Saturday, January 25, 2020

السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع عشر فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.).

19 -  فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
هذا فص الحكمة الأيوبية ، ذكره بعد حكمة يونس عليه السلام ، لأن معراج أيوب عليه السلام كان باغتساله بماء تلك العين التي نبعت له لما ركض برجله عن أمر اللّه تعالى ، ومعراج يونس عليه السلام كان بسيره في الماء في بطن الحوت في تلك الظلمات الثلاث ، فناسب ذكره بعده ، فقد مس سر الحياة بواسطة الحوت ومسه أيوب عليه السلام بلا واسطة .
(فص حكمة غيبية) ، أي منسوبة إلى الغيب وهو مقابل للشهادة (في كلمة أيوبية ) إنما اختصت حكمة أيوب عليه السلام بكونها غيبية ، لأن التكلم فيها على سر الحياة الإلهية القائم بها على كل شيء والسر غيب لا شهادة ، وهو ما غاب عن الحس والعقل بحيث لا يحصره أحد إلا غاب عن حسه وعقله .

 قال رضي الله عنه :  (إعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّه مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ[ الأنبياء : 30 ] وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ . ولا يسبّح إلّا حيّ .  فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه. وهو قوله عليه السّلام : « لو دلّيتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ[ النحل : 50 ] ،وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِه ِ[ الأنعام : 18 ] فله الفوق والتّحت .  ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن . )

قال رضي الله عنه :  (اعلم ) يا أيها السالك (أن سر الحياة) الإلهية (سرى) من غير سريان إذ هو القيوم (في الماء) على كل ما خلق منه (فهو) ، أي الماء باعتبار ذلك (أصل العناصر) ، أي الأصول (والأركان الأربعة) التي هي الماء والتراب والهواء والنار (ولذلك) :
أي لكون الماء أصلا (جعل اللّه) تعالى "من الماء كلّ شئ حىّ" كما قال تعالى :وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ[ الأنبياء : 30 ] (وما ثم ) بالفتح ، أي هناك (شيء) محسوس أو معقول أو موهوم (إلا وهو حي) بحياة تناسبه مستفادة من حياة اللّه تعالى لقيوميتها عليه ،
(فإنه) ، أي الشأن ما من شيء مطلقا إلا وهو يسبح بحمد اللّه تعالى ، أي ينزهه تعالى عما لا يليق به مما يدرى ذلك الشيء بنطق عربي لا بلسان حال .

قال اللّه تعالى الذي أنطق كل شيء ولكن لا يفقه بالبناء للمفعول تسبيحه ، أي تسبيح ذلك الشيء إلا بكشف إلهي لمن يشاء اللّه تعالى من عباده .
قال تعالى :تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً( 44 ) [ الأسراء : 44 ] .
ولا يسبح بحمد اللّه تعالى إلا حي إذ الميت لا ينسب إليه علم ولا حركة ، فلا ينسب إليه تسبيح على أنه لا ميت أصلا بالمعنى الذي عند الغافلين الجاهلين ، والموت صفة من صفات الشيء لا ينافي الحياة فيه كالعقود والكلام فكل شيء حي بحياة تناسبه كما ذكرنا فكل شيء الماء أصله ، أي منشؤه منه ألا ترى يا أيها السالك العرش العظيم كيف كان على الماء كما قال تعالى :وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ[ هود : 7 ] ،

(لأنه) ، أي العرش (منه) ، أي من الماء (تكوّن) ، أي أنشىء وخلق (فطفا) ، أي علا ذلك العرش (عليه) ، أي على الماء (فهو) ، أي الماء الذي هو أصله (يحفظه) ، أي يحفظ العرش من تحته ، أي من تحت العرش بقوّة سريان الحياة الإلهية فيه (كما أن الإنسان خلقه اللّه) تعالى (عبدا) ذليلا من حقه أن يكون قائما بمولاه تعالى في جميع أحواله متحركا ساكنا بأمره كالملائكة الذين هم بأمره يعملون (فتكبر) ذلك العبد (على ربه) الذي هو خالقه ومنشيه (وعلا ) ،
أي ارتفع عليه سبحانه بالغفلة عنه والغرور فيه ودعوى الاستقلال بنفسه في جميع شؤونه الظاهرة والباطنة دون الحق تعالى (فهو) ، أي اللّه سبحانه (مع هذا) ، أي كونه خالقا له (يحفظه) ، أي يحفظ ذلك العبد (من تحته بالنظر إلى علو) ، أي ارتفاع (هذا العبد الجاهل) باللّه تعالى (بنفسه) فيدعي ما ليس له من الحول والقوّة ، وليست هذه التحتية للّه تعالى بالنظر إليه تعالى لأنه تعالى موجود ولا شيء معه ،
وكذلك الفوقية له سبحانه كما قال تعالى :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ[ النحل : 50 ] ، فهي أيضا بالنظر إلى انخفاض العبد العارف باللّه تعالى بنفسه ، فلا يدعي مع اللّه تعالى حولا ولا قوّة ، فهو تعالى فوق العارفين به وتحت الجاهلين الغافلين .

قال رضي الله عنه :  (وهو) ، أي ذكر نسبة التحتية إليه سبحانه قوله أي النبي عليه السلام : لو دلّيتم يا أيها الجاهلون باللّه تعالى باعتبار دعواكم الترفع على اللّه تعالى بالاستقلال بالأعمال كما ذكرنا بحبل وهو القرآن العظيم من قوله تعالى :"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"[ آل عمران  :103]،
أي نظرتم فيه واعتبرتم ما تضمنه من الآيات ، على أن كل ما ادعيتموه من ترفعكم عليه بالاستقلال في أنفسكم باطل وأنكم في تلك الحالة قائمون به تعالى أيضا متحركون ساكنون به ، وإن غفلتم عن ذلك لهبط ، أي سقط ذلك الحبل الذي دليتم به (على اللّه)  تعالى أي أوصلكم إلى اللّه سبحانه ، وكشف لكم عن ترفعكم عليه بالباطل ، فوجدتموه مجعولا عندكم تحتكم افتراء منكم عليه ، وهو تعالى غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ[ آل عمران : 97 ] .
" ورد الحديث بلفظ : « والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على اللّه ثم قرأ :« هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( 3 ) [ الحديد : 3 ] » . جز من حديث طويل رواه الترمذي في سننه"

فأشار صلى اللّه عليه وسلم بهذا الحديث إلى أن نسبة التحت إليه تعالى وهي حق كما أن نسبة الفوقية إليه تعالى أيضا وهي حق في قوله تعالى يخافون ، أي المؤمنون العارفون ربهم ، أي هم قائمون به في ظواهرهم وبواطنهم من فوقهم لأنهم لم يرتفعوا عليه بدعوى نفوسهم ، كالجاهلين به الذين ترفعوا عليه بدعوى نفوسهم وجعلوه تحتهم ليظهروا بالأمر دونه ، وهؤلاء ظهر هو بالأمر دونهم وقوله تعالى وهو ، أي اللّه تعالى القاهر ، أي لا غيره لنفوس العارفين به فلا يتركها تدعي حركة ولا سكونا فوق عباده المؤمنين باستيلائه عليهم في ظواهرهم وبواطنهم بخلاف عباد الدرهم والدينار الذي قال النبي صلى اللّه عليه وسلم "تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة". رواه الطبراني في الأوسط ورواه الحافظ ابن القاسم ورواه البزار في مسنده والهيثمي في مجمع الزوائد

 وفي رواية : « تعس عبد الزوجة » ذكره الغزالي ، فإن اللّه تعالى ليس فوقهم على علم منهم لكونهم ليسوا من العباد المنسوبين إليه في نفوسهم ، وإنما هم عباد الهوى والشيطان ، فليست فوقية عندهم بل تحتية كما ذكرنا .

فله ، أي اللّه تعالى الفوق والتحت صفتان ثابتتان شرعا بلا كيف ولا تشبيه وليس المراد بهما الجهتان المعروفتان ، لأنه تعالى ليس بجسم حتى ينسب إلى جهة محسوسة ، وإنما ظهر بالجهتين المحسوستين ، وهما الجهتان المعروفتان اللتان يأتي
الإمداد منهما في عالم الحس ينزل الغيث من الفوق ، ويخرج النبات من التحت ، والجهات الأربعة الباقية اليمين والشمال والقدام والخلف جهات الشيطان كما حكى تعالى عنه بقوله :لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ[ الأعراف : 17 ] ولهذا ، أي لكون الفوق والتحت له سبحانه ما ظهرت الجهات الست فوق وتحت ويمين وشمال وقدام وخلف إلا بالنسبة إلى الإنسان لا غيره لإدراكه وانتصاب قامته في تبيين تلك الاعتبارات وتمييزها ، إذ هي مجرد اعتبار لا حقيقة له ؛ ولهذا تختلف باختلاف الانحراف والتحوّل ، فقد يصير الفوق تحتا بالصعود على السطح ونحوه ، والتحت فوقا بالهبوط إلى غار ونحوه ، واليمين شمالا والشمال يمينا والقدام خلفا والخلف قداما بالتحوّل .
وهو ، أي الإنسان مخلوق على صورة الرحمن المستوي على العرش بما لا يعلمه الجاهل إذ هو حال العارف الكامل ، وعلى صورة الشيطان أيضا المستولي عليه بما لا يدركه إلا المخلص الذي هو ممن قال فيهم كما حكاه تعالى :وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ( 40 ) [ الحجر : 39 - 40 ] ، إذ هو حال الغافل الجاهل الناقص ، فاتصف لذلك بالجهات الست المذكورة وظهرت به وتميزت عنده الجهتان اللتان للرحمن والأربع جهات التي للشيطان ، فمن تميزت عنده جهاته الست كان مظهر الرحمن والشيطان ، صاحب جمال وجلال وهو القرآن العظيم الذي قال تعالى عنه :يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً[ البقرة : 26 ] .
وقال تعالى :وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا[ الشورى : 52 ] ، وقال تعالى :وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى[ فصلت : 44 ] .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كان سريان الحياة في الماء أظهر وكان مسر الشيء غيبة وكان طهارة جسم أيوب عليه السلام عن الأمراض بالماء سمى هذه الحكمة غيبية وأضافها إلى كلمته
لذلك ابتداء بقوله : ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو ) أي الماء ( أصل العناصر والأركان ) وهي النار والتراب والهواء والحياة صفة من صفات اللّه تعالى حقيقة واحدة كلية شاملة على جميع الموجودات ، لكن يظهر في بعضها في العموم والخصوص وفي بعضها لا يظهر إلا في حق الخصوص وسرها هو الهوية الإلهية الظاهرة بالصورة الحيوانية فأول ما ظهرت به الهوية الإلهية الحياة لذلك تقدمت على باقي الصفات تقدما ذاتيا وأول ما ظهرت به الحياة من الممكنات الماء لذلك كان أول كل شيء واصله ( ولذلك ) أي ولأجل سريان سر الحياة في الماء ( جعل اللّه من الماء كل شيء حيا ) كالحيوانات فإنها خلقت من نطفة الأمهات والآباء وهي الماء وكالنباتات فإنها لا تنبت إلا ( وما ثمة ) أي وما في العالم عند الخواص ( شيء إلا وهو حي فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد اللّه ولكن لا يفقه ) يجوز على البناء المجهول والمعلوم فمعناه على المجهول لا يفقه أحد ( تسبيحه ) بشيء ( إلا بكشف إلهي ولا يسبح ) بحمد اللّه ( إلا حي فكل شيء حي وكل شيء أصله الماء ) عند أهل الحقيقة بخلاف أهل الحجاب فإنه يزعم أن بعض الأشياء حي وبعضها ليس بحي وإن أصل بعضها من الماء وبعضها ليس من الماء ( ألا ترى العرش كيف كان على الماء ) لقوله تعالى :وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ[ هود : 11 ] ،
قال رضي الله عنه :  ( لأنه تكوّن منه فطفا ) أي ارتفع ( عليه فهو يحفظ من تحته ) أي الماء يحفظ العرش من تحته فإذا كان الماء أصلا للعرش كان أصلا لكل ما أحاط العرش فكل شيء أصله الماء قال بعض الأفاضل المراد بالماء الذي هو أصل كل شيء
النفس الرحماني الذي كان عرشه عليه ويراد بالعرش الملك فهذا وجه صحيح قد بين الشيخ في مواضع لكن لا يناسب هذا المقام
فإن أول الكلام مختص بالعناصر وهو قوله سرى في الماء فهو أصل العناصر وقوله فكل شيء حي وكل شيء أصله الماء نتيجة القياس
وما ينتج القياس الصحيح إلا عين الدعوى وهي وكل شيء من العناصر أصله الماء المتعارف
فالمراد بالعرش العرش المتعارف عند أهل الشرع ،
وأما قوله رضي اللّه عنه في الحكمة العيسوية وما فوق السماوات كالعرش والكرسي وملائكتهما طبيعيون لا عنصريون فهو ما ثبت عند أهل الحقيقة والعرش عند أهل الشرع سابع السبعة التي خلقت من دخان الماء الذي هو أصل العناصر
 ويدل على ما قلناه قوله ألا ترى العرش فإنه إنما ورده بعد إثبات المطلوب تسهيلا لفهم أهل الحجاب بما هو معلوم ومسلم عندهم
فإنهم قائلون بأن العرش المعروف عندهم كان على الماء المتعارف وأنه يحيط بالأشياء وما هذا إلا قول منهم بأن أصل كل شيء الماء ولكن لا يشعرون فيشعرهم بذلك بهذا الكلام ليزول حجابهم فيطلعون حقيقة الأمر في دائرتهم أو لأن المراد بإيراد هذا الكلام في أول الفص بيان خواص الماء الذي هو يزيل به مرض أيوب عليه السلام وهو الماء المتعارف والماء الذي هو النفس الرحماني خارج عن المقصود في اختصاص إزالة ألم أيوب عليه السلام بالماء .
فما أزال الماء مرض أيوب عليه السلام إلا لحكمة مختصة وهي سريان الحياة في الماء المتعارف بالذات وفي غيره بواسطة الماء ، فإن قيل كيف يصح قوله فهو أصل العناصر والأركان
فقد ورد في الحديث النبوي أن اللّه خلق درة بيضاء فنظر إليها بنظر الجلال والهيبة فذابت حياء فصار نصفها ماء ونصفها نارا فحصل منها دخان فخلق السماوات من دخانها والأرض من زبدها ومقتضى هذا الحديث أن الماء ليس بأصل للنار قلنا المراد بالنار المتعارف وهو النار التي تستخرج من الحديد والحجر بضرب أحدهما على الآخر فالأرض زبد الماء والحجر والحديد من جنس الأرض فالماء أصل النار

وعلى الحقيقة أن الصورة المذابية وإن تضمنت الحرارة النارية والبرودة المائية غالبة في هذا المزاج المذابي حتى لو عين له الاسم لاستحق باسم الماء دون غيره فعلى كلا التقديرين كان الماء أصلا للنار ، لكن هذا المعنى غير مناسب بالمقام كما قلنا في نفس الرحماني وإنما قلنا المائية لكن المائية غالبة في هذه الطبيعة لامتناع الاعتدال الحقيقي الذي يوجب البقاء وذا لا يكون إلا في الوجود الأخروي فالاعتدال لا يكون إلا فيه

 قال رضي الله عنه :  ( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه ) هذا إشارة إلى من ادّعى الربوبية ( فهو سبحانه مع هذا ) أي مع تكبر عبده عليه لا يتكبر عليه ولا يهلكه مع أنه قادر بذلك ( يحفظه من تحته ) بلطفه وكرمه ( بالنظر إلى علو هذا العبد ) من حيث أنه مخلوق على صورته ( الجاهل بنفسه ) ولو عرف نفسه لعرف ربه ولو عرف ربه ما تكبر وما علا ( وهو ) أي المذكور معنى ( قوله عليه السلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه ).
" ورد بلفظ « لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط على اللّه » " .

وفي بعض النسخ كما نسبة الفوق إليه وفي بعض النسخ كما نسبة الفوق إليه فما زائدة للتأكيد أي كنسبة الفوق إليه ( في قوله :"يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ" وهو القاهر فوق عباده فله الفوق ) أي فثبت أن به الفوقية بهذه الآية بإضافة الفوق إلى الإنسان ( والتحت ) بهذا الحديث فلا يظهر أن له الفوق والتحت إلا بالإنسان لاستواء نسبة الفوق والتحت إليه لكونه محيطا بالأشياء من جميع الجهات ( ولهذا ) أي ولأجل استواء نسبة الفوق والتحت إليه ( ما ظهرت الجهات الست ) أي إلى الحق بشيء ( إلا بإنسان فهو على صورة الرحمن ) فإن الجهات الست وجميع الصفات المتقابلة سره ولا يظهر سره إليه إلا بمن هو على صورته كما مر تحقيقه في أول الفص الآدمي ، فظهر أن الفوق والتحت للَّه لا للإنسان وما عرف العبد الجاهل ذلك فتفوق على ربه وعلا وكلام بعض الأفاضل في توجيه هذا الكلام مما لا ينبغي لهذا الكلام.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي. ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله. ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله». فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت. ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

قلت : الشيخ، رضي الله عنه، عظم قدر الماء على بقية العناصر حيث جعله أصلها ولا شك أن الماء هو عالم الإرادة، والأشياء المرادة كلها أصلها من الماء، فهذه الحقيقة فيما تخص الأشياء المرادة، وإلا فالعلم ما هو من الإرادة بل هو أصل الإرادة والحياة ما هي من العلم ولا من الإرادة بل أصل العلم هو الحياة، لأن بها يكون الحس وبالحس يكون الإدراك.
قال: وكل شيء حي ومسبح بحمد الله ولا يفقه تسبيحه إلا أهل معرفة لغة الله، عز وجل، وأما كون العرش على الماء، فلكون العرش مرادا لأنه جسم.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

