Monday, April 13, 2020

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الأولي :-
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية
إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، ولهذا بدئ به الأمر وختم: فكان نبيا وآدم بين الماء و الطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين.
وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من الأفراد فإنها عنها.
فكان عليه السلام أدل دليل على ربه، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي مسميات أسماء آدم، فأشبه الدليل في تثليثه، و الدليل دليل لنفسه.
ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة ، لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الموجودات «حبب إلي من دنياكم ثلاث» بما فيه من التثليث، ثم ذكر النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة.
فابتدأ بذكر النساء و أخر الصلاة، وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها.
ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفته بربه، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه. لذلك قال عليه السلام «من عرف نفسه عرف ربه».
فإن شئت قلت بمنع المعرفة في هذا الخبر و العجز عن الوصول فإنه سائغ فيه، وإن شئت قلت بثبوت المعرفة.
فالأول أن تعرف أن نفسك لا تعرفها فلا تعرف ربك: والثاني أن تعرفها فتعرف ربك.
فكان محمد صلى الله عليه وسلم أوضح دليل على ربه، فإن كل جزء من العالم دليل على أصله الذي هو ربه فافهم.
فإنما حبب إليه النساء فحن إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه، فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية «و نفخت فيه من روحي».
ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين «يا داود إني أشد شوقا إليهم» يعني المشتاقين إليه.
وهو لقاء خاص: فإنه قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت، فلا بد من الشوق لمن هذه صفته.
فشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم فيحب أن يروه و يأبى المقام ذلك. فأشبه قوله «حتى نعلم» مع كونه عالما.
فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت، فيبل بها شوقهم إليه كما قال تعالى في حديث التردد و هو من هذا الباب «ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد له من لقائي».
فبشره وما قال له لا بد له من الموت لئلا يغمه بذكر الموت.
و لما كان لا يلقى الحق إلا بعد الموت كما قال عليه السلام «إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت» لذلك قال تعالى «ولا بد له من لقائي».
فاشتياق الحق لوجود هذه النسبة:
يحن الحبيب إلى رؤيتي ... و إني إليه أشد حنينا
و تهفو النفوس و يأبى القضا ... فأشكو الأنين و يشكو الأنينا
فلما أبان أنه نفخ فيه من روحه، فما اشتاق إلا لنفسه.
ألا تراه خلقه على صورته لأنه من روحه؟
ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة في جسده أخلاطا، حدث عن نفخه اشتعال  بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته.
ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها.
فلو كانت نشأته طبيعية لكان روحه نورا.
وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا.
فبطن نفس الرحمن فيما كان به الإنسان إنسانا.
ثم اشتق له منه شخصا على صورته سماه امرأة، فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه، و حنت إليه حنين الشيء إلى وطنه.
فحببت إليه النساء، فإن الله أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم و منزلتهم و علو نشأتهم الطبيعية. فمن هناك وقعت المناسبة.
والصورة أعظم مناسبة وأجلها و أكملها: فإنها زوج أي شفعت وجود الحق ، كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا.
فظهرت الثلاثة حق ورجل وامرأة، فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه. فحبب إليه ربه النساء كما أحب الله من هو على صورته.
فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، وقد كان حبه لمن تكون منه وهو الحق.
فلهذا قال «حبب» ولم يقل أحببت من نفسه لتعلق حبه بربه الذي هو على صورته حتى في محبته لامرأته، فإنه أحبها بحب الله إياه تخلقا إلهيا.
ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، و لهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة.
فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك.
فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة.
فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، و من نفسه من حيث هو منفعل خاصة.
فلهذا أحب صلى الله عليه و سلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا، فإن الله بالذات غني عن العالمين.
وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود و أكمله.
وأعظم الوصلة النكاح و هو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه نفسه فسواه وعدله و نفخ فيه من روحه الذي هو نفسه، فظاهره خلق وباطنه حق.
ولهذا وصفه بالتدبير لهذا الهيكل، فإنه تعالى به «يدبر الأمر من السماء» وهو العلو، «إلى الأرض»، و هو أسفل سافلين، لأنها أسفل الأركان كلها.
وسماهن بالنساء وهو جمع لا واحد له من لفظه، ولذلك قال عليه السلام «حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء» ولم يقل المرأة، فراعى تأخرهن في في الوجود عنه ، فإن النسأة هي التأخير قال تعالى «إنما النسيء زيادة في الكفر».
والبيع بنسيئة يقول بتأخير، ولذلك ذكر النساء.
فما أحبهن إلا بالمرتبة و أنهن محل الانفعال فهن له كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي و الأمر الإلهي الذي هو نكاح في عالم الصور العنصرية، و همة في عالم الأرواح النورية، و ترتيب مقدمات في المعاني للإنتاج.
و كل ذلك نكاح الفردية الأولى في كل وجه من هذه الوجوه.
فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي، و من أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة، فكان صورة بلا روح عنده، وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح و لكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى حيث كانت- لمجرد الالتذاذ، ولكن لا يدري لمن.
فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم كما قال بعضهم:
صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعرفوا عشقي
لمن كذلك هذا أحب الالتذاذ فأحب المحل الذي يكون فيه وهو المرأة، ولكن غاب عنه روح المسألة. فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملا.
و كما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله «وللرجال عليهن درجة» نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته.
فبتلك الدرجة التي تميز بها عنه، بها كان غنيا عن العالمين وفاعلا أولا، فإن الصورة فاعل ثان.
فما له الأولية التي للحق. فتميزت الأعيان بالمراتب: فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف.
فلهذا كان حب النساء لمحمد صلى الله عليه و سلم عن تحبب إلهي وأن الله «أعطى كل شيء خلقه» و هو عين حقه.
فما أعطاه إلا باستحقاق استحقه بمسماه: أي بذات ذلك المستحق.
وإنما قدم النساء لأنهن محل الانفعال، كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة.
وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني، فإنه فيه انفتحت صور العالم أعلاه و أسفله لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم الأجرام خاصة.
وأما سريانها لوجود الأرواح النورية و الأعراض فذلك سريان آخر.
ثم إنه عليه السلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء فقال «ثلاث» ولم يقل «ثلاثة» بالهاء الذي هو لعدد الذكران، إذ وفيها ذكر الطيب وهو مذكر، وعادة العرب أن تغلب التذكير على التأنيث فتقول «الفواطم وزيد خرجوا» ولا تقول خرجن. فغلبوا التذكير وإن كان واحدا- على التأنيث وإن كن جماعة.
وهو العربي، فراعى صلى الله عليه و سلم المعنى الذي قصد به في التحبب إليه ما لم يكن يؤثر حبه.
فعلمه الله ما لم يكن يعلم و كان فضل الله عليه عظيما.
فغلب التأنيث على التذكير بقوله ثلاث بغير هاء. فما أعلمه صلى الله عليه و سلم بالحقائق، وما أشد رعايته للحقوق! ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر.
فبدأ بالنساء و ختم بالصلاة و كلتاهما تأنيث، و الطيب بينهما كهو في وجوده، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها و بين امرأة ظهرت عنه، فهو بين مؤنثين: تأنيث ذات و تأنيث حقيقي.
كذلك النساء تأنيث حقيقي و الصلاة تأنيث غير حقيقي، والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود عنها و بين حواء الموجودة عنه و إن شئت قلت الصفة فمؤنثة أيضا، و إن شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا.
فكن على أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم. والعلة مؤنثة.
وأما حكمة الطيب و جعله بعد النساء، فلما في النساء من روائح التكوين، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب.
كذا قالوا في المثل السائر. و لما خلق عبدا بالاصالة لم يرفع رأسه قط إلى السيادة، بل لم يزل ساجدا واقفا مع كونه منفعلا حتى كون الله عنه ما كون.
فأعطاه رتبة الفاعلية في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة.
فحبب إليه الطيب: فلذلك جعله بعد النساء. فراعى الدرجات التي للحق في قوله «رفيع الدرجات ذو العرش» لاستوائه عليه باسمه الرحمن.
فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرحمة الإلهية: و هو قوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء»: والعرش وسع كل شيء، والمستوي الرحمن.
فبحقيقته يكون سريان الرحمة في العالم كما بيناه في غير موضع من هذا الكتاب، وفي الفتوح المكي.
وقد جعل الطيب- تعالى في هذا الالتحام النكاحي في براءة عائشة فقال «الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين  والطيبون للطيبات، أولئك مبرؤن مما يقولون».
فجعل روائحهم طيبة: لأن القول نفس، وهو عين الرائحة فيخرج بالطيب والخبيث على حسب ما يظهر به في صورة النطق. فمن حيث هو إلهي بالأصالة كله طيب:
فهو طيب، ومن حيث ما يحمد و يذم فهو طيب وخبيث.
فقال في خبث الثوم هي شجرة أكره ريحها ولم يقل أكرهها.
فالعين لا تكره، و إنما يكره ما يظهر منها. والكراهة لذلك إما عرفا بملاءمة طبع أو غرض، أو شرع، أو نقص عن كمال مطلوب و ما ثم غير ما ذكرناه.
ولما انقسم الأمر إلى خبيث و طيب كما قررناه، حبب إليه الطيب دون الخبيث و وصف الملائكة بأنها تتأذى بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفن ، فإنه مخلوق من صلصال من حمإ مسنون أي متغير الريح.
فتكرهه الملائكة بالذات، كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد و هي من الروائح الطيبة.
فليس الورد عند الجعل بريح طيبة.
و من كان على مثل هذا المزاج معنى و صورة أضر به الحق إذا سمعه و سر بالباطل: و هو قوله «و الذين آمنوا بالباطل و كفروا بالله»، و وصفهم بالخسران فقال «أولئك هم الخاسرون ... الذين خسروا أنفسهم» *. فإن من لم يدرك الطيب من الخبيث فلا إدراك له.
فما حبب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا الطيب من كل شيء و ما ثم إلا هو.
وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شيء، لا يعرف الخبيث، أم لا؟ قلنا هذا لا يكون:
فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه و هو الحق ، فوجدناه يكره و يحب، و ليس الخبيث إلا ما يكره و لا الطيب إلا ما يحب.
والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين فلا يكون ثم مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شيء، بل ثم مزاج يدرك الطيب من الخبيث، مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه. هذا قد يكون.
وأما رفع الخبث من العالم- أي من الكون- فإنه لا يصح.
ورحمة الله في الخبيث و الطيب. والخبيث عند نفسه طيب والطيب عنده خبيث.
فما ثم شيء طيب إلا و هو من وجه في حق مزاج ما خبيث:
وكذلك بالعكس. وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة.
فقال «وجعلت قرة عيني في الصلاة» لأنها مشاهدة: وذلك لأنها مناجاة بين الله و بين عبده كما قال: «فاذكروني أذكركم».
وهي عبادة مقسومة بين الله و بين عبده بنصفين:
فنصفها لله ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين: فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل.
يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي.
يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي.
يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي.
يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي.
فهذا النصف كله له تعالى خالص.
ثم يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين : يقول الله هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. فأوقع الاشتراك في هذه الآية.
يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين: يقول الله فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأول له تعالى.
فعلم من هذا وجوب قراءة الحمد لله رب العالمين. فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين الله و بين عبده.
ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني.
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه. فهذه مشاهدة ورؤية.
فإن لم يكن ذا بصر لم يره. فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا.
فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، و يلقي السمع لما يرد به عليه الحق . فإن كان إماما لعالمه الخاص به وللملائكة المصلين معه فإن كل مصل فهو إمام بلا شك، فإن الملائكة تصلي خلف العبد إذا صلى وحده كما ورد في الخبر فقد حصل له رتبة الرسل في الصلاة وهي النيابة عن الله.
إذا قال سمع الله لمن حمده، فيخبر نفسه ومن خلفه بأن الله قد سمعه فتقول الملائكة والحاضرون ربنا ولك الحمد.
فإن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده. فانظر علو رتبة الصلاة وإلى أين تنتهي بصاحبها.
فمن لم يحصل درجة الرؤية في الصلاة فما بلغ غايتها و لا كان له فيها قرة عين، لأنه لم ير من يناجيه. فإن لم يسمع ما يرد من الحق عليه فيها فما هو ممن ألقى سمعه.
ومن لم يحضر فيها مع ربه مع كونه لم يسمع و لم ير، فليس بمصل أصلا، ولا هو ممن ألقى السمع و هو شهيد.
وما ثم عبادة تمنع من التصرف في غيرها- ما دامت- سوى الصلاة.
وذكر الله فيها أكبر ما فيها لما تشتمل عليه من أقوال وأفعال وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوحات المكية كيف يكون لأن الله تعالى يقول «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، لأنه شرع للمصلي ألا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها و يقال له مصل.
«و لذكر الله أكبر» يعني فيها: أي الذكر الذي يكون من الله لعبده حين يجيبه في سؤاله.
والثناء عليه أكبر من ذكر العبد ربه فيها، لأن الكبرياء لله تعالى.
ولذلك قال: «والله يعلم ما تصنعون» وقال «أو ألقى السمع وهو شهيد».
فإلقاؤه السمع هو لما يكون من ذكر الله إياه فيها.
ومن ذلك أن الوجود لما كان عن حركة معقولة نقلت العالم من العدم إلى الوجود عمت الصلاة جميع الحركات وهي ثلاث: حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلي، وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي، وحركة منكوسة وهي حال سجوده.
فحركة الإنسان مستقيمة، وحركة الحيوان أفقية، وحركة النبات منكوسة، وليس للجماد حركة من ذاته: فإذا تحرك حجر فإنما يتحرك بغيره.
وأما قوله «و جعلت قرة عيني في الصلاة ولم ينسب الجعل إلى نفسه فإن تجلي الحق للمصلي إنما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلي: فإنه لو لم يذكر هذه الصفة عن نفسه لأمره بالصلاة على غير تجل منه له.
فلما كان منه ذلك بطريق الامتنان، كانت المشاهدة بطريق الامتنان. فقال وجعلت قرة عيني في الصلاة.
وليس إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين المحب، من الاستقرار: فتستقر العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره في شيء و في غير شيء.
ولذلك نهي عن الالتفات في الصلاة، وأن الالتفات شيء يختلسه الشيطان من صلاة العبد فيحرمه مشاهدة محبوبه.
بل لو كان محبوب هذا الملتفت، ما التفت في صلاته إلى غير قبلته بوجهه.
والإنسان يعلم حاله في نفسه هل هو بهذه المثابة في هذه العبادة الخاصة أم لا، فإن «الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره».
فهو يعرف كذبه من صدقه في نفسه، لأن الشيء لا يجهل حاله فإن حاله له ذوقي.
ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى، فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا أنه يصلي علينا. فالصلاة منا ومنه.
فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر، فيتأخر عن وجود العبد: وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده و هو الإله المعتقد.
ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الاستعداد كما قال الجنيد حين سئل عن المعرفة بالله و العارف فقال لون الماء لون إنائه. وهو جواب ساد خبر عن الأمر بما هو عليه. فهذا هو الله الذي يصلي علينا.
وإذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنا فيه كما ذكرنا في حال من له هذا الاسم، فنكون عنده  بحسب حالنا، فلا ينظر إلينا إلا بصورة ما جئناه بها فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة.
وقوله «كل قد علم صلاته وتسبيحه» أي رتبته في التأخر في عبادته ربه، و تسبيحه الذي يعطيه من التنزيه استعداده، فما من شيء إلا وهو يسبح بحمد ربه الحليم  الغفور.
ولذلك لا يفقه تسبيح العالم على التفصيل واحدا واحدا.
وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله «وإن من شيء إلا يسبح بحمده» أي بحمد ذلك الشيء.
فالضمير الذي في قوله «بحمده» يعود على الشيء أي بالثناء الذي يكون عليه كما قلنا في المعتقد إنه إنما يثني على الإله الذي في معتقده وربط به نفسه.
وما كان من عمله فهو راجع إليه، فما أثنى إلا على نفسه، فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك، فإن حسنها و عدم حسنها راجع إلى صانعها.
وإله المعتقد مصنوع للناظر فيه، فهو صنعه: فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه.
ولهذا يذم معتقد غيره، ولو أنصف لم يكن له ذلك.
إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه على غيره فيما اعتقده في الله، إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده، وعرف الله في كل صورة وكل معتقد.
فهو ظان ليس بعالم، ولذلك قال «انا عند ظن عبدي بي» لا أظهر له إلا في صورة معتقده: فإن شاء أطلق و إن شاء قيد.
فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه: والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا لا يسعها فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، والحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكان الفراغ منه في عاشر شهر جمادي الآخرة سنة تسع وثلاثين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها بمحمد وآله آمين.   

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
27 - نقش فص حكمة فردية في كلمة محمدية
معجزته القرآن . والجمعية إعجاز على أمر واحد لما هو الإنسان عليه من الحقائق المختلفة . كالقرآن بالآيات المختلفة بما هو كلام الله مطلقاً . وبما هو كلام الله . وحكاية الله . فمن كونه كلام الله مطلقاً هو معجز . وهو الجمعية .
وعلى هذا يكون جمعية الهمة : " وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ " [التكوير : 22] .
فما بخل بشيءٍ مما هو لكم ولا " بِضَنِينٍ " .
أي ما يتهم في أنه بخل بشيءٍ من الله هو لكم .
الخوف مع الضلال قال : " مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " [النجم : 2] .
أي ما خاف في حيرته لأنه من علم أن الغاية في الحق هي الحيرة فقد اهتدى فهو صاحب هدىً وبيانٍ في إثبات الحيرة .
وصلى الله على على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم .

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
27 - فك ختم الفص المحمدي
1 / 27   -لقد لقب شيخنا رضى الله عنه هذه الحكمة بالحكمة الكلية والحكمة الفردية ، ولكل واحد من اللقبين سر ستعرفه من هذه القاعدة المنبه على سر الكمال المحمدي ومحتده وسر جمعيته وختميته ونسبة حظوظ الأنبياء وآياتهم الى آياته و حظه من الحق ، وبهذه القاعدة اختم الكلام على ختوم هذه الفصوص ان شاء الله تعالى .

