Monday, April 13, 2020

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة السابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة السابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع والعشرون فص حكمة فردية في كلمة محمدية الفقرة السابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة السابعة والثلاثون :-
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:
27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية
 * * * * *
………………………………...
1 - المناسبة
أنتقل هنا ما جاء في كتاب الننبيهات المنسوب إلى الشيخ رضي الله عنه حيث يقول في التنبيه السادس عشر :
إنما كانت حكمة فردية لانفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية الدي ما فوقه إلا مرتبة الذات الأحدية ، لأنه صلى  مظهر الاسم الله الأعظم . الجامع للأسماء كلها .
 ولأن أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان عينه الذاتية . وأول ما وجد بالفيت الأقدس من الأكوان روحه الشريفة ، فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية وعينه الثابتة الفردية الأولى ، واعلم أن أول الأفراد الثلاثة ، وما زاد عليها فهو صادر منها . وهذه الثلاثة المشار إليها في الموجودات هي الذات الأحدية . والمرتبة الإلهية. والحقيقة المحمدية ، المسماة بالعقل الأول : ولما كانت تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشء، قال صلى الله عليه وسلم : حبب إلي من دنياكم ثلات . 
بما فيه من التثليث : وجعات المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه . 
فقدم ذكر النساء ثم الطيب ثم قال وجعلت قرة عيني في الصلاة ، وإنما حبب النساء إليه صلى  لكمال شهود الحق فيهن ، إد لا يشاهد الحق تعالی مجردة عن المواد أبدا ، فإن الله تعالى بالذان غني عن العالمين. 
ولا نسبة بينه وبين شيء من هذا الوجه أصلا ، فلا يسكن شهوده تعالی مجردة عن المواد ، فإذا كان الأمر من هذا الوجه مستنعا ولم تكن المشاهدة إلا في مادة ، فنهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله ، في حال النكاح الموجب لفناء المحب في المحبوب ، وأعظم الوصلة الجماع ، وهو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه ، فسرى فيه مثال صورته ، وكذلك النكاح يتوجه لإيجاد ولد على صورته ، ينفخ بعض روحه فيه ، يعني النطفة ، نیشاهد علتيته في مرآة ابنه ، ويخلفه من بعده ، فصار النكاح المشهور نظير النكاح الأصلي الأزلي . 
فصارت صورة الإنسان خلقة موصوفة بالعبودية ، وباطنه حق لأنه من روح الله الذي يدبر ظاهره . 
ويديه ، إذ هو الظاهر بصورة الروحانية ، والله سبحانه وتعالى أعلم

ص 423


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، "2"
ولهذا بدئ به الأمر وختم: فكان نبيا وآدم بين الماء و الطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين. "3"
وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من )
………………………………...
2 - الفردية
كان الإيجاد بالفردية لا بالأحدية خلافا لمن يقول إنه ما صدر إلا واحد فإنه عن واحد . 
فهو قول صحيح لا أنه واقع ، نم جاء الكشف النبوي و الإخبار الإلهي بقوله عن ذات تسمى إلها : إذا أراد شيئا ، فهذان أمران ، قال له كن ، فهذا أمر ثاني ، والنلاثة أول الأفراد ، فظهر التكوين عن الفرد لا عن الواحد ، وهذه كلها راجعة إلى عين واحدة ، ومرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان ، فهو الكامل الذي لا أكمل منه ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فهو الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال . سيد الناس يوم القيامة . 
الفتوحات ج 3 / 186 ، 331 - ج 4 / 89 

3 - «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين » – الحديث
اعلم أن للإنسان حالا قبل أخذ الميثاق عليه ، وهو الحال الذي كان فيها صلى حين عرف بنبوته قبل خلق آدم عليه السلام ، فكان له التعريف في تلك الحالة ، وذلك أن هذه النشأة الإنسانية كانت مبثوثة في العناصر ، ومراتبها إلى حين موتها التي تكون عليها في وجود أعيان أجسامها معلومة معينة في الأمر المودع في السموات ، لكل حالة من أحواله التي نتقاب فيها في الدنيا صورة في الفلك على تلك الحالة . 
قد أخذ الله بأبصار الملائكة عن شهودها ، مكتنفة عند الله في غيبه ، معينة له سبحانه لا يعلم السوات بها مع كونها فيها ، وفد جعل الله وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك ، فمن الناس من أعطي في ذلك الموطن شهود نفسه ومرنبته . إما على غاياتها بكمالها ، وإما ينهد صورة ما من صوره . 
وهو عين تلك المرتبة له في الحياة الدنيا ، فيعلمها فيحكم على نفسه بها ، وهنا شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبوته ، ولا ندري هل شهد صورة جميع أحواله أم لا ؟ فالله أعلم ، 
فكان قوله صلى الله عليه وسلم « کنت نبيا و آدم بين الماء والطين » إنما كان هذا القول بلسان تلك الصورة التي هي فيها

ص 424

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  الأفراد فإنها عنها.
فكان عليه السلام أدل دليل على ربه، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي )
………………………………..
من جملة صور المراتب ، فترجم لنا في هذه الدار عن تلك الصورة ، فهذا من أحوال الخلق .
ولما خلق الله الأرواح المحصورة المدبرة للأجسام بالزمان عند وجود حركة الفلك لتعيين المدة المعلومة عند الله ، وكان عند أول خلق الزمان بحركته ، خلق الروح المدبرة روح محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم صدرت الأرواح عند الحركات ، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة ، وأعلمه الله بنبوته وبشره بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين ، وانتهى الزمان بالاسم الباطن في حق محمد صلى الله عليه وسلم إلى وجود جسمه و ارتباط الروح به اتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر ، فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بذاته جسما وروحا ، فكان الحكم له باطنا أولا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين ، فكان روح محمد صلى الله عليه وسلم هو الممد لجميع الأنبياء والرسل والأقطاب من حين النشء الإنسائي إلى يوم القيامة، 
تم صار الحكم له ظاهرا فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر ، البيان اختلاف حكم الاسمين ، وإن كان المشرع واحدة ، وهو صاحب الشرع ، فإنه قال « كنت نبيا » وما قال « کنت إنسانا ، ولا «کنت موجودة » وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله ، فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا ، وكان تأثيره صلى الله عليه وسلم بظهور جسمه أقوى في بعثه منه إذ كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، فإنه نسخ بصورة بعثته جميع الشرائع كلها ، ولم يبق الشريعة حكم سوى ما أبقى هو منها ، من حيث هي شرع له ، لا من حيث ما هي شرع فقط ، فكانت استدارته انتهاء دورته بالاسم الباطن وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر ، فقال إن الزمان استدار كهيئته يوم خلقه الله ، في نسبة الحكم لنا ظاهرا ، كما كان في الدورة الأولى منسوبة إلينا باطنة ، أي إلى محمد وفي الظاهر منسوبة إلى من نسبة إليه من شرع إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل ، ولما كانت العرب تنسا الشهور ، فلهذا قال في اللسان الظاهر « إن الزمان قد استدار

ص 425


* * * * *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
کهيئته يوم خلقه الله ، كذلك استدار الزمان فأظهر محمدا صلى الله عليه وسلم جسما وروحا بالاسم الظاهر حسا ، فنسخ من شرعه المتقدم ما أراد الله أن ينسخ منه، وابقى ما أراد الله أن يقي منه ، وذلك من الأحكام الخاصة لا الأصول ، 
فالأنبياء عليهم السلام حجبة محمد صلى الله عليه وسلم من آدم عليه السلام إلى آخر نبي ورسول ، 
وإنما قلنا إنهم حجبته لقوله صلى الله عليه وسلم « آدم فمن دونه تحت لوائي » فهم نوابه في عالم الخلق - وهو روح مجرد عارف بذلك قبل نشأة جسمه ، قيل له « متى كنت نبيا » 
فقال « کنت نبيا و آدم بين الماء والطين » أي لم يوجد آدم بعد ، إلى أن وصل زمان ظهور جسده المطهر مع ، فلم يبق حکم لنائب من نوابه ، وهم الرسل ، فقرر من شرعهم ما شاء بإذن سيده ومرسله ، ورفع من شرعهم ما أمر برفعه و نسخه ، 

وربما قال من لا علم له بهذا الأمر « إن موسى عليه السلام كان مستقلا مثل محمد بشرعه » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  « لو كان موسی حیا ما وسعه إلا أن يتبعني »، وصدق صلى الله عليه وسلم فإن أول إنسان أنشأه الله هو آدم من حيث النشأة الترابية ومن حيث المقام ، 
فآدم ومن دونه إنما هو وارث محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، لم يكن بعد موجودة ، 
فالنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا آدم - والصورة الآدمية الطبيعية الإنسانية لآدم - ولا صورة لمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آدم وعلى جميع النبيين ، فآدم أبو الأجسام الإنسانية ،
 ومحمد صلى الله عليه وسلم أبو الورثة من آدم إلى خاتم الأمر من الورثة ، ولهذا أوتي جوامع الكلم، ومنها علم الله آدم الأسماء كلها، فظهر حكم الكل في الصورة الآدمية والصورة المحمدية ، فهي في آدم أسماء وفي محمد صلى الله عليه وسلم كلم ، 
فكان قوله صلى الله عليه وسلم  « كنت تبية و آدم بين الماء والطين » يريد على علم بذلك ، 
فأخبره الله تعالی مرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام الإنسانية ، كما أخذ الميثاق من بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ، واستصحبه ذلك إلى أن وجد جسمه - في بلد لم يكن فيه موحد الله - ولم يزل على توحيد الله لم يشرك كما أشرك أهله وقومه إلى أن أرسله الله إلى الناس كافة ، فكان يذكر الله على كل أحيانه كما ذكرت عنه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقال صلى الله عليه وسلم 

ص 426


قال الشيخ رضي الله عنه :  (  مسميات أسماء آدم، فأشبه الدليل في تثليثه، "4" والدليل دليل لنفسه.
ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة ،"5"
 لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الموجودات 
"6" «حبب إلي من دنياكم ثلاث» بما فيه من التثليث، ثم ذكر النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة.
فابتدأ بذكر النساء و أخر الصلاة، وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها.
ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفته بربه، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه. لذلك قال عليه السلام «من عرف نفسه عرف ربه».
فإن شئت قلت بمنع المعرفة في هذا الخبر و العجز عن الوصول فإنه سائغ فيه، وإن شئت قلت بثبوت المعرفة.
فالأول أن تعرف أن نفسك لا تعرفها فلا تعرف ربك: والثاني أن تعرفها فتعرف ) 
………………………………………………….
عن نفسه ، وهو الصادق ، إنه تنام عينه ولا ينام قلبه ، فأخبر عن قلبه أنه لا ينام عند نوم عينه عن حسه ، فكذلك موته إنما مات حسا كما نام حسا ، وكما أنه لم بنم قلبه لم يمت قلبه ، فاستصحبته الحياة من حين خلقه الله ، وحياته إنما هي مشاهدة خالقه دائما لا تنقطع ، فكان محمد صلى الله عليه وسلم عين سابقة النبوة البشرية بقوله معرفة إيانا « کنت نبيا وآدم بين الماء والطين » وهو عين خاتم النبيين بقوله تعالی " ولكن رسول الله وخاتم النبيين " فبه بدء الأمر وختم ، فكان نبيا وآدم بين الماء والطين ، والطين ما خمرت طينته وما علم ، وأخرت طينته صلى الله عليه وسلم إلى أن جاءت دورة الميزان الذي عدل حين حكم ، فهو واضع الشرائع ورافعها روحا ونفسا وعقلا وحسا ، خط ذلك كله في اللوح المحفوظ القلم . 
الفتوحات ج 1 / 134 ، 143 ، 145 ، 109، 151 ، 243 ، 244 - ج 2 / 108 ، 168 ، 387 ،  - ج 3 / 413 ، 456 ، 457 ، 495 ، 497 ، 513 ، 22 - ج 4 / 331 

4 - يريد أن الدليل يتكون من مقدمتين ورابطة فهذه ثلاثة 

5 -  يريد إنشاء اسمه صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أحرف من غير تكرار وهي الميم والحاء والدال.
راجع فص حكمة داودية فص 17، رقم 3، ص 276.

"" 3 - حروف اسم داود عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم - فص 17، رقم 3، ص 276.
لما كان داود عليه السلام في دلالة اسمه عليه أشبه بني آدم با دم في دلالة اسمه عليه ، صرح الله بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم ، الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى الله به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ، وجعل قلبه واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبته في الأسماء ، وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم  ثلثيه أيضا وهو الميم والدال ، غير أن محمدا متصل كله ، والحرف الذي لا يقبل الاتصال البعدي جعل آخرة ، حتى يتصل به ، ولا يتصل هو بشيء بعده .
فناسب محمد آدم عليهما الصلاة والسلام من وجهين : 
الأول مناسبة النقيض بالاتصال بادم و آدم له الانفصال كداود ، والميم من آدم کالدال من محمد فجاءتا آخرا لذلك ، أعني في آخر الاسم منهما . 
والثاني مناسبة النظير التي بين آدم ومحمد. في كون الحق علم آدم الأسماء كلها ، وأعطى محمدا من جوامع الكلم ، وعمت رسالته كما عم التناسل من آدم في ذريته.
 فالناس بنو آدم ، والناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من تقدم منهم ومن تأخر.
فتوحات ج 4 / 100    ""

6 - المحبة التي هي أصل الموجودات 
راجع فص 1 ، رقم 2، ص 25

""2 - محاضرة الأسماء و تحاورها     - فص 1 ، رقم 2، ص 20
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشکور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.

فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له کن مکنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادکم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
 فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممکنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربکم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم کلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام.
المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
 وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
 فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
 قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , كتاب إنشاء الجداول والدوائر. ""




ص 427



ربك. "7"
فكان محمد صلى الله عليه وسلم أوضح دليل على ربه، فإن كل جزء من العالم دليل 
…………………………………….
7 - «من عرف نفسه عرف ربه » - الحديث
جاء صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بمن، وهي نكرة فعم كل عارف، وعلق المعرفة بالرب، فالعلم به تعالی موقوف على العلم بنا ، أي أن المعرفة بالله ما لها طريق إلا المعرفة بالنفس ، فجعلك دليلا ، أي جعل معرفتك بك دليلا على معرفتك به ، أو جعلك دليلا عليه فعلمته ، فإما بطريقة ما وصفك بما وصف به نفسه من ذات وصفات ، وجعله إياك خليفة نائبا عنه في أرضه ، وإما بما أنت عليه من الافتقار إليه في وجودك ، وإما الأمران معا ، لابد من ذلك ، 
فإنك لو علمت نفسك علمت ربك ، كما أن ربك علمك وعلم العالم بعلمه بنفسه ، وأنت صورته فلابد أن تشاركه في العلم ، فتعلمه من علمك بنفسك ، إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه ، وجعلنا دليلا عليه فقدم معرفة الإنسان نفسه لأنه عين الدليل ، ولابد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول ، فجعل صلى الله عليه وسلم نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة الله ، 
فعلمنا به فرع عن علمنا بنا ، إذ نحن عين الدليل ، فمن عرف نفسه خلقا موجودا عرف الحق خالقا موجدا ، فإن الحق تعالی انتسب إلينا إيجادا واتسبنا إليه وجودا ، ومن عرف أنه لم تزل عينه في مكانها عرف ربه بأنه الموجود في الوجود ، ومن عرف التغييرات الظاهرة في الوجود أنها أحكام استعداد الممکنات عرف ربه بأنه عين مظهرها ، ومن عرف نفسه بأنه لا يماثله الحق عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق ، فيعرف نفسه معرفة ذوق ، فلا يجد في نفسه للألوهة مدخلا ، فيعلم بالضرورة أن الله لو أشبهه أو كان مثلا له لعرفه في نفسه ، وعلم بافتقاره أني ثم من يفتقر إليه ولا يمكن أن يشبهه ، فعرف ربه أنه ليس مثله
وقد تكون المعرفة بالله الحاصلة بعد المعرفة بالنفس علما بالعجز عن البلوغ إلى ذلك فيحصل العلم بأنه ثم من لا يعلم ، فعند العارفين ، الشرع أغلق في هذا القول باب العلم بالله لعلمه بأنه لا يصل أحد إلى معرفة نفسه ، فإن النفس لا تعقل مجردة عن علاقتها بهيكل تدبره ، منورا كان أو مظلمة ، فلا تعقل إلا كونها مدبرة ، ماهيتها

ص 428


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( على أصله الذي هو ربه فافهم. "8"
فإنما حبب إليه النساء فحن إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه،"9"
 فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق ) 
……………………………………..
لا تعقل ولا تشهد مجردة عن هذه العلاقة ، ولذلك الله لا يعقل إلا إلها ، غير إله لا يعقل ، فلا يتمكن في العلم به تجريده عن العالم المربوب ، وإذا لم يعقل مجردة عن العالم لا تعقل ذاته، ولا شهدت من حيث هي ، فأشبه الغلم به العلم بالنفس، والجامع عدم التجريد وتخليص حقيقة ذاته من العلاقة التي بين الله وبين العالم والعلاقة التي بين نفسك وبين بدنها ، وكل من قال بتجريد النفس عن تدبير هيكل ما فما عنده خبر بماهية النفس ، فما أظن والله أعلم أنه أمرنا بمعرفته وأحالنا على نفوسنافي تحصيلها ، إلا لعلمه أنا لا ندرك ولا نعلم حقيقة نفوسنا ونعجز عن معرفتنا بنا فنعلم أنا به أعجز فيكون ذلك معرفة به لا معرفة ، فمن عجز عن معرفة نفسه عجز عن معرفة ربه ، وقد تكون المعرفة بالشيء العجز عن المعرفة به ، فيعرف العارف أن هذا المطلوب لا يعرف . 
الفتوحات ج 1 / 63 ، 95 ، 112 ، 331 ، 328 ، 347 ، 353 ، 399 ، 472 ، 383 ، 591 ، 661 ، 695 .
ج 2 / 176 ، 153 ، 225 ، 243 ، 256 ، 298 ، 429 ، 470 ، 472 ، 479 ، 500 ، .
ج 3 /  / 44 ، 101 ، 109 ، 289 ، 301 ، 315 ، 363 ، 391 ، 401 ، 401 ، 404 ، 412 ، 503 ، 536 ، 544 ، 553 ، 556 ، 557 .
ج 4 / 91 ، 147 ، 423 ، 432 ، 416 ، 455 

8 - وله في كل شيء آية تدل على أنه واحد
راجع کتابنا شرح كلمات الصوفية ص 141 

"" وله في كل شيء آية تدل على أنه واحد  - کتاب شرح كلمات الصوفية ص 141 
فإن الحق هو المشهود بكل عين في نفس الأمر، ولا يعلم ذلك إلا آحاد من أهل اللّه،
وهو مثل قول الصديق: ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله فعرفته؛
فإذا ظهر ذلك الشيء لعينه المقيد، وقد رأى اللّه قبله، ميزه في ذلك الشيء، وعلم أن ذلك الشيء ملبس من ملابس الحق، ظهر فيه للزينة، فتلك زينة اللّه التي تزين بها لعباده، هذا مقام الصديق، فلا يتميز أهل اللّه من غيرهم إلا بالعلم بذلك، لأن الأمر في نفسه على ذلك، وعند العامة لا يكون ذلك إلا لأهل العناية المتحققين بالحق، وغيرهم هو عندهم خلق بلا حق.
(فتوحات ج 1/ 607 - ج 3/ 147).
قال اللّه تعالى لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ فإن قدّم صاحب الشهود نظره للّه على نظره لنفسه، فهو مقام الصديق «ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله»
وإن قدّم نظره في نفسه على نظره في ربه، كما قال صلى اللّه عليه وسلم «من عرف نفسه عرف ربه» وهو مقام من قال: ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه بعده؛ أي ما رأيت شيئا إلا وكان لي دليلا على اللّه.
(فتوحات ج 1/ 483)

ونحن نعلم قطعا أن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب، فلا تظن أن سؤال موسى رؤية ربه، أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه في قوله:
ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّه قبله؛ هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه، فإنها رؤية حاصلة له لعلو مرتبته، فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق،
فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا ونقلا لا عقلا، فإن رؤية اللّه تعالى من محارات العقول، ومما يوقف عندها، ولا يقطع عندها بحكم من أحكامها الثلاثة . الأحكام الثلاثة الوجوب والإمكان والمحال.

إذ ليس للأنبياء ولا للأولياء من أهل اللّه علم باللّه يكون عن فكر، قد طهرهم اللّه عن ذلك، بل لهم فتوح المكاشفة بالحق، فمن الناس من يفتح له بالإيمان العام، وهو مطالعة الحقيقة كأبي بكر، ومنهم من يفتح له بالإنباء العام الذي لا شرع فيه، وهذان الفتحان باقيان في هذه الأمة إلى يوم القيامة.

