Monday, December 23, 2019

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

16 - The Wisdom of Compassion in the Word of Solomon

الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
«إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».
فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.
وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.
فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره.
فأتى سليمان بالرحمتين: رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتان هما الرحمن الرحيم.
فامتن بالرحمن وأوجب بالرحيم.
وذا الوجوب من الامتنان.
فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن.
فإنه كتب على نفسه الرحمة سبحانه ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحق من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد، حقا على الله تعالى أوجبه له على نفسه يستحق بها هذه الرحمة- أعني رحمة الوجوب.
ومن كان من العبيد بهذه المثابة فإنه يعلم من هو العامل منه.
والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان.
وقد أخبر الحق أنه تعالى هوية كل عضو منها، فلم يكن العامل غير الحق، والصورة للعبد، و الهوية مدرجة فيه أي في اسمه لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر.
وسمي خلقا وبه كان الاسم الظاهر والآخر للعبد، وبكونه لم يكن ثم كان.
وبتوقف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأول.
فإذا رأيت الخلق رأيت الأول والآخر والظاهر والباطن.
وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان، بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، يعني الظهور به في عالم الشهادة.
فقد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم ما أوتيه سليمان، وما ظهر به: فمكنه الله تعالى تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح فتلعب به ولدان المدينة، فذكر دعوة سليمان عليه السلام فرده الله خاسئا.
فلم يظهر عليه السلام بما أقدر عليه وظهر بذلك سليمان.
ثم قوله «ملكا» فلم يعم، فعلمنا أنه يريد ملكا ما.
ورأيناه قد شورك في كل جزء من الملك الذي أعطاه الله، فعلمنا أنه ما اختص إلا بالمجموع من ذلك، وبحديث العفريت، أنه ما اختص إلا بالظهور.
وقد يختص بالمجموع والظهور.
ولو لم يقل صلى الله عليه وسلم في حديث العفريت «فأمكنني الله منه» لقلنا إنه لما هم بأخذه ذكره الله دعوة سليمان ليعلم أنه لا يقدره الله على أخذه، فرده الله خاسئا.
فلما قال فأمكنني الله منه علمنا أن الله تعالى قد وهبه التصرف فيه.
ثم إن الله ذكره فتذكر دعوة سليمان فتأدب معه، فعلمنا من هذا أن الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم.
وليس غرضنا من هذه المسألة إلا الكلام والتنبيه على الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب الرحمن الرحيم.
فقيد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء» حتى الأسماء الإلهية، أعني حقائق النسب.
فامتن عليها بنا.
فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية.
ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنه هويتنا لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه.
فما خرجت الرحمة عنه.
فعلى من امتن وما ثم إلا هو؟
إلا أنه لا بد من حكم لسان التفصيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم، حتى يقال إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين.
ومعناه معنى نقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم، فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية، كمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة.
وكذلك السمع والبصر الإلهي.
وجميع الأسماء الإلهية على درجات في تفاضل بعضها على بعض.
كذلك تفاضل ما ظهر في الخلق من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحدية العين.
وكما أن كل اسم إلهي إذا قدمته سميته بجميع الأسماء ونعته بها، كذلك فيما يظهر من الخلق فيه أهلية كل ما فوضل به.
فكل جزء من العالم مجموع العالم، أي هو قابل للحقائق متفرقات العالم كله، فلا يقدح قولنا إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو، وتكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد، كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق.
فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر، وهو هو ليس غيره.
فلا تعلمه هنا يا ولي وتجهله هنا، وتثبته هنا وتنفيه هنا إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه، ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال «ليس كمثله شيء» فنفى، «وهو السميع البصير» فأثبت بصفة تعم كل سامع بصير من حيوان وما ثم إلا حيوان إلا أنه بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس، وظهر في الآخرة لكل الناس، فإنها الدار الحيوان، وكذلك الدنيا إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد الله بما يدركونه من حقائق العالم.
فمن عم إدراكه كان الحق فيه أظهر في الحكم ممن ليس له ذلك العموم.
فلا تحجب بالتفاضل وتقول لا يصح كلام من يقول إن الخلق هوية الحق بعد ما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت أنها هي الحق ومدلولها المسمى بها وليس إلا الله تعالى.
ثم إنه كيف يقدم سليمان اسمه على اسم الله كما زعموا وهو من جملة من أوجدته الرحمة: فلا بد أن يتقدم الرحمن الرحيم ليصح استناد المرحوم.
هذا عكس الحقائق: تقديم من يستحق التأخير وتأخير من يستحق التقديم في الموضع الذي يستحقه.
ومن حكمة بلقيس وعلو علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب، وما عملت ذلك إلا لتعلم أصحابها أن لها اتصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها، وهذا من التدبير الإلهي في الملك، لأنه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرفاتهم، فلا يتصرفون إلا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرف.
فلو تعين لهم على يدي من تصل الأخبار إلى ملكهم لصانعوه وأعظموا له الرشا حتى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم.
فكان قولها «ألقي إلي» ولم تسم من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها، وبهذا استحقت التقدم عليهم.
وأما فضل العالم من الصنف الإنساني على العالم من الجن بأسرار التصريف وخواص الأشياء، فمعلوم بالقدر الزماني: فإن رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه، لأن حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه أسرع من حركة الجسم فيما يتحرك منه، فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر عين الزمان الذي يتعلق بمبصره مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور : فإن زمان فتح البصر زمان تعلقه بفلك الكواكب الثابتة، وزمان رجوع طرفه إليه هو عين زمان عدم إدراكه.
والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك: أي ليس له هذه السرعة.
فكان آصف ابن برخيا أتم في العمل من الجن، فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد.
فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده لئلا يتخيل أنه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال، ولم يكن عندنا باتحاد الزمان انتقال، وإنما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرفه وهو قوله تعالى «بل هم في لبس من خلق جديد.
ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ما هم راءون له.
وإذا كان هذا كما ذكرناه، فكان زمان عدمه (أعني عدم العرش) من مكانه عين وجوده عند سليمان، من تجديد الخلق مع الأنفاس.
ولا علم لأحد بهذا القدر، بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ثم يكون.
ولا تقل «ثم» تقتضي المهلة، فليس ذلك بصحيح، وإنما «ثم» تقتضي تقدم الرتبة العلية عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشاعر :
كهز الرديني  ثم اضطرب
و زمان الهز عين زمان اضطراب المهزوز بلا شك. وقد جاء بـ "ثم" ولا مهلة.
كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس: زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة.
فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكال المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قصته. فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان عليه السلام.
فما قطع العرش مسافة، ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه.
وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان ليكون أعظم لسليمان عليه السلام في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها.
وسبب ذلك كون سليمان هبة الله تعالى لداود من قوله تعالى «ووهبنا لداود سليمان».
والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الوفاق أو الاستحقاق.
فهو النعمة السابغة والحجة البالغة والضربة الدامغة.
وأما علمه فقوله تعالى «ففهمناها سليمان» مع نقيض الحكم، وكلا آتاه الله حكما وعلما.
فكان علم داود علما مؤتى آتاه الله، وعلم سليمان علم الله في المسألة إذ كان الحاكم بلا واسطة. فكان سليمان ترجمان حق في مقعد صدق.
كما أن المجتهد المصيب لحكم الله الذي يحكم به الله في المسألة لو تولاها بنفسه أو بما يوحي به لرسوله له أجران، والمخطئ لهذا الحكم المعين له أجر مع كونه علما وحكما.
فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان عليه السلام في الحكم، ورتبة داود عليه السلام.
فما أفضلها من أمة.
ولما رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدة عندها، «قالت كأنه هو»، وصدقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال، وهو هو، وصدق الأمر، كما أنك في زمان التجديد عين ما أنت في الزمن الماضي.
ثم إنه من كمال علم سليمان التنبيه الذي ذكره في الصرح.
فقيل لها «ادخلي الصرح» وكان صرحا أملس لا أمت فيه من زجاج.
فلما رأته حسبته لجة أي ماء، «وكشفت عن ساقيها».
حتى لا يصيب الماء ثوبها.
فنبهها بذلك على أن عرشها الذي رأته من هذا القبيل، وهذا غاية الانصاف.
فإنه أعلمها بذلك إصابتها في قولها «كأنه هو».
فقالت عند ذلك «رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان»: أي إسلام سليمان: «لله رب العالمين».
فما انقادت لسليمان وإنما انقادت لله رب العالمين، وسليمان من العالمين.
فما تقيدت في انقيادها كما لا تتقيد الرسل في اعتقادها في الله، بخلاف فرعون فإنه قال «رب موسى وهارون»، وإن كان يلحق بهذا الانقياد البلقيسي من وجه، ولكن لا يقوى قوته فكانت أفقه من فرعون في الانقياد لله وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال «آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل».
فخصص، وإنما خصص لما رأى السحرة قالوا في إيمانهم بالله «رب موسى وهارون».
فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت «مع سليمان» فتبعته.
فما يمر بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك.
كما نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه لكون نواصينا في يده.
ويستحيل مفارقتنا إياه.
فنحن معه بالتضمين، وهو معنا بالتصريح، فإنه قال «وهو معكم أين ما كنتم».
ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا.
فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه.
فما أحد من العالم الا على صراط مستقيم، وهو صراط الرب تعالى.
وكذا علمت بلقيس من سليمان فقالت «لله رب العالمين» وما خصصت عالما من عالم.
وأما التسخير الذي اختص به سليمان وفضل به غيره وجعله الله له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره.
فقال «فسخرنا له الريح تجري بأمره».
فما هو من كونه تسخيرا، فإن الله يقول في حقنا كلنا من غير تخصيص «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر الله.
فما اختص سليمان إن عقلت إلا بالأمر من غير جمعية ولا همة، بل بمجرد الأمر.
وإنما قلنا ذلك لأنا نعرف أن أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقيمت في مقام الجمعية.
وقد عاينا ذلك في هذا الطريق.
فكان من سليمان مجرد التلفظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همة ولا جمعية.
واعلم أيدنا الله وإياك بروح منه، أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أي عبد كان فإنه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته، ولا يحسب عليه، مع كون سليمان عليه السلام طلبه من ربه تعالى.
فيقتضي ذوق الطريق أن يكون قد عجل له ما ادخر لغيره ويحاسب به إذا أراده في الآخرة.
فقال الله له «هذا عطاؤنا» ولم يقل لك ولا لغيرك، «فامنن» أي أعط «أو أمسك بغير حساب».
فعلمنا من ذوق الطريق أن سؤاله ذلك كان عن أمر ربه.
والطلب إذا وقع عن الأمر الإلهي كان الطالب له الأجر التام على طلبه.
والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك، فإن العبد قد وفى ما أوجب الله عليه من امتثال أمره فيما سأل ربه فيه، فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربه له بذلك لحاسبه به.
وهذا سار في جميع ما يسأل فيه الله تعالى، كما قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم «قل رب زدني علما».
فامتثل أمر ربه فكان يطلب الزيادة من العلم حتى كان إذا سيق له لبن يتأوله علما كما تأول رؤياه لما رأى في النوم أنه أوتي بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطاب.
قالوا فما أولته قال العلم.
وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللبن فقال له الملك أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك.
فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم، فهو العلم تمثل في صورة اللبن كجبريل تمثل في صورة بشر سوي لمريم.
ولما قال عليه السلام "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " نبه على أنه كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم: خيال فلا بد من تأويله.
إنما الكون خيال ... وهو حق في الحقيقة
والذي يفهم هذا ... حاز أسرار الطريقة
فكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم له لبن قال «اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» لأنه كان يراه صورة العلم، وقد أمر بطلب الزيادة من العلم، وإذا قدم له غير اللبن قال اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه.
فمن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإن الله لا يحاسبه به في الدار الآخرة، ومن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهي فالأمر فيه إلى الله، إن شاء حاسبه وإن شاء لم يحاسبه.
وأرجو من الله في العلم خاصة أنه لا يحاسبه به.
فإن أمره لنبيه عليه السلام يطلب الزيادة من العلم عين أمره لأمته: فإن الله يقول «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
وأي أسوة أعظم من هذا التأسي لمن عقل عن الله تعالى.
ولو نبهنا على المقام السليماني على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه فإن أكثر علماء هذه الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته وليس الأمر كما زعموا. 

