Tuesday, November 5, 2019

السفر الثالث عشر فص حكمة ملكية في كلمة لوطية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث عشر فص حكمة ملكية في كلمة لوطية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث عشر فص حكمة ملكية في كلمة لوطية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي  الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله 

13 - The Wisdom of Mastery in the Word of Lot


الفقرةالثالثة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
قال رضي الله عنه : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت ، يعني من الزّمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ما بعث نبيّ بعد ذلك إلّا في منعة من قومه . فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .  فقوله : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً[ هود : 80 ] لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ بالأصالة .ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ فعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضيّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً فالجعل تعلّق بالشّيبة ، وأمّا الضّعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله :"خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ "[ الروم : 54 ] .  فردّه لما خلقه منه قال تعالى : وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [ الحج : 5 ] . فذكر أنّه ردّ إلى الضّعف الأوّل فحكم الشّيخ حكم الطّفل في الضّعف . )

قال رضي الله عنه :  (فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام : " أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ" ما بعث) ، أي بعث اللّه تعالى في أمة من الأمم (نبيا) من الأنبياء عليهم السلام بعد ذلك الوقت (إلا في منعة) ، أي نصرة وحمية (من قومه فكان) ذلك النبي المبعوث بعد لوط عليه السلام (يحميه) ، من أعدائه أن يصلوا إليه بسوء (قبيلته) وعشيرته وقومه (كأبي طالب) عم رسول اللّه (مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم) فإنه حماه من قريش ونصره من إيذائهم كما قال من الشعر لما في ذلك يخاطبه عليه السلام ولمن يؤمن به :
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم  ..... حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة  ....  وأبشر بذلك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي  ..... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة أنه  ....  من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذاري سبة .....  لو جدتني سمحا بذاك مبينا
فقوله رضي الله عنه
 : أي لوط عليه السلام : ("لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " لكونه) ، أي لوط (عليه السلام سمع اللّه تعالى يقول) بالكشف عن اللوح المحفوظ فإن القرآن مكتوب فيه من يوم خلق اللّه تعالى ذلك اللوح .
وكذلك جميع الكتب المنزلة والصحائف أو أن هذه الآية نزلت فيما نزل عليه من الوحي وإلا فإن القرآن منزل بعد لوط عليه السلام فكيف يكون سمع هذه الآية منه أو أن المراد أنه سمع معنى ذلك في جملة ما أنزل عليه .
وهذه الآية في قراءتنا على معنى ما سمع لوط عليه السلام من كلام له في وحيه الخاص (" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ") معشر بني آدم (" مِنْ ضَعْفٍ" )، وهو عدم القوّة بالكلية على كل شيء فلا تقوى العين على الرؤية ولا الأذن على السمع ولا الأعضاء على الحركة ولا السكون وهذا بالأصالة في بني آدم وغيرهم كذلك أيضا ولهذا ورد لا حول ولا قوة إلا باللّه