(فتوحات ج 3/ 116، 153). أهـ ""

9 - حنين الرجل إلى المراة
المرأة والرجل وإن اجتمعا في الإنسانية ولكن يتميزا بأمر عارض عرض لهما وهو الذكورية للرجل والأنوثة للمرأة ، وخلقت منفصلة عنه ليحن إليها حنين من ظهرت سيادته بها ، فهو يحبها محبة من أعطاه درجة السيادة ، وهي تحن إليه حنين الجزء إلى الكل ، وهو حنين الوطن لأنه وطنها ، مع ما يضاف إلى ذلك من کون کل واحد موضعا لشهوته والتذاذه . 
الفتوحات ج 1 / 679 

ص 429


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية «و نفخت فيه من روحي».
ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين «يا داود إني أشد شوقا إليهم» يعني المشتاقين إليه.
وهو لقاء خاص: فإنه قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت، فلا بد من الشوق لمن هذه صفته.
فشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم فيحب أن يروه و يأبى المقام ذلك. فأشبه قوله «حتى نعلم» مع كونه عالما.
فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت، فيبل بها شوقهم إليه كما قال تعالى في حديث التردد و هو من هذا الباب «ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد له من لقائي».
فبشره وما قال له لا بد له من الموت لئلا يغمه بذكر الموت.
و لما كان لا يلقى الحق إلا بعد الموت كما قال عليه السلام «إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت» لذلك قال تعالى «ولا بد له من لقائي».
فاشتياق الحق لوجود هذه النسبة:
يحن الحبيب إلى رؤيتي ... و إني إليه أشد حنينا
و تهفو النفوس و يأبى القضا ... فأشكو الأنين و يشكو الأنينا "10" )

……………………………………………..
10 - نسبة الشوق إلى الحق تعالی
هذا خبر لا علم لي بصحته ، فإنه لا علم لي به لا من الكشف ولا من رواية صحيحة ، إلا أنه مذکور مشهور ، فإن صح الخبر فإنه شوق كما يليق بجلاله ، وهو أن ينيلهم الراحة بلقاء من اشتاقوا إليه ، والوقت المقدر الذي لم يتبدل لم يصل ، فلابد من تأخر ما وقع الشوق الإلهي إليه .
والحنين للاشتياق ، والأنين للهيمان ، ولقاء الأحبة وفراقها مرتبط بسبق العلم وحلول الوقت وكرور الدور .
أبدا  تحن  إليكم  الأرواح   ….     ووصالكم ريحانها والراح 
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم …… وإلی زمان لقاكمو ترتاح 
وارحمنا للعاشقين تحملوا  ……  ثقل المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم …..   وكذا دماء البائحين تباح 
الفتوحات ج 2 / 173 ، 364 - الأعلاق - المسامرات .

ص 430

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما أبان أنه نفخ فيه من روحه، فما اشتاق إلا لنفسه.
ألا تراه خلقه على صورته لأنه من روحه؟
ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة في جسده أخلاطا، حدث عن نفخه اشتعال  بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته.
ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها.
فلو كانت نشأته طبيعية لكان روحه نورا.
وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا. "11"
فبطن نفس الرحمن فيما كان به الإنسان إنسانا.
ثم اشتق ) 
……………………………………...
11 - الأرواح المدبرة *
يراجع الباب الأول والثاني من كتاب التدبيرات الإلهية
التحقيق عندنا أن الأرواح المدبرة للصور كانت موجودة في حضرة الإجمال غير مفصلة لأعيانها ، مفصلة عند الله في علمه ، فكانت في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد ، فلم تتميز لأنفسها وإن كانت متميزة عند الله ، مفصلة في حال إجمالها ، فلما سوى الله صور العالم ، أي عالم شاء ، كان الروح الكلي كالقلم واليمين الكاتبة ، والأرواح كالمداد في القنم ، والصور منازل الحروف في اللوح . 
فنفخ الروح في صور العالم فظهرت الأرواح متميزة بصورها ، فقيل هذا زيد وهذا عمرو ، وهذا فرس وهذا فيل وهذه حية ، وكل ذی روح ، وما ثم إلا ذو روح ، لكنه مدرك وغير مدرك ، فمن الناس من قال إن الأرواح في اصل وجودها متولدة من مزاج الصورة ، ومن الناس من منع من ذلك ، والطريقة الوسطى ما ذهبنا إليه .  الفتوحات ج 3 / 12
ويظهر في هذه الفقرة الالتباس الذي وقع لكاتبها بين النفس والروح ، فری ذلك من كلام الشيخ رضي الله عنه حيث يقول في الأرواح في . الفتوحات ج 2 / 67.

اعلم أن أول ما خلق الله العقل وهو الذي ظهرت منه هذه العقول بوساطة هذه النفوس الطبيعية ، وسماه الله في كتابه العزيز الروح وأضافه إليه فقال في حق النفوس الطبيعية وحق هذا الروح وحق هذه الأرواح الجزئية التي لكل نفس طبیعية « فإذا سويته و نفخت فيه من روحي » وهو هذا العقل الأكبر .

ص 431


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( منه شخصا على صورته سماه امرأة، فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه، و حنت إليه حنين الشيء إلى ) 
………………………………………….
أما عن النفس بسكون الفاء فيقول في. الفتوحات ج 2 / 568.
 أول البرازخ في الأعيان وجود النفس الكلية ، فإنها وجدت عن العقل والموجد الله فلها وجه إلى سببها ، ولها وجه إلى الله فهي أول البرازخ ، 
فإذا علمت هذا ، فالنفس التي هي لطيفة العبد المدبرة هذا الجسم لم يظهر لها عين إلا عند تسوية هذا الجسد وتعديله ، فحينئذ نفخ فيه الحق من روحه ، فظهرت النفس بين النفخ الإلهي والجسد المسوي ، ولهذا كان المزاج يؤثر فيها ، وتفاضلت النفوس ، فإنه من حيث النفخ الإلهي لا تفاضل ، وإنما التفاضل في القوابل ، فلها وجه إلى الطبيعة ووجه إلى الروح الإلهي .
ويقول في الفتوحات ج 3/ 125: النفوس عن الطبيعة كانت ، فهي أمها وأبوها الروح 
ويقول في الفتوحات ج 2 / 503 : سمیت حقيقة الإنسان لطيفة لأنها ظهرت بالنفخ عند تسوية البدن للتدبير من الروح المضاف إلى الله في قوله « فإذا سويته ونفخت فيه من روحي » وهو النفس الإلهي ، فهو سر إلهي لطيف ينسب إلى الله على الإجمال من غير تكييف .
أما ما جاء في هذه الفترة من قوله " فلو كانت نشأته طبيعية "، فلا يصح نسبة هذا إلى الشيخ إذ هو القائل في الفتوحات ج 1 / 723  « عن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني في عالم الأجسام العلوي والسفلي »۰
وكيف أن ينسب إلى الشيخ قوله « فكان روح الإنسان نارا » وهو القائل في الفتوحات ج 2 / 354 :  الإنسان مجموع الطبع والنور ، فالطبع يطلبه والنور يطلبه ، وكلف النور أن يغتبن ويترك كثيرا مما ينبغي له وتطلبه حقیقته ، لما يطابه الطبع من المصالح ، وأمر النور الذي هو الروح أن يوفيه حقه ، وهو قوله صلى  لمن قال له من أبر ؟ 
قال « أمك » ثلاث مرات ، ثم قال له في الرابعة « ثم أباك » فرجح بر الأم على بر الأب ، والطبيعة الأم ۰۰۰ 
فهذا كله من حقوق الأم التي هي طبيعة الإنسان ، وأبوه هو الروح الإلهي وهو النور ، فإذا ترك أمورا كثيرا من محابه من حيث نوريته ، فإنه يتصف بأنه مضرور وهو مأمور بالصبر . 
راجع فص 15 هامش 19 - الطبيعة

"" 19  - الطبيعة هي نفس الرحمن     - فص 15 هامش 19 - الطبيعة
اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إليها .
فإن الرحمن لا يظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غيب فظهر لنفسه ، فكان فيه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحديث النبوي ) مثل العرش اليوم الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، وهو أول كثيف شفاف نوري ظهر.
فلما تمیز عمن ظهر عنه وليس غيره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء في الحديث - كان الله في عماء - » لأنه لا يكون ظرفا له إلا عينه ، فظهر حكم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جميع صور العالم ، وفيه ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ( البنت لا الأم) و الطبيعة (الأم) هي أحق نسبة بالحق مما سواها .
فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، وبهذا الحكم يكون نجلي الحق في الصور التي ذكرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .
فانظر في عموم حكم الطبيعة ، وانظر في قصور حكم العقل لأنه في الحقيقة صورة من صور الطبيعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبيعة ، وإنما جعل من جعل رنية الطبيعة دون النفس وفوق الهيولي لعدم شهوده الأشياء، وإن كان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه يعني بها الطبيعة ( البنت ) التي ظهرت بحكمها في الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهي بالنسبة إلى الطبيعة نسبة البنت إلى المرأة التي هي الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن كانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على كل من يولد عنها ،
وكذلك العناصر عندنا القريبة إلينا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هي طبيعة لما تولدت عنها ، فلهذا سميناها طبيعة ( أي البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقيقي العام الطبيعي الذي هو صورة من قوة الطبيعة ( الأم ) تجلى لما يظهر فيه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبية التي طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فكان العماء . 

فلو لم تكن الطبيعة - وهي موجود خامس هو أصل للأركان الأربع - نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية وبين الهيولي الكل ، فعن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد وجسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي ، فتركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة .
فالنشأة الطبيعية تحوي على الأسرار الإلهية ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة ، فجوهر العالم في النفس الرحماني الذي ظهرت فيه صور العالم . 

فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 ""


ص 432

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  نفسه، و حنت إليه حنين الشيء إلى وطنه. "12"
فحببت إليه النساء، فإن الله أحب من خلقه على صورته و أسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم و منزلتهم و علو نشأتهم الطبيعية. فمن هناك وقعت المناسبة.
والصورة أعظم مناسبة وأجلها و أكملها: فإنها زوج أي شفعت وجود الحق ،"13" . كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا.
فظهرت الثلاثة حق ورجل و امرأة، "14"
فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه. فحبب إليه ربه النساء كما أحب الله من هو على صورته.
فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، و قد كان حبه لمن تكون منه و هو الحق.
فلهذا قال «حبب» و لم يقل أحببت من نفسه لتعلق حبه بربه الذي هو على صورته حتى في محبته لامرأته، فإنه أحبها بحب الله إياه تخلقا إلهيا.
ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة  )
…………………………………………….
ومعلوم لدى الشيخ رضي الله عنه وغيره من العلماء أن النور والنار ينسب إلى الأجسام لا إلى الأرواح ولا النفوس ، فيقال أجسام نارية وأجسام نورية ذات أرواح ، وأما التعليل بقوله " ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها" ، فلا يصح نسبته أيضا إلى الشيخ .
راجع في ذلك فص 25 هامش 45
كل ما قدمنا يقطع بعدم صحة ما جاء في هذه الفقرة إلى الشيخ رضي الله عنده.