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

16 - نقش فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
لما كانت له من حيث لا يشعر.
قالت بالقوة: إنه كتابٌ كريم.
وما ظهر ((آصف)) بالقوة على الإتيان بالعرش دون سليمان إلا ليعلم الحق أن شرف سليمان عظيم إذ كان لمن هو حسنة من حسناته له هذا الإقتدار [فما بالك بسليمان].
ولما قالت في عرشها: كأنه هو.
عثورٌ على علمها بتجديد الخلق في كل زمان فأتت بكاف التشبيه.
وأراها صرح القوارير "كأنه لجة" وما كان لجة.
كما أن العرش المرئي ليس عين العرش من حيث الصورة.
والجوهر واحد. وهذا سار في العالم كله.
والمُلك الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعد الظهور بالمجموع على طريق التصرف فيه تسخير الرياح وتسخير الأرواح النارية.
لأنها أرواح في رياح. بغير حساب. لست محاسباً عليها. 

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
16 -  فك ختم الفص السليماني

1 / 16  - اعلم ان الرحمة تنقسم اولا على قسمين : أحدهما الرحمة الذاتية والاخرى الرحمة الصفاتية وكل واحد من هاتين الرحمتين تنقسم الى قسمين :
عامة وخاصة ، فيصير أربعة اصول هي الأمهات ، ثم يتفرع من هذه الأمهات ستة وتسعون فرعا فتكون مائة ، كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ان لله مائة رحمة "الحديث" .

2 / 16 - فقد نبه الحق سبحانه على ذلك بقوله في ام الكتاب: "بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيم" [الفاتحة / 1 - 3].
فاللتان في البسملة هما الذاتية العامة والخاصة، واللتان في الفاتحة هما الصفاتية العامة والخاصة وباقى الرحمات متفرعة عن هذه.

3 / 16 - وإذا عرفت هذا فاعلم: ان الرحمة الخصيصة بسليمان عليه السلام  من الرحمة العامة الصفاتية ومن حكم الرحمة الذاتية التي وسعت كل شيء، فكان بحكمها ايضا صفة العموم، ولهذا عم حكم سليمان وتصرفه في العالم، فسخر الله له العالم الأعلى والأسفل .

4 / 16 - واما تسخيره له العالم السفلى فواضح ، لتحكمه في الجن والانس والوحش والطير وسائر الحيوانات البرية والبحرية ، وتعدى حكمه الى العناصر ، فسخر الريح تجرى بامره وسخر له الماء يغوص له فيه الشياطين النارية ، وهذا من اعظم تسخيرات الجمع بين ما من النار مع الماء - مع تضاد طبائعهما.
ولذلك نبه سبحانه على ذلك بقوله: "ومن الشَّياطِينِ من يَغُوصُونَ لَه ويَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ" [ الأنبياء / 82 ] .
فأخبر ان كل ما كانوا يعملون له فهو دون غوصهم - لما ذكرت من صعوبة الجمع بين الاضداد - وسخرت له الأرض ايضا يتبوأ منها حيث يشاء.

5 / 16   - واما تسخير الجن له العالم العلوي فواضح ايضا عند المستبصرين ، فان كل ما تيسر له عليه السلام في هذا العالم فإنه من آثار تسخير الله له ذلك العالم وتعليمه إياه اسباب التصريفات. فافهم، فهذا من آثار حكم العام الخصيص بالرحمة العامة .

6 / 16  - واما الرحمة الخاصة الذاتية فهي العناية والمسماة ايضا بقدم صدق التي هي من آثار حب الحق بعض عباده ، لا لموجب معلوم على التعيين من علم او عمل او غيرهما من الأسباب والوسائل ، واليه الإشارة بقوله تعالى في حق الخضر : " آتَيْناه رَحْمَةً من عِنْدِنا وعَلَّمْناه من لَدُنَّا عِلْماً " [ الكهف / 65 ] .

7 / 16 - واما الرحمة الخاصة الصفاتية فخصيص بالسعداء وينقسم حكمها الى قسمين : قسم موقت وقسم غير موقت ، فالموقت يختص بالسعداء في الدنيا  الفائزين بنيل مراداتهم في غالب الأحوال والأوقات - دون الآخرة - ولهذا نبهنا الحق بما يفهم منه استثناء سليمان بقوله تعالى : " وإِنَّ لَه عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ " [ سورة ص / 40 ] فجمع له السعادتين فلم يكن سعادته موقتة ، بل ابدية الحكم . فافهم .

8 / 16 - واما حكم الرحمة الخاصة الغير الموقتة فيختص باهل الجنة ، لان نعيمهم ابدى كما قال تعالى : " عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " [ هود / 108 ] فهو عطاء غير منقطع خالص من الانكاد غير مشوب بالأمور المنقصة كما قال تعالى : " قُلْ من حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِه والطَّيِّباتِ من الرِّزْقِ ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا في الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ " [الأعراف / 32 ] فقوله " خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ " :
تنبيه على انها وان حصلت لمن حصلت له من المؤمنين هنا، فإنها تكون مشوبة بالانكاد  والغصص لا تعطيه خواص هذا الموطن والنشأة الامشاجية ، وانما تخلص للسعداء في الجنة فإنها محل مقدس سليم من كل ما يوجب كدرا او نكدا ، لأنها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الكرسي وسقفها عرش الرحمن المحيط بجميع الصور كالاحاطة اسم الرحمن بجميع الموجودات رحمة وعلما وحكما ، فافهم .

9 / 16  - واما الكرسي فمظهر الاسم الرحيم الذي له التخصيص ومستواه ، كما ان العرش مستوى الاسم الرحمن دون غيره وله العموم وقد نبهت فيما مر على ان كل سماء من محل حكم اسم من اسماء الحق ومستواه ، واسناد تلك السماء الى الحق انما يكون من حيثية ذلك الاسم ، ومن مقامه تعيين الامر الموحى به الى تلك السماء المشار اليه بقوله تعالى : " وأَوْحى في كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها " [ فصلت / 12 ] .
فتذكر فقد عرفتك انقسام الرحمة الذاتية الى عامة وخاصة، وكذلك الصفاتية وعينتها لك وعرفتك ان الرحمة التي وسعت كل شيء هي الوجود ، وان الاسم الرحمن اسم للحق من كونه وجودا محضا منبسطا نوره على الممكنات الموجودة .
كما أخبر سبحانه عن ذلك بقوله : " الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ " [ النور / 35 ] ثم ذكر مراتب ظهورات النور وامثلة مواد مظاهرها .