.
وقال تعالى : " أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" [ البقرة : 561 ] ، (ثم جعل) تعالى (من بعد ضعف) هو الأصل في كل إنسان قوّة منسوبة إلى ذلك الإنسان الضعيف (ففرضت له القوّة بالجعل ) وهو نسبتها إليه . "فعرضت له القوة بالجعل"
لأنها قوّة اللّه تعالى نسبت إليه مجازا وهي للّه تعالى حقيقة (فهي) قوّة ذاتية إلهية للحق تعالى وللإنسان وغيره قوّة عرضية تعرض له بنسبتها إليه .
ثم يتكرر عروضها عليه وقبولها باختلاف التجلي فتسمى عرضية لأجل ذلك .
قوله رضي الله عنه  : (ثم جعل) سبحانه (من بعد قوة) عرضت له فنسبت إليه (ضعفا) أصليا ، أي أرجعه إليه (وشيبة) ، أي هرما وكبرا (فالجعل) الثاني تعلق بالشيبة ، (وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه) ، فلا يقع عليه الجعل لعدم مفارقته له (وهو قوله) تعالى "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" [ الروم : 54 ] فرده .
أي أرجعه لما خلقه منه وهو الضعف (كما قال تعالى : "وَمِنْكُمْ")، أي بعضكم ("مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ") [ النحل : 70 ] ، أي أحقره وأقله وهو سن الهرم والشيخوخة مقابلة أجل العمر وأعظمه وأكثره وهو سن  الشباب ("لِكَيْ لا يَعْلَمَ ") ذلك البعض الذي رد ("بَعْدَ عِلْمٍ") كان يعلمه ("شَيْئاً") فتضعف قوّة مخيلته وحافظته وبقية حواسه الظاهرة والباطنة وآلات إدراكه .
ويرجع إلى ما كان فيه من قبل أن يخلق كأنه لم يعلم شيئا ، والعلم الحقيقي كله للّه تعالى فيرجع علمه إليه سبحانه ، والجهل إلى ما سواه كما كان .
قوله رضي الله عنه  : (فذكر) تعالى (أنه) ، أي الإنسان (رد إلى الضعف الأوّل) الذي خلق منه (فحكم الشيخ) الكبير الهرم الواصل إلى أرذل العمر بضعف قواه وأعضائه (حكم الطفل) الصغير (في الضعف) الكائن في قواه وأعضائه وإدراكه الذي هو أصل ابتدائي منه الطفل ورجع إليه الشيخ .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
قال رضي الله عنه : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبي بعد ذلك إلا في شدة ومنعة من قومه ) يمنعون شرّ العدوّ منه الحديث.
هكذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم يرحم اللّه أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فمن ذلك الوقت ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه ( فكان يحميه قبيلته ) أي يحفظونه ويمنعون عن ضرر عدوّه ( كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فقوله له :أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) يعني إنما قال لوط عليه السلام هذا القول .
قال رضي الله عنه : ( لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول اللّه الذي خلقكم من ضعف بالأصالة ) فالضعف منشأ ومبدأ للخلق ( ثم جعل من بعد ضعف قوة فعرضت القوة ) على الضعف الأصلي ( بالجعل ) أي بالخلق الجديد ( فهي قوة عرضية ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة فالجعل تعلق بالشيبة ) لكونها أمرا وجوديا عرضيا كالقوة وأوجدها الحق سبحانه بالخلق الجديد ( وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ") وهو عدم القوة فلا يتعلق الجعل به
فإن قلت
:
فكيف يصح هذا التوجيه فإن قوله تعالى : " ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً " [ الروم : 54 ] ظاهر في تعلق بهما قلنا : صدقتم في قولكم هذا لكنه لما كان الشيب صفة عارضية للإنسان اعتبر المصنف تعلق الجعل إليه بمعنى الإيجاد .

ولما كان الضعف وصفا أصليا له اعتبر الجعل إليه بمعنى الردّ إلى أصله لذلك قال : ( فردّه ) أي ردّ اللّه الإنسان ( لما ) أي إلى ما ( خلقه منه ) وهو الضعف والشيبة سبب موجب لرد الشيء إلى أصله وهو الضعف وأورد دليلا على أن الضعف بعد القوة رد على أصله لا يتعلق به الجعل.
قوله تعالى : ( كما قال الشيخ رضي الله عنه :  "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً " [ النحل : 70 ] فذكر ) في هذه الآية ( أنه ردّ ) الحق الإنسان ( إلى الضعف الأول ) فلا يتعلق الجعل إلى الضعف فإن الرد رجوع إلى الأصل فينافي تعلق الجعل إليه فازداد الإنسان بالشيخوخة إلى الضعف الأول .
( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) لذلك ناسب حركة الشيخ الطفل.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )

قال رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا». فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
قلت : أراد لوط، عليه السلام، قبيلة تحميه وأراد نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يأوي إلى الله تعالى فإنه شديد البطش ثم بین، رضي الله عنه، أن الضعف أصل لا يحتاج إلى فعل فاعل وأما القوة فيحتاج إلى ذلك ولذلك قال: "ثم جعل من بعد قوة" فأشار إلى أن القوة بالجعل فهي عرضية.
وأما قوله: و جعل من بعد قوة ضعفا وشيبه" (الروم:54) فذكر أن الجعل متعلق بالشيبة لا بالضعف، وللمجاورة شرك بينهما مجازا.
وفسره بالآية الأخرى وهو قوله تعالى: "ثم يرد إلى أرذل العمر"(النحل: 70) فهو رد لا جعل.
وأما قوله: وما بعث نبي إلا بعد الأربعين فهو عذر للنبي لوط، عليه السلام، في قوله: "لو أن لي بكم قوة" (هود: 80) فإنه كان بعد الأربعين فقد شرع في النقص كما قال الشاعر: 
كأن الفتى" يرقي من العمر سلما  ….. إلى أن يجوز الأربعين فينحط

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
قال رضي الله عنه :  ( لكونه صلى الله عليه وسلم سمع الله يقول : " الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ "  بالأصالة " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً " فعرضت القوّة بالجعل فهي عرضيّة " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ".  فالجعل تعلَّق بالشيبة ، وأمّا الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه .
وهو قوله : "خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " فردّه لما خلقه منه " ثمّ " يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً " فذكر أنّه ردّ إلى الضعف الأوّل . فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف .)

قال العبد : كلّ هذه الحكم والأسرار ظاهرة بيّنة الإشارة لأهل الخصوص بلغتهم ، وهي أنّ المخاطب بهذا الخطاب ظاهرية الخلق وحجابيّتهم من جسمانيّتهم .
فإنّ كناية الكاف من قوله : « خلقكم » وفي قول لوط : " بكم " عائدة إلى التعيّن والحجابية التي لأنانيّة كلّ شيء ، ولا شكّ أنّها من الخلقية ، والخلقية صورة عرضية من أصل عدميّ في حقيقة الممكن من جهة إمكانه ، فإنّ أصل الممكن يقتضي الضعف ، إذ القوّة والشدّة من حقائق الوجود ، وأصل خلقيّته من العدم الإمكانى الذاتي له ، فكان له الضعف بالأصالة ، والقوّة بالجعل من حيث ترجيح الحق وتقويته جانب الوجود بالنسبة إلى الممكن ، هذا سرّ خلق الله لنا بالأصالة من ضعف ، وحكمة كون القوّة له عرضية .

وأمّا حكمة الشّيبة من باب الإشارة بلسان أهل الذوق ، فهي أنّ الشعور التي على ظاهر الإنسان صور الشعور الذي لباطن الإنسان بالأشياء ، ولمّا كان شعور كل إنسان بكل شيء في المبدأ أوّلا من حيث حجابيات الأشياء وتعيّناتها ، وهو علمه بما سوى الله من كونه سواه وغيره وحجابا عليه ، فلهذا غلب على لون الشعور وصبغها في بدء النشأة حجابية ظلمانية كالسواد وقبيله ، وإشارة إلى إظهار الحجابية التعيّنية والظلمة الكونية على نوريّته الوجودية أوّلا بالنسبة إليه كذلك ، فإنّه في زعمه وزعم أمثاله غير الله وسواه .

ثمّ بعد تكامل الإنسان في قواه الروحانية والإلهية النورانية وغلبتها على القوى الظلمانية الجسمانية واستيلاء حقيقته على خلقيته وشعوره بحقيّات الأشياء من حيث حقائقها ووجوداتها من جهة ما يدري ولا يدري .
فإنّ الحقيّة الخفيّة في الخلقية التعيّنية غالبة في الآخر ولا بدّ ، ولم يعثر عليها في العموم ، فقد علم ذلك أهل الخصوص والخلوص ، والله غالب على أمره .
وقد سبقت رحمته غضبه ، فلا بدّ أن يغلب في شعوره النورية والبياض على الظلمة والسواد بظهور خفيّات الحقائق على خلصانها وحجابياتها ، فاعرف ذلك وتنبّه ، تنبّه على ما بيّنت ممّا تبيّنت ، والله الموفّق .
ولا تظنّنّ من قولنا : شعور باطن الإنسان بخلقيات الأستار وحجابياتها أو بحقّياتها ، الشعور الفكريّ الذهنيّ ، فلا يعنى بذلك إلَّا شعور باطن النفس وهي التعلَّقات والتعشّقات النفسية المنبعثة بالتعلَّق في أوّل النشء بحجابيات الأشياء وظلمانياتها ، فافهم هذه اللطيفة الروحانية الشريفة في سرّ غلبة الشيب آخرا وعموم غلبة السواد على الشعور الظاهرة على الإنسان أوّلا .