12 - «وجعل بينكم مودة ورحمة » الآية
الرحمة المجعولة هي ما يجده كل واحد من الزوجين من الحنان إلى صاحبه ؛ فيحن إليه ويسكن ، فمن حيث المرأة حنين الجزء إلى كله والفرع إلى أصله ، والغريب إلى وطنه ، وحنين الرجل إلى زوجته حنين الكل إلى جزئه لأنه به يصح عليه اسم الكل ، وبزواله لا يثبت له هذا الاسم ، وحنين الأصل إلى الفرع ، لأنه يمده ، فبالمودة والرحمة طلب الكل جزأه والجزء كله . الفتوحات ج 3 / 18.

13 - الظاهر في المظاهر موضوع المرايا فص 2، رقم 6، ص 45
وشفعت وجود الحق القديم بالوجود الحادث.

14 - نفس المعنى هامش 22 ، ص 442

ص 433


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، "15" 
و لهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، و لذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. )
……………………………………………...
15 ، 17 - حب النساء
ما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله « حبب » ولم يذكر من حبه إلا لمعنى ، فإنه لم يقل أحببت ، فذلك محبب إليه لا أنه أحبه من نفسه ، فكلامنا من كونه حبب إليه ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، فكان منقطعة إلى ربه لا ينظر معه إلى كون من الأكوان لشغله بالله عنه ، فإن النبي مشغول بالتلقي من الله ومراعاة الأدب فلا يتفرغ إلى شيء دونه ، فحبب إليه النساء فكان أكثر الأنبياء نكاحا ، وما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبب إليه النساء إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كانوا قد رزقوا منهن کتیرا کسليمان عليه السلام وغيره ، فأحبهن عناية من الله بهن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهن بكون الله حببهن إليه ، 
فكان من سنته صلى الله عليه وسلم النكاح لا التبتل ، وجعل النكاح عبادة ، للسر الإلهي الذي أودع فيه ، وليس إلا في النساء ، وذلك ظهور الأعيان عن الإنتاج ، فإن أعظم نعمة تكون النكاح لما فيه من إيجاد أعيان الأمثال ، فإن ذلك إيجاد النعم الموجدة للسكر ، ولذلك حبب الله إليه صلى الله عليه وسلم النساء وقواه على النكاح وأثنى على التبعل وذم التبتل ، ولما كان النساء محل التكوين و كان الإنسان بالصورة ( أي الصورة التي خلق عليها ) يقتضي أن يكون فعالا ، 
ولابد له من محل يفعل فيه ، ويريد لكماله أن لا يصدر عنه إلا الكمال ، كما كان في الأصل الذي أعطى كل شيء خلقه ، وهو كمال ذلك الشيء ، ولا أكمل من وجود الإنسان ولا يكون ذلك إلا في النساء اللاتي جعلهن الله محلا ، 
والمرأة جزء من الرجل بالانفعال الذي انفعلت عنه ، فحبب إلى الكامل النساء ، ولما كانت المرأة كما ذكرت عين ضلع الرجل ، فما كان محل تكوين ما كون فيها إلا نفسه ، فما ظهر عنه مثله إلا في عينه ونفسه ، فحبب إليه صلى الله عليه وسلم النساء لأنهن محل الانفعال لتكوين أتم الصور وهي الصورة الإنسانية التي لا صورة أكمل منها ، فما كل محل انفعال له هذا الكمال الخاص ، فلذلك كان حب النساء مما امتن الله به على رسوله ج ، حيث حببهن

ص 434

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه )
………………………………………………………………..
إليه مع قلة أولاده صلى الله عليه وسلم ، فإنهن محل الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال في كل نوع ، ولا شك أن الله ما أحب أعيان العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال ، فلما توجه عليها من كونه مريدا قال لها «کن» فكانت فظهر ملکه بها في الوجود ، وأعطت تلك الأعيان له حقه في ألوهنه فكان إلها فعبدته بعالی . وإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالی .

وحب النساء في هذا الحديث من الحب المطلق للنساء لا المقيد بشخص : وسبب الحب المطلق للنساء أن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصيری، فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها ، وهي صورة الحق ، فجعلها الحق مجلى له ، وإذا كان الشيء مجلي للناظر فلا برى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه ، فإذا رأى في هذه المرأة نفسه افتند حبه فيها وميله إليها ، لأنها صورته ، وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها ، 
فما رأى إلا الحق ، ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق ، وقابلها بذاته مقابلة المثلية ، ولذلك فني فيها ، فما من جزء فيه إلا وهو فيها ، والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتعلق کله بها ، 
فلذلك فني في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غيره ، وأما تعلقه صلى الله عليه وسلم امرأة خاصة في ذلك دون غيرها ، وهو الحب المقيد ، وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بينه و بينها في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي . 
فكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها أكتر من حبه جميع نسائه ، وهذه هي المناسبات الثواني التي تعين الأشخاص ، والسبب الأول هو الحب المطلق .
فحب النساء فريضة اقتداء برسول الله مع ، فحنين الكامل إليهن حنين الكل إلى جزئه كاستيحاش المنازل إلى ساكنيها التي بهم حياتها ، ولأن المكان الذي في الرجل الذي استخرجت منه المرأة عمره الله بالميل إليها ، فحنينه إلى المرأة حنين الكبير وحنوه على الصغير ، فحبهن من شفقة الإنسان على نفسه ، ولأنهن محل

ص 435

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. "16"
فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، و إذا شاهده في نفسه- من حيث ظهور المرأة عنه- شاهده في فاعل، و إذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة.
فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، و من نفسه من حيث هو منفعل خاصة.
فلهذا أحب صلى الله عليه و سلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا، فإن الله بالذات غني عن العالمين.
وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا ) 
…………………………………………………...
التكوين الصورة الكمال . 
أترى حبب الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبعده عن ربه ، لا والله ، بل حبب إليه ما يقربه من ربه . ولقد فهمت عائشة
أم المؤمنين ما أخذ النساء من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خيرهن ، فاختارته ، ولقد أبقى الله ملك اليمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة به بعد أن قال له «لا يحل لك النساء من بعد » لما جعل في قلبه من حب النساء ، وهذه من أشق آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن عرف فدر النساء وسرهن لم يزهد في حبهن ، بل من كمال العارف حبهن ، فإنه میراث نبوي وحب إلهي ، فإنه قال صلى الله عليه وسلم « حبب إلي » فلم ينسب حبه فيهن إلا إلى الله تعالى ، ومن أحب النساء حب النبي صلى الله عليه وسلم لهن فقد أحب الله ، فإن الله حبب النساء لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فما أحبهن طبعا ولكنه أحبهن بنحبيب الله إليه ، فهو عن تحبب لا عن حب طبيعي ، وما يعلم قدر النساء إلا من علم وفهم عن الله ما قاله في حق زوجتي رسول الله و عندما تعاونتا عليه وخرجتا عليه . 
الفتوحات ج 1 / 145 ، 444 - ج 2 / 49 ، 167 ، 190 ، 330 
الفتوحات ج 3 / 501 ، 503 ، 504 ، 55 - ج 4 / 84 ، 243 ، 269 ، 454 

16 - الاغتسال من الجنابة
الفناء يؤدي إلى عموم الطهارة ، فالغسل طهر يعم ، الغيبتك الكلية عن علم نكاح الصورتين المثلية العقلية والمثلية الشرعية ، « ليس كمثله شيء » مثلية عقلية ، « خلق الله آدم على صورته » مثلية شرعية .
راجع كتاب النزلات الموصلية

ص 436

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود و أكمله.
وأعظم الوصلة النكاح و هو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه نفسه "17"
فسواه وعدله و نفخ فيه من روحه الذي هو نفسه، فظاهره خلق وباطنه حق.
ولهذا وصفه بالتدبير لهذا الهيكل، فإنه تعالى به «يدبر الأمر من السماء» وهو العلو، «إلى الأرض»، و هو أسفل سافلين، لأنها أسفل الأركان كلها.
وسماهن بالنساء وهو جمع لا واحد له من لفظه، ولذلك قال عليه السلام «حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء» ولم يقل المرأة، فراعى تأخرهن في في الوجود عنه ، فإن النسأة هي التأخير قال تعالى «إنما النسيء زيادة في الكفر».
والبيع بنسيئة يقول بتأخير، ولذلك ذكر النساء.
فما أحبهن إلا بالمرتبة و أنهن محل الانفعال فهن له كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي و الأمر الإلهي الذي هو نكاح في عالم الصور العنصرية، و همة في عالم الأرواح النورية، و ترتيب مقدمات في المعاني للإنتاج.
و كل ذلك نكاح الفردية الأولى في كل وجه من هذه الوجوه.
فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي، و من أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة، فكان صورة بلا روح عنده، وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح و لكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى حيث كانت- لمجرد الالتذاذ،) 
……………………………………...
17 - راجع هامش 15

 18 - النكاح
النكاح أصل في الأشياء ، فله الإحاطة والفضل والتقدم ، ولهذا سرى النكاح في المعاني والمحسوسات ، فالمحيل أب ، والمستحيل أم . 
والاستحالة نكاح : والذي استحال إليها این ، فكل أب علوي فإنه مؤثر ، وكل أم سفلية فإنها مؤثر فيها ، وكل نسبة بينهما معينة نكاح وتوجه ، وكل نتيجة ابن ، فأول الآباء العلوية معلوم. وأول الأمهات السفلية شيئية المعدوم المسكن، وأول نکاح القصد بالأمر ، وأول ابن موجود عين تلك القيئية التي ذكرنا ، فهذا أب سار الأبوة ، وتلك أم سارية الأمومة : ودلك نکاح سار في كل شيء ، والنتيجة دائمة لا تنقطع في حق كل ظاهر العين ، فهدا يسمى عندنا النكاح الساري في جميع الذراري . يقول الله تعالى في الدليل على ما قلناه « إنما قولنا لشيء إذا أدرناه أن تقول له كن فيكون » ولنا فيه کتاب شریف،

ص 437

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ولكن لا يدري لمن.
فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم كما قال بعضهم:
صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعرفوا عشقي
لمن كذلك هذا أحب الالتذاذ فأحب المحل الذي يكون فيه وهو المرأة، ولكن غاب عنه روح المسألة. فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملا.
و كما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله «وللرجال عليهن درجة» "19"
نزل المخلوق )
………………………………………….
منيع الحمي ، البصير فيه أعمى ، فكيف من حل به العمي ، فالحق أوجد العالم عن ذات موصوفة بالقدرة والإرادة . فتعلقت الإرادة بإيجاد موجود ما وهو التوجه . متل اجتماع الزوجين ، فنفذ الاقدار ، فأوجد ما أراد ، فعين الممكن يسي أهلا . والتوجه الإرادي الحبي نكاحا ، والإنتاج إيجادة في عين ذلك الممكن وجودا ، والنكاح الغيبي هو نكاح المعاني والأرواح فأشبهت المقدمات النكاح من الزوجين بالوقاع ليكون منه الإنتاج .
الفتوحات  ج 1 / 39 - ج 2 / 167 ، 412 ، 413 ، 656 - ج 3 / 365 ، 516 .