10 / 16 - فاعلم ان لهذا الوجود من حيث مبدأ انبساطه وتعينه من غيب هوية الحق مراتب كلية في التعين والظهور .
أولها عالم المعاني .
ثم عالم الأرواح التي نسبتها الى مرتبة الظهور أتم من نسبة عالم المعاني .
ثم عالم المثال المجسد الأرواح والمعاني ، بمعنى انه لا يظهر ولا يتعين فيه شيء الا متجسدا.
ثم عالم الحس الذي اوله صورة العرش المحيط بجميع الأجسام المحسوسة المحدد للجهات، وبه انتهى ، اى استوى السير المعنوي الوجودي الصادر من غيب الهوية في مراتبه الكلية للظهور الذي غايته عالم الحس ، لان تعينات الوجود وتنوعات ظهوره بعد العرش انما هو تفصيل وتركيب .
فوضح ان في العرش وبه تمت درجات الظهور - كما بينا - ولهذا أضيف الاستواء الى الاسم الرحمن دون غيره من الأسماء لما مر من ان الرحمن صورة الرحمة التي وسعت كل شيء وانتهت ظهوراته الكلية في العرش .

11 / 16  - واما الحكم العام الوجودي فإنه يظهر في كل مرتبة من المراتب الأربعة الكلية المذكورة ويتفصل فيها يليها من المراتب التفصيلية بحسب تلك المرتبة .
فان فهمت ما نبهت عليه في فص هذه الحكمة السليمانية استشرفت على اسرار غريبة من جملتها سر الاستواء، فتلقاه صادقا بمعنى التمامية في درجات السير المعنوي لتكمل مراتب ظهورات الوجود وبمعنى الاستيلاء الحكمي المنبث من العرش وبه ومما فوقه من الملإ الأعلى في السموات والأرض وما فيها وما بينهما، وعرفت بقية معانى الاستواء.
عرفت ايضا ان ما بعد العرش من الصور الاحكام تفاصيل ظهورات الوجود وأحكامه، يجتمع في كل موجود منها جملة بحسب ما يقبله استعداده ويقتضيه سعة دائرته المعنوية .

12 / 16  - ولم يزل الامر يتدرج في الجميع والظهور حتى انتهى الامر الى النوع الإنساني ، فكان هدفا لجميع القوى الطبيعية والاحكام الاسمائية الوجوبية والتوجهات الملكية والآثار الفلكية ومحل جمعها ، وقد سبق التنبيه على كل ذلك .

13 / 16 - لكن ينبغي لك ان تعلم ان انبساط هذه الاحكام والآثار والخواص يختلف تعيناتها وظهوراتها واجتماعاتها في عرض المرتبة الانسانية بحسب درجات الاعتدال المتعينة بامزجة الأناسي وفيها ، وهي سبب تعينات مراتب أرواحهم ، ان تفاوت تعينات الأرواح الجزئية الانسانية هو بحسب التفاوت الواقع في درجات اعتدال امزجة أربابها .

14 / 16 - ثم أقول : ولم يزل الاحكام والآثار المذكورة وخواص الظهورات التعينية تبرز من الغيب الى الشهادة ومن القوة الى الفعل ومن حضرة البطون الى حضرة الظهور في الطور الإنساني ايضا ، كالامر فيما ذكر من قبل بالتدريج والحكم والفعل ، حتى انتهى الامر من الوجه المذكور الى داود وسليمان عليهما السلام .
وكان داود مظهر كليات تلك الاحكام الاسمائية والصفات الربانية والآثار الروحانية والقوى الطبيعية مستجمعها ، فاستحق لظهور مقام  الخلافة وأحكامها واحكام الحكمة وفصل الخطاب وورثه سليمان في الجمع وزاد بالتفصيل الفعلى والحكم الظاهر الجلي والتسخير العام الكلى العلى.

15 / 16  - فما ظهر في الوجود احد من الناس اعظم ملكا ولا اعم حكما منه ولا يظهر بعده ، لأنه لما بلغ ظهور ما قدر الله ظهوره من اسرار الربوبية والأمور التي سبق ذكرها المضافة الى الحق والى الكون من حضرة العلم الى اقصى درجات الظهور المعلومة عند الله ، وقع التحجير  باجابة دعوته ، فعادت هذه الأمور بعد كمال ظهورها راجعة من حضرة الظهور الى حضرة البطون بنحو من التدريج الواقع في ازمنة بروزها من حضرة البطون الى حضرة الظهور.
فإنه ما ثمة الا ظهور من بطون او بطون من ظهور، فما نقص من الباطن اخذه الظاهر وبالعكس .

16 / 16 - ولما كانت نسبة حكم الرحمة العامة الخصيصة بحال سليمان عليه السلام الى حقيقة الرحمة العامة نسبة الصفة الى الموصوف مع اشتراكهما ايضا في الحيطة وعموم الأثر.
وكان ما أعطيه سليمان عطاء ممزوجا من حقيقة الرحمة وحكمها، فتوقف ميل ما منحه على الدعاء الذي هو من سر حكم الرحمة باعتبار امتياز الصفة عن الموصوف ونزولها عن درجة الموصوف بها ومن حيث الهام الحق إياه الدعاء واجابته لدعائه واخبار الحق له بقوله: " فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ " [ ص / 39 ] هو سر الرحمة الذاتية العامة ، فافهم .

17 / 16 -  فهذا ما قدر الله ذكره من اسرار احوال سليمان عليه السلام مما لم ينبه عليه شيخنا رضى الله عنه ، ولو بسطت القول في بيان اسرار أحواله ما اطلعت عليه لطال الكلام ونبت عنه الافهام ، فليكتف الألباء بما يسر الله ذكره ، والله المرشد.
كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية :

مصطلح سليمان
في اللغة سليمان : نبي وملك ، ابن النبي داود عليه السلام .
في القرآن الكريم :وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (17) مرة ، منها قوله تعالى : " ولقد آتينا داود وسليمان علما ".

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي
" سليمان : هو المرشد الكامل الذي بيده خاتم الحقيقة ، وبه يحفظ أقاليم القلوب ويطلع على أسرار الغيوب . فالكل ينقاد له إما طوعا أو كرها ".


مصطلحات الرحم - الرحمة – الرحمن – الرحيم - الرحموت
في اللغة
" رحم : علاقة القرابة وسببها " .
" الرحمة : رقة القلب : والعطف والإحسان .
الرحمن : الكثير الرحمة ، وهو اسم مقصور على الله تعالى .
الرحيم : كثير الرحمة ، وهو من أسماء الله الحسنى .
الرحموت : الرحمة " .

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الرحم : جنة الله تعالى ، وهي جنة الشهادة التي شهد لنفسه بالوحدانية ، وجنة الشفاعة التي يشفع فيها الموحدون على قدر جاههم ، وجنة الشقا ، وهي جنة المشتاقين إلى لقاء الله تعالى " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الرحمة : هو خلق مركب من الود والجزع . والرحمة لا تكون الا لمن يظهر منه لراحمه خلة مكروهة ، إما نقيصة وإما محنة عارضة ، فالرحمة هي محبة للمرحوم مع جزع من الحال التي من أجلها رحم ، وهذه الحال مستحسنة ، ما لم تخرج بصاحبها عن العدل ، ولم تنته إلى الجور وإلى فساد السياسة . فليس بمحمود رحمة القاتل عند القود ، والجاني عند القصاص " .

يقول الشيخ داود القيصري:
" الرحمة : هي صفة من الصفات الإلهية ، وهي حقيقة واحدة لكنها تنقسم بالذاتية الصفاتية ، أي : تقتضيها أسماء الذات وأسماء الصفات ، وكل منهما عامة وخاصة فصارت أربعا ، ويتفرع منها إلى أن يصير المجموع مائة رحمة وإليها أشار رسول الله بقوله : "إن لله مائة رحمة أعطى واحدة منها إلى لأهل الدنيا كلها وادخر تسعا وتسعين إلى الآخرة يرحم بها عباده ". "

يقول الشريف الجرجاني :
" الرحمة : هي إرادة إيصال الخير " .

يقول الشيخ علي الخواص :
" الرحمة : هي أول موجود ظهر في العماء ، التي مظهرها الصورة المحمدية والرحمة التي صدر الوجود عنها كلمة تستمد أيضا من وجود محمد صلى الله عليه وسلم "الرحمة المهداة – بالمؤمنين رؤوف رحيم "  " .

يقول الشيخ عبد العزيز الدباغ :
" الرحمة : هي نور ساكن في الذات ، يقتضي الرأفة والحنانة على سائر الخلق ، وهو ناشيء عن الرحمة الواصلة من الله ـ عز وجل ـ " .

يقول الشيخ أحمد بن فارس:
رسول الله  صلى الله عليه وسلم  " من أسمائه الرحمة ، قال الله جل ثنائه : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، وقال رسول الله : ( يا أيها الناس إنما أنا لكم رحمة مهداة ) .
والرحمة في كلام العرب العطف والإشفاق ؛ لأنه كان بالمؤمنين رحيما ، كما وصفه الله جل ثناؤه فقال : ( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
فكان من الرأفة والرحمة بالمكان الذي لا يخفى "


تقول الدكتورة سعاد الحكيم: الرحمة عند ابن العربي :
الرحمة هي منح الوجود للموجودات ، أو منح كل موجود وجوده الخاص به في الصورة التي تقتضيها طبيعته ذاتها " .

