Sunday, December 15, 2019

15 -  فك ختم الفص العيسوى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

15 - فك ختم الفص العيسوى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

15 -  فك ختم الفص العيسوى .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي
15 -  فك ختم الفص العيسوى
1 / 15 -  اعلم ان لفظ النبي قد وردت بالهمزة وبدونه ، فبالهمزة هو مشتق من النبإ ، وهو الاخبار ، وبدون الهمزة هو من نبا ينبو ، إذا ارتفع ، ومراد شيخنا رضى الله عنه من اقرانه هذه الحكمة بالنبوة ليس بمعنى الاخبار ، فان كل من ذكره من الأنبياء في هذا الكتاب مشتركون في ذلك ، وانما مراده معنى الرفعة ، وسأذكر معنى الرفعة وغيرها من صفات الخصيصة بعيسى عليه السلام ما يسر الله ذكره ، لكن بعد تقديم مقدمة كلية مشتملة على اسرار شتى ، يستعان بها في فهم ما اذكره في شأن عيسى عليه السلام واسرار رفعته .

2 / 15 - فأقول : اعلم ان الموجودات متفاوتة الدرجات في الشرف والخسة والنقص والكمال ، فأي موجود قلت الوسائط بينه وبين موجده او ارتفعت وقلت فيه احكام الكثرة الامكانية وقويت نسبته من حضرة الوحدانية الإلهية كانت اشرف وأتم قربا من الحق من حيث وحدانيته ، وكثرة الوسائط وتضاعف وجوه امكاناتها مع وفور الاحكام الامكانية في الموجود يقضى بخسته ونزول درجته وبعد نسبته من حضرة الوحدانية ، واما النقص والكمال :
فهما بحسب وفور الجمعية بين الصفات الإلهية والحقائق الكونية ، لأنها المستلزمة لوفور الحظ من صورة الحضرة الإلهية التي حذى عليها الصورة الادمية والقرب من مرتبة المضاهاة او بحسب نقصه - اعنى نقص الحظ المذكور - فأي موجود كان اكثر استيعابا للصفات الربانية والحقائق الكونية ظاهرا بها بالفعل ، كانت نسبته من حضرة المضاهاة والخلافة الإلهية اقرب ، وحظه من صورة الحضرة اوفر ، والأقل حظا مما ذكرنا له النقص.

3 / 15 -  ثم ان درجات النقص والكمال تتفاوت بحسب قلة الجمعية الفعلية وكثرتها ، وبها تظهر النقائص والكمالات النسبية وتثبت المفاضلة بين الأنبياء والأولياء ، والمستوعب في كل عصر وزمان بالذات والمرتبة والعلم والحال والفعل بجميع الحقائق الأسماء الإلهية والصفات والحقائق الكونية وأحكامها المتصلة أخر كثرته .
برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي الإلهي الإطلاقى واحكام الوحدانية الوجوبية وبين الحقائق والخواص الكونية وأحكامها الامكانية على سبيل الحيطة ، له الكمال الذي يستند اليه مرتبة الخلافة الكبرى ، والوحدانية التي يقرب النسبة منها يثبت الشرف لمن ذكرنا.
  
4 / 15 -  ثم ليعلم انه ما من موجود الا وارتباطه بالحق من وجهين :
الوجه الواحد جهة سلسلة الترتيب والوسائط ، والجهة الاخرى لا حكم فيها لواسطة من الوسائط اصلا ، والمحققون يسمون هذا الوجه : الذي لا واسطة .
فيه بين كل موجود وبين ربه بالوجه الخاص ، غير ان باب هذا الوجه مسدود عن اكثر الخلق من حيثهم : وقد نبه على ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع من إشاراته .
فإنه كان يروى أحيانا عن جبرئيل ، وجبرئيل عن ميكائيل وميكائيل عن اسرافيل واسرافيل عن الله تعالى ، وكان يروى أحيانا عن جبرئيل عن الله وكان يروى أحيانا عن الله تعالى - دون واسطة جبرئيل - ويقول : قال لي ربى ، ويقول ايضا : لي مع الله وقت لا يسعني فيه غير ربى ، ويقول : أتاني ربى ، ونحو ذلك .

5 / 15 -  وإذا وضح هذا الأصل وما تقدم ذكره فاعلم :
ان جبرئيل وميكائيل وغيرهما - ما عدا القلم الأعلى - يأخذون عن الله بواسطة وبغير واسطة ، وكذلك الأكابر من الأنبياء والأولياء .
ومن جملة ما اخذه جبرئيل عن الله بلا واسطة الكلمة الإلهية العيسوية التي ألقاها الى مريم ، وتلك الكلمة متحصلة من الحروف التي كان اجتماعها سببا لوجود الأرواح وهي ثمانية حروف وتاسعها التجلي النفسي الساري في كل موجود والموجب لظهور السر الإلهي المتعين بعيسى عليه السلام ، وفيه هو معنويات تلك الحروف وانها عبارة عن جملة احكام الوجوب التي هي آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها بتجلى الحق من حيث هي في مرتبة الالوهية ، وتعين ثمانية قابليات في المؤثر فيه - هو تاسعها.

6 / 15  - فتلك ثمانية عشر ومظاهرها من الحروف هذا الترتيب : الباء والجيم والدال والهاء والواو والحاء والطاء والياء والكاف والميم والفاء والقاف والراء والتاء والثاء والخاء والسين والظاء ، وسبب اختلاف وجود الأرواح وأحوالهم هو بحسب مرتبة التي يقع فيها الاجتماع بين توجهات الحقائق المذكورة وما يقابلها من قابليات حقائق الأعيان المؤثر فيها .

7 / 15 - وإذا علمت هذا فاعلم : ان الحروف الغير المنقوطة من هذه الثمانية عشر مظاهر توجهات الحقائق المذكورة ، والمنقوطة مظاهر قابليات الحقائق المؤثر فيها فافهم ، والله اعلم .

8 / 15  -  وصورة تأليفها كلها كلمة هي حقيقة روحية عيسى عليه السلام ، وصورة عيسى مكونة من صيغة الكلمة الإلهية بالصفة جبرئيلية ، وبسبب ثباتها في هذا العالم مدة هو مكتسب من سر طبيعة مريم ، وموجب سراية القوة الطبيعية من مريم فبما نفخه جبرئيل من الكلمة هو خاصية التمثيل الجبرئيلى بشرا سويا ، اى حسنا معتدلا ، وحال الفعل هو من وجه شبيه بالاحتلام .

9 / 15  - ولما كان مقام جبرئيل بالسدرة والسدرة مقام برزخى ، لأنه متوسط بين العالم الطبيعة العنصرية وبين عالم الطبيعة الكلية - في مرتبتها الثابتة المختصة بعالم المثال والعرش والكرسي وما اشتملوا عليه - لهذا كانت صورة جبرئيل التي جاء بها مشتملة على خواص ما فوق السدرة وما تحتها .

10 / 15 - واما احياء عيسى الموتى : فلغلبة السر الروحي المتعجن فيه .

11 / 15 - واما الاذن الإلهي له : فعبارة عن تمكين الحق له من فعله ما فعل ، وذلك من آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها التي قلت انها حروف كلمته وحلية صورته هي من النسبة الحاصلة  من الصورة الجبرئيلية .

12 / 15  - ومن علم ان جبرئيل هو روح طبيعة عالم العناصر وما ظهر عنها - كالسماوات السبع وما اشتملت عليه العناصر هذا من المولدات - علم ان عيسى عليه السلام من وجه هو صوره روحانية جبرئيل ومظهر مقامه عند السدرة الموصوفة آنفا بالبرزخية كما ان مريم صورة الطبيعة الكبرى ، و يعرف ان فك له ختام ما ذكرت في هذا الفص لم كان عيسى عليه السلام روح الله والى اى اسم ينضاف من الأسماء التي يشتمل عليها الاسم الله .
وساكشف القناع عن بقية اسرار أحواله الكلية ان شاء الله تعالى لتعرف بتوفيق الله وإرشاده من ذلك سر ختميته وسر كونه آخر الأولياء ما  حظه من الجمعية الكبرى الخصيصة بالحقيقة الانسانية الإلهية الكمالية المنبه عليها من قبل .
وأنبه على الحكمة التي يتضمنها نزوله ودخوله في دائرة الشريعة المحمدية وانصباغ ما يوحى به اليه حالتئذ بحكمها وصفاتها ، وتعرف من لوازم هذه الأحوال المذكورة من اسرار شئونه وأحكامه زوائد أخر ، يتضمنها التنبيهات المذكورة .

13 / 15فأقول بعون الله وتوفيقه وتأييده :
واما سر ختميته عليه السلام فثابتة من وجهين : أحدهما من جهة ما تضمنه الإشارة الإلهية بقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ آل عمران / 59 ] فآدم عليه السلام اول مظهر بصورة الجمعية الحقيقة الانسانية الإلهية التي بها ختم الحق مراتب الإيجاد .
وعيسى عليه السلام ظهر بصفة روح تلك الجمعية لا صورتها ، فان صورته عرضية ومرتبتها مثالية .
فمماثلة عيسى لادم عليهما السلام ثابتة من حيث الجمعية والختمية  ولهذا عرف الحق سبحانه آدم في الآية انه: " خَلَقَه من تُرابٍ " [ آل عمران / 59 ] .
ليعلم ان المماثلة بين عيسى وآدم ليست من حيث المادة والخلقة ، بل من وجوه اخرى ، كالذي نبهتك عليه من شأن الجمعية والختمية وغيرهما.

14 / 15  - ولما كانت روحية عيسى كلية عامة الحكم بالنسبة الى صورة الكون وأضافها الحق الى نفسه لا بطريق التبعيض ، بل بطريق التشريف ، مع ما علم ان للروح بالنسبة الى الصورة في التعين والظهور مرتبة الاخرية ، و لهذا توقف تعين الأرواح الجزئية وتعلقها بالأبدان للتدبير المستلزم للاستكمال ، على صورة  المزاجية التي لها درجة الأولية.
علم ان ختم مرتبة الإيجاد الإنساني الذي ظهرت به الحقيقة الانسانية الجامعة الإلهية انما يكمل بالنفخ الروحي جزء بالنسبة الى افراد صور الأناسي ، وكلا بالنسبة الى مطلق صورة الكون المعبر عنها أحيانا بظاهر الحق وأحيانا بتفصيل الصورة الانسانية الحقيقية .
ومن تتبع ما أسلفناه في هذا الكتاب في هذا الباب وضح له بتأييد الله صحة ما سبقت الإشارة اليه.

15 / 15 -  واما الوجه الاخر المنبه على سر ختميته : فهو ما أشار اليه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت المتضمن جملة من آثار الساعة واماراتها وفيه انه إذا قبض عيسى ومن معه من المؤمنين بريح يأتيهم من قبل الجنة .
وفي رواية : من قبل الشام ،
وفي رواية : من قبل اليمن ،
تأخذهم من تحت آباطهم فيموتون فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن ويبقى شرار الناس يتهارشون تهارش حمر الوحش في البرية ، لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما .
فعليهم تقوم الساعة فإذا لم يبق يومئذ على وجه الأرض مؤمن ، فأحرى ان لا يبق ولى ، فثبت ختميته من هذا الوجه ايضا .

16 / 15 - واما حظه من الجمعية الانسانية : فصفة كلية من صفات روح الجمعية وهو الموجب لدخوله في دائرة الشريعة المحمدية وحكمه ، فان سر الاحكام الشرعية ، الروحانية النسبة من حيث الملقى والملقى عليه ، ولما قويت نسبته عليه السلام من روح الجمعية الانسانية وجب دخوله في دائرة الشريعة الجامعة التي هي خاتمة الشرائع وانصباغ ما يوحى به اليه بصبغة الشريعة المحمدية . فافهم .

17 / 15 -  واما نزوله فلأمرين :
أحدهما تتميم احكام روح الجمعية - كما نبهت على كلية ذلك .
والامر الاخر هو تنبيه على طلوع الفجر الاخراوى ولهذا يحارب الدجال ، فان الدجال مظهر حقيقة الدنيا وحكم الحق فيها ، ولهذا كان أعور عين اليمنى .
فإنه عديم روح مرتبة الربوبية التي روحها الآخرة دار الحيوان فالنزاع بين مظهر الدنيا والآخرة . ولما كان ذلك الوقت هو زمان طلوع الفجر الاخراوى وزمان موت الدنيا وذهابها ، لزم ان يهلك عيسى الدجال ولزم ان يكون ذلك بباب « لد » من بيت المقدس ، لان ذلك ألد الخصام والنزاع والخصومة .

18 / 15  - فهذا بعض ما يسر الله ذكره من اسرار عيسى عليه السلام ، فان اسراره كثيرة والشروع في بيانها يفضي الى التطويل ، فاكتفيت بهذا ، وسأذكر في فك ختم الفص المحمدي ما بقي من تتمة هذا الأصل ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
 .
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment