Sunday, December 15, 2019

15  - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

15  - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين "2"
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب "3" ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....   روحا وصيره مثلا بتكوين  "4"
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه. "5"
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام)
........................................................................
1 - المناسبة بين تسمية الحكمة :
وعيسى عليه السلام في قوله عليه السلام « إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا » فهو عليه السلام الوحيد الذي أخبر عن نفسه بالنبوة وهو في المهد ، فنسبت الحكمة النبوية إليه .

2 - يشير إلى أن عيسى عليه السلام لم يقتل :
وأنه لم يزل حيا في الدار الدنيا ، فإن السماء الثانية التي هي مسكنه الآن هي من الدار الدنيا ، وهو على زمن الشيخ قد جاوز عمره الألف سنة.

3 - يشير إلى تسمية عيسى عليه السلام « روح الله وكلته » فهذا هو نسبه.
4 - يشير إلى قوله عليه السلام « أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله » .
5 - قال ابن عباس رضي الله عنهما ، ما وطيء جبريل عليه السلام قط موضعا في الأرض إلا حيي ذلك الموضع:
 وما يطؤه الروح يعطي الحياة في أي صورة مركبة، فلما أبصر السامري جبريل عليه السلام حين جاء لموسى عليه السلام وعرفه وعلم أن روحه عين ذاته ، وأن حياته حياة ذاتية ، فلا يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بمباشرة

ص 228


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( وهو الروح. وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام.
فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن)
........................................................................
تلك الصورة الممثلة إياه ، وعلم أن وطأته يحيا بها ما وطئه من الأشياء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، فلما صاغ العجل وصوره نبذ فيه تلك القبضة فحيي ذلك العجل وخار.
راجع فتوحات ج 1 / 168 ، 337 - ج 3 / 346 

6 - تكوين جسم عیسی علیه السلام
لما قال أهل الطبيعة إن ماء المرأة لا يتكون منه شيء ، وإن الجنين الكائن في الرحم إنما هو من ماء الرجل ، لذلك جعلنا تکوین جسم عیسی تکوینا آخر ، وإن كان تدبيره في الرحم تدبير أجسام البنين ، فإن كان عن ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بشرا سويا ، أو كان عن نفخ بغير ماء ، فعلى كل وجه هو جسم رابع مغاير في النشء غيره من أجسام النوع ( آدم ، وحواء ، والبنين ) 
ثم إن عيسي على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد ، لأنه أسرع إليه التكوين لما أراد الله أن يجعله آية .

ص 229


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي "7"
 وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله.
فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.
وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق"8"  ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»،)
........................................................................
ويرد به على الطبيعيين حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة ، لا بما تقتضيه مما أودع الله فيها من الأسرار والتكوينات العجيبة ، ومن كان عن أم وأب متوهم مثالي ، أشبه جده لأمه ، إذ لا أب له ، مثل عيسى عليه السلام ، فصفته صفة جده آدم في صدوره عن الأمر ، بذا ورد التعريف الإلهي فقال « إن مثل عیسی عند الله کمثل آدم » أي الاسم الإلهي الذي وجد عنه آدم وجد عنه عيسی د خلقه من تراب » الضمير يعود على آدم ، فعيسى أخ لحواء وهو ابن ابنتها .
فتوحات ج 1 / 125 ، 679 .

7 - يفسره البيت الرابع من الشعر
سمي الذكر الذي هو نقيض الأنثي من الذكر ، فهو الفاعل ، والأنثى منفعلة کحواء من آدم عن ذکر بشري صوري إلهي ( خلق الله آدم على صورته ) 
وعیسی عن ذكر روحي ملكي في صورة بشر ( فتمثل لها بشرا سويا ) فحواء أتمر بسبب الصورة ، وعيسى أتم بالملكية المتجلية في الصورة البشرية المخلوقة على الحضرة الإلهية ، فجمع بين الصورة والروح ، فكان نشأة تمامية ، ظاهره بشر وباطنه ملك ، فهو روح الله وكلمته . 
فتوحات  ج 2 / 31 

8 - راجع هامش رقم 6

ص 230

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ». 
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية. 
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون». 
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك. 
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا. 
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل )
........................................................................
9 - « أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله .. » الآية .
هذه الآية دالة على أنه ما من موجود خلقه الله عند سبب إلا بتجل إلهي خاص لذلك الموجود ، لا يعرفه السبب ، فيتكون هذا الموجود ، وهو قوله سبحانه وتعالى « فأنفخ فيه » فلم يكن للسبب غير النفخ « فيكون طيرا بإذن الله » 
فالطائر إنما كان تتوجه الأمر عليه بالكون وهو قوله تعالی «کن» بالأمر الذي يليق بجلاله ، فالعامل في قوله تعانی « بإذن الله » يتعلق بيكون طيرة ، وأما عند مثبتي الأسباب فيتعلق بقوله « أنفخ » فإنه نسب الخلق إلى عيسى عليه السلام ، وهو إيجاد صورة الطائر من الطين .
 ثم أمره أن ينفخ فيه فقامت تلك الصورة التي صورها عيسى عليه السلام طائرا حية ، وقوله « بإذن الله » يعني الأمر الذي أمره الله به في خلقه صورة الطائر والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت ، فأخبر أن عيسى عليه السلام لم ينبعت إلى ذلك من نفسه وإنما كان عن أمر الله ، ليكون ذلك وإحياء الموتى من آیاته على ما يدعيه ، ويخرج عليه السلام ممن يدعي فيه الخلق.
 فتوحات ج 1 / 276 - ج 2 / 274 ، 675 - ج 3 / 149 

ص 231


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (  في صورة البشر. "10"
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.
ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.
فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم،"11"
فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى)
........................................................................
10 - اعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية :
فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر ، فكان غالبا على الطبيعة بخلاف من نزل عن هذه الرتبة ، ولما كان الممثل به روحا في الأصل كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ، ألا ترى السامري لمعرفته بأن جبريل معدن الحياة حيث سلك ، أخذ من أثره قبضة فرماها في العجل فخار وقام حيا .
ذخائر الأعلاق.

11 - « لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مریم ۰۰» الآية -
ما أجهل من قال بهذا القول من أمة عيسى عليه السلام ، فقد فاتهم علم كثير حيث قالوا ابن مریم وما شعروا ، ولهذا قال الله تعالى في إقامة الحجة على من هذه صفته « قل سموهم » فما يسمونهم إلا بما يعرفون به من الأسماء حتى يعقل عنهم ما يريدون ، فإذا سموهم تبين في نفس الاسم أنه ليس الذي طلب منهم الرسول المبعوث إليهم أن يعبدوه ، وادعى في عيسى عليه السلام الألوهية لأنه كان ظاهرا في العالم باسم الدهر في نهاره ، وباسم القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم في ليله ،

ص  232 

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي.
فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية فيقول هو ابن مريم، ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه لجبريل، ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية، فيقول روح الله، أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما، وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله "12"
 وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل )
........................................................................
فكان يصوم الدهر ولا يفطر ويقوم الليل فلا ينام ، وما فيل ذلك في نبي قبله ، فإنه غاية ما قيل في العزير أنه ابن الله ، ما قیل هو الله ، فأثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغيب في قلوب المحجوبين حتى قالوا « إن الله هو المسيح ابن مریم ، فنسبهم إلى الكفر في ذلك ، إقامة عذر لهم ، فإنهم ما أشركوا بل قالوا هو الله والمشرك يجعل مع الله إلها آخر ، فهذا كافر لا مشرك ، فوصفهم بالستر فإنهم انخذوا ناسوت عیسی مجلي .
فتوحات ج 1 / 652 ، 664 

12 - « يا أهل الكتاب لا نغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عیسی ابن مریم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ۰۰» الآية .
من غلوهم في دينهم وتعظيمهم لرسلهم قالوا إن عيسى هو الله وقالت طائفة هو ابن الله وقال من لم يغل في دينه هو عبد الله وكلمه ، كما قال تعالى « وكلمته ألقاها إلى مريم » وليست غير عيسى عليه السلام ، لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك، فلم تكن الكلية الإلهية التي ألقيت إليها إلا عين عیسی روح الله وكلمته وعبده « وروح منه ، وهو النفس الذي كانت به حياته ، وسمي عیسی علیه السلام بروح الله لأن جبريل عليه السلام وهو روح القدس هو الذي وهبه لأمه . 
فتوحات ج 2 / 331 ، 400 - ج 3 / 283 ، 398 

ص 233

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، "13"  فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى  )
........................................................................
13 - الموجودات هي كلمات الله
« قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا » أعيان الموجودات كلها كلمات الحق وهي لا تنفد ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا ، فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود كما أعطى النفس الحروف ، فالعالم كلمات الله من حيث هذا النفس ، 
كما قال تعالى « وكلمته ألقاها إلى مريم » وليست غير عيسى عليه السلام ، 
وقال تعالى: ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزیز حکیم » فالممكنات هي كلمات الله التي لا تنفد ، وهي تحدث أي تظهر دائما ، فالوجود والإيجاد لا يزال دائما ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا ، وليست کلمات الله سوى صور الممكنات وهي لا تناهي ، وما لا يتناهى لا ينفد ولا يحصره الوجود والمادة التي ظهرت فيها كلمات الله وصدرت هذه الكلمات عن تركيب يعبر عنه في اللسان العربي لفظة كن ، فکلمات الله کاها عن كلمة الله « کن » وعنها تنشأ الكائنات ، وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له كن ، وجاء بلفظة کن لأنها لفظة وجودية فنابت مناب جميع الأوامر الإلهية ، فتظهر أعيان الكلمات وهو المعبر عنها بالعالم بكلمة كن ، فالكلمة ظهورها في النفس الرحماني ، والكون ظهورها في العماء ، فيما هو للنفس يسمى كلمة وأمر؟ ، وبما هو في العماء يسمی کونا وخلقا وظهور عين ، فکلمات الله لا تنفد وهي أعیان موجوداته ، والوجود كله كلمات الله التي لا تنفد أبدا . 

فتوحات ج 2 / 90 ، 390 ، 423 ، 459 - ج 3 / 525 - ج 4 / 65 

ص 234

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري. "14"
وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» "15"
فكل من )
........................................................................
14 - كلمة كن الإلهية
« إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له ، وهو قوله لكل شيء يريده وذلك من كون الحق متكاما «کن» بالمعنى الذي يليق بجلاله.
فتوحات ج 2 / 62 ، 201 ، 280 ، 401.

15 - «أو من كان ميتا فأحييناه ۰۰» الآية .
هذا ضرب مثل في الكفر والإيمان ، والعلم والجهل ، فالجهل موت والعلم حياة لذلك قال تعالى « أو من كان ميتا » أراد بالموت الجهل « فأحييناه ». بالعلم ، وهي الحياة العلمية التي نحيي بها القلوب ، فحياة العلم يقابلها موت الجهل ، وبالنور يقع حصوله ، كما بالظلمة يكون الجهل ، فسون النفس بعدم العلم ، فإن قلت إن العلم بالله طاريء الذي هو حياة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم، فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم ؟ 
قلنا إن العلم بالله سبق إلى نفس كل إنسان في الأخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم ، فلما عسرت الأنفس الأجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد الله ، فبقيت النفوس ميتة بالجهل بتوحيد الله ، ثم بعد ذلك أحيا الله بعض النفوس بالعلم بتوحيد الله .
وأحياها كلها بالعلم بوجود الله إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود الله ، فلهذا سميناه میتا فقال تعالى « أو من كان ميتا » يعني بما كان الله قد قبض منه روح العلم بالله ، فقال تعالى في معرض الامتنان « فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ».
فرد إليه علمه فحيي به كما ترد الأرواح إلى أجسامها في الدار الآخرة يوم البعث « كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها »

ص 235

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة.
فلولاه ولولانا ...  لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا       ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا  "16"
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا "17"
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا "18"
........................................................................
بريد مقابلة النور الذي يمتي به في الناس ، وما هو عين الحياة ، فالحياة الإقرار بالوجود أي بوجود الله لا بتوحيده ، ما تعرض للتوحيد في الإشهاد ، ولهذا أردف الله في الآية حين قال « فأحييناه » فلم يكتف حتى قال « وجعلنا له نورا يمشي به في الناس » يريد العلم بتوحيد الله لا غيره ، فإنه العلم الذي يقع به الشرف له والسعادة وما عدا هذا لا يقوم مكانه في هذه المنزلة . 
فتوحات ج 1 / 350 ، 558 - ج 2 / 274 ، 342 ، 618 - ج 3 / 100 - ج 4 / 312

16 - يشير إلى الظاهر في المظاهر راجع الفص رقم 5 هامش 6 ص 83 .

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر الفص رقم 5 هامش 6 ص 83
إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  .أهـ .""

17 - يشير إلى العلم تابع للمعلوم  راجع الفص رقم 2 هامش 3 ص 42.

"" 3 - العلم تابع للمعلوم      الفص رقم 2 هامش 3 ص 42
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ ""

18 - يشير إلى أن هذا الشهود ليس بدائم

ص 236

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة. "19"
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السماوات السبع. )
........................................................................

19 - الطبيعة هي نفس الرحمن
اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إليها .
فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غيب فظهر لنفسه ، فكان فيه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحديث النبوي ) مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر.
فلما تمیز عمن ظهر عنه وليس غيره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء في الحديث - كان الله في عماء - » لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه ، فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جميع صور العالم ، وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ( البنت لا الأم) و الطبيعة (الأم) هي أحق نسبة بالحق مما سواها .
فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، وبهذا الحكم يكون نجلي الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .
فانظر في عموم حكم الطبيعة ، وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبيعة ، وإنما جعل من جعل رنية الطبيعة دون النفس وفوق الهيولي لعدم شهوده الأشياء، وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة ( البنت ) التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن كانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على كل من يولد عنها ، وكذلك

ص 237


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة. "20"
و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات )
........................................................................
العناصر عندنا القريبة إلينا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هي طبيعة لما تولدت عنها ، فلهذا سميناها طبيعة ( أي البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعة ( الأم ) تجلى لما يظهر فيه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فكان العماء . 
فلو لم تكن الطبيعة - وهي موجود خامس هو أصل للأركان الأربع - نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولي الكل ، فعن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي ، فتركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة .
فالنشأة الطبيعية تحوي على الأسرار الإلهية ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة ، فجوهر العالم في النفس الرحماني الذي ظهرت فيه صور العالم . 
فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 

20 ۔ خصام الملائكة
قال الله تعالی « ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون »
المولد من الأضداد المتنافرة لابد فيه من المنازعة ، ولاسيما المولد من الأركان، فإنه مولد من مولد من مولد من مولد رکن عن فلك عن برج عن طبيعة عن نفس ، والأصل الأسماء الإلهية المتقابلة .
ومن هنالك سرى التقابل في العالم ، فنحن في آخر الدرجات، فالخلاف فيما علا عن رتبة المولد من الأركان أقل، وإن كان لا يخلو، الإ تړي إلى الملأ الأعلى كيف يختصمون .. وهذه الآية مما يدل على أن الملائكة من بعالم

ص 238


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.
فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها وهي متقابلة.
فجاء باليدين: ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه. "21"
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى )
........................................................................
الطبيعة ، مخلوقون مثل الأناسي غير أنهم ألطف ، كما أن الجن ألطف من الإنسان مع كونهم من ثار من مارجها ، والنار من عالم الطبيعة ، فكذلك الملائكة عليهم السلام من عالم الطبيعة ، وهم عمار الأفلاك والسموات ، فإنهم يختصمون والخصام من الطبيعة لأنها مجموع أضداد ، والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ، ولا يكون إلا بین ضدین ، فلولا أن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ، أي أن نشأتها عنصرية ، ما ذكر الله عنهم أنهم يختصمون ، والخصام لا يكون إلا مع الأضداد ، فالملائكة عليهم السلام لو لم تكن الأنوار التي خلقت منها موجودة من الطبيعة مثل السموات التي عمرتها هؤلاء الملائكة ، فإنها كانت دخانا ، فكانت السموات أجساما شفافة لأن كمية الحرارة واليبس فيها أكثر من الرطوبة ، وخلق الله عمار كل فلك من طبيعة فلکه ، فلذلك كانت الملائكة من عالم الطبيعة وإن كانت أجسامهم نورية فمن نور الطبيعة كنور السراج ، فأثر فيهم حكم الطبيعة الخصام لما فيها من التقابل والتضاد ، والضد والمقابل منازع لمقابله ، فهذه هي الحقيقة التي أورثتهم الخصومة.
ونعتوا بأنهم يختصمون لأن الخصام لا يكون إلا فيمن ركب من الطبائع لما فيها من التضاد ، فلا بد فيمن يتكون عنها أن يكون على حكم الأصل ، فالنور الذي خلقت منه الملائكة نور طبيعي ، فكانت فيها الموافقة من وجه و المخالفة من وجه .

21 - ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه
نفس المعنى في الفتوحات ج 2 / 70  - ج 4 / 410
"" أضاف الجامع :
ذكر الشيخ عن خلق آدم على الصورة وباليدين في الفتوحات الباب الثامن والأربعون :
"إنما صحت الصورة لآدم لخلقه باليدين فاجتمع فيه حقائق العالم بأسره والعالم يطلب الأسماء الإلهية فقد اجتمع فيه الأسماء الإلهية ولهذا خص آدم عليه السلام بعلم الأسماء كلها التي لها توجه إلى العالم ولم يكن ذلك العلم أعطاه الله للملائكة وهم العالم الأعلى الأشرف قال الله عز وجل وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ولم يقل بعضها وقال عَرَضَهُمْ ولم يقل عرضها فدل على أنه عرض المسمين لا الأسماء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك". أهـ 

وقال الشيخ رضي الله عنه عن الكامل من يعطى بالحالتين ليجمع بين الحقيقتين الفتوحات الباب السبعون في معرفة أسرار الزكاة
"ورد من سن سنة حسنة الحديث وأما الكامل من أهل الله فهو الذي يعطي بالحالتين ليجمع بين المقامين ويحصل النتيجتين وينظر بالعينين ويسلك النجدين ويعطي باليدين فيعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الإعلان ويسر بها في وقت الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الأسرار وهذا هو الأولى بالكمل من أهل الله في طريق الله تعالى" أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه كن للشيء بالحرفين وخلق آدم باليدين في الفتوحات في الرد على السؤال الثالث والأربعون للحكيم الترمذي :
" فقوله للشيء كن بالحرفين الكاف والنون بمنزلة اليدين في خلق آدم فأقام القول للشيء مقام المباشرة وأقام الكاف والنون مقام اليدين وأقام الواو المحذوفة لاجتماع الساكنين مقام الجامع بين اليدين في خلق آدم وأخفى ذكره كما خفيت الواو من كن غير أن خفاءها في كن لأمر عارض وخفاء الجامع بين اليدين لاقتضاء ما تعطيه حقيقة الفعل وهو قوله ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وهو حال الفعل لأنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك المشهد فلا فعل لأحد سوى الله ولا فعل عن اختيار واقع في الوجود فالاختيارات المعلومة في العالم من عين الجبر فهم المجبورون في اختيارهم والفعل الحقيقي لا جبر فيه ولا اختيار لأن الذات تقتضيه فتحقق ذلك " أهـ .

قال الشيخ رضي الله عنه عن ملك الآلاء في سورة الرحمن في الفتوحات في إجابة سؤال الحكيم الترمذي الحادي عشر ومائة ما صفة ملك الآلاء؟
"فمن أراد تحقيق ملك الآلاء فليتدبر سورة الرحمن من القرآن وينظر إلى تقديم الإنس على الجن في آيتها وقوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ أيضا فابتدأ به تقديرا ومرتبة نطقية تهمما به على الجن وإن كان الجن موجودا قبله يؤذن بأنه وإن تأخرت نشأته فهو المعتنى به في غيب ربه لأنه المقصود من العالم لما خصه به من كمال الصورة في خلقه باليدين وعلمه الأسماء والإفصاح عما علمه بقوله عَلَّمَهُ الْبَيانَ " أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه أن لعيسى عليه السلام من علم الكيمياء الطريقين الفتوحات الباب السابع والستون ومائة في معرفة كيمياء السعادة :
"فإن لعيسى "عليه السلام" من علم الكيمياء الطريقين الإنشاء وهو خلقه الطير من الطين والنفخ فظهر عنه الصورة باليدين والطيران بالنفخ الذي هو النفس فهذه طريقة الإنشاء في علم الكيمياء الذي قدمناه في أول الباب والطريق الثانية إزالة العلل الطارئة وهو في عيسى إبراء الأكمه والأبرص وهي العلل التي طرأت عليهما في الرحم الذي هو من وظيفة التكوين فمن هنا يحصل لهذا التابع علم المقدار والميزان الطبيعي والروحاني لجمع عيسى بين الأمرين ومن هذه السماء يحصل لنفس هذا التابع الحياة العلمية التي يحيي بها القلوب كقوله أَ ومن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وهي حضرة جامعة فيها من كل شيء وفيها الملك الموكل بالنطفة في الشهر السادس ومن هذه الحضرة يكون الإمداد للخطباء والكتاب لا للشعراء ولما كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جوامع الكلم خوطب من هذه الحضرة وقيل ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ لأنه أرسل مبينا مفصلا والشعر من الشعور فمحله الإجمال لا التفصيل وهو خلاف البيان ومن هنا تعلم تقليبات الأمور ومن هنا توهب الأحوال لأصحابها" أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه عن صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين الفتوحات الباب الثامن والتسعون ومائة في معرفة النفس :
"والذات الحاملة لهاتين القوتين نفسا فإن كانت الصورة الإلهية فلا تخلو إما أن تكون جامعة فهي صورة الإنسان أو غير جامعة فهي صورة العقل فإذا سوى الرب الصورة العقلية بأمره وصور الصورة الإنسانية بيديه توجه عليهما الرحمن بنفسه فنفخ فيهما روحا من أمره فأما صورة العقل فحملت في تلك النفخة بجميع علوم الكون إلى يوم القيامة وجعلها أصلا لوجود العالم وأعطاه الأولية في الوجود الإمكانى وأما صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين فحمل في تلك النفخة علم الأسماء الإلهية ولم يحملها صورة العقل فخرج على صورة الحق وفيه انتهى حكم النفس إذ لا أكمل من صورة الحق ودار العالم وظهر الوجود الإمكانى بين نور وظلمة وطبيعة وروح وغيب وشهادة وستر وكشف فما ولي من جميع ما ذكرناه الوجود المحض كان نورا وروحا وما ولي من جميع ما ذكرناه العدم المحض كان ظلمة وجسما وبالمجموع يكون صورة فإن نظرت العالم من نفس الرحمن قلت ليس إلا الله وإن نظرت في العالم من حيث ما هو مسوى ومعدل قلت المخلوقات وما رَمَيْتَ من كونك خلقا إِذْ رَمَيْتَ من كونك حقا ولكِنَّ الله رَمى لأنه الحق فبالنفس كان العالم كله متنفسا والنفس أظهره وهو للحق باطن وللخلق ظاهر فباطن الحق ظاهر الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق وبالمجموع تحقق الكون وبترك المجموع قيل حق وخلق فالحق للوجود المحض والخلق للإمكان المحض"أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه عن تشريف آدم بخلقه باليدين الفتوحات الباب الأحد والستون وثلاثمائة في معرفة منزل الاشتراك مع الحق في التقدير وهو من الحضرة المحمدية:
"فإن الله ما ذكر أنه خاطب إلا الملائكة ولهذا قال فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ونصب إبليس على الاستثناء المنقطع لا المتصل وهذه الأرواح المهيمة في جلال الله لا تعلم أن الله خلق آدم ولا شيئا لشغلهم بالله يقول الله لإبليس أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ أي من هؤلاء الذين ذكرناهم فلم تؤمر بالسجود والسجود التطأطؤ في اللسان لأن آدم خلق من تراب وهو أسفل الأركان لا أسفل منه ومن هنا يعرف شرف نقطة الدائرة على محيطها فإن النقطة أصل وجود المحيط فالعالون ما أمروا بالسجود لأنهم ما جرى لهم ذكر في تعريف الله إيانا ولو لا ما ذكر الله إبليس بالإباءة ما عرفنا أنه أمر بالسجود فما أضاف آدم إلى يديه إلا على جهة التشريف على غيره والتنويه لتعلم منزلته عند الله ثم زاد في تشريفه بخلقه باليدين" أهـ.

قال الشيخ رضي الله عنه أن شجرة طوبى لجميع شجر الجنات كآدم لما ظهر منه من البنين الفتوحات الباب الأحد والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل سر :
" واعلم أن شجرة طوبى لجميع شجر الجنات كآدم لما ظهر منه من البنين فإن الله لما غرسها بيده وسواها نفخ فيها من روحه وكما فعل في مريم نفخ فيها من روحه فكان عيسى يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فشرف آدم باليدين ونفخ الروح فيه فأورثه نفخ الروح فيه علم الأسماء لكونه مخلوقا باليدين فبالمجموع نال الأمر وكانت له الخلافة والْمالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وتولى الحق غرس شجرة طوبى بيده ونفخ الروح فيها زينها بثمر الحلي والحلل الذين فيهما زينة للابسهما فنحن أرضها فإن الله جعل ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها وأعطت في ثمر الجنة كله من حقيقتها عين ما هي عليه كما أعطت النواة النخلة وما تحمله مع النوى الذي في ثمرها وكل من تولاه الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من الأمور فإن له شفوفا وميزة على من ليس له هذا الاختصاص ولا هذا التوجه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ " أهـ

قال الشيخ رضي الله عنه  لا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل الفتوحات  الباب السادس والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ :
ما قدر الله غيره أبدا   .....   وليس غير فكلهم قدرا
ما حق قدر الآلة عندي سوى   .....   بأنه الله فاعرف الصورا
لو يعرف الخلق ما أفوه به   .....   في حق قدر الآلة ما اعتبرا
لو عبروا عن وجود ذاتهم   .....   ما عرفوا الحق لا ولا البشرا
"لا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل الذي خلقه الله على صورته وهي الخلافة ثم وصف الحق في الصورة الظاهرة نفسه باليدين والرجلين والأعين وشبه ذلك مما وردت به الأخبار مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن جناب الله فحق قدره إضافة ما أضافه إلى نفسه مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئا من ذلك إليه فمن أضاف مثل هذا إليه عقلا فذلك هو الذي ما قدر الله حق قدره وما قال أخطأ المضيف ومن أضافه شرعا وشهودا وكان عَلى بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فذلك الذي قدر الله حق قدره فالإنسان الكامل الذي هو الخليفة قدر الحق ظاهرا وباطنا صورة ومنزلة ومعنى فمن كل شيء في الوجود زوجان لأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق والزوجان الذكر والأنثى ففاعل ومنفعل فيه فالحق الفاعل والعالم منفعل فيه لأنه محل ظهور الانفعال بما يتناوب عليه من صور الأكوان من حركة وسكون واجتماع وافتراق ومن صور الألوان والصفات والنسب فالعالم قدر الحق وجودا وأما في الثبوت فهو أظهر لحكم الأزل الذي هو للممكنات.أهـ"

ص 239
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي. "22"
فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم)
........................................................................
22 - أفضلية الملائكة على الإطلاق *
هذا التقسيم المذكور هنا يخالف ما ذهب إليه الشيخ ونص عليه من أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق إذ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم  قام عندما رأى جنازة يهودي ، فقيل له إنها جنازة يهودي ، فقال : أليس معها الملك ؟ وقال مرة أخرى : إن الموت فزع ، وقال مرة أخرى : أليست نفسا ؟ 
ولكل قول وجه ، أرجى الأقوال أليست نفسا لمن عقل ، فكان قيامه مع الملك ، وفي هذا الحديث قيام المفضول للفاضل عندنا ، وعند من يرى أن الملائكة أفضل من البشر على الإطلاق .
هكذا قال لي رسول الله م في مبشرة أريتها في هذه المسألة الطفولية التي بين الناس ، واختلافهم في فضل الملائكة على البشر ، فإني سألت رسول الله و في الواقعة ، فقال لي : إن الملائكة أفضل .
فقلت له : يا رسول الله فإن سئات ما الدليل على ذلك فما أقول ؟
فأشار إلي أن قد علمتم أني أفضل الناس ، وقد صح عندكم وثبت وهو صحيح اني قلت عن الله تعالى أنه قال : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وكم ذاكر لله تعالى ذكره في ملا أنا فيهم ، فذكره الله في ملأ خير من ذلك الذي أنا فيهم - فما سررت بشيء سروري بهذه المسألة ، فإنه كان على قلبي منها كثير ، فإن جماعة من أصحابنا غلطت في هذه المسألة لعدم الكشف ، فقالت بطريق القوة والفكر الفاسد إن الكامل من بني آدم أفضل من الملائكة عند الله مطلقا، ولم تقید صنفا ولا مرتبة من المراتب التي تقع عليها الفضلية لمن هو فيها على غيره، 

ص 240


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد. "23"
........................................................................
وهم مسؤولون مؤاخذون بذلك عند الله ، والعالم بالله المكسل هو الذي يحمي نفسه أن يجعل الله عليه حجة بوجه من الوجوه ، ومن أراد أن يسلم من ذلك فليقف عند الأمر والنهي ، ولیر نقب الموت ويلزم الصمت إلا عن ذكر الله من القرآن خاصة ، فالملأ الأعلى عند الله أنعرف من آدم عليه السلام ، ومع هذا فكان عند آدم ما لم يكن عندهم من علم الأسماء وقد أوضحت دلیل تفضيل الملأ الأعلى من الملائكة على أعلى البشر ، أعطاني ذلك الدليل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية أريتها ، وقبل تلك الرؤية ماكنت أذهب إلى مذهب جملة واحدة .
قال تعالى « إن الله وملائكته يصلون على النبي » فلو لم يكن من شرف الملائكة على سائر المخلوقات إلا جمع الضمير في « يصلون» بينهم وبين الله لكفاهم وما احتيج بعد ذلك إلى دليل آخر ، فإن فضل آدم عليه السلام لم يعم ، هكذا أخبرني رسول الله ما في واقعة رأتها ، وهكذا أخبر الخليل إبراهيم عليه السلام شيخنا أبا مدين بأن فضل آدم لم يعم ، فالإنسان اکسل نشأة والملك أكمل منزلة ، كذا قال لي رسول الله من في الواقعة . 
الفتوحات ج 1 / 527 ، 640 - ج 2 / 61 ، 423 .

23 - محاضرة الأسماء ومحاوربها
يقول الشيخ في كتابه « عنقاء مغرب » في باب محاضرة أزلية على نشأة أبديه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا كريما وتريا منزهة عن العدد ، من غير مادة الأمد ، فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته ، ولم يتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار كل اسم إلى الذي يجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 
يا ليت شعرنا ، هل يتضمن الوجود غيرنا ، فما عرف أحد منهم ما يكون ، إلا اسان أحدهما العلم المكنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل : وقالوا أنت لنا

ص 241


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس )
........................................................................
الحكم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحيم»، وأشار إلى الاسم العظيم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبي » وأشار إلى الاسم الخبير والعلي" ، بمحمد الكريم ، وأشار إلى الاسم الحميد « خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر في الأسماء من لم يكن له فيما ذكره العليم حظ ، ولا جرى عليه من اسسه التكريم لفظ ، وقال العليم ، من ذا الذي صليت عليه ، وأثرت في كلامك إليه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .
 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد ، فقال لهم يا عجبا ، وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقا ، وأوضح لكم إلى معرفته طريقا ، هو موجود يضاهيكم في حضرتكم ، وتظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه ، ويحصله ويستوفيه ، ويشارككم في أسمائكم ، ويعلم بي حقائق انبائكم ، وعن هذا الوجود المذكور الصادر من حضرتكم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور يكون الكون ، والكيف والأين ، وفيه تظهر بالاسم الظاهر حقائقكم ، وإليه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقكم ، فقالت تنبيها على أمر لم يكن به عليما ، وكان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علينا عظيما ، فمتى يكون هذا الأمر ، ويلوح هذا السر ؟ 
فقال سألتم الخبير ، واهتديتم بالبصير ، ولسنا في زمانه ، فيكون بيننا وبين هذا الكون مدة وأوان ، فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة حضرة التقديم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه ، المنزه في نفسه ، وأشارت إلى المريد ، فقيل له متى يكون عالم التقييد في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة، ونجول بظهور آثارنا عليه في الكون على ما ذكره الاسم الحكيم جولة ؟ 
فقال المريد وكان به

ص 242
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس» )
........................................................................
قد كان ، ويوجد في الأعيان ، وقال الاسم العليم ویسی بالإنسان ، ويصطفية الاسم الرحمن ، ويفيض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محياه ، وحيا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وكذلك الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطي بحساب وبعير حساب . 
فقال الاسم الحسيب ، أقيد عليكم ما تهبونه ، وأحسب عليكم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهيد ، فإنه صاحب الضبط والتقييد ، غير أن الاسم العليم قد يعرفی المعطى له ما يحصل له في وقت ، ويبهم عليه الاسم المريد في وقت إبهامه يعلمه ولا يمضيه ، ويأمر بالشيء ويريد ضده فلا يقضيه ، فلا زوال لي عنكما ، ولا فراق لي منكما ، فأنا لكم لزيم ، فنعم الجار والحميم ، فتوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذائية بحقائقها . 
وبينت حكم مسالكها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الكون ، رغبة في أن يظهر لهم عين ، فلجأوا إلى الاسم المريد ، الموقوف علیه تخصيص الوجود ، وقالوا سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا ، والذات التي شملتنا ، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت يا قادر سألناك بذاك إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناك بذلك إلا ما أحكمته ، وأنت يا رحمن سألناك بذاك إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل كلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر يا إخواننا على المريد بالتعلق وعلي بالإيجاد ، وقال الحكيم على القادر بالوجود وعلي" بالإحكام . 

فقام الرحمن وقال علي بصلة الأرحام فإنه شجنة مني فلا صبر لها عني ، فقال له القادر كل ذلك تحت حكمي وقهري ، 
فقال له القاهر لا تفعل إن ذلك لي وأنت خادمي ، وإن كنت صاحبي وحميمي ، فقال العليم أما الذي قال تحت حكمي فليقدم علي . 
فتوقف الأمر على جميع الأسماء ، وأن بجملتها يصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بينهما إلى مقام

ص 243

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس )
........................................................................
الأستواء ، ولو فتحنا عليك باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك منظره ، ويطيب لك خبره ، ولكن فيما ذكرناه ، تنبيه على ما سكتنا عنه وتركناه .

ولنرجع ونقول والله يقول الحق ويهدي السبيل ، فعندما وقع هذا الكلام الأنفس ، في هذا الجمع الكريم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها في الوجود ، ولاسيما الاسم المعبود ، ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى ليعرفوه بما عرفهم ، ويصفوه بما وصفهم .
فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون » فلجأت الأسماء كلها إلى اسم الله الأعظم ، والركن القوي الأعصم .
فقال ما هذا اللجاء ولأي شيء هذا الالتجاء ، فقالت أيها الإمام الجامع ، لما نحن عليه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن كل واحد منا في نفسه على حقيقة ، وعلى سنة وطريقة ، وقد علمت يقينا أن المانع من إدراك الشيء مع وجود النظر ، کونك فيه لا اكثر ، ولو تجرد عنك بمعزل لرأيته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .
ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الكوني ، وظهر هذا العالم الذي يقال له العلوي والسفلي ، لامتدت إليه رقائقنا ، وظهرت فيه حقائقنا ، فكنا نراه مشاهدة عين ، لما كان منا في أین ، وفي حال فصل وبين ، ونحن باقون على تقديسنا من الأينية ، وتنزيهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهية والكيفية ، فغايتهم أن يستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إليك مضطرين ، ووصلنا إليك قاصدين ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، كما لجأت إليه الأسماء والصفات ، وذكر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتكلم بنفسه العليم ، لك ذلك .
قد كان بالرحمن ، فقل للاسم المريد يقول للاسم القائل يأمر بكن ، والقادر يتعلق بإيجاد الأعيان فيظهر ما تمنيتم ، ويبرز لعیانكم ما اشتهيتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والكثرة، وذلك من حضرة الرحمة وفيض النعمة .

ص 244
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك وفي العسس "24"
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس
وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه،)
........................................................................
24 - الشعر
يريد تجلي الحق سبحانه وتعالى - ومن أسمائه النور «الله نور السموات والأرض» لموسى عليه السلام في صورة النار، قال تعالى عن موسى عليه السلام قوله «إني آنست نارا .. فلما جاءها نودي يا موسى ..)، وقال تعالى « أن بورك من في النار ومن حولها .. »
فسبحان من علا في نزوله، ونزل في علوه، ثم لم يكن واحدا منهما، ولم يكن إلا هما، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فيعرف معرفة لا يشهد معروفها، فإنه سبحانه تجلى لموسى عليه السلام في عين حاجته، فلم تكن تارة، فلا يرى الحق إلا في الافتقار، ولا يتجلى إلا في صور الاعتقادات وفي الحاجات 
وقلنا في ذلك من قصيدة لنا
کنار موسى يراها عين حاجته   ….    وهي الإله ولكن ليس يدريه 
ج 2 / 74 ، 269 ، 277 - ج 3 / 119 .

ص 245

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
إذ لا يعلم الغيب إلا الله.   "25"
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.
ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة)
........................................................................
25 - " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " الآية
شرح الشيخ هذا المعني استنادا إلى الحديث الصحيح في مقام المحبوبية وهو قوله تعالى « كنت لسانه الذي يتكلم به ۰۰» 
وقد ذهب الشيخ في الفتوحات المكية إلى ثلاث معان أخر في ذلك :
فيقول في الأول
إن علم الحق بنا قد يكون معلوما لنا وأما علمه بنفسه فلا يعلم العلو قدسه وهو قوله : « ولا أعلم ما في نفسك » أي نفس الحق .
 الثاني : ولا أعلم ما في نفسك من القضاء والقدر فإنه لا يعلم ما في نفس الله .
الثالث : أن تكون النفس هنا تنفس عیسی عینه فإذا جهل العبد ما هي عليه نفسه من حكم الاستعداد فهو بما هو عليه في المستأنف أجهل.
فأضاف عیسی عليه السلام نفسه إليه من وجه ما هي له ، وأضافها إلى الله من وجه ما هي لله ، فقال « تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك » أي نفسي هي نفسك وملكك فإنك اشتريتها وما هي ملكي ، فأنت أعلم بما جعلت فيها ، فأضاف نفسه إليه من حيث عينها ، ولا أعلم ما في نفسك » من حيث وجودها وهو من حيث ما هي لك ، فهذه عينها ، ولا أعلم ما في نفسك » من حيث وجودها وهو من حيث ما هي لك ، فهذه إضافة تشريف کمثل عبد الملك وخديمه ، وهو أتم في الثناء على الله والتبري مما نسب إليه .
الفتوحات ج 1 / 500 - ج 2 / 300 ، 538 - ج 4 / 332 .

ص 246

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الإجابة ولو بالقصد. "26"
........................................................................
26 - كل دعاء مجاب ولابد *
يقول العبد « رب اغفر لي » كما قال له الحق « أفم الصلاه لدكري » فیسی ما كان من جانب الحق للعبد أمرا ، ويسمى ما كان من جانب العبد للحق دعاء . 
أدبا إلهيا ، وإنما هو على الحقيقة أمر ، فإن الحد يشمل الأمرين معا ، ولا بد من أخذ الإرادة في حد الأمر ، لأنه اقتضاء وطلب من الآمر بالمأمور ، سواء كان المأمور دونه أو مثله أو أعلى ، وفرق الناس بين أمر الدون وبين أمر الأعلى ، فسوا أمر الدون إذا أمر الأعلى طلبا وسئولا مثل قول « اهدنا » فلا يشك أنه أمر من العبد لله . 
فسمي دعاء ، قال تعالى « ادعوني أستجب لكم » وهذا غاية النزول الإلهي لعبده . فيقول العبد « اغفرلي » « ارحمني » « انصرني » « اجبرني » ، فيفعل. 
ويقول الله له « ادعني » « أقم الصلاة » « وآت الزكاة » « اصبروا ورابطوا » « جاهدوا » فيطيع ويعصي ، وأما الحق فيجيب عبده لما دعاه إليه بشرط تفرغه لدعائه ،
والدعاء على نوعين :
1 - دعاء بلسان نطق وقول .
2 - و دعاء بلسان حال .
فدعاء القول يكون من الحق ومن الخلق ، ودعاء الحال يكون من الخلق ولا يكون من الحق إلا بوجه بعيد .
« وقال ربكم ادعوني أستجب لكم » اعلم أن العبد لا يكون مجيبا للحق حتى يدعوه الحق إلى ما يدعوه إليه قال تعالى: " فليستجيبوا لي" ، 
كذلك رأيناه تعالی لا يستجيب إلا بعد دعاء العبد إياه كما شرع ، فاشترك العبد والحق في القضية ، من كون الحق يجيب العبد إذا دعاه وسأله ، كما أن العبد يجيب أمر الله إذا أمره ، وإجابة الحق إيانا فيما دعوناه به على ما يرى الإجابة فيه ، فهو أعلم بالمصالح منا ،

ص 247
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء
شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك
........................................................................
فإنه تعالى لا ينظر لجهل الجاهل فيعامله بجهله ، وإنما الشخص يدعو والحق يجيب ، فإن اقتضت المصلحة البطء أبطأ عنه ، فإن المؤمن لا يتهم جانب الحق ، وإن اقتضت المصلحة السرعة أسرع في الجواب ، وإن اقتضت المصلحة الإجابة فيما عينه في دعائه أعطاه ذلك سواء أسرع به أو أبطأ ، وإن اقتضت المصلحة أن يعدل مما عينه الداعي إلى أمر آخر أعطاه أمرا آخر لا ما عينه ، فما جاز الله المؤمن في شيء إلا كان له فيه خير ، فإياك أن تتهم الحق فتكون من الجاهلين .
وقال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان »،
أعلم أن الإجابة على نوعين :، 
إجابة امتثال وهي إجابة الخلق لما دعاه إليه الحق ، 
وإجابة امتنان وهي إجابة الحق لما دعاه إليه الخلق ، 
فإجابة الخلق معقولة ، 
وإجابة الحق منقولة ، 
لكونه تعالى أخبر بها عن نفسه « فليستجيبوا لي » يعني إذا دعوتهم إلى القيام بما شرعته لهم ، فإنك لا تعامل إلا بما عاملت ، فإنه إذا دعاك فأجبته يجيبك إذا دعوته ، لذلك قال « فليستجيبوا لي » 
فإني دعوتهم على ألسنة أنبيائي بلسان الشرع وفي كتبي المنزلة التي أرسلت رسلي بها إليهم، أما اتصاف الحق بالقرب في الإجابة فهو اتصافه بأنه أقرب إلى الإنسان من حبل الورید ، فشبه قربه من عبده قرب الإنسان من نفسه إذا دعا نفسه لأمر ما تفعله فتفعله ، فما بين الدعاء والإجابة الذي هو السماع زمان ، بل زمان الدعاء زمان الإجابة ، فقرب الحق من إجابة عبده قرب العبد من إجابة نفسه إذا دعاها ، 
ثم ما يدعوها إليه يشبه في الحال ما يدعو العبد ربه إليه في حاجة مخصوصة ، فقد يفعل له ذلك وقد لا يفعل ، 
كذلك دعاء العبد نفسه إلى أمر ما قد يفعل ذلك الأمر الذي دعاها إليه وقد لا تفعل الأمر عارض يعرض له ، 
فقد قرن الحق تعالى إجابته لكم بإجابتكم له ، وقد تقدم دعاؤه لكم في قوله تعالی « يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب الیم »

ص 248

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.)
........................................................................
فإن استجبتم استجاب لكم، وإن تصاممتم فما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم ، فكرامة عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه الارتباط الحكمة في المناسبة ، فلا يجاب إلا من يجيب " ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين" ، فقد غفر لكم وأجابكم إن أتم أجبتم داعية ، وكلامه حق ووعده صدق .
فما دعا الله أحد إلا أجابه إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها لمن يعلم ذلك ، فلا تستبطیء الإجابة فإنها في الطريق، وفي بعض الطريق بعد وهو التأجيل، واعلم أن الله أخبر أنه يجيب دعوة الداع ، وما دعاؤه إياه إلا عين قوله حين يناديه باسم من أسمائه فيقول يا الله ، یا رب . رب . 
ياذا المجد والكرم وما أشبه ذلك ، فالدعاء نداء ، وهو تأبه بالله ، فإجابة هذا القدر الذي هو الدعوة وبها سمي داعيا أن يلبيه الحق فيقول لبيك ، فهذا لا بد منه من الله في حق كل سائل ، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة كما قال ، فيوصل العبد بعد النداء من الحوائج ما قام في خاطره مما شاءه ، فلم يضمن إجابته فيما سأل فيه ودعاه من أجله ، فهو إن شاء قضى حاجته وإن شاء لم يفعل ، ولهذا ما كل مسؤول فيه يقضيه الله لعبده ، وذلك رحمة به ، 
فإنه قد يسأل فيما لا خير له فيه ، فلو ضمن الإجابة في ذلك لوقع، ويكون فيه هلاكه في دينه وآخرته ، وربما في دنياه من حيث لا يشعر ، 
فمن كرمه أنه ما ضمن الإجابة فيما يسأل فيه ، وإنما ضمن الإجابة في الدعاء خاصة ، وهذا غاية الكرم من السيد في حق عبده ، 
ومن تحقق بالقرب الإلهي لابد أن يسمع الإجابة الإلهية ذوقا، فلابد من علامة يعطيها الله لهذا المتحقق، يعلم بها أنه قد أجاب دعاءه، ومعلوم أنه أجاب دعاءه ، وإنما أريد أن يعلمه أن الذي سأل فيه قد قضي وإن تأخر أو أعطى بدله على طريق العوض لما له في البدل من الخير .
الفتوحات ج 1 / 182 ، 183 - ج 2 / 50 - ج 4 / 71 ، 177 ، 245 ، 255 ، 429 ، 445 . كتاب الكتب - كتاب مواقع النجوم .

