Monday, December 23, 2019

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس عشر فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
وهذا فص الحكمة السليمانية ، ذكره بعد حكمة عيسى عليه السلام ، لأن مقام سليمان عليه السلام حاصل من إجابة الدعاء بعين ما طلب حيث قالَ: " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي[ص : 35 ] ،
وعيسى عليه السلام حاصل من إجابة دعاء امرأة عمران بطريق النذر ، كما قال تعالى :" إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 35 ) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ( 36 ) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً [ آل عمران : 35 - 37 ] .
وكانت امرأة عمران طلبت غلاما يكون خالصا لبيت المقدس ، فأجابها اللّه تعالى أوّلا بالأنثى وهي مريم ، وثانيا بالذكر وهو عيسى ابن مريم عليهما السلام وهو عين الإجابة بما طلبت ، ومما يدل على أنها كانت متحققة في الإجابة إلى عين ما طلبت وهو حصول الغلام الذكر من مريم قولها :" وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها".
فقد علمت بالذرية وهو عيسى عليه السلام في حال صغر أمه مريم عليها السلام ، وأخبر تعالى أنه تقبلها ، أي مريم عليها السلام قبولا حسنا ، وأنبتها وهو خروج عيسى عليه السلام منها نباتا حسنا ، كما قال تعالى :وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً( 17 ) [ نوح : 17 ] .
(فص حكمة رحمانية) منسوبة إلى الرحمن (في كلمة سليمانية ).
إنما اختصت حكمة سليمان عليه السلام بكونها رحمانية ، لأنها من استواء الرحمن على عرش الوجود واستيلاؤه عليه ، فهي لمحة من رحمة الإيجاد ، وقد رحم اللّه تعالى الوجود الذي استولى عليه سليمان عليه السلام ، وقهره بالموافقة ونفوذ الكلمة ، فهي نعمة عليه وعلى أهل زمانه كلهم ، ولهذا ذكرها من باب التحدث بالنعمة .
 "وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ" [ النمل : 16 ] .
وفي قضية عرش بلقيس :" فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " [ النمل : 40 ] .
قال اللّه تعالى :
قال رضي الله عنه :  ( "إِنَّه ُيعني الكتاب مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ أي مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " [ النمل : 30 ] .  فأخذ بعض النّاس في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن كذلك .  وتكلّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان بربّه .  وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ[ النمل : 29] . أي مكرّم عليها وإنّما حملهم على ذلك ربّما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وما مزّقه حتّى قرأه كلّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره . )

قال رضي الله عنه :  ( إنه يعني الكتاب( الذي أرسله سليمان عليه السلام إلى بلقيس مع الهدهد من سليمان ، لأنه هو الذي قصدها به ودعاها بدعوة الحق إلى الدخول تحت طاعته التي هي طاعة اللّه تعالى )وإنه( ، أي )مضمونه( يعني ما تضمنه ذلك الكتاب من الدين الحق ودعوة الهدى "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" [ النمل : 31 ] . فأخذ بعض الناس(
من علماء الظاهر في بيان حكمة تقديم اسم سليمان عليه السلام على اسم اللّه تعالى ولم يكن الأمر في نفسه كذلك ، أي على ما ذكروا من تقديم اسم سليمان على اسم اللّه تعالى ، وإنما يكون
كذلك لو قال : باسم سليمان واللّه الرحمن الرحيم ، وحاشاه عليه السلام من تقديم اسمه على اسم اللّه تعالى مع علمه باللّه ومعرفته به المعرفة التامة وعصمته في الأدب معه تعالى ، ولكنه أتى أوّلا باسم اللّه الظاهر والآخر بالقيومية عليه وعلى كل شيء وله سبحانه في هذه الحضرة أسماء منها اسم سليمان وأتى ثانيا باسم اللّه الباطن ، والأوّل عن إدراكه وإدراك كل شيء.
وله سبحانه في هذه الحضرة أيضا أسماء منها : اسم الرحمن الرحيم .
وستأتي الإشارة إليه من المصنف قدس اللّه سره ، وقد قال تعالى :"هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ" [ الحديد : 3 ] ، فلا أوّل ولا آخر ولا ظاهر ولا باطن إلا هو لا إله إلا هو إليه المصير .
وهذا كله من حيث إنه تعالى قيوم على كل شيء "وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" [ القصص : 88 ]
لا من حيث إنه تعالى عين الأشياء الهالكة ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
)وتكلموا ) ، أي بعض الناس من علماء الظاهر (في ذلك) الذي ذهبوا إليه من تقديم اسم سليمان على اسم اللّه تعالى (بما لا ينبغي) أن يقال مما ، أي من الأمر الذي (لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه) تعالى فإنه عارف به المعرفة الكشفية الذوقية لا المعرفة العقلية المستفادة من الدليل والبرهان كما هو عند أهل الظاهر من

المتمسكين بالعقول في أحكام الشريعة في العقول وكيف يليق بمقام سليمان عليه السلام ما قالوه من الكلام وبلقيس تقول فيه ، أي في ذلك الكتاب لما ألقاه الهدهد عليها وكانت كافرة من قوم كافرين يعبدون الشمس من دون اللّه : (" يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ" أي مكرم عليها) [ النمل  : 29 ]
وذلك لما رأته مشتملا عليه من الجزالة في اللفظ مع كمال الإفادة في المطلوب ، وذكر الأمر والنهي وبيان المرسل بذكر اسمه واسم اللّه تعالى ، وبيان التوحيد بأن الأمور كلها به تعالى ، وبيان الشريعة بذكر الإسلام لسليمان عليه السلام في كل ما جاء به ، ولهذا لما أسلمت بلقيس قالت :وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ[ النمل : 44 ] .