 19 -  فصّ حكمة غيبية في كلمة أيّوبيّة
لمّا كانت أحواله عليه السّلام في زمان الابتلاء وقبله وبعده غيبية ، أسندت هذه الحكمة الغيبية إلى الكلمة الأيّوبية ، .
"" نبي الله أيوب في جميع أحواله عليه السّلام من أوّل حالة الابتلاء إلى آخر مدّة كشف الضرّ عنه غيبيّ حتى أنّ الآلام كانت في غيوب جسمه ، وابتلي بغتة غيبا ، ثم كشف عنه الضرّ ،
كذلك من الغيب من حيث لا يشعر ، فآتاه الله أهله الذين غيّبهم عنه " وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً " من الله غيبته ، كما سنومئ إلى ذلك عن قريب ."
أمّا قبل زمان الابتلاء فكان الله قد أعطاه من غيبه بلا كسبه - من الملك والمال والدنيا والبنين والخدم والخول - ما لم يحصّلها بكسبه ،
 وكان يصعد له من الأعمال الزاكية مثل ما يصعد من أهل الأرض أو أوفى ،
فغار عليه إبليس وبنوه ، وقصده بالأذيّة هو وذووه ، وكانوا يستكبرون بعمل ويستكتم دونه ، وكان الله تعالى يشكره في الملإ الأعلى ، ويذكره ،
فقال إبليس : مع هذه المواهب والنعماء والآلاء - التي أنعم الله بها عليه - أعماله قليلة ، فلو كان في حال الابتلاء والفقر صبر ولم يجزع ، لكان ما يأتي من الأعمال أعظم قدرا وأعلى مكانة ، فأذن له في اختباره وابتلائه ،
والقصّة مشهورة في بلائه ، فسلَّط الشيطان على ما تمنّى ، فغارت العيون ، وانقطعت الأنهار ، وخربت الديار ، ويبست الأشجار والثمار ، وهلكت مواشيه ، ومات اثنا عشر من بنيه ، وهجره جلّ أهله وذويه ،
كل هذا ابتلاء غيبيّ من غير سبب معهود وموجب مشهود ، في مدّة يسيرة ، وبعد غيبته عن أهله وماله ، مسّه الشيطان بضرّ في نفسه ، فظهرت من غيوب جسمه الآلام والأسقام ، وتولَّد الدود في جسمه وغيوب أعضائه وأجزائه ، فصبر لمّا عرف السرّ ، ولم يجزع ولم يقطع الذكر والشكر ، متلقّيا بحسن الشكر والصبر ، وهذا الأمر الإمر ،

ولم يشك إلى غير الله إلى انقضاء  مدّة الابتلاء ، فلمّا بلغ الابتلاء غايته ، وتناهي الضرّ نهايته ، ولم ينقص أيّوب عليه السّلام من أذكاره وشكوره وحضوره ، ولم يظهر الشكوى والجزع ، فتمّت حجّة الله على اللعين ، وعلى غيره من الشياطين ،
فتجلَّى من غيبه ربّه تجلَّيا غيبيّا فذكر لربّه ما أظهر الشيطان في حاله أمرا فريّا ، ممّا لم يكن به حريّا ،
فأزال الله عنه الآلام والأسقام ، وكشف ما به من ضرّ ، ووهبه أهله ومثلهم معهم ، رحمة أظهرها له من غيب الأمر ،
وأظهر له أيضا عن غيب الأرض مغتسلا باردا وشرابا ، عرّفه في ذلك حقيقة السرّ ، فبهذه العجائب الغيبية أسندت هذه الحكمة إلى هذه الكلمة .

قال رضي الله عنه : ( اعلم : أنّ سرّ الحياة سرى في الماء ، فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل الله من الماء كلّ شيء حيّ ، وما ثمّ شيء إلَّا وهو حيّ ، فإنّه ما ثمّ شيء إلَّا وهو يسبّح بحمده ) أي بحمد الله (ولكن لا نفقة تسبيحه إلَّا بكشف إلهي ، ولا يسبّح إلَّا حيّ ، وكلّ شيء الماء أصله حيّ ). "في بعض النسخ : فكلّ شيء حي ، فكلّ شيء الماء أصله ".

قال العبد : الاختلاف المذكور بين حكماء الرسوم في وجود الأركان والعناصر قد عرف في كتبهم وهو مشهور .
ومن حيث النظر العقلي الصحيح لا يترجّح أحد أقوالهم على الآخر إلَّا بالإقناعيات ،
فظاهر النظر العقلي ومقتضى التحقيق الكشفي الإلهي أنّ الاثنين من الأربعة في أصل الطبيعة أصلان ، والآخران منفعلان عنهما ،
فالأصلان هما الحرارة والبرودة ، وانفعلت عنهما اليبوسة والرطوبة ،
كما أنّ الاسم « الظاهر » والاسم « الباطن » أصلان في الأسماء الذاتية ، وانفعل عنهما الفعل والانفعال ، فصار كلّ من الأصلين فاعلا في الآخر منفعلا عنه ،
فإنّ الظاهر مجلى الباطن ، وانفعل عنهما الأوّل والآخر ، وكذلك الأسماء الإلهية ، فإنّ الحياة والعلم أصلان ، والإرادة والقدرة تابعتان لهما ، كما علمت ، وهذا في الأصول والطبيعة ،
وعلى هذا يجب أن:-
يتكوّن النار من الحرارة واليبوسة ،
ويتكوّن الماء من البرودة والرطوبة ،
والأرض من اليبوسة والبرودة ،
والهواء من الحرارة والرطوبة ، هذا رأيي .
وقيل : إنّ كلّ ركن منها أصل في نفسه وسائرها غير متولَّد عن واحد منها .
وقيل أيضا : إنّ كلّ واحد منها أصل ، ويتكوّن الباقي من ذلك الأصل ، فإنّ النار يمكن أن تكون أصلا للباقي ، وكذلك كلّ واحد منها .
وهذه أقوال أربعة ذهب إلى كلّ قول منها قوم .

ويقال أيضا : إنّ الأركان مركَّبة من صور الطبائع وهيولاها ، والطبيعة حقيقة كلَّية هي عين الكلّ ، فيجب أن يكون تكوّن كلّ منها عن المجموع .
ويعضد هذا الرأي مشرب التحقيق ، وأنّ كلّ شيء فيه كلّ شيء ، وهي من الأصول المقرّرة في طور التحقيق والكشف ،
وقد سبق لنا في هذا الكتاب ما فيه مقنع من هذه المباحث ، ولكنّ الشيخ  رضي الله عنه  جعل الماء أصل الأركان كلَّها .
لما صحّ كشفا أنّ العرش الإلهي وهو محلّ استوائه أحدية جميع الحياة والعلم والوجود ، كان على الماء قبل وجود الأرض والسماء ، فالماء عرش العرش ، والحياة إذا تمثّلت أو تجسّدت ، ظهرت بصورة الماء ، وهو ذلك الماء الذي كان عليه العرش .
وأيضا على ما قرّرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب أنّ الطبيعة ظاهرية أحدية جمع الألوهة ، والألوهية حقيقتها ، وأركان الإلهية أربعة : حقائق الحياة - وهي كمال الوجود - والعلم ، والإرادة ، والقدرة .
والحياة شرط في وجود ما عداها ، وعليها تبتني هذه الأركان ، فمن هذه الحقيقة الكشفية الأصلية يتحقّق أيضا أنّ الماء أصل الأركان ، فإنّه صورة الحياة ، ولهذا سرى سرّ الحياة في الماء .

قال رضي الله عنه  : (ألا ترى العرش كيف كان على الماء ، لأنّه منه متكوّن فطفا عليه ).
يشير رضي الله عنه  إلى أنّ العرش الجسمانيّ الذي هو على فلك الأفلاك الأطلس " قال الكاشاني : المراد بالعرش العرش الجسماني أي الفلك الأطلس " ، فإنّ حقيقة الجسم كانت في بدء الإيجاد مثل الجوهرة أو الدرّة ، فنظر الله
إليها بتجلَّية الحبيّ الإيجادي ، فذابت حياء وتحلَّلت أجزاؤها ماء ، فكان عرشه على ذلك الماء ، قبل وجود الأرض والسماء .
ولا يتوهّم أنّ هذه الدرّة أو الجوهرة هي حقيقة الجسم وجوهرته ، تكوّنت من الهيولى الرابعة التي هي الهيولى الأولى في صورة أحدية جمعية إجمالية اندمجت فيها حقيقة الأجسام كلَّها ، كالأكرة الكلَّية الكبيرة المصمتة فتجلَّى لها الرحمن ، فذابت أي تفصّلت ولاحت عليها أنوار سبحات وجه الرحمن فحلَّلتها تحليلا بخاريّا دخانيّا بعد ما كان التحليل في إشراق التجلَّي الأوّل مادّيّا " مساويا " ،
فيكون فلك الأفلاك الأطلس والعرش عليه من ذلك التحليل البخاري الأحدي الجمعي الكمالي ، فغمر الخلاء بوجوده جسما طبيعيا كلَّيا إحاطيا ملأ فضاء الخلاء المقدّر في مرتبة الإمكان ، فصلح هذا الفلك المحيط العرشي أن يكون عرشا للرحمن المحيط بنور وجديّ وتجلَّيه من خزائن وجوده ، أحاط بالموجودات كلَّها ،
فلمّا ألحّ التجلَّي بإشراق على ذلك الجوهر المحلول المائي ، وتحكَّمت في أجزاء بحره المسجور حرارة التجلَّي ، فدخنت الجوهرة المحلولة - كما قلنا - بخارا أحديا جمعيّا إحاطيا ، وأحاط بمركز الجوهر الأصل في أنّها مراتب البعد ، فأحاط بالماء المذكور وطفا كما أشار إليه الشيخ .

قال رضي الله عنه : ( فهو يحفظه من تحته ) أي الماء ( كما أنّ الإنسان خلقه الله عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، وهو سبحانه و تعالى مع هذا يحفظه من تحته ، بالنظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بربّه. "في بعض النسخ: بنفسه).

يشير رضي الله عنه  إلى أنّ العبد صورة تعيّن للوجود الحق المتجلَّي عليه والمتولَّي لإيجاده ، ثمّ التعيّن لا بدّ أن يعلو على المتعيّن به وهو الوجود الحق ،
فهو مستور بالتعيّن العبدانيّ ، ولولا حفظ الوجود الحق المتعيّن به وفيه ، لانعدم ، إذ لا تحقّق للتعيّن بدون المتعيّن ، فإنّه بلا هو هالك ، فالحق يحفظ العبد من تحته .
قال رضي الله عنه :  (وهو قوله عليه السّلام : « لو دلَّيتم بحبل ، لهبط على الله » فأشار إلى أنّ نسبة التحت إليه كنسبة الفوق في قوله تعالى : "يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ " وقوله :   " وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِه ِ " ، فله الفوق والتحت ، ولهذا ما ظهرت الجهات الستّ إلَّا بالنسبة إلى الإنسان ، وهو على صورة الرحمن ) .

يعني : لمّا كانت نسبة الفوق والتحت إليه سواء ، فحفظه لعبده من تحته ما ينافي فوقيّته ، فإنّه - بإحاطته - فوقه وتحته .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
إنما خصت الكلمة الأيوبية بالحكمة الغيبية لكون أحواله عليه الصلاة والسلام بأسرها من ابتداء حاله وزمان ابتلائه وبعد كشف بلائه إلى انتهاء كلامه غيبية ، لأن الله تعالى أعطاه من الغيب بلا كسب ما لم يعط أحدا من المال والبنين والزرع والخول والعبيد ، ثم ابتلاه من الغيب ببلايا في نفسه وماله وأهله وولده ولم يبتل بمثلها أحدا ، ورزقه الله صبرا جميلا وافرا بلا شكوى إلى أحد في مدة لم يرزق مثله أحدا ، ولما بلغ الابتلاء غايته وتناهي الصبر نهايته ولم يجزع قط ولم يشك إلى أحد ، ولم يترك من أعماله وطاعته وأذكاره وأنواع شكره شيئا " نادى رَبَّه - أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ "،
فكشف عنه ما به من ضر ، ووهب له أهله -   "ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً " من عنده وخزانة غيبه وأظهر له من غيب الأرض مغتسلا باردا وشرابا ، وكل ذلك كان من قوة إيمانه بالغيب ، وثقته بما ادخر الله له في الغيب ، فكان أمره كله من الغيب .
قال رضي الله عنه :  (اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذا جعل الله من الماء كل شيء حي وما ثم شيء إلا هو حي ، فإنه ما ثم من شيء إلا وهو يسبح بحمده ، ولكن لا يفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ، ولا يسبح إلا حي ، فكل شيء حي ، فكل شيء من الماء أصله ) .

اعلم أن الحياة إذا تمثلت وتجسدت ظهرت بصورة الماء ، وكذلك العلم الذي هو الحياة الحقيقية ، وهو معنى قوله : سر الحياة سرى في الماء ولما كان أصل الكل الحياة والعلم والماء صورتهما جعل أصل النار الماء ، فإن الحياة التي هي عين الذات الأحدية تمثلت بصورة الأرواح ، ثم نزلت إلى صور الطبائع ، ثم تمثلت بصور العناصر فثبت أن من الماء الذي هو صورة الحياة كل شيء حي ، وأنه لا شيء إلا وهو حي كما ذكر ، فلا شيء إلا وأصله من الماء .

"" أضاف بالي زادة : قوله ( وهو أصل العناصر والأركان ) الباقية ، فالحياة صفة من صفات الله حقيقة واحدة كلية شاملة على جميع الموجودات ، لكن تظهر في بعضها في العموم والخصوص وفي بعضها في الخصوص ، وسرها هو الهوية الإلهية الظاهرة بصورة الحياتية ، فأول ما ظهرت به الهوية الإلهية الحياة ، ولذلك تقدمت على باقي الصفات تقدما ذاتيا ، وأول ما ظهرت به الحياة الماء ، لذلك كان أول كل شيء وأصله ( ولذلك ) أي لأجل سريان سر الحياة في الماء ( جعل الله من الماء كل شيء حي ) كالحيوانات فإنها خلقت من نطفة الأمهات والآباء - وهي الماء ، وكالنبات فإنها لا تنبت إلا بالماء .أهـ بالى زادة. ""
( ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكوّن )
المراد بالعرش العرش الجسماني : أي الفلك الأطلس ، وإنما تكون من الماء لأن الله تعالى خلق أول ما خلق ذرة بيضاء فنظر إليها بعين الجلال فذابت حياء فصار نصفها ماء ونصفها نارا فكان عرشه على ذلك الماء ،
فالدرة هي العقل الأول الذي تكون منه جميع الأكوان ، والنظر إليه بعين الجلال احتجاب الحق تعالى بتعينه ، فإن نظر الجمال تجلى الوجه الإلهي بنوره ، ونظر الجلال تستره بغيره ، وذوبانه تلاشيه بماهيته الإمكانية العدمية وتكون الأشياء منه ،
فإنه كالهيولى لجميع الممكنات ، والنصف الناري تكون الأرواح منه بالتعينات النورية ، ألا ترى كيف سمى روح القدس عند اتصال موسى به نارا حيث قال  :"بُورِكَ من في النَّارِ ومن حَوْلَها "   - وقال :" آنَسَ من جانِبِ الطُّورِ ناراً "   - والنصف المائي تكون الأجسام منه ، فإن الهيولى هو البحر المسجور أي المملوء بالصور ، فإنها ماء كلها فكان العرش على ذلك الماء .

ولما كان العقل الأول الذي هو أصل الكل عين الحياة ومثالها صح أن أصل الكل الماء حتى الهيولى والنار .
( فطغى عليه ) أي ظهرت صورة العرش على ماء الهيولى ، فإن كل ما طغى على ماء ظهر ، وبطن الماء تحته ، وكذا بطن الهيولى بظهور صورة الأجسام فيها .
( فهو يحفظه من تحته ) أي الهيولى يحفظ الصورة العرشية من تحته ( كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) "وفي نسخة : بربه" وكلاهما يستقيم ، لأن الجاهل بنفسه جاهل بربه وبالعكس ،
وإنما خلق الإنسان عبدا لأنه مقيد في تعينه ، وليست حقيقة العبد إلا صورة تعين الوجود للحق المتجلى فيه ، والمتعين لا بد أن يعلو المتعين به المستور فيه وإلا لانعدم ، إذ لا تحقق للمتعين بدون المتعين به ، فإنه بلا هو هالك ، فالحق يحفظ العبد من تحته.
"" أضاف بالي زادة : (فهو يحفظه من تحته ) أي الماء يحفظ العرش من تحته ، فإذا كان أصلا العرش كان أصلا لكل ما أحاط به العرش ، فكل شيء أصله الماء اهـ بالى زادة. ""

قال رضي الله عنه :  ( وهو قوله عليه الصلاة والسلام "لو دليتم بحبل لهبط على الله" فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله : "يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ " وقوله : " وهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِه" فله الفوق وله التحت ، ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالنسبة إلى الإنسان ، وهو على صورة الرحمن ) .

لما كانت نسبة الفوق والتحت إليه سواء فحفظه لعبده من تحته لا ينافي فوقيته فإنه بإحاطته فوقه وتحته ، وكونه على صورة الرحمن إحاطته بجميع الأسماء ، فإن الرحمن في جميع الجهات المتقابلة لاشتماله على جميع الأسماء المتقابلة ، و « ما » في كما نسبة زائدة كقوله:  " فَبِما رَحْمَةٍ من الله " .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كان الحق تعالى غيب الغيوب كلها وكانت هويته سارية في جميع الأشياء العلوية والسفلية المكانية والمرتبية وقال تعالى في أيوب عليه السلام :
( أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ) . فاظهر له ماء الحياة الحقيقية من الغيب وطهره به من الأمراض الحاصلة من مس الشيطان ، أي من البعد عن جانب الرحمن ، كما سنبينه - يسمى هذه الحكمة ( غيبية ) لأن الماء المطهر له كان مستورا تحت رجله ، وغيبا فيما يمشى عليه بكله .
وهو في الحقيقة إشارة إلى الماء الذي قال تعالى فيه : ( وكان عرشه على الماء ) . ولذلك طهر باطنه عن ملاحظة الأغيار ، كما طهر ظاهره من الأمراض الموجبة للنفار . ومن جنس هذا الماء كان ما غسل به جبرئيل صدر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

وإضافتها إلى الكلمة ( الأيوبية ) لنزول الخطاب في حقه . فالمراد بالحكمة ( الغيبية ) ظهور الحق له بالسلوك والرياضة والطاعة والعبادة ، وحصول ماء الحياة التي هي في عين الظلمات بالصبر في أنواع البلايا والمحن الواقعة في نفسه وأهله وأمواله وأولاده ، فكان كلها رفعا لدرجاته وتحصيلا لكمالاته وترقيا في حالاته وتجلياته ، لشهوده المبلى والممتحن في عين البلايا والمحن ، وصبر به على مقاساة الشدائد ومتاعبها ، ولم يشتغل بإزالتها ومداراتها حتى وصل في عين القرب من الرب وحصل في مقام الأنس برفع وحشة الطلب ، فنادى : ( إني مسني الشيطان بضر ) . فكشف الله عنه ضره وطهر عن أدناس الموانع سره .
لا يقال : إنما سمى حكمته ( غيبية ) لأن أموره كلها ما ظهرت إلا من الغيب أولا وآخرا .
لأن أهل العالم كلهم لا يظهر أمورهم إلا من الغيب ، فلا اختصاص  حينئذ   