19 - وللرجال عليهن درجة - « الآية »
لم يكن للرجال على النساء درجة من حيث الإنسانية ، ففضل الذكور على الإناث مفاضله عرضية لا ذاتية. وإنما الدرجة هي أن حواء منفعلة عن آدم مستخرجة متكونة من الضلع القصير ، والمنفعل لا يقوى قوة الفاعل ، ففصرت بذلك أن تلحق بدرجة من انفعلت عنه ، فلا تعلم من مرتبة الرجل إلا حد ما خلقت منه ، وهو الضلع، فقصر إدراكها عن حقيقة الرجل، فبهذا القدر يمتاز الرجال على النساء وقد تبلغ المرأة من الكمال درجة الرجل غير أن الغالب فضل عقل الرجل على عقل المراة ، لأنه عقل عن الله قبل عقل المرأة لأنه تقدمها في الوجود ، والأمر الإلهي لا ينكرر . 
فالمشهد الذي حصل للمتقدم لا سبيل أن يحصل للمتأخر ، فآدم أصل الحواء . \
فصح للأب الأول الدرجة عليها ، لكونه أصلا لها ، فالدرجة درجة الانفعال، فإنها لما انفعلت عنه كان له عليها درجة السبق ، فالمرأة محل الانفعال والرجل ليس كذلك ، ومحل الانفعال لا يكون له رتبة أن يفعل فلها النقص . 

الفتوحات ج 1 / 136 ، 679 - ج 2 / 471 - ج 3 / 353 

ص 438

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته.
فبتلك الدرجة التي تميز بها عنه، بها كان غنيا عن العالمين وفاعلا أولا، فإن الصورة فاعل ثان.
فما له الأولية التي للحق. فتميزت الأعيان بالمراتب: فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف. "20" 
فلهذا كان حب النساء لمحمد صلى الله عليه و سلم عن تحبب إلهي وأن الله «أعطى كل ) 
…………………………………...
20 - إثبات وجه جامع بين الواجب واتمكن محال *
إضافة إلى ما سبق من الفعل والانفعال الصورة قد تكون في اللسان الأمر والشأن . 
فقوله إن الله حلق آدم علی صورته أي على أمره وشأنه . 
فيدلك ذلك على أنه ما أراد بالصورة النشأة وإنما أراد الأمر والحكم ، فأظهر الحق في الوجود صورتين متماتلتين . كصورة النار في المرآة ، ما هي عينه ولا هي غيره . فظهر المقدار والشكل الذي لا يقبله الواجب الوجود لنفسه وهو الناظر في المرآة . فهو من حیب حقائفه هو هو . ومن دیب مقداره وشكله ما هو هو . وإنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه الذي هو المراد . فالإنسان يوازن بصورته حضرة موجده . ذاتا وصفة وفعلا . 
ولا يلزم من الورن الاشتراك في حقيقة الموزونين ، فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو منجه حديد ، فليس يشبهه في ذاته ولا صفنه ولا عدده ، فليعلم الإنسان أن لا يوزد بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة بجميع ما تحوي عليه بالأسماء الإلهية الي توجهت على إيجاده ، وأظهرت آتارها فيه ، وكما لم نكن مسنجة الحديد نوازد الذهب في حد ولا حقيقة ولا صورة عين ، كذلك العبد وإن خلفه الله على صورته ، فلا يجتمع معه في حد ولا حقيقة ، إذ لا حد لذاته . 
والإنسان محدود بحد ذاتي الا رسمي ولا لفظي، وكل مخلوق على هذا الحد، والإنسان أكمل المخلوقات واجمعها من حيث نشأته ومرتبته ، فيجب أن يزول عنه ما ينوهمه في الصورة من أنه ذات وأنت ذات ، وأنك موصوف بالحي العالم وسائر الصفات ، وهو كذلك ، فليس المراد بالصورة هذا ، فإن الله الخالق وأنت العبد المخلوق ، وكيف للصنعة أن نكون تعلم صانعها ، وإنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته ، وأنت

ص 439

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  شيء خلقه» و هو عين حقه.
فما أعطاه إلا باستحقاق استحقه بمسماه: أي بذات ذلك المستحق.
وإنما قدم النساء لأنهن محل الانفعال، كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة.
وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني، فإنه فيه انفتحت صور العالم أعلاه و أسفله لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم )
………………………………………………...
صنعة خالقك ، فصورت مطابقة لصورة علمه بك ، وهكذا كل مخلوق . ولو لم يكن الأمر كذلك وكان يجمعكما حد وحقيقة ، كما يجمع زيدا وعمرا لكنت أنت إلها . ويكون هو مألوها ، حتى يجمعكما حد واحد ، والأمر على خلاف ذلك . 
ولا تصح العبودية المحضة التي لا يشوبها ربوبية أصلا إلا للإنسان الكامل وحده ، ولا تصح ربوبية أصلا لا تشوبها عبودية بوجه من الوجوه إلا الله تعالى ، فالإنسان على صورة الحق من التنزيه والتقديس عن السوب في حقيقته . 
فهو المألوه المطلق ، والحق هو الإله المطلق ، وأعني بهذا الإنسان الكامل ، وما ينفصل الإنسان الكامل عن غير الكامل إلا برقيقة واحدة ، وهي أن لا يشوب عبوديته ربوبية أصلا.
أما عن أولية الحق فيقول الشيخ رضي الله عنه في قوله تعالى « هو الأول والآخر والظاهر والباطن » - الآية - اعلم أن الأزل عبارة عن نفي الأولية لمن يوصف به ؛ وهو وصف الله تعالى من كونه إلها . 
وإذا انتفت الأولية عنه من كونه إلها ، فهو المسی بكل اسم سسی به نفسه أزلا ، ولم يزل مسسي بهذه الأسماء ، وانتفت عنه أولية التقييد ، فسمع المسموع وأبصر البصر إلى غير ذلك وأعيان المسموعات منا والمبصرات معدومة غير موجوده، وهو يراها أزلا كما يعلمها أزلا، ويميزها ويفصلها از لا ولا عين لها في الوجود النفسي العيني . بل هي أعيان ثابتة في رتبة الإمكان ، فالإمكانية لها أزلا كما هي لها حالا وأبدا ، لم تكن قط واجبة لنفسها ثم عادت مسكنة ، ولا محالا ثم عادت ممكنة ، بل كان الوجوب الذاتي لله تعالى ازلا ، كذلك وجوب الإمكان للعالم أزلاء ، فالله في مرتبته بأسمائه الحسنى يسی منعوتأ وموصوفا بها ، فعين نسبة الأول له نسبة الآخر والظاهر والباطن ، لا يقال هو أول بنسبة كذا و آخر بنسبة كذا ، فإن الممكن مرتبط بواجب الوجود في وجوده وعدمه ارتباط 

ص 440

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الأجرام خاصة. "21"
وأما سريانها لوجود الأرواح النورية و الأعراض فذلك سريان آخر.
ثم إنه عليه السلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء فقال «ثلاث» ولم يقل «ثلاثة» بالهاء الذي هو لعدد الذكران، إذ وفيها ذكر الطيب وهو مذكر، وعادة العرب أن تغلب التذكير على التأنيث فتقول «الفواطم )
………………………………………...
افتقار إليه في وجوده ، فإن أوجده لم يزل في مكانه ، وإن عدم لم يزل عن إمكانه ، فكما لم يدخل على الممكن في وجود عينه بعد أن كان معدوما صفة تزيله عن إمكانه ، كذلك لم يدخل على الخالق الواجب الوجود في إيجاده العالم وصف يزيله عن وجوب وجوده لنفسه ، فلا يعقل الحق إلا هكذا ولا يعقل الممكن إلا هكذا ، فأولية العالم وآخرته أمر إضافي ، فالأول من العالم بالنسبة إلى ما يخلق بعده ، والآخر من العالم بالنسبة إلى ما يخلق قبله ، وليس كذلك معقولية الاسم الله الأول والآخر والظاهر والباطن ، فإن العالم يتعدد والحق واحد لا يتعدد ، ولا يصح أن يكون أولا لنا ، بل كان ينطلق علينا اسم الثاني لأوليته ولسنا بثان له تعالى عن ذلك ، فليس هو بأول لنا ، فلهذا كان عين أوليته عين آخريته ، فإن الله تعالى هو الأول الذي لا أولية لشيء قبله ، ولا أولية التي يكون قائمة به أو غير قائم به معه ، فهو الواحد سبحانه في أوليته فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو . 
الفتوحات ج 1 / 189 .
راجع فص 19، هامش 6، ص 256

"" 6 -  قوله تعالى « هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم » - فص 19، هامش 6، ص 256

اعلم أن الذات الأزلية لا توصف بالأولية ، وإنما يوصف بها الله تعالى ، فقوله : و هو "الأول " الضمير يعود على الله من « الله » في الآية السابقة ، والأول خبر الضمير الذي هو المبتدأ ، وهو في موضع الصفة لله ، ومسمى الله إنما هو من حيث المرتبة ، فهو الأول له منزلة الأولية الإلهية ، ومن هذه الأولية صدر ابتداء الكون ، ومنه تستمد كلها ، وهو الحاكم فيها ، وهي الجارية على حكمه وتفي السبب عنه ، فإن أولية الحق تمد أولية العبد، فإن الابتداء الأكوان شواهد فيها أنها لم تكن لأنفسها ثم كانت ، فمعقولية الأولية للواجب المطلق نسية وضعية لا يعقل لها العقل سوی استناد الممكن إليه ، فيكون أولا بهذا الاعتبار ،
ولو قدر أن لا وجود لممكن قوة وفعلا لاتفت النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا ، فلما كان أول مخلوق ظهر هو العقل أو القلم الإلهي كان الله الأول بالمرتبة فهو الأول بأولية الأجناس وأولية الأشخاص و « الآخر » فهو الآخر آخرية الأجناس لا آخرية الأشخاص ، فإليه يعود الأمر كله ، وقال « وإليه ترجعون » 
وقال « ألا إلى الله تصير الأمور » فهو الآخر كما هو الأول وكل مقام إلهي يتأخر عن مقام کوني فهو من الاسم الآخر مثل قوله تعالى : « فاذكروني أذكركم » 
وقوله : « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم » وقوله : « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا » 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : « فاتبعوني يحببكم الله » فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر ، وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين فهو تعالى « الأول » بالوجود « والآخر» في الشهود .
فالأول الحق بالوجود  ….   والآخر الحق بالشهود 
إليه عادت أمور کونی ….  فإنما الرب بالعبيد
فكل ما أنت فيه  ….  حق ولم تزل في مزيد 
وهو الإله الظاهر والباطن ، فإنه لما كان العالم له الظهور والبطون ، كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه ، والباطن لنسبة ما بطن منه ، وهو تعالى « الظاهر » لنفسه لا لخلقه فلا یدر که سواه أصلا ، وأما ما ظهر فإنما هو ظهور أحكام أسمائه الحسنی ، وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق ، وهو من وراء ما ظهر ، فلا أعياننا تدرك رؤية ، ولا عين الحق تدرك رؤية ، ولا أعيان أسمائه تدرك رؤبة : ونحن لا نشك أنا قد أدركنا أمرا ما رؤية ، وهو الذي تشهده الأبصار منا، فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق ، فكان مظهرا لها ، فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ، ما هي عين الرائي ، ولا هي عين المجلى ، « والباطن » البطون الذي يختص بنا كما يختص به الظهور ، وإن كان له البطون فليس هو باطن لنفسه ولا عن نفسه ، كما أنه ليس ظاهرا لنا ،
فالبطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا ، فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى ، فإنه ليس كمثله شيء ، ولا تدرك إلا الأمثال ، ولما كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى وهو الاسم الظاهر ، فالظاهر للصور والباطن للعين ، فالعين غيب أبدا ، والصورة شهادة أبدا ، وكل زيادة في العلم أي علم كان لا تكون إلا عن التجلي الإلهي ، فالتجلي الصوري يدرك بعالم الحس في برزخ التمثل الظاهر النفس ، وإذا وفع التجلي بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد ، وهو المعبر عنها بالنصوص ،
فالحق هو الظاهر الذي نشهده العيون والباطن الذي تشهده العقول ، فهو مشهود للبصائر والأبصار ، غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام الله ،
فتجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ،
وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أن لا يقع فيها تجل أبدا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأحوال العالم مع الله على ثلاث مراتب ، مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهر فلا يبطن عن العالم شيء من الأمر ، وذلك في موطن مخصوص ، وهو في العموم موطن القيامة ، ومرتبة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن فتشهده القلوب دون الأبصار ،
ولهذا يرجع الأمر إليه ، ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به من غير علم به ولا نظر في دليل ، فهذا من حكم نجليه سبحانه في الباطن ومرتبة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطن ، فيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به ، فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها فهو يتجلى بحسب استعدادهم ، فهو عند العارفين اليوم في الدنيا على حكم تجليه في القيامة ، فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود . 

وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ، ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين والباطن في حق هؤلاء المحجوبين ، وليس إلا هو سبحانه : فأهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالود دنیا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة وإن اختلفت الصور فلا يقدح ذلك عندهم .

راجع فتوحات ج 1 / 46 ، 166 ، 175 - ج 2 / 31 ، 56 ، 95 - ج 3 / 161 ، 178 ، 484 ، 541 - ج 4 / 299 ، 301 - ديوان. ""

من هذا يتضح عدم صحة ما جاء في هذه الفقرة « نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته ، وقوله " فإن الصورة فاعل ثان ، فما له الأولية التي للحق "، فإنه القائل « إثبات وجه جامع بين الواجب والممكن محال »
راجع کتابنا الرد على ابن تيمية من ص 43 إلى ص 48 .
فمن يقول ما أثبتناه هناك لا يمكن أن يقول أن المخلوق أنزل مرتبة من الخالق .

""رد ما قاله ابن تيمية من أن الشيخ الأكبر يجعل وجود المحدث عين وجود القديم کتاب الرد على ابن تيمية
أما المثال الذي أورده ابن تيمية في القديم والمحدث، مستدلا به على أن الشيخ الأكبر يذم الإمام الجنيد، فإن هذا الكلام غير موجود لا في الفتوحات المكية ولا في فصوص الحكم، ولا شك أن الإمام ابن تيمية دخل بين إمامين في علم الكشف والأذواق، وأقحم نفسه في علم لا يعرفه وليس له فيه قدم،
وإن كان الإمام من شيوخ الاسلام وإماما في الفقه، فلا أظن أن الإمام يعتقد في نفسه أنه إمام في كل فن وفي كل علم، ولو حاول هو ذلك بكلامه عن التصوف، والدليل على ذلك أن ابن تيمية يرد قول الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي فيما نسبة إلى الإمام الجنيد،
ويشرح فهمه من ذلك، وهو أن الشيخ الأكبر يقول: إن وجود المحدث هو عين وجود القديم؛ ويقول: إن الشيخ الأكبر ينكر التمييز بين القديم والمحدث وبين الخالق والمخلوق؛ وإليه ما يقوله الشيخ الأكبر في ذلك إن كان لم يعثر عليه، وهو في الفتوحات المكية.

الجزء الأول الصفحة 41: لا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات، لكن من حيث أن هذه الذات منعوتة الألوهة، فهذا حكم آخر تستقل العقول بإدراكه.
وفي الصفحة نفسها يقول: إثبات وجه جامع بين الواجب والممكن محال، فإن وجوه الممكن تابعة له، وهو في نفسه يجوز عليه العدم، فتوابعه أحرى وأحق بهذا الحكم، ويثبت للممكن ما ثبت للواجب بالذات من ذلك الوجه الجامع، وما ثم شيء ثبت للممكن من حيث ما هو ثابت للواجب بالذات، فوجود وجه جامع بين الممكن والواجب بالذات محال.

وفي الصفحة 46: أعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو، فنفسه علم ومن هو موجود عنه، غير ذلك لا يصح، لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه، وهذا في ذلك الجناب محال، فالعلم به محال، ولا يصح أن يعلم منه لأنه لا يتبعض، فلم يبق العلم إلا بما يكون منه، وما يكون منه هو أنت، فأنت المعلوم - لو علمته لم يكون هو، ولو جهلك لم تكن أنت، فبعلمه أوجدك، وبعجزك عبدته، فهو هو لهو لا لك، وأنت أنت لأنت وله، فأنت مرتبط به، ما هو مرتبط بك.

وفي الصفحة 366: فكما لا يكون الرب عبدا، كذلك لا يكون العبد ربا، لأنه لنفسه هو عبد، كما أن الرب لذاته هو رب، فلا يتصف العبد بشيء من صفات الحق بالمعنى الذي اتصف بها الحق، ولا الحق يتصف بما هو حقيقة للعبد. . (إلى أن يقول). . وينبغي للعبد أن لا تظهر عليه إلا العبادة المحضة. . (إلى أن يقول). . . واللّه ما عرف اللّه إلا اللّه، فلا تتعب نفسك يا صاحب النظر، ودر مع الحق كيفما دار، وخذ منه ما يعرفك به من نفسه، ولا تقس فتفتلس، لا بل تبتئس.

الجزء الثاني الصفحة 166: الإجماع هو ما أجمع عليه الرب والمربوب، في أن اللّه خالق والعبد مخلوق.

الجزء الثالث الصفحة 224: فمن كان من أهل هذه الأرض الواسعة، حيل بينه وبين الصورة التي خلق عليها، فكان عبدا محضا، شاهدا بشاهد الحق في عين ذاته، فالشهود له دائم، والحكم له لازم، وهؤلاء هم المسودون « أي لهم السيادة »،  
الوجه « الوجه: وجه الشيء ذاته، أي لهم السيادة الذاتية، بمجرد نظر الناس إليهم في الدنيا، وفي الآخرة يعرفون أن هؤلاء هم السادة.»
في الدنيا والآخرة، إذا علمت ذلك، فالرب رب والعبد عبد، فلا تغالط ولا تخالط.

الجزء الثالث الصفحة 231: فما الأمر إلا عبد ورب، فما هو إلا أنت وهو، فالطائع مهتد، والعاصي حائر بين ما أريد منه وما أمر به.

الجزء الثالث الصفحة 371: كل ضدين وإن تقابلا أو مختلفين من العالم، فلا بد من جامع يجتمعان فيه، إلا العبد والرب، فإن كل واحد لا يجتمع مع الآخر في أمر ما من الأمور جملة واحدة، فالعبد من لا يكون فيه من الربوبية وجه، والرب من لا يكون فيه من العبودية وجه، فلا يجتمع الرب والعبد أبدا، وغاية صاحب الوهم أن يجمع بين الرب والعبد في الوجود، وذلك ليس بجامع، فإني لا أعني بالجامع إطلاق الألفاظ، وإنما أعني بالجامع نسبة المعنى إلى كل واحد على حد نسبته إلى الآخر، وهذا غير موجود في الوجود المنسوب إلى الرب والوجود المنسوب إلى العبد، فإن وجود الرب عينه، ووجود العبد حكم يحكم به على العبد، ومن حيث عينه قد يكون موجودا وغير موجود، والحد في الحالين على السواء في عينه، فإذا ليس وجوده عينه، ووجود الرب عينه، فينبغي للعبد أن لا يقوم في مقام يشم منه فيه روائح ربوبية، فإن ذلك زور وعين جهل.
وهذا الكلام الصريح من الشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في هذه الأسطر البيّنة، يرد ما جاء في قول الإمام ابن تيمية من أن الشيخ الأكبر أنكر التمييز بين القديم والمحدث، وبين الخالق والمخلوق، ويرد فهم ابن تيمية بأن الشيخ الأكبر يعني أن وجود المحدث هو عين وجود القديم.

وفي الجزء نفسه الصفحة 374: وقد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه، فتعلم من أنت ومن الحق، فيتميز الرب من العبد.