فقد انقادت للّه تعالى الذي به قام كل شيء ، من باب شريعة سليمان عليه السلام لا بالاستقلال منها وترك الشريعة التي كان عليها سليمان عليه السلام ، وهذا كمال الحذق منها والاستعداد لقبول الحق والتوفيق الإلهي لها ، ولهذا لما امتحنها سليمان عليه السلام فقالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ ( 41 ) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ[ النمل : 41 - 42 ] ،
وأتت بهذه العبارة الجامعة للحقائق والحاوية على أنواع الرقائق .
(وإنما حملهم) ، أي علماء الظاهر (على ذلك) القول الذي قالوه ربما ، أي يحتمل أن يكون تمزيق ، أي تقطيع (كسرى) أنو شروان ملك الفرس (كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم) لما أرسله إليه يدعوه إلى الإسلام وما مزقه ، أي كسرى حتى قرأه كله وعرف مضمونه .
أي ما اشتمل عليه من الأمر بترك الدين الباطل واتباع الإسلام فكذلك كانت تفعل بلقيس بكتاب سليمان عليه السلام ، فما كانت تمزقه حتى تقرأه من أوّله إلى آخره وتعرف مضمونه لو لم توفق ، أي يوفقها اللّه تعالى لما وفقت له .

أي وفقها اللّه تعالى له من كرامة ذلك الكتاب عليها فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق ، أي عدم الاحتفال بحرمة صاحبه ، أي صاحب ذلك الكتاب تقديم اسمه ، أي سليمان عليه السلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره ، أي سليمان عليه السلام عنه ، أي عن اسم اللّه تعالى .
لأن الكتاب كله يمزق بعد تمام قراءته ومعرفة مضمونة ، فيقع التمزيق على اسم سليمان عليه السلام واسم اللّه تعالى .
وليس وقوع التمزيق أولا على اسم سليمان عليه السلام بأمر محقق حتى يكون وقاية لتمزيق اسم اللّه تعالى كما زعموا .
بل كان الأمر بالعكس ينبغي تقديم اسم اللّه تعالى حتى إذا رأوه في أوّل الكتاب يحترمون تمزيق الكتاب ، لأن الكفار من المجوس وعباد الشمس والنار والأصنام قائلون بوجود اللّه ، ولم ينكر وجوده تعالى إلا الدهرية ومن تابعهم .
ولأن تقديم اسم المخلوق الذي مثلهم يحرك فيهم سلسلة

العناد لما انجبلت عليه النفوس البشرية من عدم الانقياد لمثلها ؛ ولهذا قالوا :أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ[ القمر : 24 ] ،وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً[ المؤمنون : 24 ]
فأبوا عن الانقياد للجنس وطلبوا غير الجنس ، فكان تقديم اسم المخلوق باعثا على تمزيق الكتاب أكثر من باعث تقديم اسم اللّه تعالى .
فإنهم ربما كانوا يرعون لذكر اسم اللّه تعالى في الابتداء قبل ذكر اسم المخلوق ، بل ربما كان تقديم اسم المخلوق داعيا إلى أشد التكذيب منهم بتعليل أن هذا الداعي لهم إلى اللّه تعالى قدم اسمه على الاسم المدعو إليهم ، فيفهم الجاهل من ذلك عدم الاحترام منه ، فيدعو ذلك إلى التمزيق والإهانة ، فلا وجه لما قالوه فيما زعموا من التقديم .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
 قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فص حكمة رحمانية ) أي زبدة علوم منسوبة إلى الرحمن حاصلة ( في كلمة سليمانية ) أي في روح هذا النبي عليه السلام فكل من علم هذه الحكمة وتكلم بها .
"" إضافة المحقق : يبحث هذا الفص في مسألتين هامتين إلى جانب مسائل أخرى كثيرة تتصل بها : -
المسألة الأولى : الرحمة الإلهية ، معناها وأقسامها . وقد سبقت الإشارة إلى الرحمة في النصوص التي سبقت ولكننا هنا بإزاء شرح أوفى لأحد قسمي الرحمة وهو رحمة الوجوب .
المسألة الثانية : هي مسألة الملك والخلافة والتصرف وهي متصلة بسليمان عليه السلام على نحو ما فصله القرآن الكريم.""
فمن روح هذا النبي قال اللّه تعالى حكاية عن قراءة بلقيس كتاب سليمان عليه السلام ( أنه يعني الكتاب ) الملقى إليّ ( من سليمان وأنه أي مضمونه ) .
وإنما رجع الضمير الثاني إلى المضمون لا إلى الكتاب لأن ما في الكتاب لا ينحصر في البسملة قال رضي الله عنه :  ( بسم اللّه الرحمن الرحيم فأخذ بعض الناس ) أي ذهب بعض المفسرين ( في تقديم ) يتعلق بأخذ باعتبار تضمنه معنى شرع وإن كان متعديا ( اسم سليمان على اسم اللّه ) .

أي قدم سليمان في كتابه اسمه على اسم اللّه فحكى بلقيس مع حواشيها كذلك ( ولم يكن كذلك ) والحال أن سليمان لم يقدم اسمه على اسم اللّه في كتابه بل إنما كان التقديم عن قراءة بلقيس لأنه لما قالت بلقيس لحواشيها أني ألقي إليّ كتاب كريم نصب السامعون أعينهم وانتظروا إلى ذكر الملقى فاقتضى المقام تقديم اسمه على اسم اللّه في قراءة بلقيس وكذلك في كتاب سليمان بل قدم اسم اللّه على اسمه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وتكلموا في ذلك ) أي في وجه تقديم سليمان اسمه على اسم اللّه ( بما لا ينبغي ) يتعلق بتكلموا ( مما ) بيان لما لا ينبغي ( لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه ) .
فإنهم قالوا إنما قدم اسمه على اسم اللّه لئلا يحرق الكتاب بحرمة صاحبه .
وبعضهم قالوا إنما قدم اسمه على اسم اللّه لأنها ملكة كافرة فخاف سليمان شتمها عند القراءة فقدم اسمه ليرجع الشتم إليه "لا" إلى اللّه .
كل ذلك لا يليق بحضرة سليمان العالم بالأمور على ما هي عليه لذلك ذهب الشيخ إلى أن سليمان لم يقدم اسمه على اسم اللّه والتقديم بتوهم من حكاية بلقيس ( وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول ) لحواشيها ( فيه ) أي في حق الكتاب ( أنى ألقي إليّ كتاب كريم أي يكرم عليها ) على بلقيس.