قال رضي الله عنه :  (واعلم ، أن سر الحياة سرى في الماء ، فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل الله من الماء كل شئ حي . وما ثم شئ إلا وهو حي ، فإنه ما من شئ إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي . ولا يسبح إلا حي . )

سر الحياة هو الهوية الإلهية السارية في جميع الأشياء بظهورها في ( النفس الرحماني )
أولا ، وبسريانها بواسطته في كل شئ حصل منه
ثانيا . وذلك لأن سر الشئ غيبه المستور فيه ومعناه الظاهر بصورته . ويجوز أن يراد به نفس الحياة وحقيقتها .
أي ، حقيقة الحياة سارية في الماء وكلاهما متقاربان ، لأن الهوية الإلهية هي المتجلية بالصفة الحياتية لا غيرها .
وإنما جعل الماء أصلا لغيره من العناصر والأركان ، لما نطق به الحديث النبوي من

قال رضي الله عنه :  ( ان الله خلق درة بيضاء ، فنظر إليها بنظر الجلال والهيبة ، فذابت حياء ، فصار نصفها ماء ونصفها نارا ، فحصل منهما دخان ، فخلق السماوات من دخانها والأرض من زبدها ) .

قيل : ( الدرة ) هي ( العقل الأول ) . وفيه نظر . لأن ما ذاب وصار شيئا آخر لا يكون باقيا على تعينه الذاتي ، والعقل الأول باق على تعينه ، لا تقبل التغيير أصلا . بل المراد بها ما قبل
صور العناصر من الهيولى العنصرية ، والله أعلم
 ولأجل سريان هذه الحياة الذاتية في الماء ، جعل الله من الماء كل شئ حي .
أي ، كل ماله حياة خلق من الماء ، إذ النطف التي تخلق الحيوان منها ماء ، وما يتكون بغير توالد فهو أيضا بواسطة المائية المتعفنة .
وكذلك النباتات أيضا لا تنبت إلا بالماء .
ولما كان كل ما هو في الوجود مسبح لربه تعالى بالنص الإلهي ، ولا يسبح إلا الحي ،

قال : ( فكل شئ حي ، وكل شئ الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على ( الماء ) لأنه منه تكون فطفا عليه . ) أي ، علا وارتفع عليه .
والمراد بالماء الذي هو أصل كل شئ ( النفس الرحماني ) الذي هو الهيولى الكلى والجوهر الأصلي ، كما تقدم أن صور جميع الأشياء حاصلة عليه ، لا الماء المتعارف .
فهو الماء الذي كان عرش الله عليه ، إذ العرش كما يطلق ويراد به ( الفلك الأطلس ) ، كذلك يطلق ويراد به ( الملك ) .
كما قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
( إن العرش ) في لسان العرب يطلق على ( الملك ) يقال : ثل عرش الملك . أي ، دخل خلل في ملكه . ويطلق ويراد به ( السرير ) .

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر من الفتوحات :
اعلم أيد الله الولي الحميم أن العرش في لسان العرب يطلق ويراد به الملك يقال ثل عرش الملك إذا دخل في ملكه خلل ويطلق ويراد به السرير
فإذا كان العرش عبارة عن الملك فتكون حملته هم القائمون به وإذا كان العرش السرير فتكون حملته ما يقوم عليه من القوائم أو من يحمله على كواهلهم والعدد يدخل في حملة العرش وقد جعل الرسول حكمهم في الدنيا أربعة وفي القيامة ثمانية
فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ".
ثم قال وهم اليوم أربعة يعني في يوم الدنيا وقوله يومئذ ثمانية يعني يوم الآخرة .أهـ

و قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات :
فلا بقاء للعالم إلا بالله السلطان ظل الله في أرضه العرش
ظل الله يوم القيامة العرش عين الملك
يقال ثل عرش الملك إذا اختل ملكه عليه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
أي على ملكه سجود القلب إذا سجد لا يرفع أبدا
لأن سجوده للأسماء الإلهية لا للذات فإنها هي التي جعلته قلبا
فهي تقلبه من حال إلى حال دنيا وآخرة...أهـ ""

غيره أيضا ، من أكابر الأولياء بعد هذا الكلام ، تعليل أن ( العرش ) الذي على ( الماء ) هو الملك . ولكون العرش الجسماني صورة من الصور الفائضة على الهيولى ، يصدق عليه أيضا أنه على الماء ، كما أشار قوله تعالى : ( والبحر المسجور ) أي ، الممتلئ من الموجودات . وهو البحر الذي موجه صور الأجسام كلها  .
وإنما أطلق اسم ( الماء ) عليه ، لأن الماء العنصري مظهر له ، لذلك اتصف بصفاته ، فصار مادة لجميع ما في العالم الجسماني من السماوات والأرض والنبات والحيوان .
وأيضا ، لما أطلق عليه ( النفس ) مجازا ، تشبيها بالنفس الإنساني ، أطلق اسم ( الماء ) عليه مجازا ، لأن ( النفس ) بخار ، والبخار أجزاء صغار مائية مختلطة بأجزاء هوائية .
فحصل أن ( الماء ) كما يطلق على الماء المتعارف ، كذلك يطلق على الهيولى وعلى ( النفس الرحماني ) الذي هو هيولى جميع العالم وأصله .

ولا يقال : إن المراد ب‍ ( الماء ) الذي عليه العرش والذي هو أصل العناصر هو ( العلم ) ، وإن كان يتجسد في المثال بصورة الماء ، لأن المراد بيان أصل الموجودات في الخارج ، لا في العلم .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو يحفظه من تحته ، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا ، فتكبر على ربه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه . )  وفي بعض النسخ : ( بربه ) . وكلاهما صحيح .

لأن الجاهل بالنفس جاهل بالرب وبالعكس . أي ، فالماء الذي هو النفس الرحماني ، يحفظ هذا الملك وتعيناته من تحته ، أي باطنه .
كما أن الحق سبحانه يحفظ الإنسان الجاهل بنفسه وعبوديته من باطنه وغيبه ، نظرا إلى علو مرتبته من حيث حقيقته ومكانته الزلفى عند الله ، وهو يدعى الربوبية ويتكبر على الله من جهله بنفسه وعبوديتها ، إذ لو لم يكن حفظ الحق تعالى له وللعالم كله من الباطن ، لانعدم في الحال ، فإنه بلا وجود عدم .

(وهو قوله ، عليه السلام : " لو دليتم بحبل لهبط على الله " . فأشار إلى أن نسبة التحت إليه ، كما أن نسبة الفوق إليه . " وفي بعض النسخ : ( كما نسبة الفوق إليه ) .
ف‍ ( ما ) زائدة . كقوله : " فبما رحمة من الله " .
( في قوله : " يخافون ربهم من فوقهم " ) وهو القاهر فوق عباده " . فله الفوق والتحت . " أي ، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله ، صلى الله عليه وسلم : " لو دليتم بحبل لهبط على الله " .
وإنما كان نسبة الفوقية والتحتية إليه سواء ، لأن الحق محيط بالظاهر والباطن على العالم ، فكما
تنسب إليه الفوقية ، تنسب إليه التحتية . فله الفوق والتحت جميعا ، لأنهما من جملة مراتبه الوجودية .

( ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ، وهو على صورة الرحمان . )
أي ، ولكون نسبة الفوقية والتحتية ، بل نسبة جميع الصفات المتقابلة ، إلى الله تعالى سواء ، ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ، لكونه هو المخلوق على صورة الرحمان الجامع للصفات المتقابلة .
واعلم ، أنه لو كان المراد بالظهور العلم بالجهات ، لكان غير منحصر في الإنسان ، لأن النفوس الفلكية أيضا عالمة بها ، بل جميع الحيوانات . فالأنسب أن نقول : المراد بالظهور ، التحقق .
أي ، لا يتحقق بهذه الجهات المتقابلة بحسب المقام إلا الإنسان ، لأن جميع مراتب الوجود
مقاماته ، بخلاف غيره .

فإن لكل منها مقاما معلوما لا يتعداه ، كما قال تعالى : " وما منا إلا له مقام معلوم " . فهو الذي في السماء له ظهور ، وهو الذي في الأرض له ظهور .
كما أن أصله الذي ظهر الإنسان على صورته : "هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " . وكذلك باقي الجهات . وقد مر تحقيقه في المقدمات من أن الحقيقة الإنسانية هي التي ظهرت في جميع صور العالم .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

الفص الأيوبي
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
أي : ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالتجلي الغيبي ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى أيوب عليه السّلام ، إذ ظهر له سر الحياة من الماء ، فاستفاد من الاغتسال فيه قوة تدبير النفس للبدن عن قوة الحياة حتى أصلحته وأزالت عنه مرضا غلبه مدة مديدة في أقل الأوقات ، وظهرت له الحياة المكمونة في أولاده الأموات ، وعبيده وضروعه وذروعه ، وسائر أمواله حتى علم بذلك حياة كل شيء ، ثم إنه كملها بما قويت النسبة بينه وبينهم ، حتى تم ظهورها فيهم بتدبير نفسه في أجسامهم بعد تدبيرها في جسمه .

قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّه من الماء كلّ شيء حيّ ، وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ، ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ ، ولا يسبّح إلّا حيّ ، فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله ، ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه ) .

( اعلم أنّ سرّ الحياة ) المعنى الفائض من صفة الحياة الأزلية فيضان نور الشمس منها على عالم الأجسام بواسطة الأرواح المدبرة لها ، ( سرى(   أولا ( في الماء ) قبل سائر العناصر والمواليد ؛ لكونه أعبد البسائط التي هي أصل المركبات ؛ لكونه ليس في كثافة في الأرض ، ولا في لطافة الهواء والنار بل بينهما ، وإذا سرى فيه سر الحياة دبره بالتكثيف تارة والتلطيف أخرى ، ( فهو أصل ) بقية ( العناصر ) ، فسرى فيه أصل الصفات الإلهية .

وهو ما جاء في التوراة : « إنّ اللّه خلق جوهرة ، فنظر إليها بنظر الهيبة فدابت وصارت ماء فتحرك ، فأوجبت حركته سخونته ، فتصاعد على وجهه زبد ، فتكون منه الأرض ، وارتفع منه بخار دخاني ، فتكون منه السماء ، وحصل فيه الهواء والنار بالتلطيف ، وبه أحدثا ليس من القدماء » .
( ولذلك جعل اللّه من الماء كل شيء حي ) أي : صورته ، وإن كان تركبه من العناصر الأربعة ، وأعطى فيه الغلبة لغيره كالتراب في الإنسان والنار في الجان ، ولا يختص هذا بالحيوانات والنباتات كما تتوهمه العامة ، إذ ( ما ثمة ) أي : في الواقع ( شيء إلا وهو حي ) ؛ لأن الحياة أول صفات الوجود ، فلا يفارق مظاهره ، وبها تدبيره للعالم ، ولا بدّ لكل شيء من مدبر ، فينبه بقاؤه وحفظه واستقراره في حيزه إن كان فيه وسيلة إليه إن خرج عنه ، بل هناك حياة وراء ذلك بها يسبحه ، فإنه ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ([ الإسراء : 44 ] كما ورد به النص .

وليس ذلك بلسان الحال فقط كما يظنه العوام ، إذ تفقهه الأكبر ، ) ولكن ) ورد النص في حقهم أنهم ( لا يفقهون تسبيحهم ) ، فلا بدّ ألا يفقه تسبيحه ( إلا بكشف إلهي ) يكشف عن عالم الملكوت الذي لا يفتر عن التسبيح الذي خلق الكل له ، فيكون تركه معصية ؛ ولذلك أردفه بقوله :إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً[ فاطر : 41 ] أي : عمر غفل عن تسبيحه مع كمال حياته ، ولا يفتر عن تسبيحه من قصرت حياته ، ( ولا يسبح ) التسبيح الحقيقي ( إلا حي( ؛ لتوقفه على الشعور ، والمتوقف على الحياة فعلم أن كل شيء مسبح وكل مسبح حي ، ( فكل شيء حي ) وإن خفيت حياة البعض كالنبات والجمادات ، وعلم أيضا أن ( كل شيء ) حي ، وكل حي ( الماء أصله ) ، فكل شيء الماء أصله حتى الأركان العلوية التي اتفق الأكبر على أنها ليست عنصرية ، وقد صرح الشيخ رحمه اللّه  بكون السماوات من دخان العناصر في الفص العيسوي .

( ألا ترى العرش كيف كان على الماء ؛ لأنه منه يكون ) ؛ وذلك لكونه مستوى اسمه الرحمن فيتعلق به التدبير الكلي العالم ، وهو بالحياة السارية أولا في الماء ، ( فطفا على ) الماء وإن صار أكثف منه لجملة سر الحياة على أقوى الوجوه بخلاف الأرض ؛ لأن سر الحياة فيها على أضعف الوجوه .
قال كعب : « خلق اللّه تعالى ياقوته خضراء ، ثم نظر إليها بالهيبة ، فصارت ماء ترتعد ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء » . رواه القرطيى في التفسير والبغوي في التفسير .

""الحديث : (عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أراد الله عز وجل أن يخلق الماء خلق من النور ياقوتة خضراء، غلظها كغلظة سبع سماوات وسبع أرضين وما فيهن وما بينهن، ثم دعاها، فلما أن سمعت كلام الله عز وجل ذابت الياقوتة فرقا حتى صارت ماء، فهو مرتعد من مخافة الله عز وجل إلى يوم القيامة، وكذلك إذا نظرت إليه راكدا أو جاريا يرتعد، وكذلك يرتعد في الآبار من مخافة الله إلى يوم القيامة، ثم خلق الريح فوضع الماء على الريح، ثم خلق العرش، فوضع العرش على الماء، فذلك في قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [هود: 7] .....) رواه الأصبهاني في العظمة "".

ومعناه : أنه أشار بالياقوتة الخضراء إلى الحقيقة المثلثة والنشأة الكلية لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، إذ ليست في بياض المجردات ، ولا في سواد الماديات ، ونظر الهيبة هو خطاب الحق لها بما تفضضت عرقا ، فهو ذوياتها الموجب صيرورتها ماء ، وخلق اللّه الريح إشارة إلى تحملها سر الحياة الموجبة للتنفس ، ووضعه عليه جعله حاملا سر الحياة التي يتوقف عليها التدبير والتصرف .
وإلى ما ذكرنا أشار الشيخ رحمه اللّه في رسالته المسماة بـ "عنقاء المغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب " ؛ لأن محمدا عليه السّلام لما أبدعه اللّه سبحانه حقيقة مثلية ، ونشأة كلية حيث لا ابن ولا بنين .
وقال له : « أنا الملك ، وأنت الملك ، وأنا المدبر ، وأنت الفلك ، وسآتيك فيما يتكون عنك من مملكة عظمي ، وطامة كبرى ساسا مدبرا وناهيا ،
وأمرا عظيما على حد ما أعطيك ، وتكون فيهم كما أنا فيك ، فليس سواك كما ليس سواي ، فأنت صفاتي فيهم وأسمائي ، فخذ الحد وأنزل العهد ، وسأسألك بعد التنزيل عن اليقين والقطمير ، فتقصص لهذا الخطاب عرقا حيّا » ؛ فكان ذلك العرق الظاهر ، وهو الماء الذي نبأ به الحق سبحانه في صحيح الأنباء ، فقال :وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ[ هود : 7 ] .

ثم قال رضي الله عنه  : « فلما علم الحق تعالى إرادته ، وأجرى في إمضائها عادته نظر إلى ما أوجده في قلبه من مكنون الأنوار ، ورفع عنها ما اكتنفها من الأستار ، فتجلى له من جهة القلب والعين حتى كاثف النور من الجهتين، فخلق سبحانه من ذلك النور المنفهق عنه صلّى اللّه عليه وسلّم العرش".

هذا كلامه ومعناه على ما تلوح للخاطر الفاتر : أنه عزّ وجل أبدع لرسوله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم حقيقة نورية روحية أولا ، ثم حقيقة مثلية جسمية ، وأشار إلى أن جميع حقائقه كلية شاملة لسائر الحقائق ، وأن الحقيقة المثلية قبل خلق المكان ؛ لأنه من عالم الأجسام ،
ثم قال له : إن الملائكة منحصرة فيه ، إذ لا إله غيره ، والتملكية منحصرة في حبيبه صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومثل ذلك بالروح الفلكي مع الفلك المحيط بالكل ، والمراد بالسائس والمدبر القلب ، وبالأمر والناهي العقل .

ثم قال : « تعطيها إنها الروح على حد ما أعطيك من الفيض ، فإنه إنما يصل الفيض الإلهي بواسطة الروح والضمير"
في قوله : « فيهم » يعود إلى قوى القلب والعقل من المدركات والمحركات ،
وقوله : « فأنت صفاتي فيهم وأسمائي » أي : حامل أسرارهما ؛
فلذلك قال : « فخذ الحد » أي : فلا تدع الربوبية لنفسك ، و « أنزل العهد » أي : عهد العبودية المشار إليها بقوله :قالُوا بَلى ،
وقوله : « وكان ذلك العرق » ما أشاره إلى تكون عالم الأركان بعد عالم المثال ، والمراد بالعين : القوى المدركة ، وتكاثف النور من حيث تعلقه بالأجسام ، فازداد الماء المتكون فيه لكثافة أصله كثافة صار منها العرش ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .

وإذا كان طفو العرش من قوة الحياة ، وهي من الماء والحياة هي الحافظة المدبرة للجسم ، ( فهو ) أي : الماء ( يحفظه من تحته ) ولا عجب فيه ، فإن له مثالا أشار إليه بقوله :
( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا ) من شأنه أسفل أبدا ، ( فتكبر ) عن غاية جهلة تنفسه ( على ربه ) الذي نار الكبر داؤه فبقيت ربوبيته ، ( وعلا عليه ) ، فادعى الربوبية لنفسه ،
( فهو ) أي : اللّه ( سبحانه ) إشارة إلى تنزهه عن أن شارك في كبريائه وعلوه فضلا عن أن ينفيا عنه ويثبتا لغيره ( مع هذا ) التكبر والعلو منه عليه ( يحفظه من تحته ) ؛ فإنه له تعالى نسبة التحت أيضا ( بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) ، وهذه النسبة التحية ، وإن كان منشأها جهل هذا العبد ، فهي نسبة ثابتة باعتبار آخر تثبت معه نسبة الفرق له ، وإن نفاها هذا الجهل .