وفي الصفحة 378 يقول: فلا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه، فالعبد عبد لنفسه، والرب رب لنفسه، فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها، فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شيء، والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها، فيعرف أنه ليس فيها من العبودية شيء، وإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا، تطلق على اللّه وتطلق علينا، ونعلم قطعا بعلمنا برتبتنا وبعلمنا برتبة الحق، أن نسبة تلك الأسماء - التي وقع في الظاهر الاشتراك في اللفظ بها - إلى اللّه غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، وما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا، فمن لزم رتبته منا فما جنى على نفسه، بل أعطى الأمر حقه.

وفي الجزء الثالث الصفحة 408: اعلم أن الحكمة في الأشياء كلها والأمور أجمعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، وأعظم المراتب الألوهية، وأنزل المراتب العبودية، فما ثمّ إلا مرتبتان، فما ثمّ إلا رب وعبد، لكن للألوهة أحكام، كل حكم منها يقتضي رتبة،
فإما يقوم ذلك الحكم بالإله، فيكون هو الذي حكم على نفسه، وهو حكم المرتبة في المعنى، ولا يحكم بذلك الحكم إلا صاحب المرتبة، لأن المرتبة ليست وجود عين، وإنما هي أمر معقول، ونسبة معلومة محكوم بها، ولها الأحكام، وهذا من أعجب الأمور، تأثير المعدوم، وإما أن يقوم ذلك الحكم بغيره في الموجود،
إما أمرا وجوديا وإما نسبة، فلا تؤثر إلا المراتب، وكذلك للعبودة أحكام، كل حكم منها رتبة، فإما يقوم ذلك الحكم بنفس العبد، فما حكم عليه سوى نفسه، فكأنه نائب عن المرتبة التي أوجبت له هذا الحكم، أو يحكم على مثله أو على غيره،
وما ثمّ إلا مثل أو غير في حق العبد، وأما في الإله فما ثمّ إلا غير لا مثل، فإنه لا مثل له،

فأما الأحكام التي تعود عليه من أحكام الرتبة: وجوب وجوده لذاته، والحكم بغنائه عن العالم، وإيجابه على نفسه بنصر المؤمنين بالرحمة، ونعوت الجلال كلها التي تقتضي التنزيه، ونفي المماثلة،
وأما الأحكام التي تقتضي بذاتها طلب الغير: فمثل نعوت الخلق كلها، وهي نعوت الكرم والإفضال والجود والإيجاد، فلا بد فيمن؟ وعلى من؟ فلا بد من الغير، وليس إلا العبد،
وما منها أثر يطلب العبد، إلا ولا بد أن يكون له أصل في الإله، أوجبته المرتبة، لابد من ذلك، ويختص تعالى بأحكام من هذه المرتبة لا تطلب الخلق كما قررنا، ومرتبة العبد تطلب من كونه عبدا أحكاما، لا تقوم إلا بالعبد من كونه عبدا خاصا، فهي عامة في كل عبد لذاته، ثم لها أحكام تطلب تلك الأحكام وجود الأمثال، ووجود الحق.

الجزء الثالث الصفحة 356: فثبت أنه ما ثمّ إلا حق لحق وحق لخلق، فحق الحق ربوبيته، وحق الخلق عبوديته، فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا، فإن النعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة، ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا.

الجزء الثالث الصفحة 397: إن كل ما سوى الحق عرض زائل وغرض ماثل، وإنه وإن اتصف بالوجود - وهو بهذه المثابة في نفسه - في حكم المعدوم، فلا بد من حافظ يحفظ عليه الوجود، وليس إلا اللّه تعالى، ولو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للنسب، لكان العالم مساوقا للحق في الوجود، وليس كذلك، فالنسب حكم للّه أزلا، وهي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم، وليس ذلك إلا لنسبة المشيئة وسبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجحا على عدمه، والوجود المرجح لا يساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح.

ويقول في الجزء الثالث الصفحة 443: راجع قول الإمام ابن تيمية عن الحق والخلق ص 96.

الجزء الثالث الصفحة 506: تقدم حديث العماء وأن فيه انفتحت صور العالم، والذي يقوم عليه الدليل، أن كل شيء سوى اللّه حادث ولم يكن ثم كان، فينفي الدليل كون ما سوى اللّه، في كينونة الحق الواجب الوجود لذاته.

الجزء الثالث الصفحة 566: إن الأمر واحد في نفسه، فقد يتخيل العبد أن عينه الثابتة في العدم، ربما حصل لها الوجود، لما رآه من حكم عينها في وجود الحق، حتى انطلق عليه اسم هذا العين، وما علم أن الوجود وجود الحق، والحكم حكم الممكن، مع ثبوته في عدمه، فلما تخيل بعض الممكنات هذا التخيل، من اتصافه بالوجود، حكم بأنه قد شارك الحق في الوجود، وهو قد جهل في إمكانه نفسه، وأن جميع الممكنات مثله في هذا الحكم، فما ثمّ إلا أحدية مجردة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، فالأسماء والأحكام للممكنات، والوجود للحق تعالى.

الجزء الرابع الصفحة 226: اعلم أن الوجود قد انقسم في ذاته، إلى ما له أول وهو الحادث، وإلى ما لا أول له وهو القديم، فالقديم منه هو الذي له التقدم، ومن له التقدم له الرفعة، والحدوث له التأخر، ومن تأخر فله الانخفاض عن الرفعة، التي يستحقها القديم لتقدمه «ألا يكفي هذا النص الإمام ابن تيمية في تعريف الحادث والقديم».

الجزء الرابع الصفحة 314: فإنه (يعني الحق) لا يحمد ولا يمجد إلا بأسمائه، ولا تعقل مدلولات أسمائه إلا بنا، فلو زلنا نحن ذهنا ووجودا، لما كان ثمّ ثناء ولا مثن ولا مثنى عليه، فبي وبه كان الأمر وكمل، ومع هذا فهو غني عن العالمين، إذا لم يطلب كمال الأمر، فهو الكامل لنفسه وعينه وكونه، لأنه واجب الوجود لنفسه، لا تعلق له بالعالم لذاته،
وإنما كان التعلق من حيث أعيان الممكنات، لأنها تطلب نسبا تظهر بها عينها، وما ثمّ موجود تستند إليه هذه النسب إلا واحد، وهو اللّه الواجب الوجود لنفسه تعالى، فافتقرت إليه إضافات النسب، وافتقرت الممكنات إلى النسب، فافتقرت إليه، فهي أشد فقرا من النسب، فصح غناه عن العالم لذاته وعينه،
ولذلك نقول في التقسيم العقلي: إن الوجود طلب الكمال، والمعرفة طلبت الكمال، ولم تجد من بيده مطلوبها إلا الحق سبحانه، فافتقرت إليه في ذلك، فأوجد الحادث الذي هو عين الممكن، فكمل الوجود، أي كمل أقسام الوجود في العقل، وكذلك تعرّف إلى العالم فعرفوه بمعرفة حادثة، فكملت المعرفة به في التقسيم العقلي.

الجزء الرابع الصفحة 438: الوجود منقسم بينك وبينه، لأنه مقسوم بين رب وعبد، فالقديم الرب والحادث العبد، والوجود أمر جامع لنا.
وجاء في كتاب التراجم للشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في ترجمة الكثيب.
ما ثمّ إلا حق وخلق، كل ما أقبلت على شيء أعرضت عن أمر آخر.
وجاء في كتاب المسائل للشيخ رضي اللّه عنه: لا يصح أن يجتمع الحق والخلق في وجه أبدا من حيث الذات.
وفيه يقول - وكيف للممكن أن يصل إلى معرفة الواجب بالذات، وما من وجه للممكن إلا ويجوز عليه العدم والدثور، فلو جمع بين الحق الواجب لذاته وبين العالم وجه، لجاز على الحق ما جاز على العالم من ذلك الوجه من الدثور، وهذا محال، فإثبات وجه جامع بين الحق والعالم محال.
وفيه أيضا يقول: ومن هنا زلت أقدام طائفة عن مجرى التحقيق،
فقالت: ما ثمّ إلا ما ترى، فجعلت العالم هو اللّه، واللّه نفس العالم ليس أمرا آخر، وسببه هذا المشهد لكونهم ما تحققوا به تحقق أهله، فلو تحققوا به ما قالوا بذلك، وأثبتوا كل حق في موطنه، علما وكشفا، فاترك تأويل الأخبار الواردة بالتشبيه لمن وصف بها نفسه، إذا لم تكن من أهل هذا الكشف والتحقيق، ولا تحمله عليك أصلا، فإنك تبطل أصلك، حيث تعتقد نفي التشبيه وما زلت منه، ولكن تركت التشبيه بالمخلوق المركب وأثبته بالمخلوق المعقول، وأنّى للممكن أن يجتمع مع الواجب بالذات في حكم أبدا.
ويقول في كتاب التراجم، ترجمة الإجابة:
معرفة الحق في وهبه، ولك التلقي، فبينك وبين الوهب مناسبة الكون، فمن الحق تعرف الحق لا من الخلق، وبالحق تعرف الحق لا بك، فالزم الحق للحق تجد الحق، فلا تطلب الحق من الطرق، فما ثمّ طريق إليه، لارتفاع الارتباط بين الحدوث والقدم.

ويقول في باب ترجمة الوجود من كتاب التراجم:
شأن القدم والحدوث ضدان، فإن سعدت فاشكر اللّه، وإن شقيت فلم نفسك أدبا.