وسليمان عالم بهذا القول من بلقيس قبل أن تقول فكيف يليق بهذه المعرفة معرفة سليمان ما قالوه في حقه من نسبة الجهل ( وإنما حملهم ) أي بعض الناس ( على ذلك ) التقديم ( ربما ) فاعل حملهم على التقديم علة لحملهم على التقديم ( تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه عليه السلام ) يعني قالوا إنما قدم سليمان اسمه على اسم اللّه لئلا تمزق كتابه كما مزق كسرى كتاب رسول اللّه عليه السلام لتقديم اسم اللّه على اسمه فقولهم قدم الرسول اسم اللّه على اسمه وقولهم : مزق كسرى كتاب رسول اللّه عليه السلام قد أصابوا فيه لكنهم أخطئوا في قولهم إن تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه لتقديم اسم اللّه على اسمه .
ولولا ذلك التقديم لما مزقه وإلى بطلان هذا القول أشار بقوله ( وما مزقه ) أي وما مزق كسرى كتاب رسول اللّه ( حتى قرأه كله وعرف مضمونه ) .

ولو كان تقديم اسم اللّه سببا لتمزيق كتاب رسول اللّه عليه السلام لما قرأ كله بل مزق عند رؤية اسم اللّه بدون قراءة ما في الكتاب فما مزقه إلا لعدم توفيق اللّه له .
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك ) أي ككسرى ( كانت تفعل بلقيس ) أي ما مزقته حتى قرأت كله وعرفت مضمونه ( لو لم توفق ) من التوفيق على بناء المجهول ( لما وفقت له ) فسبب التمزيق عدم التوفيق وسبب عدم التمزيق التوفيق.
قال رضي الله عنه :  ( فلم يكن يحمى الكتاب عن الإحراق بحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم اللّه عزّ وجلّ ولا تأخيره ) أي لم يكن تقديم اسمه ولا تأخيره سببا لحفظ الكتاب عن التمزيق قوله الكتاب مفعول يحمى وتقديم فاعله .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

قال رضي الله عنه :  («إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه. وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له. فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

قلت : قال بعضهم: إنما كتب سليمان عليه السلام، اسمه قبل اسم الله تعالى في قوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (الروم: 27) 
خوفا على اسم الله تعالى من الإحراق   فإن عوائد الجبابرة من الملوك أن يهينوا المرسل بتمزيق أول اسم في كتابه.
فأراد سليمان، عليه السلام، أن يكون التمزيق في اسمه لا في اسم الله تعالى.
فلذلك قدمه وأخر ذكر اسم الله تعالی. 
قال رضي الله عنه: ليس الأمر كما قالوه وإن أوهم تمزيق کسری کتاب النبي عليه السلام ، صدق من من توهم ذلك.
"" أضاف الجامع :
قال د. أبو العلا عفيفي : الشيخ ابن العربي يخطئ، هذا الرأي لما يقتضيه من نسبة الجهل و عدم البصر بما يليق نحو الجناب الإلهي إلى رسول كسليمان.
و حجته في ذلك أن الجملة الأولى و هي «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ» ليست جزءاً من كلام سليمان إلى بلقيس، بل هي إخبار منها لقومها بأنها أُلْقِيَ إليها كتاب من سليمان.
أما أول الكتاب فهو «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
و من الناس من يعتبر الجملة الأولى جزءاً من كتاب سليمان إلى بلقيس و يلتمس لسليمان عذراً في تقديم اسمه على اسم اللَّه و لا يعد ذلك جهلًا من الرسول،
بل عملًا قصد به إلى غاية خاصة، و ذلك أن سليمان لما علم أنه ليس من عادة الملوك الاحتفاء برسالات الأنبياء و لا تكريم حامليها،
بل لقد يدفعهم الشطط في امتهانها و تحقيرها إلى تمزيقها أو إحراقها أو التمثيل بها أي نوع من أنواع التمثيل كما فعل كسرى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم، لما علم سليمان كل ذلك، قدم اسمه على اسم اللَّه لكي يعرض اسم هو أولًا لمثل هذه الاهانة إن وقعت.
و هذا تعليل في نظر ابن العربي في غاية الضعف، إذ لو كان في نية بلقيس أن تمتهن كتاب سليمان بالإحراق أو التمزيق لأصابت هذه الاهانة كل ما فيه، و لما منعها من فعلها تقديم أحد الاسمين على الآخر. أهـ ""

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   
16 - فصّ حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال العبد : لمّا كانت الحكمة الرحمانية توجب ظهور الوجود العامّ على أكمل وجوهها في أكمل المظاهر الإلهية الرحمانية من الأشخاص الإنسانية بحيث يظهر فيه جميع أصناف الرحمة والإلهيات الظاهرة على العموم من كمال التصرّف والسلطان والملك والنبوّة والولاية على ما هي ظاهرة في جميع العالم مفصّلا مفرّقا في أشخاصه .

"أسندت حكمته إلى الرحمن لكمال ظهور أسرار الرحمة العامّة والخاصّة فيه صلَّى الله عليه وسلَّم على الوجه الأعمّ الأشمل وبالسرّ الأتّم الأكمل ، وجعل الله سعته في أمره وحكمه على أكثر المخلوقات ، وسخّر له العالم جميعا كما وسعت رحمة الرحمن جميع الموجودات ، فافهم ."
 وكانت الكلمة السليمانية بهذه المثابة على التعيين فإنّه كان نبيّا وليّا عبدا كاملا .
ووهبه الله التسخير الكلَّيّ التامّ والسلطان والحكم والتصرّف العامّ في جميع أجناس العالم وأنواعه وأصنافه من الملائكة والجنّ والإنس والطير والسباع وسائر الحيوان والنبات والمعادن ، على أكمل وجوهها وأفضلها وأتمّها وأعمّها .
فصلحت إضافة هذه الحكمة الرحمانية إليه عليه السّلام.
قال رضي الله عنه :  (إِنَّه ُ)   يعني الكتاب (من سُلَيْمانَ وَإِنَّه ُ) أي مضمونه (بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)   .
فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله ولم يكن كذلك ،
وتكلَّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان عليه السّلام بربّه .
وكيف .يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :   ( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ) أي يكرم عليها ؟ ! » .