يقول الدكتور عبد المنعم الحفني:
" الرحمة : اسم للحق باعتبار الجمعية الاسمائية التي في الحضرة الإلهية الفائض منها الوجود وما يتبعه من الكمالات على جميع الممكنات " .

يقول الباحث محمد غازي عرابي:
" الرحمة : ما خص الله به عباده من رحمة قبل الخلق وبعده .
والرحمة : باب إلهي وسع المخلوقات جميعا ، إذ ما من دابة إلا وعلى الله رزقها .
والرحمة : التيسير الإلهي للانتفاع بالسبل . فهي توجيه نحو الهدف المطلوب والمعين في الأزل أصلا لصلاح هذا الوجود . فالرحمة على التحقيق ، انتشار العباد في الأرض ، وقد يسر كل منهم لما خلق له " .

نقول في اصطلاح الكسنزان:
" الرحمة : هي نور المعرفة بالله تعالى ، يقول سبحانه : ( آتيناه رحمة من عندنا ) .
" الرحمة : هي صفة إلهية تجسدت في الصورة المحمدية ، فتكونت بالهيئة النبوية المحمدية ، ولأنها مطلقة أخبر عنها سبحانه بأنها مهداة للعالمين

الرحمة في مفهوم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
تقول الدكتورة سعاد الحكيم :
" " حار قراء ابن العربي الطائي الحاتمي المقربون في لمس الخيط الجامع بين كلمتي ( رحمة ووجود ) وفي السببية التي أخرج بها الرحمة من دائرة الشفقة والرضى ( ناحية لغوية - خلقية ) لصبغها صبغة ميتافيزيقية ( رحمة = وجود ) .
ولإلقاء ضوء على هذه النقطة لا بد من الرجوع إلى بدء خلق العالم وإيجاده كما يتصوره شيخنا الأكبر ، فهناك مفتاح تلك النقلة .
ونكتفي من ( بدء الخلق ) بموقف واحد معين يبين مرادنا على أن نقتسمه بين طرفين
( طبعا قسمة اعتبارية ، فكل ثنائية عند ابن العربي الطائي الحاتمي هي تمييز اعتباري لا أكثر ) : الذات الإلهية من ناحية
والأسماء الحسنى من ناحية ثانية .
- اجتمعت الأسماء الحسنى في الحضرة الإلهية الذاتية ، وبعد ما أخذ كل اسم فيها مرتبته بدأت تتفاخر بحقائقها ، ثم لم تلبث أن تعطشت إلى ظهور آثارها في الوجود ، فلجأت مضطرة قاصدة الذات الإلهية سائلة إياها وجود الكون الذي يظهر فيه حقائقها .
- إن الذات الإلهية رحمت الأسماء وقبلت طلبها بوجود العالم وظهور أعيانها ، وكان ذلك في حضرة الرحمة وفيض المنة . ثم ينسحب هذا الموقف على كل الأعيان ، من حيث أن لكل عين وجودا يطلبه الله ، فيرحمه الله بقبول رغبته في وجود عينه . ونستخلص من هذا الموقف أن :
1. الرحمة احتفظت بنشأتها اللغوية ( رأفة = رضى ) فالحق رأف بالأعيان ، وقبل أي رضي بوجودها العيني .
2. رغم نشأة الرحمة اللغوية ، يوحدها الشيخ ابن العربي   بنتيجتها ، أي أن نتيجة رحمة الحق الأعيان هو : الوجود ، إذن الرحمة هي الوجود ، ومن هنا جاءت صيغتها الميتافيزيقية ، وهذه النقطة الأخيرة تترفع بالرحمة عن سذاجتها اللغوية لتعطيها صفات الوجود ، من حيث سريانه في جميع الموجودات وقبوله لكل المتناقضات ، حتى ما يخيل للناظر أنه يناقض الرحمة نفسها كالآلام مثلا .
ولذلك ينتفي المفهوم الخلقي العادي المتعارف في موقف كهذا .
" بعدما جردنا الرحمة من كافة صفاتها وأسمائها بغية بيان مضمونها ، نرجع إلى دفق الأسماء هذا الذي يغمر الفتوحات وغيره من كتب ابن العربي الطائي الحاتمي ، ولكن هذه الأسماء على كثرتها إلى رحمات أربع تنقسم إليها رحمة الله :
1. الرحمة الإمتنانية .
2. الرحمة الواجبة .
3. الرحمة السابقة .
4. الرحمة الخاصة .

يقول الإمام علي بن أبي طالب عن الرحمة :
" هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته . واتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته " .
ويقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي :
" قال بعض العارفين : إذا فاض بحر الرحمة تلاشى كل زلة ؛ لأن الرحمة لم تزل ولا تزال ، والزلة لم تكن ثم كانت ، وما لم يكن ثم كان كيف يقاوم ما لم يزل ولا يزال " .

ويقول الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي :
" الرحمة رحمتان : رحمة مختصة بوصف النعمة ، ورحمة مرتبة بوضع الحكمة . فالأولى صرف جود وفضل . والثانية قد مازجها حكم الحكمة وعدل . مثال الأولى كمن أدخل الجنة بغير حساب ، والثانية كمن ادخلها بعد العذاب " .
ويقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
" الرحمة ذاتية وصفاتية ، وكل منها عامة وخاصة .
فالذاتيتان ، هما المذكورتان في البسملة في قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ).
والصفاتيتان ، هما المذكورتان في الفاتحة في قوله : ( الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم)
وتسمى الرحمة الذاتية : بالامتنانية الحبية ... وعموم هذه الرحمة شمل كل شيء ... أما الرحمة الذاتية الخاصة فهي الرحمة الرحيمية المقيدة بالمتقين والمحسنين ، كما في قوله تعالى : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) ، وهي التي أوجبها على نفسه في قوله : ( كتب على نفسه الرحمة ) ...
وأما الرحمة الرحمانية الصفاتية العامة : فهي الرحمة التي أخرجها الحق تعالى إلى أهل الدنيا ، فبها يتراحمون ويتواصلون ...
وأما الرحمة الرحيمية الخاصة الصفاتية ، فهي التي يرحم بها تعالى من يشاء من عباده ، وهي التي تتوقف على المشيئة الربانية ، كما قال : (والله يختص برحمته من يشاء ) ونحو ذلك .
وهي التي يتخلق بها المتخلقون ، ويتحقق بها المتحققون من رسول ونبي وولي كامل ، وهي التي وصف الحق تعالى بها محمدا في قوله : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) " .
ويقول : " اعلم أن الرحمة ذاتية وصفاتية . وكل منهما عام وخاص .

فالرحمة التي سبقت الغضب ، هي الرحمة الصفاتية الخاصة بالمؤمنين ، في الدار الآخرة . وهي رحمة خالصة من كل كدر ، غير مشوبة بأقل ضرر .
وأما الرحمة الذاتية العامة ، فهي رحمة الإيجاد العامة ، المتعلقة بكل ممكن " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : " إن الرحمة لها أثر بوجهين :
أثر بالذات : وهو إيجادها كل عين موجودة ، ولا تنظر إلى غرض ، ولا إلى عدم غرض ولا إلى ملائم ، ولا إلى غير ملائم ، فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده . بل تنظره في عين ثبوته ...
ولها أثر آخر بالسؤال : فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم ، وأهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم ، فيسألونها باسم الله فيقولون : يا الله إرحمنا ، ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم ، فلها الحكم ؛ لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم
بالمحل ، فهو الراحم على الحقيقة ، فلا يرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة ، فإذا قامت بهم وجدوا حكمها ذوقا ، فمن ذكرته الرحمة فقد رحم " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" الرحمة حكم لا عين . فلو كانت عينا وجوديا لانتهت وضاقت عن حصول ما لا يتناهى فيها ، وإنما هي حكم يحدث في الموجودات بحدوث أعيان الموجودات من الرحمن الرحيم " .

ويقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" الرحمة بما هي في الاسم الله الجامع من البسملة : هي رحمته بالبواطن ، وبما هي ظاهرة في الرحمن الرحيم : هي رحمته بالظواهر ، فعمت فعظم الرجاء للجميع . وما من سورة من سور القرآن إلا والبسملة في أولها ، فأولناها أنها إعلام من الله بالمآل إلى
الرحمة " .

يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي :
الرحمة للعالمين : هو رسول الله ، أما الولي فرحمة في العالمين.

في الفرق بين رحمة الإمتنان ورحمة الوجوب
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" قوله : ( الرحمن الرحيم ) ، فهو رحمن بالرحمتين العامة ، وهي رحمة الامتنان .
وهو رحيم بالرحمة الخاصة ، وهي الواجبة في قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ...
وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل .
وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة فيها " .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم:
" الرحمة الإلهية عند ابن العربي الطائي الحاتمي : هي أم لجميع الموجودات ، من حيث أنها وسعت وجمعت كل شيء : (قال عذابي أصيب به من أشاء) ، (ورحمتي وسعت كل شيء ) " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الرحمة الإلهية : هي التي أوجدها الله في عباده ليتراحموا بها ، مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد الله بها العالم حين أحب أن يعرف ، وبها كتب على نفسه الرحمة . وهذه الرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الإمتنانية هي التي وسعت كل شيء " .