قال رضي الله عنه :  (وهو قوله عليه السّلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] ،وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ[ الأنعام : 18 ] ، فله الفوق والتّحت ، ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن(.

وهو أي : الدليل على ذلك ( قوله عليه السّلام : « لو دليتم بحبل لهبط على اللّه ») باعتبار ماله من نسبة التحت ،
( فأشار إلى أن نسبة التحت إليه ) ؛ لأن قوامه به ، ( كما أن نسبة الفرق إليه المذكورة في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ[ النحل : 50 ] ، وقوله :وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [ الأنعام : 18 ] .
وإذا ثبت ( له الفوق ) بالقرآن ( والتحت ) بالحديث قلة الفوق ، وإن نفاه الجاهل المتكبر المتعالي عليه والتحت ، وإن نفاه العامة وهما الجهتان الحقيقيتان المحتجبتان إلى المقوم لهما بالوجود بخلاف الجهات الست ، فإنها باعتبارته لتبدلها بتبدل أوضاع الإنسان .

( ولهذا ) أي : والاختصاص الحق بالجهتين الحقيقيتين المتحدد بهما محيط العالم ، ومركزه دون الجهات الست ( ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان ) من حيث أن له عبد قيامه الذي هو الوضع الطبيعي له رأسا ورجلا ووجها وظهرا ويدين إحديهما أقوى من الأخرى ، غالبا يتعين بذلك ما تقرّب من كل واحد منهما ، ويتبدل بتبدل توجهاته ، ( وهو على صورة الرحمن ) المستوي على المحدد للجهات ، فنسب إليه الجهات لست بواسطته ، وإلا فالمحدد إنما حدد بالذات جهة الفوق ما يقرب من المحيط ، وجهة التحت ما هو غاية البعد منه ، وحفظ الحق يلحق بهاتين الجهتين لا غير ، والدليل عليه أنه.....

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

19 -  فصّ حكمة غيبيّة في كلمة أيّوبيّة
وجه تسمية الفص
إنّك قد عرفت أنّ هذه الحكمة هي أول ما يظهر من سلسلة التجليّات الجلاليّة المغيّبة للأحكام الامتيازيّة ، المؤلمة لما هو مقتضى النشأة العنصريّة المزاجيّة ، إبرازا لما عليه النسبة الاتحاديّة العلميّة الكماليّة التي إنما يختمها الخاتم المطلق لهذا السير الإظهاري الإرسالي الإنبائي.

وذلك هو الحكمة الغيبيّة فإنّ الغيب هو أوّل ما يطلق عليه مبدئيّة الظهور ، ولذلك نسب هذه الحكمة إلى الغيب .
مناسبة الفص مع أيّوب عليه السّلام
ثمّ إنّ « أيّوب » لما لم يتميّز عن « الغيب » إلَّا بالألف - التي هي باطن الهاء - والواو ، اللتين هما مادّة اسم « هو » ، المعرب عن الغيب طبعا وذاتا - لا وضعا وجعلا فقط - : ناسب تخصيص هذه الحكمة به .
ومن ثمّة ترى تصادم نبال النوائب المضنية وتراكم نصال المصائب المفنية له عن خصوصيّاته الشخصيّة قد أبادت بنيان قواه المشخّصة له ، إلى أن طهّرته عن شوائب الأحكام الامتيازيّة ، وأفنته عن نفسه بالكليّة فعند ذلك امر بركض الرجل - الذي هو أبعد الأعضاء عن مظهريّة الأوصاف السبعة الإلهيّة ،
فهو غيب الأعضاء - نحو الأرض التي هي مظهر الغيب أيضا في الكائنات الآفاقيّة ضرورة اندماج سائر الأوصاف الوجوديّة الإلهيّة فيها ،
حتّى نبع من عين تلك الغيوب ماء حاضر يصلح لرطوبته أن يغتسل به درن الصور الكونيّة الإمكانية ويمحو النقوش الباطلة ، وببرودته تثبت الصور الحقيقيّة الأسمائيّة ، والمعارف العلميّة اليقينيّة ، وبها يسكَّن الحرارة المفنية المفرّقة للصورة الجمعيّة ، المؤذية للمزاج العنصري الشخصيّ ، وبشر به يصلح لأن يكون مادّة للرطوبة الغريزيّة التي هي بمنزلة الدهن لسراج المزاج وبقاء نور حياته فإنّ الحرارة المشتعلة بنور الحياة ما لم يتغذّ بها لم يتمكَّن من ذلك ، كما لم يتمكَّن للسراج أن يشتعل بنور الإراءة ما لم يتغذّ بالدهن .
وقد اومي إلى تلك الحقائق كلَّها بقوله تعالى : “  ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ “.

ثمّ إنّك قد عرفت أن الحياة كما تطلق على الحياة الصوريّة الطبيعيّة التي هي مبدأ الظهور من الحيّ بأوصافه الوجودية ، فقد تطلق أيضا على الحياة المعنوية العلمية التي هي مبدأ الإظهار من الحيّ الحقيقي بأوصافه الكماليّة ، كما قال تعالى : “أَوَمن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناه ُ وَجَعَلْنا لَه ُ نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ “  [ 6 / 122 ] .
وقد ظهر لك من هذا التحقيق الذي اقتبس من مشكاة الآية الكريمة أنّ للماء نسبة اتحاديّة إلى كلي نوعي الحياة ولذلك قال :" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " [يونس : 30]
( اعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء ، فهو أصل العناصر و ) سائر ( الأركان ) فإنّ الكلّ به يتقوّم حقائقهم فلو لم تكن مقدّما في الوجود على الكل لم يمكن وجود شيء أصلا ( ولذلك جعل الله وَجَعَلْنَا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ “  [ 21 / 30 ] وما ثمّ شيء إلَّا وهو حيّ ) ،
فإنّ مبدأ الظهور المذكور في سائر الأشياء - على ما لا يخفى - هو الحياة ،

( فإنّه ما ثمّ شيء إلا وهو حيّ “  يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ “ [ 17 / 44 ] ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي - ولا يسبّح إلا حيّ ) متكلم ، وهو الكامل في الحياة ، والكل مشترك في تلك الحياة الكاملة . " د. أبو العلا عفيفي : فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله . ".

( فكلّ شيء حيّ ، وكل شيء الماء أصله ) ، فإنّ الماء هو ظاهر الحياة - على ما سبق الإيماء إليه - كما أنّ الشيء هو ظاهر الماء عقدا ، إذا بسط بيّناتهما فهو أصل سائر الأشياء ( ألا ترى العرش كيف كان على الماء ) ، يعني عرش الحياة ، التي هو مقدّم العروش الخمسة فإنّه صرّح في كتاب

عقلة المستوفز : " إنّ العرش خمسة : عرش الحياة - وهو عرش هو - وعرش الرحمانية ، والعرش العظيم ، والعرش الكريم ، والعرش المجيد فعرش الحياة هو عرش المشيئة ، وهو مستوى الذات ، وهو عرش الهويّة " .
وهاهنا تلويح يدلّ على هذا : وهو أنّ بينات " الحياة " إذا أضيفت إلى عددها تشتمل على اللام ، التي هي ظاهر " ماء " كما أنّ عددها إذا أخذ بحسب العقد فهو " هو " .
فعرش الحياة منها هو الذي على الماء ، لا الجسمانيّ فقط ، المسمى بالعرش الرحماني ، فإنّ ذلك أيضا داخل فيه ، وعرش الحياة محيط بالكلّ ، وهو الذي على الماء ، فإنّ الماء من الطبائع هو الجامع بين الرطوبة التي هي مبدأ قبول الصور ، والبرودة التي هي مبدأ إثبات تلك الصور والحياة هو وجود الصور مع بقائها ، ومبنى أمرهما على الماء ، ( لأنّه منه تكوّن ) إذ الماء أصل كل شيء وامّه - على ما عرفت تحقيقه فلا نعيده - فالكلّ إنما تكوّن منه .
( فطفا عليه ) لأنّه ظهر منه ، والظاهر لا بدّ وأن يكون طافيا على أصله ،
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه الله عبدا ، فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته ، بالنظر إلى هذا العبد الجاهل
بنفسه ) ،
وهو المنهمك في أحكام التفرقة الكونيّة ، الحائر في ظلمات كثرة الإمكان كما دلّ عليه كلام الخاتم حيث خاطب بالجمع، (وهو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : "لو دلَّيتم بحبل لهبط على الله ").