قال العبد : تأدّب رضي الله عنه مع الحق الذي في أعيان الطاعنين في سليمان وتخطئتهم بعدم تعيينه أسماءهم .
فقال : « أخذ بعض الناس ، وتكلَّموا بما لا يليق » إعراضا عن التعرّض لتخطئتهم والتعريض بهم ، وإنّما ساق مقتضى التحقيق في هذا المقام السليمانيّ وأمّا خطؤهم في تخطئة سليمان فصريح.
فإنّ واضح التفسير أنّ بلقيس هي التي قالت لقومها عندما ألقى إليها الهدهد كتاب سليمان وأرتهم الكتاب :
 ( إِنَّه ُ من سُلَيْمانَ ) فهذا قولها ، ليس في طيّ الكتاب « إِنَّه ُ» يعني مضمون الكتاب ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ )  والدليل على ذلك من ظاهر اللفظ قولها :   ( يا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ )   .
وقولها : « إِنَّه ُ » أي الكتاب ، يعود الضمير إلى المذكور ، وعلى ما قالوا ليس للضمير مذكور يعود إليه .
وإنّما قالت ذلك بيانا لمرسل الكتاب ، ثمّ تصدّت لبيان مضمون الكتاب بقولها : ( وَإِنَّه ُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .
وأنّه طلب الطاعة والانقياد لحكمه ، فما بقي بعد ذلك احتمال لكون الكتاب مكتوبا فيه ، كما قالوا ، وهذا ظاهر .

قال رضي الله عنه :  « وإنّما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم و ما مزّقه حتى قرأه كلَّه وعرف مضمونه .
فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له ، فلم يكن يحمي الكتاب عن الإخراق لحرمة صاحبه تقديم اسم سليمان عليه السّلام على اسم الله ولا تأخيره عنه » .
قال العبد : وإنّه رضي الله عنه وإن أقام عذرهم ، فإنّ قوله : « ربما حملهم على ذلك » إشارة إلى أنّهم علَّلوا فيما ذكروا تمزيق كتاب رسول الله .
ثمّ بيّن أنّ هذا التعليل أيضا غير صحيح ، لكون كسرى إنّما مزّق الكتاب ، لكون مضمونه دعوته إلى خلاف دينه ومعتقده ، لا لأنّ اسم الله مقدّم على اسمه .
وتقديم اسم رسول الله على اسمه كان جزءا لعلَّة التمزيق ، فمزّقه الله كلّ ممزّق .
فوفّق الله بلقيس ، فقرأت الكتاب وآمنت باطنا ، فذكرت لقومها أنّها ألقي إليّ كتاب كريم ، أرسله إليها سلطان عظيم .
فلو لم توفّق لما وفّقت ، لمزّقت ، سواء كان اسم سليمان مقدّما على اسم الله أو لم يكن ، فليس تقديم اسمه ولا تأخيره بمانع عن التمزيق والإحراق ، كما زعموا .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
إنما اختصت الكلمة السليمانية بالحكمة الرحمانية لاختصاصه عليه السلام من عند الله جميع أنواع الرحمة العامة والخاصة ، فإن الرحمة إما ذاتية أو صفاتية ، وكل واحدة منهما إما عامة أو خاصة .
وقد خصه الله تعالى بالوجود التام على أكمل الوجوه ، والاستعداد الكامل للولاية والنبوة من الرحمة الذاتية الخاصة والعامة ، وبالمواهب الظاهرة والباطنة ، وأسبغ عليه نعمه الصورية والمعنوية .
وسخر له العالم السفلى بما فيه من العناصر والمعادن والنبات والحيوان ، والعالم العلوي بالإمدادات النورية والقهرية واللطفية من الرحمة الصفاتية الخاصة والعامة مما يطول تفصيلها كالسلطنة الكاملة والملك العام بالتصرفات الشاملة في الأرض والتبوء منها ما شاء .
والماء بالغوص والريح بالجري بأمره حيث شاء ، والنار بتسخير الشياطين النارية كما ذكر الله تعالى في مواضع من القرآن
وحكى عنه قوله  " يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينا من كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُه من الْجِنِّ والإِنْسِ " - الآية ،
ولو لم يسخر الله العالم العلوي حتى يؤيده لما أطاعه الكون والشيطان ، ولا دان له الإنس والجان  قال رضي الله عنه :  ( إِنَّه ) يعنى الكتاب  ( من سُلَيْمانَ وإِنَّه )  أي مضمونه   ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )  .

فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله ، ولم يكن كذلك ، وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه ، وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه   (" إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ "  أي يكرم عليها ) ذهب الشيخ رضي الله عنه إلى قوله تعالى  " إِنَّه من سُلَيْمانَ "  حكاية قول بلقيس لا حكاية المكتوب في الكتاب .

وذلك أن بلقيس لما ألقى إليها الكتاب قالت لقومها وأرتهم الكتاب ( إِنَّه من سُلَيْمانَ )   فذلك قولها لا ما في طي الكتاب من المكتوب ، وكذلك قوله ( إِنَّه من )  
قولها : أي وإن مضمونه  ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ )   فما في الكتاب إلا ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )   إلى قوله : ( مُسْلِمِينَ ) 
وقد تأدب مع الحق الذي في أعيان الطاعنين في سليمان حيث لم يسمهم ولم يصرح بتخطئتهم ، بل قال بعض الناس وتكلموا ما لا يليق .

ومعنى قوله : ولم يكن كذلك  لم يقدم سليمان اسمه على اسم الله كما زعموا ثم أنكر ما قالوا بقوله وكيف يليق ما قالوه
وبلقيس تقول : ( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ )  فهي التي تقول  ( إِنَّه من سُلَيْمانَ )  الضمير في إنه يرجع إلى الكتاب وهذا واضح التفسير ، وعلى ما قالوه ليس الضمير المذكور يعود إليه وفيه تعريض بهم .
كأنه يقول كيف يليق ما قالوه في حق سليمان من الطعن في كتابه وهم مسلمون ، وبلقيس وصفت كتابه بالكرم وأنه يكرم عليها وهي كافرة ، فقولها : ( إِنَّه من سُلَيْمانَ )  بعد ذكر الكتاب بيان للمرسل
وقولها : ( وإِنَّه )  بيان لمضمون الكتاب وهو ( بِسْمِ الله ) إلى آخره .

قال رضي الله عنه :  ( وإنما حملهم على ذلك تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه ، فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت ، فلم تكن تحمى الكتاب عن الإخراق بحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله تعالى ولا تأخيره عنه ).

 هذا إقامة لعذرهم : أي ربما حملهم على ما قالوه تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : وما مزقه ، بيان لضعف عذرهم ، فإن كسرى إنما مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قرأه وعرف أن مضمونه دعوته إلى خلاف دينه ومعتقده ، وقد قدم فيه اسم الله واسم رسول الله على اسمه فغاظه ذلك فمزقه . وأما بلقيس فوفقها الله تعالى لما قرأت الكتاب فآمنت باطنا وقالت لقومها : إنه كتاب كريم من سلطان عظيم ، فلو لم توفق لما وفقت له لمزقته سواء تقدم فيه اسم سليمان على اسم الله أو أخر عنه ، فلم يكن تقديم اسمه حاميا للكتاب عن الإخراق بسبب حرمة صاحبه .
 ولا تأخيره فلم يكن كما قالوه ( فأتى سليمان بالرحمتين رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتين هما الرحمن الرحيم ) أي فصل ما في اسم الله من أحدية جمع الأسماء بالرحمن
الدال على رحمة الامتنان لعموم الرحمة الرحمانية الكل من حيث أن الرحمن هو الحق باعتبار كونه عين الوجود العام للعالمين ، فعم بهذه الرحمة الذاتية جميع الأسماء والحقائق ، فهي رحمة الامتنان التي لا يخلو عنها شيء كما قال : " رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "   حتى وسعت أسماءه ، فإنها عين ذاته كعلمه كما قال على لسان الملائكة  " رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً "  .

"" أضاف بالي زادة : (رحمة الامتنان ) ما يحصل من الله للعبد بدون مقابلة عمل من أعماله بل عناية سابقة في حق عبده كإعطاء الوجود القدرة للعمل والصحة منه وعطاء
( ورحمة الوجوب ) التي تحصل بمقابلة عمل كإعطاء الثواب للأعمال في الجنة اهـ بالى.
(أعنى رحمة الوجوب ) يعنى أن العبد من حيث أنه عبد يجب عليه إتيان أوامر مولاه ، فلا تجب الرحمة على المولى في مقابلة شيء ، فإذا قدر المولى وأوجب على نفسه لعبده شيئا في مقابلة عمله يستحق العبد بذلك الشيء بسبب عمله ، فوصول ذلك الشيء للعبد من المولى في مقابلة عمله امتنان وعطاء محض ، ولذا قالوا الجنة فضل إلهي فلا يستحقها العبد إلا بفضل الله ، فكان وجوب الرحمة من وجوب الامتنان. اهـ بالى .""

ولهذا قال الإمام المحقق جعفر بن محمد الصادق :
الرحمن اسم خاص : أي باللَّه تعالى بصفة عامة أي صفة له شاملة للكل لأنه لا يمكن غيره أن يسع الكل وبالرحيم الدال على رحمة الوجوب لخصوص الرحمة الرحيمية بما يقتضي الاستعداد بعد الوجود ، فالأعيان مرحومة بالرحمة الرحمانية : أي التجلي الذاتي من الفيض الأقدس دون الرحيمية ، فإنها بعد الاستعداد ، ولهذا قال الإمام عليه السلام : الرحيم اسم عام ، أي مشترك لفظا بين الحق والخلق بصفة خاصة بمن يستعد .
فإن الكمال الذي هو مقتضى الاستعداد بعد الوجود لا بد من وقوعه إما بواسطة الهادي والمرشد والعالم من الأسماء أو الملك أو الإنسان اللذان هما صورتان للأسماء أيضا .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
المراد بالحكمة ( الرحمانية ) ، بيان أسرار الرحمتين الصفاتيتين الناشئتين من الرحمتين الذاتيتين المشار إليهما بقوله تعالى : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم )
قوله : ( المشار إليهما بقوله تعالى . . . ) .

ولما كان اسم ( الرحمن ) عام الحكم شامل الرحمة بجميع الموجودات بالرحمة الوجودية العامة والرحمة الرحيمية الخاصة ، وكان سليمان ، عليه السلام ، مع اتصافه بنعمة النبوة والرسالة ورحمة الولاية سلطانا على العالم السفلى بل على العالم العلوي .
إذ التأثير في عالم الكون والفساد لا يكون إلا بتأييد من العالم الأعلى والعون .
وذلك باستنزال روحانيته إياه وبكونه خليفة عمن لا إله إلا هو وكان عام الحكم في الإنس والجن نافذ الأمر في أعيان العناصر .
لذلك كان يتبوء من الأرض حيث يشاء وكانت الجن يغوصون له في الماء بحكمه مع أنهم من النار وسخر له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب وكان يتصرف في جميع ما يتولد منها ويعلم ألسنة الجمادات ويفهم منطق الحيوانات - ناسب أن يذكر حكمته في كلمته .

قال رضي الله عنه :  ( "إنه" يعنى الكتاب "من سليمان" . و "أنه" أي ، مضمونه : " بسم الله الرحمن الرحيم " . فأخذ بعض الناس في تقديم اسم "سليمان" على اسم "الله" . ولم يكن كذلك . وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان ، عليه السلام ، بربه . وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه : "إني ألقى إلى كتاب كريم " أي ، يكرم عليها .  وإنما حملهم على ذلك تمزيق كسرى كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت له ، فلم يكن يحمى الكتاب عن الإحراق بحرمة صاحبه تقديم اسمه ، عليه السلام ، على اسم الله تعالى ولا تأخيره . )

قال بعض أصحاب التفسير : إن سليمان ، عليه السلام ، قدم اسمه على اسم الله تعالى في الكتاب ، لئلا تخرق بلقيس بحرمته بالمزق وغيره ، كما فعل كسرى بكتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .
والشيخ ذهب إلى أنه ، عليه السلام ، ما قدم اسمه على اسم الله تعالى وما أوهم التقديم إلا حكاية بلقيس مع حواشيها . أي ، قالت لهم : "إني ألقى إلى كتاب كريم . إنه " أي ، أن ذلك الكتاب . ( من سليمان ) .  
و ( أنه ) أي ، وأن مضمون الكتاب "بسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " . وما قالوه لا يليق
بحال النبي العالم بالله ومراتبه ، وبأن اسمه واجب التعظيم . وكيف يليق ما قالوه وبلقيس قالت فيه : ( إني ألقى إلى كتاب كريم ) .
أي ، مكرم عليها ومعظم عندها . ولو أن بلقيس كانت مريدة للخرق وما كانت موفقة لإكرام الكتاب ، لم يكن تقديم اسمه حاميا له من الخرق ولا تأخيره ، بل كانت تقرأ الكتاب وتعرف مضمونه ، كما فعل كسرى ، ثم كانت تمزقه لو لم تكن موفقه .
"" أضاف الجامع :
قال د. أبو العلا عفيفي : الشيخ ابن العربي يخطئ، هذا الرأي لما يقتضيه من نسبة الجهل و عدم البصر بما يليق نحو الجناب الإلهي إلى رسول كسليمان.
و حجته في ذلك أن الجملة الأولى و هي «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ» ليست جزءاً من كلام سليمان إلى بلقيس، بل هي إخبار منها لقومها بأنها أُلْقِيَ إليها كتاب من سليمان.
أما أول الكتاب فهو «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
و من الناس من يعتبر الجملة الأولى جزءاً من كتاب سليمان إلى بلقيس و يلتمس لسليمان عذراً في تقديم اسمه على اسم اللَّه و لا يعد ذلك جهلًا من الرسول،
بل عملًا قصد به إلى غاية خاصة، و ذلك أن سليمان لما علم أنه ليس من عادة الملوك الاحتفاء برسالات الأنبياء و لا تكريم حامليها،
بل لقد يدفعهم الشطط في امتهانها و تحقيرها إلى تمزيقها أو إحراقها أو التمثيل بها أي نوع من أنواع التمثيل كما فعل كسرى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم، لما علم سليمان كل ذلك، قدم اسمه على اسم اللَّه لكي يعرض اسم هو أولًا لمثل هذه الاهانة إن وقعت.
و هذا تعليل في نظر ابن العربي في غاية الضعف، إذ لو كان في نية بلقيس أن تمتهن كتاب سليمان بالإحراق أو التمزيق لأصابت هذه الاهانة كل ما فيه، و لما منعها من فعلها تقديم أحد الاسمين على الآخر. أهـ ""

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

الفص السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال رضي الله عنه :  (إِنَّهُ[ النمل : 30 ] ، يعني الكتاب مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل : 30 ] ، أي : مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل : 30 ] ، فأخذ بعض النّاس في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن كذلك ، وتكلّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان بربّه ، وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [ النمل : 29 ] أي : مكرّم عليها وإنّما حملهم على ذلك ربّما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ؛ وما مزّقه حتّى قرأه كلّه وعرف مضمونه ؛ فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره ) .

أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بعموم الرحمة الإلهية التي هي الرحمانية المتضمنة للرحيمية ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى سليمان عليه السّلام ، إذ خصه اللّه بالملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، فجمع له بين النبوة والولاية ، وتسخير الجن والإنس والطير والريح والماء ، ومعرفة جميع الأشياء حتى منطق الطير ، والتصرف في الكل بمناسبته إياهم .
فظهر بالرحمتين اللتين رحم بهما أولا ، ثم تصرف بهما وبالأسماء الداخلة تحتهما ثانيا ، فيما كتب إلى بلقيس معرفا لها فضله بحيث لا ترى نسبته لما أوتيت إلى ما أوتي مطمعا لها في حصول نصيب منهما لها عند انقيادها له ومتابعتها إياه ، حتى تنقاد له سريعا فكان ذكرهما لها كرما في حقها .

فلذلك وصفت كتابه بالكرم ، ثم بينت ذلك بأنه من المشهور بالكرم سليمان ، وهو عين الكرم لافتتاحه بالرحمتين مع إطماعها في النصيب منهما ، فقالت :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [ النمل : 29 ] ، ( إنه يعني الكتاب ) فسر الضمير ؛ لئلا يتوهم أن للشأن ، فيكون مفتح كتاب سليمان ، فيكون عليه السّلام قدم اسمه على اسم اللّه تعالى وهو جهل ، وإنما هو من قول بلقيس ؛ ولذلك أورد لفظته يعني بتاء التأنيث ( من سليمان ، وإنه أي : مضمونه ) فسره ؛ لئلا يعود إلى البيان أو الكتاب .

فيتوهم أنه تم بقوله :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل : 30 ] ؛ لأنها خبران ، وليس كذلك بل هو مفتتحه وتتمته :أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ[ النمل : 31 ] ، وإن يفسر به فكأنه عليه السّلام يقول : إذا كنت صاحب الرحمة العامة بما أوتيت من الملك الجامع والرحمة الخاصة بما أوتيت من النبوة والولاية ، فلي العلو في الأمور الدنيوية والدينية ،"أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ"[ النمل : 31 ] ، من جهة الملك ،"وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ" [ النمل : 31 ]
 من جهة الدين ، يحصل لكم نصيب من هاتين الفضيلتين بمتابعتكم إياي وانقيادكم لي ، وإلا فاتكم أمر الدارين ،ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ[ الزمر : 15 ] .