مصطلح : الرحمة الامتنانية
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الامتنانية : هي الرحمة المقتضية للنعم السابقة على العمل ، وهي التي وسعت كل شيء " .
ويقول : " الرحمة الامتنانية : هي السابقة أيضا ، سميت بذلك : لأن الله تعالى امتن بها على الخلائق قبل استحقاقها ؛ لأنها سابقة على ما يصدر منهم من الأفعال التي توجب لهم استحقاقها " .
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الإمتنانية الخاصة : يعنى بها رحمة الله تعالى لعبده ، بحيث وفقه للقيام بما يوجب له من الأفعال استحقاق الثواب عليها " .

مصطلح : الرحمة الوجوبية
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الوجوبية : يعنى بها الرحمة المختصة بأهل التقوى والإحسان " .

يقول الدكتور عبد المنعم الحفني:
" الرحمة الوجوبية : هي الموعودة للمتقين والمحسنين ، وكان بها هو الرحيم . وباعتباره الرحيم افاض من كمالاته المعنوية على أهل الإيمان " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" الرحمة الوجودية : هي الرحمة الموعودة للمتقين والمحسنين في قوله تعالى :  (فسأكتبها للذين يتقون) .
وفي قوله تعالى : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) ، وهي داخلة في الامتنانية ؛ لأن الوعد بها على العمل محض المنة " .

" الرحمة ( رحمة الامتنان ورحمة الوجوب - رحمة الفضل ورحمة الرضى ) .
يقول العربي الطائي الحاتمي الرحمة رحمتان :
رحمة عامة تفضل بها الاسم الرحمن . هي رحمة الامتنان أو رحمة الفضل .
ورحمة خاصة أوجبها الاسم الرحيم هي رحمة الوجوب أو رحمة الرضى .
ثم لا يلبث الشيخ الأكبر أن يرجع رحمة الوجوب إلى رحمة الامتنان ، فكل وجوب كان : بعمل امتنه الله في البدء .
يقول " فأتى الله سبحانه وتعالى سليمان بالرحمتين :
رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتان هما : الرحمن الرحيم .
فامتن بالرحمن ، وأوجب بالرحيم . وهذا الوجوب من الامتنان . فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن . فإنه كتب على نفسه الرحمة
سبحانه ، ليكون ذلك للعبد بما ذكره للحق من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد ، حقا على الله تعالى أوجبه له على نفسه يستحق بها هذه الرحمة - أعني رحمة الوجوب ... " .
كما يقول : " رحمة الله قاصرة على أعيان مخصوصين ، كما تكون بالوجوب في قوم منعوتين بنعت خاص .
وفيمن لا ينالها بصفة مقيدة وجوبا ، تناله الرحمة من باب الامتنان ، كما نالت هذا الذي استحقها ، ووجبت له الصفة التي اعطته فاتصفت بها ، فوجبت له الرحمة .
فالكل على طريق الامتنان نالها ونالته فما ثم إلا : منة الهية أصلا وفرعا ... " .
يقول : " فهو الله تعالى رحمن : بالرحمة العامة وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم : بالرحمة الخاصة وهي الواجبة في قوله : ( فسأكتبها للذين يتقون ) . وقوله : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) .
وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ... وهي رحمة عناية ... يقول من غضب الله عليه : امتن علينا بالرحمة التي مننت بها على أولئك ( غير المغضوب عليهم ) ابتداء من غير استحقاق ... " .
كما يظهر من النص التالي كيف أن رحمة الامتنان : رحمة عامة مطلقة ، ورحمة الوجوب : رحمة مقيدة .
يقول : " ... الرحمتان اللتان ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان
العرب : الرحمن الرحيم . فقيد : رحمة الوجوب . وأطلق : رحمة الامتنان ... " . .

مصطلح  الآن – الأنات - آوان
 يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الآن الدائم : هو امتداد الحضرة الإلهية الذي يندرج به الأزل في الأبد ، وكلاهما في الوقت الحاضر ، لظهور ما في الأزل على أحايين الأبد ، وكون كل حين منها مجمع الأزل والأبد ، فيتحد به الأزل والأبد والوقت الحاضر ، فلذلك يقال له باطن الزمان
( و ) أصل الزمان ؛ لأن الآنات الزمانية نقوش عليه وتغيرات تظهر بها أحكامه وصوره وهو ثابت على حاله دائما سرمدا ، وقد يضاف إلى الحضرة العندية كقوله : " ليس عند ربك صباح ولا مساء " " .

يقول عبد الرزاق القاشاني :
بقاء ذلك الشخص على فنائه، الذي هو من مقتضى عدم ماهيته، فوصول هذه المدد دائما مع الآنات هو الخلق الجديد الذي فهمه علماء الحقيقة، مما ورد بلسان الشريعة في قوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (ق: 15) .
ومثال ذلك في الشاهد ما يشاهد من ظهور الترجيح المذكور والاقتضاء العدمي كصورة تحلل الغذاء مع الآنات،
وقيام البدل عما يتحلل مقامه، وكذا في صورة النفس عند استنشاق النسيم البارد، عوضا عما يدفع القلب بالنفس مع دخانية،
هكذا مع الأنفاس، وكذا في سريان دهن السراج في الفتيلة عوضا، عما يتحلل منها، وغير ذلك من صور الكائنات، التي لا تردد عند العقل في دوام تجدد إمدادها." أهـ


مصطلحات النسب -  ناسب – الانتساب -  النسبة
في اللغة :
" انتسب الشخص : 1-  ذكر نسبه .  2 - انتمى .
النسب : تتابع النسل في الأسرة " .
" ناسب يناسب مناسبة :
 1 . ناسبه الأمر أو الشيء : لائمه ووافق مزاجه .
2 . ناسبه : شاركه في النسب وصاهره " .

" النسبة : 1- مقدار . 2 -  علاقة وارتباط بين شيئين .
3. تماثل بين علاقات الأشياء أو الكميات .

الانتساب الروحي في اصطلاح الكسنزان
نقول : في أصول الطريقة إذا سئل المريد أنت ابن من ؟ فعليه أن يقول : أنا ابن الرسول ، (من باب سلمان منا آل البيت) .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
علم الانتساب : هو من علوم منزل القرآن من الحضرة المحمدية ، أعني انتساب الفروع إلى أصولها ومن ألحق فرعا بغير أصله ما حكم الله فيه من طريق الكشف ؟  .

يقول الإمام محمد ماضي أبو العزائم :
" النسب إلى الله تعالى قسمان : نسب به يقبل عليك ، ونسب به تقبل عليه .
فإذا تجمل بهما الإنسان كان مع الله وكان الله معه ، وصار محبوبا لله ، مرادا لذاته ، وأي شرف أعظم وأكمل من اتصال نسب العبد لله تعالى " .

يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي
: " قال بعض الكبار : ... النسب : التقوى " .

يقول الشيخ محمد بن علي الترمذي :
" الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه ، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبدا : وتلك النسبة المفتخر بها ، لا الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" ما اعتبر الله إلا النسب الديني ، وبه يقع التوارث بين الناس .
فإذا اجتمع في الشخص النسب الديني والطيني حينئذ له أن يحجب ما يحجبه من النسب الديني والطيني .
فإذا لم يكن له نسب طيني وله نسب ديني ، رجع على دينه .
لم يحجبوا بالنسب الطيني وراثته عن النسب الديني ، فورثه المسلمون ، أو يكون كافر فيرثه الكفار .
وإن كان ذو نسب طيني وليس له نسب ديني فيرثه المسلمون ، فما إلا خرج عن دينه تعالى ، فإن نسب التقوى يعم كل نحلة وملة إن عقلت .
فمن حيث أن العالم عيال الله رزقهم ، ومن حيث أن فيهم من هو أهل له اعتنى بهم فأشفق عليهم ، ومن حيث أنهم مخلوقون على الصورة على وجه الكمال استنابهم ، ومن حيث أن بعضهم على بعض الصورة رفق بهم " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
علم الانتساب إلى الله : هو من علوم منزل اشتراك النفوس والأرواح في الصفات ، وهو من حضرة الغيرة المحمدية من الاسم الودود ، ومنه يعلم من ينبغي أن ينسب إلى الله ، وبماذا يقع النسب إلى الله الزائد على العبودية  .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" المناسبة الجمعية ... هي أن تكون مراتب العبد مستوعبة لما تحتوي عليه الحضرتان ، أعني حضرة الوجوب والإمكان " .
المناسبة المرآتية
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" المناسبة المرآتية ... هي كون العبد ظاهر المرآة من أحكام الكثرة الموجبة لتأثير المظهر في التجلي ، الذي يظهر فيه حتى تصير الصفات الظاهرة فيه منصبغة بأحكامه " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني عن الانتساب إلى الله  :
" المناسبة الذاتية بين الحق وعبده من وجهين :
إما ( بأن ) لا تؤثر أحكام ( تعين العبد وصفات كثرته في أحكام وجوب الحق ) ووحدته ، بل يتأثر منها ، وتنصبغ ظلمة كثرته بنور وحدته .
وأما بأن يتصف العبد بصفات الحق ، ويتحقق بأسمائه كلها .
فإن اتفق الأمران ، فذلك العبد هو الكامل المقصود لعينه .
وإن اتفق الأمر الأول بدون الثاني : فهو المحبوب المقرب .
وحصول الثاني بدون الأول محال .
وفي كلا الأمرين مراتب كثيرة :
أما في الأمر الأول : فبحسب شدة غلبة نور الوحدة على الكثرة وضعفها ، وقوة استيلاء أحكام الوجوب على أحكام الإمكان وضعفه .
وأما في الأمر الثاني : فبحسب استيعاب تحقيقه بالأسماء كلها وعدمه ، بالتحقق ببعضا دون البعض " .

يقول الشيخ السراج الطوسي :
 " النسبة : الحال الذي يتعرف به صاحبه ، بمعنى انتسابه إليه " .

يقول الشيخ أحمد زروق :
" اختلاف النسب قد يكون لاختلاف الحقائق ،وقد يكون لاختلاف المراتب في الحقيقة الواحدة ".

يقول الشيخ عبد القادر الجزائري :
" إن ما تسميه المتكلمون صفة ، يسيمه أهل الله نسبة ، حيث لم يرد لفظ الصفة في حقه تعالى في الكتاب ولا في السنة ، بل نزه تعالى نفسه عن الصفة " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
علم ألفة النسب : هو من علوم منزل الظلمات المحمودة والأنوار المشهودة ، ومنه يعلم هل يقع بين المتناسبين افتراق معنوي أم لا  .
ويقول الشيخ : " علم نسبة الله إلى الأشياء : هو من علوم منزل العندية الإلهية والصف الأول عند الله تعالى ، ومنه يعلم هل هو عين نسبة الأشياء إلى الله أو تختلف؟  .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
علم كيفية مشاهدة النسب مع أن النسب عدمية : هو من علوم القوم الكشفية ، ومنه يعلم حقيقة الموت - فإنه نسبة عدمية وحقيقته عدم الحياة - وفيمن يتحكم الموت ؟ فإنه لا حكم له إلا في المركبات دون البسائط كما هو معلوم من الأدلة  .يقول الشيخ بالي زادة أفندي :
" النسب الإلهية : أي الصفات الإلهية التي تثبت للحق ، كالخالق والرزاق وغير ذلك من الصفات الإضافية ... أظهرت أعياننا الخارجية هذه الصفات .. فنحن بعبوديتنا أظهرنا معبوديته كما أظهرنا بأعياننا الخارجية ألوهيته ، وهي اتصافه بجميع الصفات " .

يقول الشريف الجرجاني:
" النسبة الثبوتية : لثبوت شيء لشيء على وجه هو هو " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" النسبة الأولى : هي النسبة السوائية ، فإن أولى النسب لابد وأن يكون أعلاها " .
نسبة التفارق بالذات "

يقول الشيخ ولي الله الدهلوي:
النسبة  : " التفارق بالذات والتصاق بالعرض : هذه النسبة واقعة بين ذات الله وأسمائه ، وبين اسم واسم آخر ، فالذات عين الأسماء من وجه وغيرها من وجه " .


موضوع : كل عبد هو مظهر لاسم من الأسماء الإلهية
يرى الشيخ ابن العربي :
ان كل عبد هو مظهر لاسم من الأسماء الإلهية، وبذلك يختلف العبيد فيما بينهم، فمنهم: عبد اللّه ( محمد صلى اللّه عليه وسلم) وهو أكمل المخلوقات من حيث إنه مظهرا لاسم اللّه الجامع للأسماء الإلهية كافة. مثل " عبد الرحمن - عبد الرحيم - عبد الملك - عبد القدوس - عبد السلام. . . حتى يستوفي الأسماء الإلهية "
المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة د. سعاد الحكيم (ص: 510)
"فالأولياء بالنسبة للمريدين وعامة الناس امرهم كله غرابا"

موضوع : المشاهدة رؤية الأشياء بدلائل التوحيد

يقول الشيخ في الفتوحات المكية الباب العاشر ومائتان في المكاشف  :-

المشاهدة عند الطائفة رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ورؤيته في الأشياء وحقيقتها اليقين من غير شك .
قالت بلقيس كَأَنَّهُ هُوَ وهو كان لم يكن غيره فطلبنا عين السبب الموجب لجهلها به حتى قالت : "كَأَنَّهُ هُوَ " فعلمنا إن ذلك حصل لها من وقوفها مع الحركة المعهودة في قطع المسافة البعيدة.
وهذا القول الذي صدر منها يدل عندي أنها لم تكن كما قيل متولدة بين الإنس والجان إذ لو كانت كذلك لما بعد عليها مثل هذا من حيث علمها بأبيها وما تجده في نفسها من القوة على ذلك .
حيث كان أبوها من الجان على ما قيل فهذا شهود حاصل وعين مشهودة وعلم ما حصل لأن متعلق العلم المطلوب هنا .
إنما هو نسبة هذا العرش المشهود إليها كما هو في نفس الأمر ولم تعلم ذلك .
كما إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأت جبريل في صورة دحية ما قالت كأنه هو وإنما قالت هو دحية . ولم يكن في نفس الأمر دحية .
وهذا على النقيض من قصة بلقيس واشتركا في الشهود وعدم العلم بالمشهود من حيث نسبته لا من حيث ما شوهد
والسبب في هذا الجهل أنهم ما علموا من دحية إلا الصورة الجسدية لا غير
فما علموا دحية على الحقيقة وإنما علموا صورة الجسم التي انطلق عليها اسم دحية
وعلى الحقيقة ما انطلق الاسم إلا على الجملة فتخيلوا لما شاهدوا الصورة أن الكل تابع لهذه الصورة وليس الأمر كذلك .
فإن البصر يقصر عن إدراك الفارق بين القوتين في الشبه إذا حضر أحدهما دون الآخر .
فلو حضرا معا عنده لفرق بينهما بالمكان .
والمسألة في نفسها شديدة الغموض ولا سيما في العلم الإلهي .
لأن النفس الناطقة التي هي روح الإنسان المسماة زيد إلا يستحيل عليها إن تدبر صورتين جسميتين فصاعدا إلى آلاف من الصور الجسمية وكل صورة هي زيد عينها ليست غير زيد .
ولو اختلفت الصور أو تشابهت لكان المرئي المشهود عين زيد كما تقول في جسم زيد الواحد مع اختلاف أعضائه في الصورة من رأس وجبين وحاجب وعين ووجنة وخد وأنف وفم وعنق ويد ورجل وغير ذلك من جميع أعضائه
أي شيء شاهدت منه تقول فيه رأيت زيدا وتصدق كذلك تلك الصور إذا وقعت ويدبرها روح واحد
إلا إن الخلل وقع هنا عند الرؤية لعدم اتصال الصور كاتصال الأعضاء في الجسم الواحد فلو شاهد الاتصال الذي بين الصور
لقال في كل صورة شهدها هذا زيد
كما يفعل المكاشف إذا شاهد نفسه في كل طبقة من طباق الأفلاك لأن له في كل فلك صورة تدبر تلك الصور روح واحدة وهي روح زيد مثلا  وهذا شهود حق في خلق
قالت الطائفة في المشاهدة إنها تطلق بإزاء ثلاثة معان :
منها مشاهدة الخلق في الحق وهي رؤية الأشياء بدلائل التوحيد كما قدمناه
ومنها مشاهدة الحق في الخلق وهي رؤية الحق في الأشياء
ومنها مشاهدة الحق بلا الخلق وهي حقيقة اليقين بلا شك فأما قولهم رؤية الأشياء بدلائل التوحيد فإنهم يريدون أحدية كل موجود ذلك عين الدليل على أحدية الحق
فهذا دليل على أحديته لا على عينه
وأما إشارتهم إلى رؤية الحق في الأشياء فهو الوجه الذي له سبحانه في كل شيء وهو قوله إِذا أَرَدْناهُ فذلك التوجه هو الوجه الذي له في الأشياء
فنفى الأثر فيه عن السبب إن كان أوجده عند سبب مخلوق
وأما قولهم حقيقة اليقين بلا شك ولا ارتياب إذا لم تكن المشاهدة في حضرة التمثل كالتجلي الإلهي في الدار الآخرة الذي ينكرونه
فإذا تحول لهم في علامة يعرفونه بها أقروا به وعرفوه وهو عين الأول المنكور
وهو هذا الآخر المعروف فما أقروا إلا بالعلامة لا به
فما عرفوا إلا محصورا ، فما عرفوا الحق. أهـ

موضوع : الفرق بين الرؤية والمشاهدة :

يقول الشيخ في الفتوحات الباب العاشر ومائتان :
ولهذا فرقنا بين الرؤية والمشاهدة وقلنا في المشاهدة إنها شهود الشاهد الذي في القلب من الحق وهو الذي قيد بالعلامة والرؤية ليست كذلك .
ولهذا قال موسى "رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ " وما قال أشهدني
فإنه مشهود له ما غاب عنه وكيف يغيب عن الأنبياء وليس يغيب عن الأولياء العارفين به فقال له لَنْ تَرانِي ولم يكن الجبل بأكرم على الله تعالى من موسى وإنما أحاله على الجبل لما قد ذكر سبحانه في قوله: " لَخَلْقُ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ".
والجبل من الأرض وموسى من الناس فخلق الجبل أكبر من خلق موسى من طريق المعنى أي نسبة الأرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما فيهم من  سماء وأرض
فإنها في السماء والأرض معنى وصورة وهما في الناس معنى لا صورة والجامع بين المعنى والصورة أكبر في الدلالة ممن انفرد بأحدهما .
ولهذا قال "ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " فالحمد لله الذي جعلنا من القليل الذي يعلم ذلك
فجمع الجبل بين الصورة والمعنى ، فهو أكبر من جبل موسى المعنوي
إذ هو نسخة من العالم كما هو كل إنسان فإذا كان الجامع بين الأمرين وهو الأقوى والأحق باسم الجبل صار دكا عند التجلي فكيف يكون موسى حيث جبليته التي هي فيه معنى لا صورة ولما كانت الرؤية لا تصح إلا لمن يثبت لها إذا وقعت والجبل موصوف بالثبوت في نفسه وبالإثبات لغيره إذ كان الجبل هو الذي يسكن ميد الأرض .
ويقال فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد والأمور العظام
فلهذا أحاله على الجبل الذي من صفاته الثبوت
فإن ثبت الجبل إذا تجليت إليه فإنك ستراني من حيث ما فيك من ثبوت الجبل
فرؤية الله لا تطاق ..... فإنها كلها محاق
فلو أطاق الشهود خلق ..... أطاقه الأرض والطباق
فلم تكن رؤيتى شهودا ..... وإنما ذلك انفهاق
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ رأيت ربك قال نوراني أراه
وذلك أن الكون ظلمة والنور هو الحق المبين
والنور والظلمة لا يجتمعان كما لا يجتمع الليل والنهار
بل كل واحد منهما يغطي صاحبه ويظهر نفسه
فمن رأى النهار لم ير الليل ومن رأى الليل لم ير النهار
فالأمر ظاهر وباطن وهو الظاهر والباطن
فحق وخلق فإن شهدت خلقا لم تر حقا وإن شهدت حقا لم تر خلقا
فلا تشهد خلقا وحقا أبدا
لكن يشهد هذا في هذا وهذا في هذا شهود علم لأنه غشاء ومغشي. أهـ

موضوع : الفناء عند الطائفة
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" الفناء عند الطائفة يقال بأزاء أمور :
فمنهم من قال : إن الفناء فناء عن المعاصي .
ومن قائل : الفناء فناء رؤية العبد فعله بقيام الله على ذلك .
وقال بعضهم : الفناء فناء عن الخلق وهو عندهم على طبقات :
منها : الفناء عن الفناء وأوصله بعضهم إلى سبع طبقات ...
فأما الطبقة الأولى في الفناء : فهي أن تفنى عن المخالفات فلا تخطر لك ببال عصمة وحفظا إلهيا ...
وأما النوع الثاني من الفناء : فهو الفناء عن أفعال العباد بقيام الله على ذلك من قوله :
] أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ فيرون الفعل لله من خلف حجب الأكوان التي هي محل ظهور الأفعال فيها ...
وأما النوع الثالث : فهو الفناء عن صفات المخلوقين بقوله تعالى في الخبر المروي النبوي عنه : ( كنت سمعه وبصره )  وكذا جميع صفاته والسمع والبصر وغير ذلك من أعيان الصفات التي للعبد أو الخلق ... فإنه ما يراه منك إلا بصرك ، وهو عين نظرك ، فما رآه إلا نفسه وأفناك بهذا عن رؤيته فناء حقيقة شهودية معلومة محققة لا يرجع بعد هذا الفناء حالا إلى حال يثبت لك أن لك صفة محققة ،
ليست عين الحق وصاحب هذا الفناء دائما في الدنيا والآخرة لا يتصف في نفسه ولا عند نفسه بشهود ولا كشف ولا رؤية مع كونه يشهد ويكشف ويرى ويزيد صاحب هذا الفناء على كل مشاهد وراء ومكاشف أنه يرى الحق كما يرى نفسه ...

وأما النوع الرابع من الفناء : فهو الفناء عن ذاتك وتحقيق ذلك أن تعلم أن ذاتك مركبة من لطيف وكثيف وأن لكل ذات منك حقيقة وأحوالا تخالف بها الأخرى وأن لطيفتك متنوعة الصور مع الآنات في كل حال وأن هيكلك ثابت على صورة واحدة وإن اختلفت عليه الأعراض فإذا فنيت عن ذاتك بمشهودك الذي هو شاهد الحق من الحق وغير الحق ولا تغيب في هذه الحال عن شهود ذاتك فيه فما أنت صاحب هذا الفناء فإن لم تشهد ذاتك في هذا الشهود وشاهدت ما شاهدت فأنت صاحب هذا النوع من الفناء ...

وأما النوع الخامس : وهو فناؤك عن كل العالم بشهودك الحق أو ذاتك فإن تحققت من تشهد منك علمت أنك شاهدت ما شاهدته بعين حق والحق لا يفنى بمشاهدة نفسه ولا العالم فلا تفنى في هذه الحال عن العالم وإن لم تعلم من يشهد منك كنت صاحب هذا الحال وفنيت عن رؤية العالم بشهود الحق أو بشهود ذاتك كما فنيت عن ذاتك بشهود الحق أو بشهود كون من الأكوان فهذا النوع يقرب من الرابع في الصورة وإن كان يعطي من الفائدة ما لا يعطيه النوع الرابع المتقدم .
وأما النوع السادس من الفناء : فهو أن تفنى عن كل ما سوى الله بالله ولا بد وتفنى في هذا الفناء عن رؤيتك فلا تعلم أنك في حال شهود حق إذ لا عين لك مشهودة في هذا
الحال ...

وأما النوع السابع من الفناء : فهو الفناء عن صفات الحق ونسبها وذلك لا يكون إلا بشهود ظهور العالم عن الحق لعين هذا الشخص لذات الحق ونفسه لا لأمر زائد يعقل ولكن لا من كونه علة كما يراه بعض النظار ولا يرى الكون معلولا وإنما يراه حقا ظاهرا في عين مظهر بصورة استعداد ذلك المظهر في نفسه فلا يرى للحق أثرا في الكون فما يكون له دليل على ثبوت نسبة ولا صفة ولا نعت فيفنيه هذا الشهود عن الأسماء والصفات والنعوت " .