وأمّا من لا يظهر عليه حكم الشيب فهو صورة من لم يدرك طول عمره إلَّا الحجابية الغيرية ، وذلك في العموم ، وفي الخصوص غلبة الغيب على الشهادة بالنور الأسود الذي هو من أعلى الأنوار ، فافهم .
وأمّا معنى قوله عن لوط عليه السّلام : لمّا سمع " الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " فإنّه سمع بسمع روحه روح هذه الآية من روح محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم في عالم

الأرواح ، حين بعثه إلى الأرواح نبيّا ، وكان آدم بين الماء والطين ، فسمع الآية روح لوط كذلك.
وذلك عين تحقّقه عليه السّلام بأنّ الله خلقه وسائر بني نوعه من ضعف من حيث إنّه كان نطفة ، ثمّ صار علقة ، ثمّ مضغة مخلَّقة وغير مخلَّقة ، ثم جنينا حيّا مولودا ، ثمّ طفلا رضيعا ، وصبيّا وشابّا وشيخا ومائتا ، ثمّ الله ينشئ النشأة الآخرة ، فتحقّق عليه السّلام كيف خلق من ضعف ، وكيف ردّ إلى ضعف ، وهذا الاعتبار يحصل للأنبياء المكمّلين وحيا ، وللأولياء إخبارا وإلقاء وواردا وتجلَّيا بغتة ، ولغيرهم بالفكر والتدريج ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
وقال رضي الله عنه  : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فمن ذلك الوقت » يعنى من الزمان الذي قال فيه لوط عليه السلام : " أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ " ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه فكان يحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  )
يعنى من قوة همته وتأثير باطنه
""
أضافة بالي زادة : " لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً "  بمقاومتكم أَوْ " آوِي " أي ألتجئ - إِلى " رُكْنٍ شَدِيدٍ " إلى قبيلة غالبة على الأعداء اهـ بالي زادة
( إنه كان مع الله من كونه شديدا ) فكان غالبا على أعدائه مع نصرة الله " من ركن شديد " فكان له أبو طالب ركنا شديدا اهـ .
وألهمه القوة الروحانية المؤثرة في النفوس لا القوة الجسمانية ، فإنها أقوى تأثيرا من الجسمانية اه بالى زادة . ""

قال رضي الله عنه :  ( فقوله
" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " - لكونه  أي لكون لوط عليه السلام .
سمع الله تعالى يقول : " الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " بالأصالة  " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً " - فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية ، " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً " ، فالجعل تعلق بالشيبة ، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه .
وهو قوله : " خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ "  فرده لما خلقه منه ، كما قال : " ومِنْكُمْ من يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ من بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً " .
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول ، فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف )
أي سمع لوط عليه السلام سمع روحه من الله تعالى قوله : " الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " فتحقق أن الممكن لا وجود له بالأصالة فلا قوة له ، فأصله الضعف حين خلق من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم يخرجكم طفلا ، فالضعف له ذاتي بمقتضى طبيعة الإمكان ، وبمقتضى أصل خلقته الجمادية ، والقوة عارضية بالجعل .
"" أضافة بالي زادة :  فالضعف منشأ ومبدأ للخلق .  ( فالجعل تعلق بالشيبة ) لكونها أمرا وجوديا عرضيا كالقوة وأوجدها الحق تعالى بالخلق الجديد ( وأما الضعف فهو رجوع ) وهو عدم القوة فلا يتعلق الجعل به . فإن قيل : إن تعلق الجعل بهما ظاهر في الآية .
قلنا : لما كان الشيب صفة عارضة للإنسان اعتبر الشيخ تعلقه إليه بمعنى الإيجاد ، ولما كان الضعف وصفا أصليا له اعتبر تعلقه إليه بمعنى الرد إلى أصله لذلك قال ( فرده لما خلقه منه ) وهو الضعف والشيبة سبب موجب لرد الشيء إلى أصله وهو الضعف ، وأورد دليلا على أن الضعف بعد القوة رد على أصله لا يتعلق به الجعل .
قوله تعالى كما قال : "  ومِنْكُمْ من يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ "  اهـ بالى
. ""

والجعل الثاني هو القدر المشترك بين الرد إلى الضعف الأصلي وإحداث الشيبة ، فإن كليهما جعل والجعل بمعنى الفعل ، كما في قوله تعالى : " إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً " أورد الجعل للقدر المشترك بين الخلق والإبداع ، إنما قال فالجعل تعلق بالشيبة لأن الضعف يتبعه طبعا ، ولهذا وصفه بالرجوع إلى أصل خلقه .
ثم لما تبين أن الرجوع إنما هو بتبعية الشيب المجعول مجعول فسره بالرد إلى ما خلقه منه لإشراك الرد والإحداث في معنى الجعل والباقي ظاهر ، والمقصود أن القوة للخلق عارضى ، ولهذا أورد لو الامتناعية إشارة منه إلى محض التوحيد ، وأن لا جعل ولا قوة إلا باللَّه .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " فمن ذلك الوقت يعنى من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام : أو آوى إلى ركن شديد ما بعث نبي بعد ذلك إلا في
منعة من قومه " . ) أي ، ما بعث نبي إلا بين منعة يمنعون شر الأعداء منه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكان تحمية قبيلته كأبي طالب عليه السلام مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فقوله )
أي ، قول لوط ، عليه السلام : ( " لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد " .
لكونه ، عليه السلام ، سمع الله يقول : " الله الذي خلقكم من ضعف " بالأصالة . )
أي ، هذا القول إنما وقع لكون لوط ، عليه السلام ، أدرك بالنور الإلهي معنى
قول الله تعالى : ( وهو الذي خلقكم من ضعف ) . وعلم أن الله خلق الخلق من العدم ، ومعنى الآية أيضا يرجع إليه ، إذ ( الضعف ) عدم القوة ، والعدم أصل كل متعين . وإليه ترجع الصفات الكونية كلها ، وعرف أن القوة لله جميعا بالأصالة ، ولغيره بالتبعية ، كما قال تعالى .
( ثم ، جعل من بعد ضعف قوة ، فعرضت القوة بالجعل . ) أي ، بالإيجاد
بالخلق الجديد .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهي قوة عرضية . ثم ، جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة . فالجعل تعلق بالشيبة . ) لأنها خلق جديد . ( وأما ( الضعف ) فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله : " خلقكم من ضعف" ) وهو العدم ، لأنه عبارة عن عدم القوة .
( فرده لما خلقه منه ) . ( اللام ) بمعنى إلى . ( كما قال تعالى : " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " . فذكر أنه رد إلى الضعف الأول .  فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف . ) الكل ظاهر .
والمقصود أن القوة للخلق ، من حيث إنه غير وسوى ، عارضي . ولهذا قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) . والضعف والعجز ذاتي له ، لأنه من العدم .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )

قال رضي الله عنه :  (فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمن ذلك الوقت ، يعني من الزّمن الذي قال فيه لوط عليه السّلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبيّ بعد ذلك إلّا في منعة من قومه ، فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، فقوله :لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [هود : 80 ] لكونه عليه السّلام سمع اللّه يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍبالأصالة ،ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّفعرضت القوّة بالجعل ؛ فهي قوّة عرضيّةثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً فالجعل تعلّق بالشّيبة ، وأمّا الضّعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ[ الروم : 54 ] ، فردّه لما خلقه منه قال تعالى :وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً [ الحج : 5 ] . فذكر أنّه ردّ إلى الضّعف الأوّل فحكم الشّيخ حكم الطّفل في الضّعف)
( فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمن ذلك الوقت ) ولما توهم في بداهة النظر كونه إشارة إلى زمن ضعف الهمة ، وهو مخل .
فسره بقوله : ( يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السّلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبي إلا في منعة من قومه ) يمنعونه من شرّ أعدائه ، ولا يتأتى ذلك إلا من قبيلة عظيمة أو من رئيسها ، ( فكان تحميه قبيلته ) أو رئيسها ( كأبي طالب ) ، فإنه وإن لم يسلم  كان ( مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ) ، والذب عنه ؛ وذلك لإظهار منعة في الأصل ، وإن إظهار المعجزات من فعل اللّه تعالى للدلالة على صدقه ، وإنما كانت هذه الهمة البشرية متمناه له ؛ لأنه رأى حصولها في سن الانحطاط بعد ذهابها بذهاب سن النمو محالا بمقتضى الوعد الإلهي وسنته المستمرة.
( بقوله ) :أَوْ آوِي" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " بصيغة التمني المعلق بالمحال كثيرا ( لكونه عليه السّلام سمع اللّه يقول ) في الكتب السالفة أو فيما أوحي إليه ما عبارته بالعربية : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) ،فلم يورد فيه لفظ الجعل ولم يعلق الخلق به بذاته بل بواسطة من التي لابتداء الغاية ؛ لتدل على أنه ( بالأصالة ) كأنه مبدؤه .
( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ ) بإيراد لفظ الجعل وكونه بعد الضعف ، ( فعرضت القوة ) أي : فدل على أنه عرضت القوة على الضعف الأصلي ( بالجعل ) الطارئ ، ( فهي قوة عرضية ) من شأنها الزوال بالكلية عن محلها عند رجوعه إلى أصله بحيث لا يرجى عودها بعده .

ثم استشعر سؤالا بأن مقتضى ما ذكرتم ألا يورد الجعل على الضعف الثاني في قوله :
( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [
الروم : 54] ) .
فأجاب عنه بقوله : ( فالجعل متعلق بالشيبة ) بالقصد الأول وبالضعف باعتبار اقترانه بها أو للمشاكلة ؛ أو لأنه لما وقع بعد القوة أشبه العارض ، ( وأما الضعف ) من غير نظر إلى هذه الاعتبارات ، ( فهو رجوع إلى أصل خلقه ) ، يكفي فيه عدم العلة الموجبة للأمر العارض ، فلا يحتاج إلى جعل ( وهو ) أي : الدليل على أصالة الضعف ( قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) فلم يعلق الخلق بالضعف في أول الأمر بل جعل الضعف من مبادئه ، وإذا كان هو الأصل ، فليس فيه من حيث هو جعل بل غايته الرد إليه ، ( فرده لما خلقه ) .
أي : إلى ما خلقه ( منه ) ، فالأصل فيه لفظ الرد كما ( قال تعالى :يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً [ النحل : 70 ] فذكر أنه رد إلى الضعف الأول ) على ما هو الأصل لكنه ذكر الجعل في الآية السابقة لما ذكرنا ، وإنما جعل الرد إلى الضعف الأول أرذل العمر ؛ لأنه ضد القوة الفائضة من اللّه الموجبة للعلم من حيث إنه ، إنما يحصل من القوة المدركة الحاصلة من القوة الفائضة على النفس من اللّه تعالى .
فلما ذهبت ذهب العلم الذي هو فائدة الحياة ، فصارت أرذل العمر ، وإذا كان الرد إلى أرذل العمر رد إلى الضعف الأول ، ( فحكم الشيخ حكم الأطفال في الضعف ) من حيث إنه أصلي ، وإن عرض بعد القوة .
فيلزم الشيخ ما يلزم الأطفال من الجهل وعدم الهمة البشرية والروحانية جميعا ، هذا إذا رد ويجوز ألا يرد وإن يرد في باب المعرفة والهمة فقط ، ثم يعود إليها وهذا الضعف لازم للأنبياء حين نبوتهم ؛ لأنه...

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )"

قال رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : « فمن ذلك الوقت » - يعنى من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام : " أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ " ما بعث نبىّ بعد ذلك إلَّا في منعة من قومه ، فكان تحميه قبيلته ، كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ) .

فإنّه كان يتعصّب للنبي صلى الله عليه وسلَّم ويذبّ عنه دائما ، وإنّما اضطرّ إلى الهجرة بعد وفاته .مراد لوط عليه السلام من القوة
( فقوله : " لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " إنّما يتمنّى القوّة العرضيّة بقومه ( لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول : " الله الَّذِي خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " بالأصالة " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً " فعرضت القوّة بالجعل ، فهي قوّة عرضيّة ، " ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً " [ 30 / 54 ] فالجعل تعلَّق بالشيبة وأمّا الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه ، وهو قوله : "خَلَقَكُمْ من ضَعْفٍ " ضرورة أنّ ما هو خلقيّ ذاتىّ لا يحتاج فيه إلى جعل ( فردّه لما خلقه منه ، كما قال ثمّ " يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً " [ 16 / 70 ] ، فذكر أنّه ردّ إلى الضعف الأوّل).
( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) فإنّه ما لم يضعف ما طرأ على أرض القابليّات مستجلبا عمّا فيها ومظهرا لها بصورته العرضيّة التطفّلية .
لم يمكن أن يخرج عنها ما غرس في أصل طينتها وزرع على متن قوّتها.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام «أو آوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله «لو أن لي بكم قوة» لكونه عليه السلام سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله خلقكم من ضعف، فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا».
فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف. )

قال رضي الله عنه : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت ، يعني من الزّمن الذي قال فيه لوط عليه السلام :أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍما بعث نبيّ بعد ذلك إلّا في منعة من قومه.
فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
فقوله :" لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً " [ هود : 80 ] لكونه عليه السلام سمع اللّه يقول :اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ بالأصالة ."ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ " فعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضيّة )

قال رضي الله عنه : ( فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت يعني من الزمن الذي قال فيه لوط عليه السلام أو آوي إلى ركن شديد ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه فكان تحميه قبيلته كأبي طالب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) ، فإنه كان يتعصب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ويذب عنه دائما وإنما اضطر إلى الهجرة بعد وفاته.
( فقوله ) ، أي قول لوط عليه السلام (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) منبأ عن طلبه من اللّه أن يجعل فيه قوة وإنما وقع ( لكونه عليه السلام سمع اللّه تعالى ) ، أي أدرك منه بسمعه النوراني الروحاني معنى قول اللّه الدال على أن الصفات الوجودية كالقوّة مثلا .
يحتاج الممكن في الأتصاف بها إلى جعلها وإيجادها فيه ، فتكون عرضية له بخلاف الصفات العدمية كالضعف الذي هو عدم القوّة فإنه يكفي في الاتصاف عدم جعل القوّة بالخلق الجديد ، وذلك رد إلى العدم الأصلي الذاتي للممكن ، بل إبقائه عليه ، وسماع لوط هذا القول من اللّه حيث كان ( يقول :"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ" بالأصالة ) [ الروم : 54 ] .
أي مبتدئا خلقكم من ضعف ، أي عدم قوّة هو الأصل فيكم
قال رضي الله عنه : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً فعرضت القوّة بالجعل فهي قوّة عرضية ) لكم فإن القوّة الذاتية كلها للّه.
(ثُمَّ " جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً " [ الروم : 54 ] وشيبة فالجعل تعلق بالشيبة ) لأنها أمر وجودي .
( وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه ) فتعليق الجهل بهما باعتبار أحدهما ( وهو ) ، أي أصل خلقه ما يدل عليه ( قوله :خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) كما بينا ( فرده لما خلقه ) ، أي إلى ما خلقه ( منه كما قال تعالى :وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ، أي لكيلا يحصل له علم محدود بعد حصول العلوم السابقة لفقدان قابلية الآلة لتحصيله ، لأن الناطقة يطرأ عليها الجهل بعد العلم ولما كان يبقى العلم بعد المفارقة .
ولا يبعد أن يقال : المراد بعدم العلم طرو النسيان والغفلة عن العلوم لما يلحقه من موانع التذكر فإذا ارتفعت الموانع المفارقة تذكر به ( فذكر ) اللّه سبحانه بقولهيُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ( أنه رد إلى الضعف الأوّل ) الذي خلق منه ( فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف ) الأصلي غير أن الشيخ مردود إليه بعد القوة والطفل لا يقوى بعد 
.
العودة إلى الفهرس

واتساب

No comments:

Post a Comment