فلما وقع قولها أنه من سليمان بعد ذكر الكتاب ، توهم بعض الناس أنه حكاية مضمونة .
قال رضي الله عنه :  ( فأخذ بعض الناس ) يطعن على الكتاب ( في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ) وهو جهل صرف ،
( ولم يكن ) كتابه ( كذلك ) أي : مقدما فيه اسم سليمان على اسم اللّه ، وإنما وقع ذلك في كلام بلقيس ؛ لجريان العادة بذكر الكاتب قبل تفصيل مضمون الكتاب ، ( وتكلموا في ذلك ) الأخذ ( بما لا ينبغي لهم ) أن يتوهموا في حق سليمان عليه السّلام ؛ لأنه ( مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السّلام بربه ) ، إذ عرفوا أنه قد أحل بأسراره ما لم تحط به أكثر الأنبياء عليهم السّلام فضلا عن غيرهم حتى سخر له العالم دونهم .

قال رضي الله عنه :  ( وكيف يليق ) به ( ما قالوه ) من تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ، وهو سفه يعرفه أهل البلاهة ، ( وبلقيس ) مع كمال عقلها وفطانتها بحيث مدحها اللّه تعالى على ذلك ( تقول فيه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ[ النمل : 29 ] ) ، وليس ذلك إلا لتفضيل كلامه عليها ( أي :
تكرم عليها ) ؛ لانتمائه في الإحاطة بوجوه البلاغة والحسن بحيث تنهز له عقول العقلاء ، وتعقد دون الوصول إلى إدراك ما فيه فضلا عن مجاوبته ومعارضته ، فكيف يتصور أن يكون فيه تقديم اسمه على اسم ربه .
قال رضي الله عنه :  ( وإنما حملهم ) أي : القائلين بكونه من جملة الكتاب ( على ذلك ) أي : تقديم سليمان اسمه على اسم اللّه ( ربما ) هذه الشبهة الواهية التي لا يتشبث بمثلها آحاد العقلاء فضلا عن كبار الأنبياء عليهم السّلام ( تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ) ، وزعموا أنه إنما مزقه ؛ لأنه عليه السّلام ما قدم اسمه فيه.
فلم يقع في قلبه له ولا هيبة ، وتفطن سليمان عليه السّلام لهذه النكتة ، فقدم اسمه على اسم اللّه إظهارا لهيبته وعظمته ، فانقادت له وما مزقت كتابه ، وهذا غلط في المقيس والمقيس عليه ونفس القياس .

 وذلك لأنه ( ما مزقه ) كسرى لعدم تقديمه عليه السّلام اسمه ، وإلا لمزقه أول ما رآه قبل استكمال قراءته وفهم مضمونه ، ولكن لم يفعل ( حتى قرأه كله وعرف مضمونه ) ، بل إنما مزقه لعدم انقياده له فيما تضمنه الكتاب .
 ومن لا ينقاد لأحد فهو سواء قدم اسمه أو لم يقدم لا ينقاد له أصلا ، ( فكذلك كانت تفعل بلقيس ) بكتاب سليمان كانت تمزقه بعد قراءته وفهم مضمونه ، ( لو لم توفق لما وفقت له ) من الإيمان ، ( فلم تكن تحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه ) الحاصلة في قلبها عن ( تقديم اسمه ) لدلالته على تجبره وعظمته .

أو عن تأخيره لدلالته على كمال رعايته حق ربه الدال على كمال عقله وفطانته ، وهو من أسباب تربية المهابة تقديم اسمه ( على اسم اللّه ولا تأخيره ) عنه ، ولا وجه آخر لهذا التقديم أصلا ، فلا ينبغي لأحد أن يتوهمه أصلا ، بل يجب أن يعتقد أن مفتتح بيان سليمان هو قوله : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل : 30 ] .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )
16 - فصّ حكمة رحمانيّة في كلمة سليمانيّة
ووجه اختصاص الكلمة السليمانيّة بالحكمة الرحمانيّة هو عموم حكمها ، فإنّ للكلمة السليمانيّة إحاطة سلطنة وقهرمان على البريّة كلَّها ، كما أنّ " الرحمن " بين الأسماء هو الشامل حكمه على الموجودات كلها ، فما من موجود له نوع من الحياة إلا وهو تحت ضبطهما وأمرهما.

ولذلك يلوح فضلهما على اسم « الحي » على ما أخبر عنه قوله تعالى حاكيا عنه : “  يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا من كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ “  [ 27 / 16 ]

تصدير كتاب سليمان عليه السّلام باسم الله تعالى
وحيث أنّ لسليمان عموم الحكم على كلَّية تفاصيل الأمر وبيانه صدّر الفصّ بقوله : ( “ إِنَّه ُ “  يعني الكتاب “ من سُلَيْمانَ وَإِنَّه ُعني مضمونه ) وهذا قول بلقيس .
يقول لقومها عند إراءتها لهم الكتاب ، لا حكاية مضمون الكتاب وما في طيّه ، على ما توهّمه أكثر أهل الظاهر من المفسّرين ، وارتكبوا في توجيه تقديم سليمان اسمه على اسم الله تعسّفات بعيدة كما سيشير إليه الشيخ - .