ص 249

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( إياه. "27"
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة.
ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.
ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.
فذكرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها.
«فإنهم عبادك» فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه.
ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم.
فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ولا شريك له فيهم فإنه قال «عبادك» فأفرد.
والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لكونهم عبادا.
فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء، فلا تذلهم فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا.
«وإن تغفر لهم» أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه.
«فإنك أنت العزيز» أي المنيع الحمى.
وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده تسمى الحق بالمعز، والمعطى له هذا الاسم بالعزيز.
فيكون منيع الحمى عما يريد به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب.
وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ولتكون الآية على مساق واحد في قوله «إنك أنت علام الغيوب» وقوله «كنت أنت الرقيب عليهم».
فجاء أيضا «فإنك أنت العزيز الحكيم». )
........................................................................
27 - راجع شرح «کنت سمعه وبصره » فص 9، هامش 9، ص 136

""  9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث فص 9، هامش 9، ص 136
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
 ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « کنت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.
إكمال فص 10 هامش 9   أهـ. ""


ص 250


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( الحكيم». "28"
فكان سؤالا من النبي عليه السلام وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة.
فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر.
فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فيقول له في عرض عرض وعين عين «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم.
فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم لله والتعريض لعفوه.
وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الإجابة)
........................................................................
28 - «إن تعذبهم فإنهم عبادك» الآية
عرض عیسی علیه السلام بالمغفرة لقومه لما عصوا الله ولم يتوبوا بقوله هذا، وذلك لما علم أن رحمته تعالی سبقت غضبه، وقد قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الآية ليلة كاملة، ما زال يرددها حتى طلع الفجر، إذ كانت كلمة غيره، فكان يكررها حكاية وقصده معلوم في ذلك، 
كما قيل في المثل «إياك أعني فاسمعي يا جارة» ولما كان في هذا اشتباه على المحجوبين من المعتزلة وغيرهم، الذين يقولون إن كفر العبد منسوب إلى اختراعه، غیر مستند إلى إرادة ربه سبحانه وإلا لما جاز أن يعاقبه عليه، لا جرم بين الله تعالی جوابهم على لسان نبيه عيسى عليه السلام في قوله «إن تعذبهم فإنهم عبادك» علل جواز تعذيبه لهم بأنهم عباده ، تنبيها على أن التعذيب لا يحتاج في جوازه عقلا إلى معصية ولا كفر ،
ولهذا لم يقل فإنهم عصوك، وإنما مجرد كونهم عبادا يجوز للمالك أن يفعل بهم ما يشاء، حتى وليس عليه حق، ومهما قال فالحسن الجميل «وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» ولم يقل «إنك أنت الغفور الرحيم» أدبا مع الجناب الإلهي، فتأدب العبد الصالح مع الله في هذا القول لما عصى قومه الله ولم يتوبوا.
نصيحة لا تدخل بين الله وبين عباده، ولا تسع عنده في خراب بلاده، هم على كل حال عباده، قل كما قال العبد الصالح ، صاحب العقل الراجح ، «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم » انظر في هذا الأدب النبوي ، أين هو مما نسب إليه من النعت البنوي ، هو عين روح الله وكلمته ، ونفخ روحه وابن

ص 251

قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : (
عنه حتى يتكرر ذلك منه حبا فيه لا إعراضا عنه، ولذلك جاء بالاسم الحكيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها.
فالحكيم العليم بالترتيب.
فكان صلى الله عليه وسلم بترداد هذه الآية على علم عظيم من الله تعالى. "29"
فمن تلا فهكذا يتلو، وإلا فالسكوت أولى به.
وإذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته، فلا يستبطئ أحد ما يتضمنه ما وفق له، وليثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الآية في جميع أحواله حتى يسمع بأذنه أو بسمعه كيف شئت أو كيف أسمعك الله الاجابة.
فإن جازاك بسؤال اللسان أسمعك بأذنك، وإن جازاك بالمعنى أسمعك بسمعك.)
........................................................................
أمته ، ما بينه وبين ربه سوى النسب العام ، الموجود لأهل الخصوص من الأنام . وهو التقوى لا أمر زائد، في غير واحد.
مناجاة - الهي جلت عظمتك أن يعصيك عاص أو ينساك ناسي، ولكن أوجبت روح اوامرك في أسرار الكائنات ، فذكرك الناسي بنسيانه ، وأطاعك العاصي بعصيانه، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، إن عصي داعي إيمانه فقد أطاع داعي سلطانك ، ولكن قامت عليه حجتك ، فلله الحجة البالغة ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
الفتوحات ج 2 / 50 - ج 4 / 378 .

29 ۔ مخالفة لأصول الشيخ : *
ما جاء في هذه الفقرة مخالف لأصول الشيخ التي سبق ذكرها، ومنها: لا ذوق الأحد في ذوق الرسل.
فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة.
فكيف يصح ما جاء في هذه الفقرة وهو حال من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه ليلة من الليالي 
الفتوحات ج 2 / 51 - - راجع كتابنا «الرد على ابن تيمية» ص 25


"" التعقيب على الإستاذ محمود محمود الغراب رحمه الله :
الإستاذ محمود فهم كلام الشيخ الأكبر ابن العربي من وجه دون الوجوه الآخرى وحصره في اتجاه واحد فقط وهو ما فهمه واعتقده دون غيره مع أنه أوضح وأكثر سطوعا من شمس الظهيرة  ومنه مثال واحد فقط يكفيك دليلا :
اين ذوق الرسول موسى وهو من أولي العزم من الرسل ولا جدال من ذوق الخضر عليهما السلام ؟؟؟؟
فرسول الله موسى لم يكن على علم مطلق بما يعلمه الخضر ولا ذوق له فيه عليهما السلام  
في حين ان الخضر فيما يعلم ان رسول الله موسي لاذوق ولا علم له فيما يعلم  
لقوله تعالى : " قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا " سورة الكهف.

إيضاح لعبارة الشيخ ابن العربي رضي الله عنه  الله عنه :
"لا ذوق الأحد في ذوق الرسل. فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة."
يقصد به الشيخ فيما ارسلوا به من شرائع لقومهم وهو أمر خاص لهم مع شرائع قومهم فهم أعلي ذوق فيما ارسلوا به من تجليات وامداد الله لهم .
اما فيما يعلمه الله تعالي ولم يعلمهم إياه وعلمه احد من عباده فهو اعلى من اى بشر آخر به والدليل شهادة الله تعالى على ذلك كما جاء بالآيات بعاليه.""

ص 252

واتساب

No comments:

Post a Comment