Tuesday, August 6, 2019

18 - فص حكمة نَفْسيَّة في كلمة يونُسية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

18 - فص حكمة نَفْسيَّة في كلمة يونُسية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

18 - فص حكمة نَفْسيَّة في كلمة يونُسية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

18 - فص حكمة نَفْسيَّة في كلمة يونُسية

اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روح وجسم ونفساً خلقها اللَّه على صورته، فلا يتولى حل نظامهألا مَنْ خلقها، إما بيده- وليس إلا ذلك‏ - وبأمره.
ومن تولاها بغير أمر اللَّه فقد ظلم نفسه وتعدى حد اللَّه فيه وسعى في خراب من أمَرَهُ اللَّه بعمارته.
وأعلم أن الشفقة على عباد اللَّه أحق بالرعاية من الغَيْرة في اللَّه.
أراد داود بنيان البيت المقدس فبناه مراراً، فكلما فرغ منه تهدَّم، فشكا ذلك إلى اللَّه فأوحى اللَّه إليه أن بيتي هذألا يقوم على يدي من سفك الدماء.
فقال داود يا رب ألم يكن ذلك في سبيلك؟
 قال بلى! ولكنهم أليسوا عبادي؟ 
قال يا رب فاجعل بنيانه على يدي من هو مني، فأوحى اللَّه إليه أن ابنك سليمان يبنيه. 
فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية، وأن إقامتها أولى من هدمها.
 ألا ترى عدو الدين قد فرض اللَّه في حقهم الجزية والصلح إبقاءً عليهم، و قال‏ «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَه وتَوَكَّلْ عَلَى‏ اللَّهِ»؟
ألا ترى من‏ وجب عليه القصاص كيف شُرِّع لولي الدم أخذُ الفدية والعفو، فإن أَبى حينئذ يقتل؟
ألا تراه سبحانه‏ إذا كان أولياء الدم جماعة فرضي واحد بالدية وعفا، وباقي الأولياء لا يريدون إلا القتل، كيف يراعَى من عف ويرجَّح على من لم يعف فلا يقتل‏ قصاصاً؟
ألا تراه عليه السلام يقول في صاحب النِّسعة «إنْ قَتَلَه كان مثله»؟
 ألا تراه يقول‏ «وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك‏ الفعل مع كونه مشروعاً.
«فَمَنْ عَف وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يُذَمُّ الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامُنَا في عينه.
ولا فعل إلا اللَّه، ومع هذا ذُمَّ منها ما ذم وحُمِدَ منها ما حمد. 
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند اللَّه.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإنَ‏ ذم الشرع‏ لحكمة يعلمها اللَّه ومَنْ أَعْلَمه اللَّه، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعاً للمعتدي حدود اللَّه فيه. 

«وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ» وهم أهل لب الشي‏ء الذين عثروا على سر النواميس الإلهية والحِكمية.
وإذا علمت أن اللَّه راعى هذه النشأة وإقامتها فأنت أولى بمراعاتها إذْ لَكَ بذلك السعادة، فإنه ما دام الإنسان حياً، يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له. ومن سعى في هدمه فقد سعى في منع وصوله لما خلق له. 
وما أحسن ما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربون رقابكم؟ ذكر اللَّه» .
وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر اللَّه الذكر المطلوب منه، فإنه تعالى جليس من ذكره، والجليس مشهود للذاكر. 
ومتى لم يشاهد الذاكر الحقَّ الذي هو جليسه‏ فليس بذاكر.
 فإنَّ ذكر اللَّه سارٍ في جميع العبد لا مَنْ ذَكَرَه بلسانه خاصة.
فان الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة، فيراه اللسان‏ من حيث لا يراه الإنسان: بما هو راءٍ وهو البصر .
فافهم هذا السِّر في ذكر الغافلين‏ .
فالذاكر من الغافل حاضر بلا شك، والمذكور جليسه، فهو يشاهده.
 والغافل من حيث غفلته ليس بذاكر: فما هو جليس الغافل.
فالإنسان‏ كثير ما هو أحدى العين، والحق أحدى العين كثير بالأسماء الإلهية:
كما أن‏ الإنسان كثير بالأجزاء: وما يلزم من ذكر جزءٍ ما ذكر جزء آخر.
فالحق جليس الجزء الذاكر منه والآخر متصف بالغفلة عن الذكر.
ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يَذكُرُ به يكون‏ الحق جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية. 

وما يتولى الحقُّ هدمَ هذه النشاة بالمسمى موتاً، و ليس بإعدام وإنما هو تفريق، فيأخذه إليه، وليس المراد إلا أن يأخذه الحق إليه، «وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» فإذا أخذه إليه سوّى له مركباً غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل‏ إليها، وهي دار البقاء لوجود الاعتدال:
فلا يموت أبداً، أي لا تُفَرَّق أجزاؤه. وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم، ولكن في النار إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون برد وسلاماً على من فيها. وهذا نعيمهم.
فنعيم أَهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل اللَّه حين أُلقِيَ في النار فإنه عليه السلام تعذب برؤيته وبما تَعَوّد في علمه وتقرر من‏ أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان. وما علم مراد اللَّه فيه ومنها في حقه.
فبعد وجود هذه الآلام وجد برد وسلاماً مع شهود الصورة اللونية في حقه، وهي نار في عيون الناس. فالشي‏ء الواحد يتنوع في عيون الناظرين: هكذا هو التجلي الإلهي.
فإن شئت قلت إن اللَّه تجلى مثل هذا الأمر، وإن شئت قلت إن العالَم في النظر إليه و فيه مثلُ الحق في التجلي، فيتنوع في عين الناظر بحسب مزاج الناظر ويتنوع مزاج الناظر لتنوع التجلي: وكل هذا سائغ في الحقائق.
ولو أن الميت والمقتول- أيَّ ميت كان وأيَّ مقتول كان- إذا مات وقُتِلَ لا يرجع إلى اللَّه، لم يقض اللَّه بموت أحد ولا شرع قتله.
فالكل في قبضته: 
فلا فقدان في حقه. 
فشرع القتل وحكم بالموت لعلمه بأن عبده لا يفوته: فهو راجع إليه على أن قوله‏ «وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» أي فيه يقع التصرف، وهو المتصرف، فما خرج عنه شي‏ء لم يكن عينه، بل هويَّتُهُ هو عين‏ ذلك الشي‏ء وهو الذي يعطيه الكشف في قوله‏ «وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ»
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment