المذكورة لنا في الكتاب العزيز مثال ارتباط الروح الإنساني بالبدن و الحوت مثال الروح الحيواني الخصيص به ،
والسرّ في كونه حوتا هو لضعف صفة الحياة فيه، فانّ الحوت ليست له نفس سائلة.
كذلك حيوانية الإنسان ذات حيوة ضعيفة، و لهذا يقبل الموت بخلاف روحه المفارق، فانّ حياته تامّة ثابتة أبدية و اليمّ مثال عالم العناصر، و وجه شبهه باليمّ هو أنّ تراكيب الأمزجة المتكوّنة من العناصر غير متناهية.

وأمّا موجب النداء و الاجابة و سرّ قوله تعالى، «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»،
فقد سبقت الإشارة إليه آنفا عند الكلام على أحوال النفوس المدبّرة للأبدان. و أمّا سرّ قوله تعالى، «وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»،
فانّه إشارة إلى أمّهات حقائق العالم و قواه و أنّها على عدد الأنبياء و هم مائة و أربعة و عشرون ألفا فانّ كل نبى و وارث من الأولياء مظهر حقيقة كلية من حقائق العالم و الأسماء، كما أشير إليه في أوّل هذا الفص.
وأمّا سرّ قوله تعالى، «لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ»، فهو مثال ما ذكر من أنّ لنفوس الكمّل بركة تسرى في أبدانهم و قواهم، فيحصل لها ضرب من البقاء، ولا تنحلّ صورة أبدانهم، وإن فارقتها أرواحهم بل يبقى إلى زمان انتشاء النشأة الأخراوية، كما قال النبي صلّى الله عليه و سلّم، «إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

واتساب

No comments:

Post a Comment