فقوله : “ إِنَّه ُ من سُلَيْمانَ “  بيان لمرسل الكتاب ، فإنّه أول ما اهتمّ ببيانه وإشاعته ، سيّما إذا كان سلطانا مثل سليمان “ وَإِنَّه ُ “  بيان لمضمون الكتاب يعني (“ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ")

فالكتاب حينئذ مصدّر باسم الله ، وعلى ما فهمه أهل الظاهر مصدّر باسم سليمان ، وإليه أشار بقوله رضي الله عنه  : ( فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ) بما توهّموه  ( ولم يكن كذلك ، وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي ) من التوجيهات البعيدة ، كما يقولون : « إنما قدّم اسمه على اسم الله وقاية له أن يقع عليه الخرق ، وأنّه إن وقع الخرق يكون على اسمه ، لا على اسم الله » .
و « أنّ اسمه لكمال مهابته في قلوب البرية مانعة لهم عن الخرق » ،
وغير ذلك ( مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السّلام بربّه ، وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه : “ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ “)  [ 27 / 29 ] .  ، فإنّه لا بدّ لكل نبيّ وداع إلى الله أن يكون عارفا بمقادير استعدادات المدعوّين ومدارج نسبهم في الإنكار والإقرار
 . فإذا كانت بلقيس في هذا المقام من الإقرار كيف

يليق بسليمان على جلالة قدره أن يخاف منها على خرق كتابه ؟ وهي يقول عند ورود ذلك الكتاب : “إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ “  (أي يكرم عليها ).
ثمّ أشار إلى منشأ خطأهم إقامة لعذرهم على ما هو مقتضى أدب الطريق بقوله : ( وإنما حملهم على ذلك - ربما - تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وما مزّقه حتى قرأه كلَّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس - لو لم توفّق لما وفّقت له - ) من النسبة الداعية لها إلى القبول .
قال رضي الله عنه :  ( فلم يكن يحمي الكتاب عن الخرق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم الله تعالى ، ولا تأخيره ) عنه .

الرحمة الامتنانيّة والوجوبيّة
ثمّ إن سليمان لعموم سلطانه على الموجودات له خصوصيّة نسبة إلى الرحمة التي هو الوجود ، كما عرفت ذلك .
ولما كانت الرحمة نوعين :
امتنانيّة : وهي التي لا تترتّب على ما يستجلبه من الاستعدادات والأعمال المورثة ، بل به يحصل الاستعداد وما يتقوّم به من القوابل ، كالفائض بالفيض الأقدس من الوجود العامّ الشامل ، الذي به يتنوّع الاستعدادات في التعيّن الأوّل .
ووجوبيّة : وهي التي تترتّب على الاستعدادات والأعمال المورثة له ، كالعلوم والكمالات المترتّبة على ما يستتبعه من المقتضيات والمعدّات

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( «إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وإنه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم».  فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك.  وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه.
وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها.
وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه.  فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له.
فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السلام على اسم الله عز وجل ولا تأخيره. )   

الفصّ السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال رضي الله عنه :  ( إِنَّهُ يعني الكتاب مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ أي مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل:30 ]. فأخذ بعض النّاس في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن كذلك .
وتكلّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان بربّه . وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :" إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ " [ النمل : 29 ] . أي مكرّم عليها وإنّما حملهم )

فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
إنما وصف الحكمة بالرحمانية لأن من جملتها بيان أسرار الرحمة الامتنانية الرحمانية والرحمة الوجوبية الرحيمية الداخلة فيها .
وخص الحكمة الرحمانية بالكلمة السليمانية لعموم حكمها ، فإن الكلمة السليمانية علوم سلطنة بالنسبة إلى الإنس والجن والوحش والطير .
كما أن الرحمن حكمه شامل للموجودات كلها ( إنه ) يعني الكتاب ( من سليمان ) فهذا بيان للمرسل ( وإنه ) ، أي مضمونه : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم ) وهذا بيان لمضمون الكتاب ، فالكتاب مصدر باسم اللّه لا باسم سليمان كما توهمه بعض أهل الظاهر .
وإليه أشار بقوله  رضي الله عنه  : ( فأخذ بعض الناس في ) بيان جهة ( تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن ) الأمر ( كذلك ) ، أي لم يكن اسم سليمان مذكورا في الكتاب مقدما على اسم اللّه .

ولكنهم توهموا التقديم ( وتكلموا في ) بيان ( ذلك ) التقديم ( بما لا ينبغي ) فقالوا :
إنما قدم اسمه على اسم اللّه وقاية له من أن يقع الخرق عليه ، فإن اسمه لكمال مهابته في قلوب الناس كان مانعا عن الخرق ، وعلى تقدير أن يقع الخرق يقع على اسمه لا على اسم اللّه تعالى.
قال رضي الله عنه :   ( وهذا مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه ) وبوجوب تقدمه في الذكر لتقدمه في الوجود ( وكيف يليق ما قالوه ) في وجه تقديم اسم سليمان على اسم اللّه مع توهم الخرق ( وبلقيس تقول فيه ) ، أي في شأن ذلك الكتاب (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌأي مكرم عليها ) [ النمل : 29 ] ، فكيف يتوهم منها خرقه وسليمان أيضا كان عارفا بذلك فإنه لا بد لكل نبي راع أن يكون عارفا بمقادير استعدادات المدعوين .
والمراد أن بلقيس مع كمال فطانتها تقول في شأن كتابه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، أي يكرم عليها ومتى لم يكرم عليها إذا كان مفتتحا بسوء أدب .
ثم أشار رضي اللّه عنه

قال رضي الله عنه :  (على ذلك ربّما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وما مزّقه حتّى قرأه كلّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره . )

إلى منشأ خطابهم فقال رضي الله عنه : ( وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه ) فتمزيقه إنما كان لعدم كونه موفقا للقبول لفقدان المناسبة لا بمجرد أنه رأى اسمه صلى اللّه عليه وسلم مقدما على اسمه فإنه كان صدر كتابه من محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى كسرى .

قال رضي الله عنه : ( فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت له ) من إكرام الكتاب وقبوله لاستعداداتي ( فلم تكن تحمي الكتاب عن الحرق لحرمة صاحبه ) ، أي بسبب حرمة صاحبه ( تقديم اسمه ) ، أي اسم صاحبه ( عليه السلام على اسم اللّه ولا تأخيره ) عنه وذكر التأخير للمبالغة .
ولما بين رضي اللّه عنه أن قوله : « أنه من سليمان » ليس من جملة كتاب سليمان بل كان مفتتح كتابه البسملة لا غير ، شرع فيما يتعلق بالبسملة من النكات.


 .
واتساب

No comments:

Post a Comment