2 / 27 - فأقول : اعلم ان كل شيء فإنه مظهر من مظاهر الحق ، لكن من جهة حيثية مخصوصة واعتبار معين ، فيتعين للحق من حيث ذلك الاعتبار وتلك الحيثية بما يوجد بهما من الممكنات اسم من شأنه ان لا يستند ذلك الموجود الى الحق الا من حيث ذلك الاعتبار وتلك الحيثية ، وهكذا هو شأن كل موجود مع الحق ، غير ان الفرق بين الأنبياء والأكابر من اهل الله وغيرهم :
ان الأنبياء والأكابر مظاهر الأسماء الكلية التي نسبتها الى الأسماء التي يستند إليها بقية الموجودات وعموم الناس ، نسبة الأجناس والأنواع الى الاشخاص ، ثم كما انه بين الأجناس والأنواع تفاوت في الحكم والحيطة ، كذلك هو الامر في مقام المفاضلة بين الأنبياء والأولياء ، واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة :
انه يجيء النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي ومعه الرجل الواحد ، والنبي وليس معه احد .

3 / 27 - والسر فيما أشرت اليه هو من أجل ان كل نبى وولى ما خلا نبينا صلى الله عليه وسلم والكمل من ورثته انما يستند الى الحق ويرتبط به من جهة حيثية معينة واعتبار مخصوص يسمى اسما من اسماء الحق ،
وذلك ان الحق من حيث اطلاق ذاته وصرافة وحدته ووحدة فيضه الذاتي لا يرتبط به شيء ولا يستند اليه موجود ما من الموجودات - كما سبقت الإشارة الى ذلك غير مرة - وقصارى الأكابر من اهل الله ان ينتهى ارتباطهم بالحق صعدا الى التعين الأول ، التالي للاحدية الذاتية الجامع للتعينات كلها المضافة الى الحق باعتبار وحدانيته من حيث انها مشرع الصفات والأسماء ، ويسميها بعضهم بأحكام الوجوب التي نتائج الحيثيات والاعتبارات .

4 / 27 - والمضافة ايضا الى مرتبة الإمكان من حيث احكام المعلومات الممكنة المعددة بتقيداتها الامكانية المتكثرة واستعداداتها المتفاوتة المختلفة للوجود الواحد الفائض من الحق بالوجود الذاتي المطلق الذي لا يتعين له موجب بتحققه احد من الأنبياء والأولياء الا الكمل منهم .

5 / 27 - وشأن نبينا صلى الله عليه وسلم والكمل من ورثته مع التعين الأول الذي قلت انه مشرع الصفات والأسماء مخالف لشأن غيرهم ، فان هذا التعين ليس هو غايتهم من كل وجه في معرفة الحق واستنادهم اليه ، بل هم متفردون بحال يخصهم لا يعرفه بعد الحق سواهم ولا يذكرونه لاحد الا لمن اطلعوا على ان ذلك الشخص لا بد له ان يصير إنسانا كاملا ، فينبهونه على هذا ومثله تربية له ، مع ان هذا ايضا انما يمكن وقوعه من كامل مكمل مقدر له تربية كامل مكمل على يديه وتربيته ، وهذا هو اكمل شئون الحق ، لكونه اكمل ما ظهر بإيجاده من أنشأه على صورة حضرته واستخلفه على خليقته ، فافهم .

6 / 27 - ثم أقول في إتمام ما التزمت كشف سره وبيانه : وقد أشرت فيما مر ان كل نبى هو مظهر اسم من اسماء الحق ، وان نبوته ورسالته انما يتعين ويستند الى الحق من حيثية ذلك الاسم .

7 / 27 - فاعلم ايضا ان آيات كل نبى ، متعددة كانت الآيات او واحدة ، فإنها عبارة عن احكام الحق الاسم الذي يستند اليه رسالته ونبوته ، وهذا سر من اطلعه الله عليه عرف سبب تفاوت درجات الأنبياء والأولياء ومراتبهم في الولاية والنبوة والرسالة ، وسر قوله تعالى : " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ " [ البقرة / 253 ] .
وان تلك المفاضلة وان ثبتت على انحاء فليست من حيث نفس الرسالة ، كما قال : " لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رُسُلِه " [ البقرة / 285 ] .

في صحة استنادها الى الحق لوحدة الرسالة من حيث حقيقتها ، وانما التفاوت في مشرعها واستنادها الى اى صفة او اسم يستند من صفات الحق وأسمائه ، ولا خفاء في تفاوت مراتب الصفات والأسماء في سعة الحكم والحيطة والتعلق وقوة التأثير - كما أشرت اليه في غير ما موضع ونبهت على ان الخالق والبارئ والمصور والقابض والباسط وأمثالها كالسدنة للاسم القادر ، وتأثير القادر مع احاطته بما ذكرنا من الأسماء فإنه تابع للمريد كتبعية المريد للعالم.

8 / 27 - فمراتب الأسماء كما نبهت عليها متفاوتة ، فبعضها كالاجناس وبعضها كالانواع وبعضها كالاشخاص على نحو ما مر ومتى فهمت هذه  القاعدة واستحضرتها :
عرفت ان كل نبى اتى باية يختص بأصل من اصول العالم ، فان استناد نبوته الى الحق ثابت من حيثية الاسم الذي يستند اليه ذلك الأصل ، كاختصاص نوح عليه السلام في الماء وإبراهيم عليه السلام بعمارة الكعبة وبالنار وبشهود كيفية التركيب المطلق الكلى العنصري ، فإنه يفضل غيره بسعة الدائرة والحكم ، لقرب نسبته من حضرة الجمعية الاحاطية التي انفرد بها نبينا صلى الله عليه وسلم ، فالأقرب نسبة الى مقام جمعيته ، اعلا نبوة وأتم حيطة .

9 / 27  - وتدبر ايضا احكام نبوة موسى عليه السلام وآياته كالنار والعصا والشجر والماء والحجر الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وسر انتهاء آياته في العدد التسع التي هي منتهى بسائط الاعداد بخلاف هود عليه السلام ، الذي كانت آيته الريح فقط .

10 / 27 - وانظر اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بالكلام وبعموم رسالته وبعثته وبكونه جعلت له الأرض مسجدا وترابها طهورا وبانشقاق القمر وبكونه اوتى علم الأولين والآخرين وبالختمية ونحو ذلك ، واتصال حكم شريعته بالقيامة .

11 / 27 - واعلم انى لو شرعت في ايضاح هذه الاسرار لطال الكلام ، ولكن سأذكر نموذجا ترقى به بعد تأييد الله وتوفيقه الى الاطلاع على ما لم تعهده من ذوق احد من المتقدمين ولا لعمرى سطر في كتاب ، والحمد لله المنعم.
ولنبدأ بإذن الله بذكر سر آية نوح عليه السلام الذي هو اول المرسلين وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ونختم عن ختم الله به نبوة التشريع ورسالته محمد صلى الله عليه وسلم .

12 / 27 -  فأقول اولا : قد اتفق المحققون من اهل الله ان اللبن و الماء والعسل والخمر مظاهر علوم الوهب ، وتأييد كشفهم واتفاقهم من حيث الظاهر بالاخبارات النبوية الصحيحة والآثار الثابتة الأسانيد المتكررة الذكر في السنن وفي تعبير الرؤيا وفي احاديث الحوض والاسرار وغير ذلك مع التجارب المتكررة المذكورة في الوقائع.

13 / 27 - وإذا تقرر هذا فاعلم : ان مبدأ حكم الله في خلقه وموجب ارتباطهم به ومشرع تعلقه بهم انما هو علمه الأزلي الذاتي المتعينة صور المعلومات فيه ازلا وابدا على وتيرة واحدة ، وانه السبب الأول في ايجاد ما أوجده الله ، وقضائه سبحانه وقدره تابعان لعلمه ، فتعلق علمه بالمعلومات ثابت بحسب ما يقتضيه حقائقها ، لان تعلق كل علم بكل معلوم تابع للمعلوم - كما سبقت الإشارة اليه غير مرة - ولما كانت المبدئية في الحكم على الخلق والتعلق بهم انما تثبت بالعلم وكان الماء مظهرا للعلم ، لزم من حيث كمال الحكمة الإلهية ان يكون اول آية المرسلين الآتى بصورة حكم الحق في خلقه بموجب علمه الماء . فهذا سر آية نوح عليه السلام .

14 / 27 - ولما كانت صفة الكلام صورة من صور العلم و نسبة من نسبه وحصة منه ، كيف قلت وهي « كن » وبها انفتح باب تأثير الحق في الخلق ، فظهرت الموجودات من العلم الى العين على اختلاف أجناسها وأنواعها واشخاصها واستمرار آثارها دنيا وآخرة كانت آية نبينا صلى الله عليه وسلم الكلام ، وكما عم حكم الكلام كل ما قدر الله تعالى وجوده من المعلومات في هذا العالم وحده بقوله للقلم الأعلى  : اكتب علمى في خلقى الى يوم القيامة ،
كذلك عم حكم شريعته جميع الخلق والشرائع واتصل بالاخرة ، بخلاف غيره من الأنبياء ، فان رسالاتهم وشرائعهم جزئية مقيدة متناهية الحكم ، ولعموم حكم شريعته جعلت الأرض كلها مسجدا له ولامته وترابها طهورا ، واندرجت في احكام رسالته رسالة من مضى من الرسل ومن بقي منهم كعيسى والياس عليهما السلام ،
وكذلك الامر في نبوته التي يدخل فيها الخضر عليه السلام ، هذا وان اختلف قوم محجوبون في الاعتراف بنبوة الخضر عليه السلام ، فان أكابر المحققين لا خلاف بينهم في ذلك .