"" الحديث : عن أبي هريرة، قال: بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ما هذا؟» فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه» ثم قال: «هل تدرون ما فوقكم»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها الرقيع، سقف محفوظ، وموج مكفوف»، ثم قال: «هل تدرون كم بينكم وبينها؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «بينكم وبينها مسيرة خمس مائة سنة». ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن فوق ذلك سماءين، ما بينهما مسيرة خمسمائة عام» حتى عد سبع سماوات، ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين». ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحتكم»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها الأرض». ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحت ذلك»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن تحتها أرضا أخرى، بينهما مسيرة خمس مائة سنة» حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمس مائة سنة. ثم قال: «والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله». ثم قرأ {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3]. ""
 رواه الترمذي والبيهقي وفي العظمة للآصبهاني والسنة لابن أبي عاصم وتحفة الأحوذي والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد والجامع الكبير للسيوطي.

ظهر جهة الفوق والتحت باللَّه تعالى ، وباقي الجهات بالإنسان
ثمّ إنّه لما كان لله بحسب أسمائه الحسنى عند التوجّه إلى كمالها مظهران - :
أحدهما عند تمام أمر الظهور ، وهو العالم بأسره وهيأته الجمعيّة الإحاطيّة هو العرش .
وثانيهما عند كمال أمر الإظهار ، وهو آدم بتمامه وهيأته الجمعيّة الإحاطيّة هو الإنسان العبد - أشار إليهما في إثبات نسبة التحت وإضافته إلى الحقّ .
( فأشار ) بكلامه هذا (إلى أنّ نسبة التحت إليه كما نسب الفوقيّة إليه في قوله : “  يَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ “ [ 16 / 50 ] “وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِه “ [ 6 / 18 ] فله الفوق والتحت) .
وهما الجهتان الحقيقيّتان اللتان قد حصلتا بظهور الحقّ وأمّا باقي الجهات فلا يظهر إلا بالإنسان ، الذي هو محلّ إظهار الحقّ تماما .
( ولهذا ما ظهرت الجهات الستّ إلا بالإنسان ) الذي هو موطن تمام الظهور والإظهار ( وهو على صورة الرحمن ) الجامع لتمام الأسماء .
وكيف لا يكون الأمر على هذا و قد أفاد الذوق الصحيح أنّ ...

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقة تسبيحه إلا بكشف إلهي.
ولا يسبح إلا حي. فكل شيء حي. فكل شيء الماء أصله.
ألا ترى العرش كيف كان على الماء لأنه منه تكون فطفا عليه فهو يحفظه من تحته، كما أن الإنسان خلقه الله عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه، وهو قوله عليه السلام «لو دليتم بحبل لهبط على الله».
فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده». فله الفوق والتحت.
ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن.)

الفصّ الأيوبي
19 - فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
قال رضي الله عنه :  (إعلم أنّ سرّ الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان ، ولذلك جعل اللّهمِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [ الأنبياء : 30 ] وما ثمّ شيء إلّا وهو حيّ ، فإنّه ما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد اللّه ولكن لا تفقه تسبيحه إلّا بكشف إلهيّ . ولا يسبّح إلّا حيّ .
فكلّ شيء حيّ فكلّ شيء الماء أصله . ألا ترى العرش كيف كان على الماء)

فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
لما كانت أحواله عليه السلام غالبا في زمان الابتلاء وقبله وبعده غيبية وصفت حكمته بالغيبية وأسندت إلى كلمته.
والمراد بكون أحواله غيبية إنما ظهر من الغيب بلا سبب معهود وموجب مشهود ، فلا يرد أن أحوال جميع الأنبياء بل أهل العالم كلهم ظهرت من الغيب ، فلا اختصاص حينئذ ، لأن أكثر أحوالهم منوطة بشروط معهودة ومربوطة بأسباب مشهودة ، وتفصيل أحواله التي ظهرت من الغيب بلا سبب ظاهر مذكور في شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي رحمه اللّه فمن أراده فليطالع ثمة .

قال رضي الله عنه ( اعلم أن سر الحياة ) ، يعني السر الذي هو الحياة . وإنما جعلها سرا لأنها أمر مغيب مستور في الحي لا تعلم إلا في آثارها كالحس والحركة والعلم والإرادة وغيرها ( سرى في الماء ) بسريان الهوية الغيبية فيه منصبغة بصفة الحياة .
وكان المراد بهذا الماء النفس الرحماني الذي هو هيولى للعالم مطلقا ، لأن الشيء المذكور في نتيجة المقدمات الآتية أعني قوله :
فكل شيء الماء أصله يعم عالم الأجسام وغيره ، لا الماء المتعارف .
ولهذا فرع عليه قوله ( فهو ) ، أي الماء ( أصل العناصر ) التي واحد منها الماء المتعارف ، فيلزم من ذلك أن يكون أصلا للمولدات أيضا ، لأن أصل الأصل أصل .

ومنها السماوات السبع ، لأنها عنصرية على مذهب الشيخ رضي اللّه عنه ) والأركان الأربعة ) ، أي سائر أركان العالم من العرش والكرسي
( ولذلك ( ، أي السريان سر الحياة في الماء ( جعل اللّه من الماء كل شيء حي وما ثم ) في الوجود ( شيء إلا وهو حي فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد اللّه ولكن لا يفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ، ولا يسبح إلا حي . فكل شيء حي فكل شيء الماء أصله ) ، والماء الذي هو أصل كل شيء ليس إلا النفس الرحماني ، وإنما أطلق اسم الماء عليه للطف سريانه في الأشياء ، أو لأنه شبيه بالنفس الإنساني الذي هو أجزاء صغار مائية ممزوجة بأجزائية هوائية فيصح إطلاق الماء عليه ،

قال رضي الله عنه :  ( لأنّه منه تكوّن فطفا عليه فهو يحفظه من تحته ، كما أنّ الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبّر على ربّه وعلا عليه ، فهو سبحانه مع هذا يحفظه من تحته بالنّظر إلى علوّ هذا العبد الجاهل بنفسه.  وهو قوله عليه السّلام : « لو دلّيتم بحبل لهبط على اللّه » فأشار إلى نسبة التّحت إليه كما أنّ نسبة الفوق إليه في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] ، وَهُوَ )

فكذا على ما هو شبيه به ولكن على سبيل التجوز ( ألا ترى العرش ) وهو أول الأجسام ( كيف كان على الماء لأنه ) ، أي العرش ( منه ) ، أي الماء ( تكوّن فطفا ) ، أي علا وارتفع العرش ( عليه ) ، أي على الماء ، وذلك لأن العرش صورة ، والماء هيولاها وظاهر أن الصورة تعلو على الهيولى وتخفيها فيما تحتها ( فهو ) ، أي الماء ( يحفظه ) ، أي العرش ( من تحته ) ضرورة حفظ الهيولى للصورة ( كما أن الإنسان خلقه اللّه عبدا فتكبر على ربه وعلا عليه فهو ) سبحانه ( مع هذا يحفظه من تحته ) تحتية علو متوهمة له سبحانه ( بالنظر إلى علو هذا العبد الجاهل بنفسه ) عند نفسه لا في نفس الأمر ، وللعبد بوجه آخر علو على الحق سبحانه . وذلك أن للعبد صورة تعين للوجود الحق ، والتعين لا بد أن يعلو على المتعين به ويستره تحته فهو مستور بالتعين العبداني ، ولولا وجود الحق المتعين به إذ لا تحقق للتعين بدون المتعين ، فالحق يحفظ العبد من تحته .

قال رضي الله عنه :  ( و ) ما يدل على كون الحق تحت العبد ( هو قوله عليه السلام : "لو دليتم بحبل لهبط على اللّه"  فأشار إلى أن نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوقية ) .

"" الحديث : « عن أبي هريرة قال بينما نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل تدرون ما هذا ؟ فقالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقه اللّه تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ؟ ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : بين سنة ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإنها الأرض ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟
قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السلفي لهبط على اللّه ثم قرأ :هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.". رواه الترمذي والبيهقي وابن ابي عاصم في السنة والأصبهاني في العظمة و الهيتمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد والسيوطي في الجامع الكبير"".
، أي كنسبة الفوقية

قال رضي الله عنه :  ( الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [ الأنعام : 18 ] فله الفوق والتّحت . ولهذا ما ظهرت الجهات السّتّ إلّا بالإنسان وهو على صورة الرّحمن . )

قال رضي الله عنه :  (إليه ) فما زائدة كما في قوله فبما رحمة نسبت الفوقية إليه ( في قوله :يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [ النحل : 50 ] وقوله ) تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِفله الفوق والتحت ) وسائر الجهات ( ولهذا ) ، أي لإحاطته بجميع الجهات ( ما ظهرت الجهات الست إلا بالنسبة إلى الإنسان ) ، لا به تعالى لأنه إذا أحاط بجميع الجهات لم يكن فوق لا يكون هو فيه وإلا لم يكن محيط بها ، وكذا لو لم يكن تحت لا يكون هو فيه ، وكذا سائر الجهات ، فلم تظهر الجهات بالنسبة إليه ، بخلاف الإنسان فإن له فوقا ليس هو فيه وكذلك له تحت ليس هو فيه ، وعلى هذا القياس سائر الجهات ، فلعدم إحاطته بالجهات بخلاف الحق سبحانه لإحاطته بها كما عرفت ( وهو ) ، أي الإنسان ( على صورة الرحمن ) فلو كان للحق جهة تكون باعتبار صورته لا باعتبار حقيقته ولو كان الإنسان محيطا بالجهات يكون باعتبار من هو على صورته لا باعتبار نفسه.
.
واتساب

No comments:

Post a Comment