موضوع : في صفات العارف
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في الباب السابع والسبعون ومائة في معرفة مقام المعرفة :
" وأما صفة العارف عندنا من الموطن الإلهي الذي يشهده العارفون من الحق في وجودهم وهو شهود عزيز ،
ذلك أن يكون العارف إذا حصلت له المعرفة قائما بالحق في جمعيته ، نافذ الهمة ، مؤثرا في الوجود على الإطلاق من غير تقييد لكن على الميزان المعلوم عند أهل الله ، مجهول النعت والصفة عند الغير من بشر وجن وملك وحيوان ،
لا يعرف فيحد ، ولا يفارق العادة فيميز ، خامل الذكر ، مستور الحال ، عام الشفقة على عباد الله ،
يفرق في رحمته بين من أمر برحمته حتى يجعل له خصوص وصف عارف بإرادة الحق في عباده ، وقوع المراد فيريد بإرادة الحق ،
لا ينازع ولا يقاوم ولا يقع في الوجود ما لا يريده ،
وإن وقع ما لا يرضي وقوعه بل يكرهه شديد في لين يعلم مكارم الأخلاق في سفسافها ،
فينزلها منازلها مع أهلها تنزيل حكيم ،
بريء ممن تبرأ الله منه ، محسن إليه مع البرآة منه ،
مصدق بكل خبر في العالم ، كما يعلم عند الغير إنه كذب فهو عنده صدق ،
مؤمن عباد الله من غوائله ، مشاهد تسبيح المخلوقات على تنوعات أذكارها ،
لا تظهر إلا لعارف  مثله ، إذا تجلى له الحق يقول : أنا هو لقوة التشبيه في عموم الصفات الكونية والإلهية ،
إذ قال بسم الله كان عن قوله ذلك ، كل ما قصده بهمته ،
لا يقول كن أدبا مع الله ،
يعطي المواطن حقها ، كبير بحق ، صغير لحق ، متوسط مع حق ، جامع لهذه الصفات في حال واحدة ، خبير بالمقادير والأوزان ، لا يفرط ولا يفرط ،
يتأثر مع الأنات لتغير الأحوال فلا يفوته من العالم ولا مما هو عليه الحق في الوقت شي مما يطلبه العالم في زمن الحال ،
يشاهد نشأ الصور من أنفاسه بصورة ما هو عليه في قلبه عند خروج النفس ، فإذا ورد عليه النفس الغريب من خارج لتبريد القلب ، خلع على ذلك النفس خلعة الوقت ،
فينصبغ ذلك النفس بذلك النور الذي يجد في القلب يستر مقامه بحاله وحاله بمقامه ،
فيجهله أصحاب الأحوال بمقامه ويجهله أصحاب المقامات بحاله ،
له عنف على شهوته إذا لم يروجه الحق في طبيعتها ، يبذل لك لا له ،
عطاءه غير معلول ، لا يمن إذا أمتن ، ويتمن بقبول المن ،
لا يؤاخذ الجاهل بجهله فإن جهله له وجه في العلم ، لا يشعر المعطى من عنده حين ما يعطيه يعرفه أن ذلك أمانة عنده أمر بإيصالها إليه ،
لا يعرفه ان ذلك من عند الله يفتح مغاليق الأمور المشكلة بالنور المبين ، يأكل من فوقه ومن تحت رجله ، يضم القلوب إليه إذا شاء من حيث لا تشعر ويرسلها إذا شاء من حيث لا تشعر ، يملك أزمة الأمور وتملكه بما فيها من وجه الحق لا  غير ،
ينظر إلى العلو فينسفل بنظره ، وينظر إلى السفل فيعلو ويرتفع بنظره ،
يحجر الواسع ، ويوسع المحجور ،
يسمع كل مسموع منه لا من حيثية ذلك المسموع ، ويبصر كل مبصر منه لا من حيث ذلك المبصر ،
يقتضي بين الخصمين بما يرضي الخصمين فيحكم لكل واحد لا عليه مع تناقص الأمر يميل إلى غير طريقه لحكمة الوقت ،
يغلب ذكر النفس على ذكر الملأ من أجل المفاضلة غيرة أن يفاضل الحق فإنه ذاكر بحق في حق ،
الأمور كلها عنده ذوقيه لا خبرية ، يعرف ربه من نفسه كما علم الحق العالم من علمه بنفسه ،
لا يؤاخذ بالجريمة فإن الجريمة استحقاق والمجرم المستحق عظمته في ذلته وصغاره ، لا ينتقل عن ذلته في موطن عظمته دنيا وآخرة ،
هو في علمه بحسب علمه ان اقتضى العمل عمل وإن اقتضى أن لا عمل لم يعمل ،
عنده خزائن الأمور بحكمه ومفاتيحها بيده ينزل بقدر ما يشاء ويخرج ما يشاء من غير استشعار ،
غواص في دقائق الفهوم عند ورود العبارات ، له نعوت الكمال ، له مقام الخمسة في حفظ نفسه وغيره ،
ينظر في قوله : " أعطى كل شيء خلقه " ، فلا يتعداه ،
يدبر أمور الكون بينه وبين ربه كالمشير العالم الناصح في الخدمة القائم بالحرمة ، لا أينية لسره ،
ولا يبخل عند السؤال ، ينظر في الآثار الإلهية الكائنة في الكون ليقابلها بما عنده  لما سمع الله يقول : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم "،
يسمع نداء الحق من ألسنة الخلق ،
يسع الأشياء ولا تسعه سوى ربه فهو ابنه وعينه ،
مرتب للأوامر الإلهية الواردة في الكون ثابت في وقت التزلزل ، لا تزلزله الحادثات ،
ليست في الحضرة الإلهية صفة لا يراها في نفسه ، يظهر في أي صورة شاء بصفة الحياة مع الوقوف عند المحدود ،
يعرف حقه من حق خالقه ،
يتصرف في الأشياء بالاستحقاق ويصرف الحق فيها بالاستخلاف ، له الاقتدار الإلهي من غير مغالبة ،
لا تنفذ فيه همم الرجال ولا يتوجه للحق عليه حق ، يتولى الأمور  بنفسه لا بربه ، لأنه لا يرى نفسه لغلبته ربه عليه
تعود صفات التنزيه مع وجود التشبيه ،
يحصى أنفاسه بمشاهدة صورها فيعلم ما زاد وما نقص في كل يوم وليلة ، ينظر في المبدء والمعاد فيرى إلتقاء طرفي الدائرة ،
يلقي الكلمة في المحل القابل فيبدل صورته وحاله أي صورة كان ، ما يطأ مكانا إلا حي ذلك المكان بوطأته ، لأنه وطئه بحياة روحية ،
إذا قام لقيامه ربه ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه فإن حالته في سلوكه كانت  هكذا فعادت عليه هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لا يخطر له خاطر في شيء إلا تكون ،
ولا يعرف ذلك الشيء أنه كونه له على الأشياء شرف العماء لا شرف الاستواء ،
فهو وحيد في الكون غير معروف العين ، من لجأ إليه خسر ولا تقتضي حاجته إلا به فإنه ظاهر بصورة العجز وقدرته من وراء ذلك العجز ،
لا يمتنع عن قدرته ممكن كما لا يمتنع عن قدرة خالقه محال ليصح الامتياز ،
فهذا وإن تأخر بظاهره فهو متقدم بباطنه ليجمع في شهوده بين الأول والآخر والباطن والظاهر ، يحسن للمسيء والمحسن ،
يرجع إلى الله في كل أمر ولا ينتقم لنفسه ولا لربه إلا بأمره الخاص
فإن لم يأمره عفى بحق لشهوده السابقة في الحال ،
القليل عنده كثير والكثير عنده قليل ،
يجري مع المصالح فيكون الحق له ملكا ،
يسبح أسماء الله بتنزيهها على أن تنالها أيدي الغافلين غيرة على الجناب الإلهي من حيث كونها دلائل عليه دلالة الاسم على المسمى ،
إن ولي منصبا يعطي العلو لم ير فيه متعاليا بالله فأحرى بنفسه ،
يعدل في الحكم ولا يتصف بالظلم ،
جامع علوم الشرع من عين الجمع ، مستغني عن تعليم المخلوقين بتعليم الحق ،
يعطي ما تحصل به المنفعة ولا يعطي ما تكون به المضرة ،
إن عاقب فتطهير لا تبقى مع نور عدله ظلمة جور ولا مع نور علمه ظلمة جهل ،
يبين عن الأمور بلسان إلهي فيكشف غامضها ويجليها في منصتها ،
يخترع من مشاهدة صورة موجودة لا من نفسه ،
وليس هذا لكل عارف إلا لمن يعلم المصارف ، فإنه مشهد ضنين له البقاء في التلوين ،
يرث ولا يورث ، بالنبوة العامة يتصرف ، ويعمل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي ،
يؤذى فيحلم عن مقدرة وإذا آخذ فبطشه شديد ، لأنه خالص غير مشوب برحمة ،
قال أبو يزيد : "بطشي أشد " فهذه صفة العارف عندي  ،
فتحقق فإن موطن هذا لمأخذ عزيز والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . أهـ
"فالأولياء بالنسبة للمريدين وعامة الناس امرهم كله غرابا"


بيت الشعر
:  كهز الرديني .. ثم اضطرب
كهز الرديني بين الأكف … جرى في الأنابيب ثم اضطرب
هذا البيت لأبي دؤاد الإيادي شاعر جاهلي، من قصيدة وصف بها فرسه ... مطلعها :
وقد أغتدي في بياض الصَّباح ... وأعجازُ ليل مولي الذنْب
بِطرف ينازعني مرسنا ... سلوف المقادة محض النَّسب
طواه القنيصُ وتعداؤه ... وإرشاش عطفيه حتى شسب
بعيد مَدَى الطرف خاظي البضيع ... ممر القُوَى مُسَمَهرّ العَصَب
رفيع المعد كسيد الغاض ... تَميم الضلوع بجوف رَحَبْ
وهادٍ تقدَّم لا عيبَ فيه ... كالجذع شُذِّبَ عنهُ الكَرَبْ
إذا قيد قحَّم من قادَه ... وولَّتْ علابيُه واجْلَعَبْ
كهزِّ الرديني بين الاكفّ ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
والرديني: الرمح. والأنابيب: أجزاء الرمح ..
يشبه اهتزاز فرسه ونشاطه وسرعته، كما يسرع الاهتزاز في الرمح.
ويقال: إذا هززت الرمح جرت تلك الهزة فيه حتى يضطرب كله وكذلك هذا الفرس ليس فيه عضو إلا وهو يعين ما يليه، ولم يرد الاضطراب ولا الرعدة.
والشاهد: استخدام "ثم" بمعنى "الفاء" للترتيب مع التعقيب دون تراخ، أما «ثم» فأصل معناها «الترتيب مع التراخي» ...
ذلك أن الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه الاضطراب ولم يتراخ عنه ..

مسألة ذكر اسم نبي الله سليمان قبل بسم الله الرحمن الرحيم:
قال تعالى جل شأنه : " إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "
قال د. أبو العلا عفيفي : "" الشيخ ابن العربي يخطئ، هذا الرأي لما يقتضيه من نسبة الجهل و عدم البصر بما يليق نحو الجناب الإلهي إلى رسول كسليمان.
و حجته في ذلك أن الجملة الأولى و هي «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وأنهُ» ليست جزءاً من كلام سليمان إلى بلقيس، بل هي إخبار منها لقومها بأنها أُلْقِيَ إليها كتاب من سليمان.
أما أول الكتاب فهو «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
و من الناس من يعتبر الجملة الأولى جزءاً من كتاب سليمان إلى بلقيس و يلتمس لسليمان عذراً في تقديم اسمه على اسم اللَّه و لا يعد ذلك جهلًا من الرسول،
بل عملًا قصد به إلى غاية خاصة، و ذلك أن سليمان لما علم أنه ليس من عادة الملوك الاحتفاء برسالات الأنبياء و لا تكريم حامليها،
بل لقد يدفعهم الشطط في امتهانها و تحقيرها إلى تمزيقها أو إحراقها أو التمثيل بها أي نوع من أنواع التمثيل كما فعل كسرى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم، لما علم سليمان كل ذلك، قدم اسمه على اسم اللَّه لكي يعرض اسم هو أولًا لمثل هذه الاهانة إن وقعت.
و هذا تعليل في نظر ابن العربي في غاية الضعف، إذ لو كان في نية بلقيس أن تمتهن كتاب سليمان بالإحراق أو التمزيق لأصابت هذه الاهانة كل ما فيه، و لما منعها من فعلها تقديم أحد الاسمين على الآخر. أهـ ""


 .
واتساب

No comments:

Post a Comment