15 / 27 - واما سر انشقاق القمر له وظهوره بصورة التصرف فيه فهو :
ان فلك القمر وان كان اصغر الأفلاك من حيث الجرم ، فإنه اجمعها من حيث الحكم ، لان فيه يجتمع قوى سائر السموات وتوجهات الملائكة ثم ينبث منه ويتوزع على هذا العالم واهله ، ولهذا كانت هذه السماء سماء الخلافة فظهر لأولي الأبصار حال اطلاعهم على سر انشقاق القمر سر جمعية نبينا صلى الله عليه وسلم وختميته ، لأنه لما كان آخر الرسل واجمعهم تصرف في آخر الأفلاك واجمعها للقوى والخواص العلوية وتصرف في هذا العالم واعطى مفاتيح خزائن الأرض والسماء - كما أخبر بذلك قبل موته بخمسة ايام - فزاد على كل من اعطى التصرف في شيء من هذا العالم على تعيين باطلاق التصرف دون غيره .

16 / 27  - وكمالاته الدالة على جمعيته كثيرة ، وأعظمها المستور في هذا العالم والمنكشف في الآخرة ، كما أشار اليه في حديث القيامة في فتحه باب الشفاعة وقوله ايضا : فأقوم عن يمين العرش عند ربى في مقام لا يقوم فيه احد من العالمين غيرى وقوله : انا سيد الناس يوم القيامة ، وذكره تفصيل ذلك .

17 / 27  - ومن المتفق عليه شرعا وعقلا وكشفا : ان كل كمال لم يحصل الإنسان في هذه النشأة وهذه الدار فإنه لا يحصل له ذلك بعد الموت في الدار الآخرة ، فهذه الكلمات المشار إليها كلها كانت حاصلة له هنا ، كتمها لما يقتضيه حكم هذه المواطن الذي هو عالم الستر ويظهر في الآخرة " يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ " [ الطارق / 9 ] فإنه عالم الكشف وزمان المباهاة .

18 / 27 - ومن جملة ما اختص به كمال الخلة الخارقة كل حجاب ولها درجة المحبوبية ، فان الخلة لها مرتبتان ، غاية إحداهما كمال المجاورة مع بقاء الحجاب المعبر عنها بقولهم :
وتخللت مسلك الروح منى   .....   وبذا سمى الخليل خليلا

19 / 27 - وقد أخبرنا بالفرق بين مرتبتى الخلة بقوله صلى الله عليه وسلم في الادعية  المستجابة المذكورة في حديث الإسراء - حال تردده بين موسى وربه في طلب التخفيف من الصلاة ومراجعته ربه ثلاث مرات.
وقول الحق له آخرا : ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها يوم القيامة ، ودعائه لامته في الدعوتين ،
وقوله صلى الله عليه وسلم : وأخرت الثالثة يوم يلجأ الخلائق فيه الى حتى إبراهيم ، ولا شك ان من يلتجأ اليه اعظم منزلة من الملتجئ المحتاج فثبت بذلك وغيره رجحان مقامه على مقام الخليل عليه السلام .

20 / 27  - وايضا : فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم : ان الخلائق إذا التجئوا يوم القيامة الى إبراهيم ويقولون له : أنت خليل الله اشفع لنا ،
انه يقول لهم : انما كنت خليلا من وراء وراء ، فنبه ان خلته من وراء حجاب باق ، ولما ثبت  رجحان نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام بما ذكرناه وبما سكتنا عنه وبما أخبرنا قبل موته بخمسة ايام ان الله قد اتخذه خليلا ، علمنا ان هذه الخلة ليست كتلك - لثبوت رجحانه على كافة الرسل .

21 / 27  - ولما كان خلة الخليل من وراء حجاب ، لزم ان يكون هذه الخلة حاصلة دون حجاب ، وتلك مرتبة المحبوبية التي صرح بها ايضا في حديث آخر وانها عبارة عن ان يكون كل واحد من المحبين مرآة للآخر بحيث يصير كل واحد منهما محبا ومحبوبا وينطبع في كل واحد منهما ما ينطوى عليه الاخر تماما . فافهم ، فهذا هو سبب الجمعية المتضمنة للختمية وغيرها من كمالاته المنبه عليها من قبل .

22 / 27  - واعلم انك متى استحضرت ما ذكرت لك في سر الكمال المحمدي وما انفرد به دون غيره ، عرفت ان شرف من عداه من الأنبياء عليهم السلام من حيث الآيات هو بمقدار نسبته من الجمعية التي انفرد بها نبينا صلى الله عليه وسلم ، فترجحت آيات إبراهيم عليه السلام على من اعطى آية واحدة و آيتين بكثرة عدد الآيات ويعظمها ايضا ، فان اعظم آياته اختصاصه بعمارة الكعبة ، لان الأرض محل الخلافة
وصورة حضرة الجمع وورد في الحديث : ان الله دحا الأرض من تحت الكعبة ، فعين سبحانه بإبراهيم عليه السلام نقطة مركزية الأرض ومبدأ انتشائها وأسكنه بعد مفارقته هذه الدار السماء السابعة - محل روحانية الأرض فثبتت نسبته مع صورة الأرض وروحانيتها . فافهم .

23 / 27  - وكذلك سخر له النار التي هي اعلى العناصر محلا ومن حيثها افتخر ابليس على آدم ، فلو وقع النزاع المذكور مع ابليس في حق إبراهيم عليه السلام لما ساغ لإبليس ان يفتخر على إبراهيم عليه السلام - لتسخير الحق له النار - فتذكر .

24 / 27  - واما موسى عليه السلام : فمن آياته تجلى الحق له في عين حاجته - اعنى النار - ومنها الشجرة ومنها العصا ومنها الحجر الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عينا ومن آياته تسخير الحق الماء اولا حين رمى في اليم فسلمه الله ، وآخرا حين تبعه فرعون وقومه .

25 / 27  - واما صحة نسبة عيسى عليه السلام من مقام الجمعية :
فبدخوله ذوقا وحالا في دائرة الجمعية المحمدية وانصباغه بحكمها ، وبه ختم الله سبحانه احكام هذه الشريعة ودولة أحكامها ايضا ، وهذا كله من الزيادة على ما خص به من قبل تعليم الحق إياه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وتمكنه من احياء الموتى وخلق الطير من الطين واحيائه بالنفخ وإبراء الأكمه والأبرص والاطلاع على ما يأكل الناس في بيوتهم وما يدخرون وانزال المائدة ، فافهم ، تصب ان شاء الله.

26 / 27  - وإذ قد يسر الله ما التمس بيانه من اسرار مستندات حكم الفصوص وفك ختومها وكشف اصول مراتب من أضيف اليه دون التصدي لشرح الكتاب ، وختمنا الكلام على مقام من ختم الله به كل شريعة ومقام .

27 / 27  - فلنختم ما كتبناه بقولنا: الحمد لله ولى الإفضال والانعام ، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى كافة ، وعلى سيدنا محمد وآله السادة الكرام والكمل من إخوانه وورثته ، الحائزين للمواريث التي تحقق بها على الكمال والتمام ، حسبنا الله ذو الجلال والإكرام وصلى الله على اكمل الخلائق وآله .


كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة فردية في كلمة محمدية :
الفرد  - التفريد – الفردانية – الفردية  - المفرد
في اللغة : " فرد يفرد تفريدا : فرد الأشياء : باعد بينها ، جعلها أفرادا .
فرد : واحد ، متوحد .
فريد : واحد ، لا نظير له ، لا مثيل له " .

في الاصطلاح الصوفي

يقول الإمام علي بن أبي طالب :
"المفرد : هو من عرف الله بالخفي"  .

يقول الإمام القشيري:
" التفريد : هو إفراد المفرد برفع الحدث ، وإفراد القدم بوجود حقائق الفردانية " .

يقول الشيخ عبد الله الهروي:
" التفريد : هو اسم لتخليص الإشارة إلى الحق ، ثم بالحق ، ثم عن الحق " .
" تفريد الإشارة إلى الحق فعلى ثلاث درجات :
"تفريد القصد عطشا ، ثم تفريد المحبة تلفا ، ثم تفريد الشهود اتصالا".

وأما تفريد الإشارة بالحق فعلى ثلاث درجات :
"تفريد الإشارة بالافتخار بوحا ، وتفريد الإشارة بالسلوك مطالعة ، وتفريد الإشارة بالقبض غيرة".
وأما تفريد الإشارة عن الحق :
"فانبساط ببسط قبضا خالصا للهداية إلى الحق والدعوة إليه " .

يقول الغوث الأعظم عبد القادر الجيلاني:
" التفريد : هو إشارة من المفرد إلى المفرد عند تفرده عن الكونين ، وتعريه عن الملكين ، وانخلاعه عن وصف وجوده وحكم ذاته ، مطالعا لما يرد على سره من الخواطر من الحق تحريا لتصحيح التفريد ، وطلبا لصدقه في وصفه وذلك لأن صفة الفردية تقتضي إشارة منفردة تصعد معتصما بإشارة الفرد إلى نفسه"

" المعرفة بطريق التفريد هي على ثلاثة :
أفراد القديم بدفع لفظ المحدث .
ووجود حقائق الفردية .
وتخليص الإشارة إلى الحق سبحانه وتعالى " .
يقول : "محض التفريد : هو حقيقة التوحيد ، ومحو كل متلوح لعين العقل"  .
يقول : " الأفراد : وهم أعيان الأولياء " .
يقول : "دار الفردانية : هي دار الجلال والعظمة ".

بقول الشيخ فريد الدين العطار:
"التفريد : هو فناء الفناء " .

يقول الشيخ عيسى بن الشيخ عبد القادر الكيلاني:
" التفريد : هو أن يكون منفردا بالحق غير مشغول بالخلق " .

الشيخ نجم الدين الكبرى
يقول : " التفريد : هو قطع تعلق القلب من سعادة الدارين " .

الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
يقول : " التفريد : هو وقوفك بالحق معك ومن شرطه التجريد " .
يقول : " كل تفريد لا يكون عن شفع لا يعول عليه " .
يقول : "فرد الأفراد : هو صاحب الكشف واللقاء والمعاينة، صاحب القدم والنفس والطرف".
يقول الأفراد : هم الخارجون عن حكم القطب ، لا يعرفون ولا يعرفون ، قد طمس الله عيونهم ، فهم لا يبصرون ، حجبهم عن غيب الأكوان ، يكاد لا يفرق بين المحسوسات وهي بين يديه جهلا بها لا غفلة عنها ولا نسيانا ، وذلك ما حققهم به I من حقائق الوصال ، واصطنعهم لنفسه ، فما لهم معرفة بغيره ، فعلمهم به ، ووجدهم فيه ، وحركتهم منه ، وشوقهم اليه ، ونزولهم عليه ، وجلوسهم بين يديه .
ويقول: " الأفراد : وهي طائفة خارجة عن حكم القطب وحدها ليس للقطب فيهم تصرف ، ولهم من الأعداد من الثلاثة إلى ما فوقها من الأفراد " .
ويقول: " الأفراد : الذين لا يعرفهم الأبدال ولا يشهدهم الأوتاد ولا يحكم عليهم الغوث والقطب والإمام " .
ويقول: " الأفراد في هذه الأمة : هم الخارجون عن دائرة القطب ، وهم الذين على بينة من ربهم ، ويتلوهم شاهد منهم ، وهم في الأمة بمنزلة الأنبياء في الأمم الخالية الذين كانوا على شريعة من ربهم في أنفسهم ، ليسوا برسل ولا متبعين إلا لما يوحي الحق سبحانه وتعالى وينظر إليهم الاسم الفرد ، وبانفراده عن الأسماء . والقطب من الأفراد وله مزية التقدم بالنظر في العالم بخلاف سائر الأفراد " .
ويقول: " الأفراد ... هم المقربون بلسان الشرع ... وهم رجال خارجون عن دائرة القطب وخضر منهم ونظيرهم من الملائكة الأرواح المهيمة في جلال الله وهم الكروبيون ... وكل ما سوى الله بهذه المثابة مقامهم بين الصديقية والنبوة الشرعية وهو مقام جليل " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي في سبب التسمية بالأفراد:
ويقول سبب التسمية بالأفراد " الحقيقة العامة إذا تحكم سلطانها في العبد الكلي وبدت دلالاتها على شاهده وظهرت آياتها وعجائبها على ظاهره شهد كل صديق من حيث صديقيته بزندقته ، وكذلك الإمام صاحب النفوذ والأحكام ، وذلك أنه أخذ من وجه الحق الذي منه ينظر إلى مبدعه وموجده ولذلك سموا أفرادا أي ليس لهم حكم العموم ، ولكن من هذا مقامه له قوة التستر عن أعين الخلق حتى لا يتسلط الخلق على فساد بنيته " .

ويقول : " الفردية لا يعقلها المنصف إلا بتعقل أمر آخر عنه انفرد هذا المسمى فردا بنعت لا يكون فيمن انفرد عنه ، إذ لو كان فيه ما صح له أن ينفرد به ، فلم يكن ينطلق عليه اسم الفرد فلا بد من ذلك الذي أنفرد عنه أن يكون معقولا وليس إلا الشفع .
والأمر الذي أنفرد به الفرد إنما هو التشبيه بالأحدية وأول الأفراد الثلاثة ، فالواحد ليس بفرد فإن الله وصف بالكفر من قال ان الله ثالث ثلاثة فلو قال ثالث اثنين لما كان كافرا فإنه تعالى ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة بالغا ما بلغ " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" التفريد : هو شهود الحق ولا شيء معه ، فيشهده متفردا، وذلك بفناء الشاهد في المشهود ، ومن لم يذق هذا المشهد نازعه عقله في فهم هذا المعنى " .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم:
" التفريد عند الصوفية: هي مرحلة يصلها السالك بعد التجريد ، فإذا جرد السالك عن قلبه وسره الكون والسوى أفرد الواحد " .
" المفرد : هو الذي يفرد ذاته للحق فلا ينظر إلى خلق " .
و تقول د .سعاد الحكيم تتوالى الأسماء عند ابن العربي على هذه الطائفة :
" فهم الأفراد , لأنه ليس لهم حكم العموم ...
وهم الأخفياء , لأنهم لا يعرفهم الأبدال ولا يشهدهم الأوتاد ..
وهم أفراد الوقت , لأنهم خارجون عن نظر القطب صاحب الوقت ، فلا يحكمهم ، ولا يتصرف بهم ، بل القطب منهم .
وهم أعيان الأولياء , لأنهم الخاصة فيهم .
وهم في جنس البشر كالملائكة المهيمون في جنس الملائكة ..
وهم الأبرياء فلا يرى العالم عليهم من أثر التقريب شيئا " .

يقول الشيخ محمد بن وفا الشاذلي:
" التفريد : هو تمييز الواحد بما لا يصح فيه اشتراك " .
" حقيقته التفريد : هو تعيين عين الجمع بما لا تجحده العقول ولا تتصور مثله فتحصله " .
" غاية التفريد  : رد الأمر كله للموصوف بالإحاطة الذاتية " .

يقول الشريف الجرجاني:
" التفريد : وقوفك بالحق معك هذا إذا كان الحق عين قوى العبد بقضية قوله " كنت له سمعا وبصرا " .

يقول الشيخ أحمد بن عجيبة :
" التفريد هو أرق من التوحيد وأعلى , لأن التوحيد يصدق على توحيد أهل العلم والتفريد خاص بأهل الذوق " .
ويقول : " الأحدية والايحاد والفردانية والوحدانية والانفراد وهكذا رتبتهم في القوة .
فالاحدية : مبالغة في الوحدة .
والايحاد : مصدر أوحد الشيء إذا صار واحدا .
والفردانية والوحدانية والانفراد معناها إفراد الحق بالوجود ولا يكون إلا بعد انطباق بحر الأحدية على الكل بحيث لم يبق وجود لغيره قط ، وهو يذوق ذلك ذوقا ويغرق فيه غرقا
ويقال لأهل هذا المقام الأفراد والآحاد ، وهم أكمل من القطب في العلم بالله ( كما قال الحاتمي ) وخارجون عن دائرة تصرفه " .

يقول الشيخ ابن عباد الرندي:
" أهل التفريد : هم الذين استتروا في ذكر الله المجيد " .

يقول الشيخ عمر السهروردي :
" الإشارة منهم إلى التجريد والتفريد أن العبد يتجرد عن الأغراض فيما يفعله ، لا يأتي بما يأتي به نظرا إلى الأغراض في الدنيا والآخرة ،بل ما كوشف به من حق العظمة يؤديه حسب جهده عبودية وانقياد .
والتفريد : أن لا يرى نفسه فيما يأتي به بل يرى منة الله عليه .
فالتجريد ينفي الأغيار، والتفريد بنفي نفسه واستغراقه عن رؤية نعمة الله عليه وغيبته عن كسبه".

يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري:
" المتفردون : هم الذين أعطاهم الله تعالى فهم القرآن ، هم خاصة الله وأولياؤه ، لا هم للدنيا ولا الدنيا منهم في شيء ، ولا في ما في الجنة ...طرحوا أنفسهم بين يديه رضى وسكونا إليه وقالوا لا بد لنا منك أنت أنت لا نريد سواك " .

يقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي:
" مقام التفريد في التوحيد ... هو أن لا يشغل النفس إلا بخدمته تعالى ، ولا يلاحظ بالقلب سواه ، ولا يشاهد بالروح غيره " .

يقول الشيخ عبد الغني النابلسي :
" الفرد عند الشيخ ابن الفارض  : أي الذي هو من حضرة الفردية الإلهية ، فهو فرد من فرد ولا يكون فيه إلا الأفراد الورثة المحمديون من أهل الله تعالى أولي الكمال من أوليائه " .
ويقول : " الفرد : هو الحقيقة المحمدية الظاهرة في تلك الصورة الكونية المخلوقة منها " .

ويقول : " رتبة الفردية : هي المنزلة التي في الجنة المسماة بالوسيلة وهي حاصلة لرتبة النبي المرسل محمد في حياته ، وتنتقل بعد موته إلى أفراد أمته الذين هم رتب ظهوراته إلى يوم القيامة ورتبة الفردية لا يكون معها شيء غيرها ، بل هي محض كرم الله تعالى " .

ويقول : " إنه من حيث رتبته الفردية يظهر من كل وقت إلى يوم القيامة في الصور المختلفة التي هي مخلوقة منه ، أي من نوره الأصلي الذي خلقه الله أول ما خلق " .

يقول الإمام محمد ماضي أبو العزائم:
" الأفراد : هم الذين أفردهم الحق لذاته ، دون خطور أقل خاطر لسواه على قلوبهم ، ولا شهود كائن ما غيره " .
" الفرد الكامل : هو المتمكن من مشاهدة التوحيد بالتوحيد ".

يقول الشيخ أبو العباس التجاني:
" الفرد الجامع : هو الذي تتجلى له [ الذات الإلهية ] , لأنه الحجاب بينها وبين الوجود ، والوجود كله عائش في ظله ، ولو زالت ظليته لانمحق الوجود كله في أسرع من طرفة العين ، فللفرد الجامع وجهتان :
وجهة إلى الذات المقدسة فهي متلاشية فيها يتلقى تجليها بما هي عليه من العز والعظمة والكبرياء والجلال والعلو ولا قدرة لأحد في الوجود على هذا إلا هو .
وله وجهة إلى الوجود يفيض على الوجود ما اقتضته مرتبة الألوهية فهو البرزخ الجامع بين الله وبين خلقه " .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" الفرد الكامل : هو الغوث الجامع ، عليه يدور أمر الوجود ، وله يكون الركوع والسجود ، وبه يحفظ الله العالم ، وهو المعبر عنه بالمهدي والخاتم ، وهو الخليفة وأشار إليه في قصة آدم ، تنجذب حقائق الموجودات إلى امتثال أمره انجذاب الحديد إلى حجر المغناطيس ، ويقهر الكون بعظمته ، ويفعل ما يشاء بقدرته ، فلا يحجب عنه شيء ، وذلك أنه لما كانت هذه اللطيفة الإلهية في هذا الولي ذاتا ساذجا غير مقيد برتبة لا حقيقة إلهية ولا خلقية عبدية أعطى كل رتبة من رتب الموجودات الإلهية والخلقية حقها " .

يقول الشيخ بالي أفندي:
" الفردية ... وهي الأحدية الذاتية ، والأحدية الصفاتية ، والحقيقة المحمدية ".

يقول الشيخ عبد العزيز الدباغ:
" الفردية : هي علم حرف المعجم ، وبهذه الحروف يعبر للعلوم كلها " .


مصطلح : النساء
في اللغة :" نسوة / نساء : جمع امرأة من غير لفظه " .
في الاصطلاح الصوفي

يقول ابن العربي في منزلة المرأة من الرجل:
" المرأة من الرجل بمنزلة الطبيعة من الأمر الإلهي , لأن المرأة محل ورود أعيان الأبناء ، كما أن الطبيعة محل ظهور أعيان الأجسام فيها تكونت وعنها ظهرت فمن عرف مرتبة الطبيعة عرف مرتبة المرأة ، ومن عرف الأمر الإلهي فقد عرف مرتبة الرجل " .


يقول الشيخ الأكبر ابن العربي في الباب الرابع والعشرون وثلاثمائة  :
إن النساء شقائق الذكران   .....   في عالم الأرواح والأبدان
والحكم متحد الوجود عليهما   .....   وهو المعبر عنه بالإنسان
وتفرقا عنه بأمر عارض   .....   فصل الإناث به من الذكران
من رتبة الإجماع يحكم فيهما   .....   بحقيقة التوحيد في الأعيان

الإنسانية لما كانت حقيقة جامعة للرجل والمرأة ، لم يكن للرجال على النساء درجة من حيث الإنسانية ، كما أن الإنسان مع العالم الكبير يشتركان في العالمية ،
فليس للعالم على الإنسان درجة من هذه الجهة ، وقد ثبت أن للرجال على النساء درجة وقد ثبت أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ... فوجدنا الدرجة التي فضل بها السماء والأرض على الإنسان هي بعينها التي فضل بها الرجل على المرأة ، وهو أن الإنسان منفعل عن السماء والأرض ومولد بينهما منهما ، والمنفعل لا يقوى قوة الفاعل لما هو منفعل عنه . كذلك وجدنا حواء منفعلة عن آدم مستخرجة متكونة من الضلع القصير ، فقصرت بذلك أن تلحق بدرجة من انفعلت عنه ، فلا تعلم من مرتبة الرجل إلا حد ما خلقت منه وهو الضلع ، فقصر إدراكها عن حقيقة الرجل .
كذلك الإنسان لا يعلم من العالم إلا قدر ما أخذ في وجوده من العالم لا غير ، فلا يلحق الإنسان أبدا بدرجة العالم بجملته وإن كان مختصرا منه . كذلك المرأة لا تلحق بدرجة الرجل أبدا مع كونها نقاوة من هذا المختصر ،
وأشبهت المرأة الطبيعة من كونها محلا للإنفعال فيها وليس الرجل كذلك ،
فبهذا القدر يمتاز الرجال عن النساء ، ولهذا كانت النساء ناقصات العقل عن الرجال , لأنهن ما يعقلن إلا قدر ما أخذت المرأة من خلق الرجل في أصل النشأة .
وأما نقصان الدين فيها :
فإن الجزاء على قدر العمل ، والعمل لا يكون إلا عن علم ، والعلم على قدر قبول العالم ، وقبول العالم على قدر استعداده في أصل نشأته ، واستعدادها ينقص عن استعداد الرجل , لأنها جزء منه ، فلا بد أن تتصف المرأة بنقصان الدين عن الرجل .
وهذا الباب يطلب الصفة التي يجتمع فيها النساء والرجال ، وهي فيما ذكرناه كونهما في مقام الإنفعال ، هذا من جهة الحقائق ، وأما من جهة ما يعرض لهما فمثل قوله : " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات " إلى قوله : "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات "... فاجتمع الرجال والنساء في درجة الكمال ، وفضل الرجل بالأكملية لا بالكمالية " .


تقول د. سعاد الحكيم عند ابن العربي:
" عندما ينظر ابن العربي إلى المرأة كأحد وجهي الحقيقة الانسانية يرى أنها شقيقة الرجل، تنال ما يناله من المقامات والمراتب والصفات حتى القطبية.
فالحقيقة الانسانية واحدة، تطلق بكافة مقتضياتها واحكامها على الذكر والأنثى، فلا يفترقان الا عند الانتاج كما سنرى في المضمون الثاني " أهـ . المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة

يقول الشيخ ابن العربي:
" وهذه كلها [الخلافة - خرق العادة] أحوال يشترك فيها النساء والرجال ويشتركون في جميع المراتب حتى في القطبية. . . ولو لم يرد الا قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذه المسألة: ان النساء شقائق الرجال 4 لكان فيه غنية، اي كل ما يصح ان يناله الرجل من المقامات والمراتب والصفات يمكن ان يكون لمن شاء اللّه من النساء. " (فصوص 3/ 89).

ويقول : "عندما ينظر ابن العربي إلى المرأة كحقيقة منفردة متميزة رغم صدورها عن الحقيقة الانسانية، تتحول إلى صفات خاصة يؤلف مجموعها: المرأة أو الأنثى.
فالأنثى أو حواء هي صفة أو محل الانفعال والتكوين في مقابل صفة الفعل (الرجل - آدم) - وهي مرتبة التفصيل في مقابل مرتبة الجمع (الرجل - آدم). وهكذا تتحول المرأة إلى مرتبة من تحقق بصفاتها صار أنثى ولو كان رجلا ". المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة د. سعاد الحكيم (ص: 144)


د. سعاد الحكيم يقول ابن العربي المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة:
يقول : " ولما كان النساء محل التكوين، وكان الانسان بالصورة يقتضي ان يكون فعّالا ولا بد له من محل يفعل فيه، ويريد لكماله الا يصدر عنه الا الكمال. . . ولا أكمل من وجود الانسان ولا يكون ذلك الا في النساء اللاتي جعلهن اللّه محلا، والمرأة جزء من الرجل بالانفعال الذي انفعلت عنه. . .
ولما كانت المرأة كما ذكرت عين ضلع الرجل  فما كان محل تكوين ما كون فيها الا نفسه، فما ظهر عنه مثله الا في عينه ونفسه " (ف 3/ 505).

ويقول : " فان المرأة من الرجل بمنزلة الطبيعة من الأمر الإلهي - لأن المرأة محل وجود أعيان الأبناء، كما أن الطبيعة للأمر الإلهي محمل ظهور أعيان الأجسام فيها تكونت وعنها ظهرت، فأمر بلا طبيعة لا يكون، وطبيعة بلا أمر لا تكون فالكون متوقف على الامرين. . . فمن عرف مرتبة الطبيعة عرف مرتبة المرأة 9 " (ف 3/ 90).

د. سعاد الحكيم يراجع بخصوص المرأة والرجل عند ابن العربي:
ويقول : في الفص المحمدي. حيث يتكلم على تحبيب النساء للرسول صلى اللّه عليه وسلم، وكيف ان شهود الرجل الحق في المرأة أتم وأكمل الشهود، وذلك لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل. الفصوص ج 1 ص 214 - 220. - ترجمان الأشواق -

ويقول : "حيث تتحول المرأة إلى رمز يعبر من جمالها المقيد إلى الجمال المطلق الأصل، وقلما اعطى صوفي المرأة المكانة التي أعطاها إياها ابن العربي: يشهد الحق فيها، ويعبر إلى الحق منها. وهذا ليس غريبا على نظرية تقول بوحدة الوجود فما ثمة الا الذات وأسماؤها وصفاتها وتجلياتها. وفي التجلي نشهد الحق، ومنه نعبر إلى الحق." . المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة

يقول ابن العربي :
 " فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل،
وإذا شاهده في نفسه - من حيث ظهور المرأة عنه - شاهده في فاعل،
وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه، كان شهودة في منفعل عن الحق بلا واسطة.
فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو: فاعل منفعل. . .
فلهذا أحب صلى اللّه عليه وسلم النساء 25 لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد ابدا. فان اللّه بالذات غنّي عن العالمين.
وإذ كان الامر من هذا الوجه ممتنعا ولم تكن الشهادة الا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود واكمله " المعجم الصوفي (فصوص 1/ 217).


مصطلح :  الطيب
في اللغة  :  1. عطر .
2. طيب العيش : الحياة الحسنة " .
3. حسن . 4. فاضل " .

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" الطيب : هو علم الأنفاس الرحمانية ، وهو كل ما يرد من الحق مما تطيب به المعاملة بين الله وبين عبده في الحال والقول والفعل " .
" حضرة الطيب ... يدعى صاحبها عبد الطيب ، فالطيب من يميز الخبيث من الطيب فيجعل الطيبين للطيبات والطيبات للطيبين من كونه طيبا ، ويجعل الخبيثين للخبيثات والخبيثات للخبيثين من كونه حكيما ...
والطيب الصاعد ، عارف بربه في جهة خاصة تلقاها من الرسول لما سمعه يقول عن الله : " سبح اسم ربك الأعلى " فاقتضى مزاج الطيب واستعداده أنه لا يطلب ربه إلا من هذه الجهة وهو الطيب والعلو لا نهاية له " .

يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام :
" الطيب : هو ما لا ينسى الله فيه " .

يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري:
" الطيبات : الحلال " .

يقول الشيخ أبو بكر الواسطي:
" الطيب : من طيبه بالإسلام ، وحياه بأحسن الكلام ، ونصبه على رؤوس الأنام ، فلا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما " .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى:
" الطيب من القول ... هو الإخلاص في قول لا إله إلا الله والعمل به " .

مصطلح : الصلاة
في اللغة : " صلى الشخص : أدى الصلاة .
صلى الله على رسوله : دعا له وحفه ببركته .
الصلاة : 1. دعاء .
2. عبادة مخصوصة مؤقتة مضبوطة الحدود في الشريعة .
3. حسن الثناء والبركة من الله " .

في الاصطلاح الصوفي

يقول الإمام علي بن أبي طالب:
" الصلاة : هي قربان كل تقي " .
" ليست الصلاة قيامك وقعودك ، إنما الصلاة إخلاصك " .
يقول : " إقامة الصلاة : هي الملة " .

يقول الشيخ الحكيم الترمذي :
يقول : " الصلاة : دار الله من دخلها دخل في عرش الله وولائمه وضيافاته " .
ويقول : " الصلاة : مقام اعتذار بين يديه مما جنت اليدان واكتسبت " .
ويقول : " الصلاة : إنما هي تصلية العبد بين يدي ربه تضرعا وتخشعا وتذللا واستكانة واستعطافا وملقا ورغبا " .

يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري:
" الصلاة : هي وصلة المعرفة ، فمن صحت له الصلاة وهي الوصلة ،لم يبق له على الله تهمة ، إذ السؤال تهمة ولا يبقى السؤال مع الوصلة " .

يقول الإمام القشيري :
يقول : " الصلاة : اعتكاف القلب في مشاهد التقدير .
ويقال : هي الوقوف على بساط النجوى " .
ويقول : " الصلاة : هي الوقوف في محل المناجاة " .
ويقول : " الصلاة : هي استفتاح باب الرزق ، وعليها حال في تيسير الفتوح عند وقوع الحاجة إليه .
ويقال : الصلاة : رزق القلوب ، وفيها شفاؤها ، وإذا استأخر قوت النفس قوي قوت القلب " .
ويقول : " إقامة الصلاة : هو القيام بأركانها وسننها ، ثم الغيبة عن شهودها برؤية من يصلي له ، فتحفظ عليه أحكام الأمر بما يجري عليه منه ، وهو عن ملاحظتها محو نفوسهم منه ، مستقبلة إلى القبلة وقلوبهم مستقرة في حقائق الوصلة " .
ويقول الصلاة :
" شرائطها في الظاهر : ستر العورة ، وتقديم الطهارة ، واستقبال القبلة ، والعلم بدخول الوقت ، والوقوف في مكان طاهر .
وفي الباطن يأتون بشرائطها : طهارة السر عن العلائق .
وستر عورة الباطن : بتنقيته عن العيوب ، لأنها مهما تكن فالله يراها ، فإذا أردت إلا يرى الله عيوبك فاحذرها حتى لا تكون .
والوقوف في مكان طاهر : وهو وقوف القلب على الحد الذي أذنت في الوقوف فيه مما لا يكون دعوى بلا تحقيق ، ورحم الله من وقف عند حده .
والمعرفة بدخول الوقت : فتعلم وقت التذلل والاستكانة ، وتميز بينه وبين وقت السرور والبسط .
وتستقبل القبلة بنفسك : وتعلق قلبك بالله من غير تخصيص بقطر أو مكان " .

و يقول : " الصلاة لنا بمنزل المعراج ، فقد كان المعراج على ثلاث منازل :
من الحرم إلى المسجد الأقصى ،
ثم منه إلى سدرة المنتهى ،
ثم منها إلى قاب قوسين ، أو أدنى ،
وكذلك صلاتنا قيام، وركوع ، ثم سجود، وهو نهاية القربة، قال تعالى : "واسجد واقترب"."

يقول الشيخ ابن عطاء الأدمي:
" الصلاة اتصال بالله من حيث لا يعلم إلا الله " .

يقول الشيخ أبو بكر الكلاباذي:
يقول : " الصلاة : هي التجريد عن العلائق ، والتفريد بالحقائق " .

يقول الإمام فخر الدين الرازي
يقول : " الصلاة : تواضع محض وتضرع للخالق " .
ويقول : " الصلاة من الله : هي الثناء والمدح والتعظيم " .

الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
يقول : " الصلاة مشاهدة " .
و يقول: " فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا أنه يصلي علينا ، فالصلاة منا ومنه ، فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر ، فيتأخر عن وجود العبد : وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده . وهو الإله المعتقد ... فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة . وقوله : " كل قد علم صلاته وتسبيحه " أي رتبته في التأخر في عبادته ربه ... " .

ويقول : " قال الله تعالى :"هو الذي يصلي "، فوصف نفسه بالتأخر في الذكر عن ذكر العبد".
" ... فأوجب ( الحق ) على عباده التأخر عن ربوبيته ، فشرع له ( للعبد ) الصلاة ليسميه بالمصلي : وهو المتأخر عن رتبة ربه ، ونسب الصلاة إليه تعالى ليعلم أن الأمر يعطي تأخر العلم الحادث به ، عن العلم الحادث بالمخلوق ... " " .

يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي:
يقول : " الصلاة : مجالسة الله تعالى " .

يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري :
يقول : " الصلاة : هي طهرة للقلوب ، واستفتاح لباب الغيوب " .
ويقول : " ليكون همك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة ، فما كل مصل مقيم " .

ويقول : " الصلاة : هي محل المناجاة ، ومعدن المصافاة ، تتسع فيها ميادين الأسرار ، وتشرق فيها شوارق الأنوار " .
ويقول : " عن الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه أنه كان يحضر عنده فقهاء الإسكندرية
والقاضي ، فجاءوا مرة مختبرين للشيخ فتفرس فيهم وقال : يا فقهاء هل صليتم قط ؟
فقالوا : يا شيخ وهل يترك أحدنا الصلاة ؟
فقال لهم : قال الله تعالى : " إن الأنسان خلق هلوعا . إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين ".
 فهل أنتم كذلك ؟ إذا مسكم الشر لا تجزعون ؟ وإذا مسكم الخير لا تمنعون ؟
قال : فسكتوا جميعا .
فقال لهم الشيخ : فما صليتم هذه الصلاة قط " .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي :
يقول : " الصلاة : هي عبارة عن واحدية الحق تعالى ، وإقامتها إشارة إلى إقامة ناموس الواحدية بالاتصاف بسائر الأسماء والصفات " .

ويقول : " الطهر : عبارة عن الطهارة من النقائص الكونية ".
وكونه يشترط بالماء : إشارة إلى أنها لا تزول إلا بظهور آثار الصفات الإلهية التي هي حياة الوجود لأن الماء سر الحياة .
وكون التيمم يقوم مقام الطهارة للضرورة : إشارة للتزكي بالمخالفات والمجاهدات والرياضات
ثم استقبال القبلة : إشارة إلى التوجه الكلي في طلب الحق .
ثم النية : إشارة إلى انعقاد القلب في ذلك التوجه .
ثم تكبيرة الإحرام : إشارة إلى أن الجنان الإلهي أكبر وأوسع مما عسى أن يتجلى به
عليه ، فلا يقيده بمشهد بل هو أكبر من كل مشهد
وقراءة الفاتحة : إشارة إلى وجود كماله في الإنسان ، لأن الإنسان هو فاتحة الوجود ...
ثم الركوع : إشارة إلى انعدام الموجودات الكونية تحت وجود التجليات الإلهية .
ثم القيام : عبارة عن مقام البقاء ...
ثم السجود : عبارة عن سحق آثار البشرية ومحقها ، باستمرار ظهور الذات المقدسة .
ثم الجلوس بين السجدتين : إشارة إلى التحقق بحقائق الأسماء والصفات
لأن الجلوس : استواء في القعدة ، وذلك إشارة إلى حقيقة قوله : " الرحمن على العرش استوى " .
ثم السجدة الثانية : إشارة إلى مقام العبودية وهو الرجوع من الحق إلى الخلق .
ثم التحيات : إشارة إلى الكمال الحقي والخلقي ، لأنه عبارة عن ثناء الله تعالى وثناء على نبيه وعلى عباده الصالحين وذلك هو مقام الكمال " .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
الصلاة : هي شدة الحضور مع الله تعالى من أولها إلى آخرها بحيث لا يخطر شيء على غير بال المصلي  .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم  الصلاة عند الشيخ الأكبر:
" إن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يغفل عن وجهي الصلاة اللذين أثبتهما القرآن :
صلاة الحق - صلاة الخلق . ونرى أنه أحيانا يفسرهما بمألوف يقبله بداهة الفكر الإسلامي السابق ، وأحيانا أخرى يحصرهما بمفهوم يلتصق بنظرياته الفكرية ، ولذلك نشطر معنى الصلاة عنده شطرين :
" صلاة الحق : رحمته لعبده ، وصلاة العبد : مشاهدته الحق .

يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
" والصلاة من الله : الرحمة ... " .
" فقال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وليس إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين المحب ، من الاستقرار ... ولذلك نهى عن الالتفات في الصلاة ، وأن الالتفات يختلسه الشيطان من صلاة العبد فيحرمه مشاهدة محبوبه ... " .
" ... ابن آدم صمتك عن الباطل صوم ، وكفك عن الشر صدقة ، ويأسك من الخلق صلاة ... " .
نلاحظ من النصين السابقين أن صلاة العبد تفترض انقطاعه عن الخلق ، لتتحقق وصلته بالحق .
فالصلاة : عبارة عن نسبة أو صلة بين العبد وربه خالية من كل التفات إلى ( غير ) .
" لقد شرح ابن العربي الطائي الحاتمي صلاة الحق وصلاة الخلق من خلال فكره ، بإرجاعهما إلى الفعل يصلي : اسم الفاعل منه : مصل ، والمصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة . في مقابل المجلى الأول .
فالحق مصل ، والخلق مصل ، ولكن من وجهين مختلفين .
الحق مصل : أي تأخر العلم به عن العلم بالمخلوق ، إذن تأخر علم .
الخلق مصل : أي تأخر بالرتبة عن رتبة ربه ، إذن تأخر رتبة .

و يقول : " عمت الصلاة جميع الحركات وهي ثلاث : حركة مستقيمة وهي حال قيام
المصلي ، وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي ، وحركة منكوسة وهي حال سجوده . فحركة الإنسان مستقيمة ، وحركة الحيوان أفقية ، وحركة النبات منكوسة ، وليس للجماد حركة من ذاته " .

يقول الشيخ الحكيم الترمذي :
" أفعال الصلاة مختلفة على اختلاف الأحوال التي جاءت من العبد :
فبالوقوف : يخرج من الإباق ، لأنه لما انتشرت جوارحه نقصت تلك العبودية وأبق من ربه ، فإذا وقف بين يديه فقد جمعها من الانتشار ووقف للعبودة فخرج من الإباق .
وبالتوجه إلى القبلة : يخرج من التولي والإعراض .
وبالتكبير : يخرج من الكبر .
وبالثناء : يخرج من الغفلة .
وبالتلاوة : يجدد تسليما للنفس وقبولا للعهد .
وبالركوع : يخرج من الجفاء .
وبالسجود : يخرج من الذنب .
وبالانتصاب للتشهد : يخرج من الخسران .
وبالسلام : يخرج من الخطر العظيم " .

ويقول : " الصلاة ، ثمرتها : إقبال الله على عبده ، ففي الإقبال جميع ما ذكرنا من تطهير النفس والمال ووجوب المغفرة ووجوب الجنة " .

ويقول " الناس في الصلاة على خمسة أحوال .
1. فمنهم : من يصلي فينتقص من وضوئه ومواقيتها وحدودها بأركانها .
2. ومنهم : من يصلي محافظا على وضوئه ومواقيتها بأركانها ، وقد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة .
3. ومنهم : من يصلي محافظا على وضوئه ومواقيتها وحدودها بأركانها ، ومجاهدة نفسه في شأن حديثها ووسوستها .
4. ومنهم : من يصلي محافظا على وضوئه ومواقيتها حدودها بأركانها مشغولا بقلبه مع الله بحفظ هذه الحدود ومناجاته
5. ومنهم : من يصلي محافظا على وضوئه ومواقيتها ، وأركانها وحدودها ، مشغولا بربه قرير العين به ، محفوظا عليه حدودها " .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى :
" إدامتها الصلاة : بدوام المراقبة وجمع الهمة في التعرض لنفحات ألطاف الربوبية التي هي مودعة فيها لقوله : " إن لله في أيام دهركم نفحات إلا فتعرضوا لها " .
ويقول: "فصورة الصلاة صورة التعرض ، والأمر بها صورة جذبة الحق بأن يجذب صورتك عن الاستعمال لغير العبودية " .
ويقول : " إقامة الصلاة : هو بأن تجعل الصلاة معراجك إلى الحق ، وتديم العروج بدرجاتها إلى أن تشاهد الحق كما شاهدت يوم الميثاق " .
ويقول : " إقامة الصلاة : هو إدامتها بصدق التوجه، وحضور القلب، والإعراض عما سواه " .
ويقول : " إقامة الصلاة : هو بالمحافظة عليها بمواقيتها ، وإتمام ركوعها وسجودها وحدودها ظاهرا وباطنا " .
ويقول : " الصلاة : هي معراج المؤمن ، بأن يرفع يديه من الدنيا ، ويكبر عليها ، ويقبل على الله بالإعراض عما سواه ، ويرجع عن مقام التكبر الإنساني إلى خضوع الركوع الحيواني ، ومنه إلى خشوع السجود النباتي ، ثم إلى القعود الجمادي ، فإنه بهذا الطريق أهبط إلى أسفل القالب ، فيكون رجوعه بهذا الطريق إلى أن يصل إلى مقام الشهود الذي كان فيه في البداية الروحانية ، ثم يتشهد بالتحية والثناء على الحضرة ، ثم يسلم عن يمينه على
الآخرة ، وما فيها ويسلم عن شماله على الدنيا وما فيها ، مستغرق في بحر الألوهية بإقامة الصلاة وإدامتها " .

الصلاة في اصطلاح الكسنزان:
" الصلاة : تعني التسليم .
" الصلاة : هي الدورة الروحية .
" الصلاة : هي تجديد العهد والبيعة على الإسلام .
" الصلاة : هي دليل إثبات العبودية .
" الصلاة : هي معراج إذ يرفع فيها الحجاب بين العبد وربه .

ويقول الشيخ عبد العزيز الدباغ :
" شرعت الصلاة وسائر الطاعات : لتحصل هذه الوجهة " وجهة القلوب الى الرب " ، فهي نتيجة العبادات وفائدتها التي هي سبب ربح العبد ورحمته " .

يقول الشيخ عمر السهروردي :
" قيل : الصلاة على أربع شعب :
حضور القالب في المحراب .
وشهود العقل عند الملك الوهاب .
وخشوع القلب بلا ارتياب .
وخضوع الأركان بلا ارتقاب " .
ويقول : " التشهد في الصلاة : هو كناية عن مقر الوصول بعد قطع مسافات الهيئات على تدريج طبقات السماوات " .

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
" أجمع مشايخ الطريق من الأنس كلهم على أن من كان فيه صفتي الغناء والعز لا يمكن من الدخول لحضرة الصلاة أبدا . فما تقربنا إلى الحق حينئذ إلا بتخلقنا بما ليس من صفته ، فانظر ما أعجب هذا الأمر في حضرة القرب يطرد منها من تخلق بصفات ملكها سبحانه وتعالى التي لم يأذن في التخلق بها " .

ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي :
" قال بعضهم : المحافظة على الصلاة ، حفظ أوقاتها ، والدخول فيها بشرط الحرمة ، والقيام فيها على حد المشاهدة ، والخروج منها على رؤية التقصير " .
ويقول : " قال بعضهم : إقامة الصلاة : هو القيام إليها بالقعود عن كل ما سواه " .
ويقول : " قال بعضهم : إقامة الصلاة : هو حفظ حدودها ، والدخول فيها بشرط الخدمة ، والقيام فيها على سبيل الهيبة ، والمناجاة فيها بلسان الافتقار والذلة ، والخروج منها على رؤية التقصير في الخدمة " .

يقول الشيخ ابن عباد الرندي :
" إذا صلى المؤمن صلاة فقبلت منه خلق الله من صلاته صورة في ملكوته راكعة ساجدة إلى يوم القيامة ، وثواب ذلك لصاحب الصلاة " .

يقول الغوث الأعظم عبد القادر الجيلاني :
" قلت : يارب أي صلاة أقرب إليك ؟
قال : الصلاة التي ليس فيها سوائي والمصلي عنها غائب " .

ويقول الشيخ ابن قضيب البان :
" كشف لي الحق عن صورة الصلاة فرأيتها أنوارا متصلة من الله تعالى وملائكته إلى هوية كل مؤمن .
ثم قال لي : إذا أقامها استغرقت سائر أجزاء البشرية وانتصب القرآن على عرش قلبه ، ليناجيه به ربه .
ثم رأيت الروح الإنساني صاعدا في هذا النور الهابط إذا أقام الصلاة حتى يتم المصلي " .

.
واتساب

No comments:

Post a Comment