وقد أوردت هذه النصوص، تأكيدا على أن فهم الإمام ابن تيمية من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، أن وجود المحدث هو عين وجود القديم، ليس مقصودا لكلام الشيخ الأكبر، ولولا مخافة التطويل لأوردت من النصوص ما يحدد معنى وحدة الوجود، التي يخبط فيها الكثير خبط عشواء، ولا يفهمون لها معنى، ولا ماذا قصد القائلون بها، ولعل هذه النصوص تعطي بعض الضوء على معنى وحدة الوجود ، التي هي أم المشاكل عند كثير ممن يتهمون الشيخ الأكبر وأمثاله بالحلول والاتحاد، فلا هم فهموا القول ولا هم سلموه لقائله . أهـ. ""

21 - هو المراد بالنكاح هامش 18، ص 437
الطبيعة نفس الرحمن - فص 15، رقم 19، ص 237

ص 441

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وزيد خرجوا» ولا تقول خرجن. فغلبوا التذكير وإن كان واحدا- على التأنيث وإن كن جماعة.
وهو العربي، فراعى صلى الله عليه و سلم المعنى الذي قصد به في التحبب إليه ما لم يكن يؤثر حبه.
فعلمه الله ما لم يكن يعلم و كان فضل الله عليه عظيما.
فغلب التأنيث على التذكير بقوله ثلاث بغير هاء. فما أعلمه صلى الله عليه و سلم بالحقائق، وما أشد رعايته للحقوق! ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر.
فبدأ بالنساء و ختم بالصلاة و كلتاهما تأنيث، و الطيب بينهما كهو في وجوده، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها و بين امرأة ظهرت عنه، فهو بين مؤنثين: تأنيث ذات و تأنيث حقيقي. "22"
كذلك النساء تأنيث حقيقي و الصلاة تأنيث غير حقيقي، والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود عنها و بين حواء الموجودة عنه و إن شئت قلت الصفة فمؤنثة أيضا، و إن شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا. "23"
فكن على أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم. والعلة مؤنثة.
وأما حكمة الطيب و جعله بعد النساء، فلما في النساء من روائح التكوين، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب.
كذا قالوا في المثل السائر. و لما خلق عبدا بالاصالة لم يرفع رأسه قط إلى السيادة، بل لم يزل ساجدا واقفا مع كونه منفعلا حتى كون الله عنه ما كون.
فأعطاه رتبة الفاعلية في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة.
فحبب إليه الطيب: فلذلك جعله بعد النساء. فراعى الدرجات التي للحق في قوله «رفيع الدرجات ذو العرش» لاستوائه عليه باسمه الرحمن.
فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرحمة الإلهية: و هو قوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء»: والعرش وسع كل شيء، والمستوي الرحمن.
فبحقيقته يكون سريان الرحمة في العالم كما بيناه في غير موضع من هذا ) 
…………………………………………..
22 - هو ما ذكره في هامش 14 ص 433

23 - التذكير والتأنيث في الإلهيات
الإيجاد الإلهي بالقول وهو مذكر ، والإرادة وهي مؤنثة ، فأوجد العالم عن قول وإرادة ، فظهر عن اسم مذکر و مؤنث ، فقال « إنما قولنا لشيء » وشيء أنكر النكرات ، والقول مذکر "إذا أردناه" ، والإرادة مؤنثة ، «أن نقول له کن فیکون» فظهر التكوين في الإرادة عن القول ، والعين واحدة بلا شك.
الفتوحات ج 2 / 289 

ص 442

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو طيب، ومن حيث ما يحمد و يذم فهو طيب وخبيث. "27"
فقال في خبث الثوم هي شجرة أكره ريحها ولم يقل أكرهها.
فالعين لا تكره، و إنما يكره ما يظهر)            
……………………………………………………...
27 - افعال الله كلها حسنة
إن الأفعال كلها لله سواء تعلق بذلك الفعل ذم أو حمد ، فلا حكم لذلك التعلق بالتأثير فيما يعطيه العلم الصحيح ، فكل ما ينسب إلى المخلوق من الأفعال فهو فيه نائب عن الله ، فإن وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح. 
فإن الله يحب أن يمدح ، كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ننسبه إلى الله ، فإن من الأفعال ما علق الله الذم بفاعله والغضب عليه واللعنة وأمثال ذلك ، ومن الأفعال ما علق الله المدح والحمد بفاعله ، ووصف نفسه بأنه يحب المتصفین بها، كما أنه لا يحب الموصوفين بالأفعال التي علق الذم بفاعلها ، مع قوله « والله خلقكم وما تعملون » "والأمر كله لله" ، وقال « الا له الخلق والأمر » فالأدب من العلماء بالله أن تكون مع الله في جميع القرآن ، وما صح عندك أنه قول الله في خبر وارد صحيح ، فما نسب إلى نفسه بالإجمال نسبناه مجملا لا نفصله ، وما نسبه مفصلا نسبناه مفصلا وعيناه بتفصيل ما فصل فيه ، لا تزيد عليه ، وما أطلق لنا التصرف فيه تصرفنا فيه لنكون عبيدا واقفين عند حدود سیدنا و مراسمه ، وأعمال السعادة علاماتها أن يستعمل الإنسان في الحضور مع الله في جميع حركاته وسكنانه ، وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى الله تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود ،
لارتباط المذموم منها ، فإن نسبه إلى الله فقد أساء الأدب وجهل علم التكليف من تعلق ومن المكلف الذي قيل له افعل ، إذ لو لم يكن للمكلف نسبة إلى الفعل بوجه ما ، لما قيل له افعل ، وكانت الشريعة كلها عبثا ، وهي حق في نفسها ، فالاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد وظهرت الأفعال عن الخلق ، فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه ، وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر من الخفاء أن لا يعلمه كل أحد، فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسألة مع الخلق أخفى وأخفي ، فمن وقف على هذا العلم فهو من أعلى

ص 444


قال الشيخ رضي الله عنه :  (  منها. والكراهة لذلك إما عرفا بملاءمة طبع أو غرض، أو شرع، أو نقص عن كمال مطلوب و ما ثم غير ما ذكرناه. "28"
ولما انقسم الأمر إلى خبيث و طيب كما قررناه، حبب إليه الطيب دون الخبيث "29" 
ووصف الملائكة بأنها تتأذى بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفن ، فإنه مخلوق من صلصال )
………………………………………………...
علامات السعادة ، وفقد مثل هذا من علامات الشقاء ، وأريد بهذا سعادة الأرواح وشقاوتها المعنوية ، وأما السعادة الحسية والشقاوة فعلاماتها الأعمال المشروعة بشروطها وهو الإخلاص.
فالأعمال خلق الله مع كونها منسوبة إلينا ، فلم ينسبها إليه من جميع الوجوه ، قال تعالى « والله خلقكم وما تعملون » فخلق الله الأفعال كلها ، ثم قسمها إلى محمود ومذموم ، فانظر حيث يقيمك، 
"" فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت، فاستدرك بالإزالة والتفرغ والإنابة، وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب . 
فإن فعلت ما لا يرضي الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير، فأنت مأجور في هذه الشركة، بل هو حقيقة التوحيد، فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد، فإن لم تر العيب من نفسك، ولا رجعت عليها بالذم، ولا ندمت على فعلك، لم يصح لك توبة، وإذا لم تتب لم تكن محبوبا ولا تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا ولا في الآخرة.""

الفتوحات ج 1 / 348 - مواقع النجوم - رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات

28 - طهارة الأعيان
الأحكام لا تعلق بأعيان الأشياء ، وإنما تعلق بأعمال المكلفين . 
ولا أحكم بنجاسة المحرمات إلا أن ينص الشارع على نجاستها على الإطلاق ، وليس النص بالاجتناب نصا في كل حال ، فإن اجتنبناه فما أجتنبناه لنجاسته ، فإن كونه نجاسة حکم شرعي ، وقد يكون غير مستقذر عقلا ولا مستخبث ، فالنجاسات عوارض نسب ، والنسب أمور عدمية ، فلا أصل للنجاسة في الأعيان إذ الأعيان طاهرة بالأصل. 
إيجاز البيان - الفتوحات ج 1 / 381 ، 282 

29 - الطيب
لا يستعمل الطيب إلا لرائحته فهو من مدارك الأنفاس الرحمانية ، فيدفع التكريات ويرفع الهموم ويزيل الضيق والحرج ، ويؤدي إلى السعة والسراح والجولان في المعارف الإلهية ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، فالطيب محبوب لذاته، فأشبه الكمال ، وشرع الطيب للإحرام والإحلال فجعل الطيب في الحالين تنببها على طيب الأفعال .
الفتوحات ج 1 / 721 ، 743

ص 445

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( من حمإ مسنون أي متغير الريح. فتكرهه الملائكة بالذات، "30"
 كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد و هي من الروائح الطيبة.
فليس الورد عند الجعل بريح طيبة."31"
و من كان على مثل هذا المزاج معنى و صورة أضر به الحق إذا سمعه و سر بالباطل: و هو قوله «و الذين آمنوا بالباطل و كفروا بالله»، و وصفهم بالخسران فقال «أولئك هم الخاسرون ... الذين خسروا أنفسهم» *. فإن من لم يدرك الطيب من الخبيث فلا إدراك له.
فما حبب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا الطيب من كل شيء و ما ثم إلا هو.
وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شيء، لا يعرف الخبيث، أم لا؟ قلنا هذا لا يكون:
فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه و هو الحق ، فوجدناه يكره و يحب، و ليس الخبيث إلا ما يكره و لا الطيب إلا ما يحب.
والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين فلا يكون ثم مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شيء، بل ثم مزاج يدرك الطيب من الخبيث، مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه. هذا قد يكون. "32"
وأما رفع الخبث من العالم- أي من الكون- فإنه لا يصح. )
………………………………………..
30 - تأذي الملائكة بالروائح الخبيثة
اعلم أن الخلوف "خلوف فم الصائم " ليس للإنسان وإنما هو أمر تقتضيه الطبيعة للتعفين الذي يكون فيما يبقى في المعدة من فضول الطعام ، والملائكة ورجال الله لا يتأذون في مجالسة الصائم من خلوف فمه ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، ورد ذلك في روائح الثوم وأمثاله ، لا في خلوف فم الصائم.
الفتوحات ج 1 / 654

أما قوله "فتكرهه الملائكة بالذات" ، فالضمير في تكرهه يعود على الخبيث فإنه يستحيل أن يكون القصد منه العود على الإنسان.

31 - راجع طيب كل شيء بعده. هامش 32 التالى

32 - طيب كل شيء *
جاء في الحديث أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، ولا أدري هل أعطى الله أحدا إدراك تساوي الروائح بحيث أن لا يكون عنده خبث رائحة أم لا، هذا ما ذقناه من أنفسنا ولا ثقل إلينا أن أحدا أدرك ذلك بل المنقول

ص 446


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ورحمة الله في الخبيث و الطيب. والخبيث عند نفسه طيب والطيب عنده خبيث.
فما ثم شيء طيب إلا و هو من وجه في حق مزاج ما خبيث:
وكذلك بالعكس. وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة.
فقال «وجعلت قرة عيني في الصلاة» لأنها مشاهدة: وذلك لأنها مناجاة بين الله و بين عبده كما قال: «فاذكروني أذكركم». "33"
وهي عبادة مقسومة بين الله و بين عبده بنصفين: فنصفها لله )
……………………………………………..
عن الكمل من الناس وعن الملائكة التأذي بهذه الروائح الخبيثة ، وما انفرد بإدراك دلك طيبا إلا الحق ، هذا هو المنقول ، ولا أدري أيضا شأن الحيوان من غير الإنسان في ذلك ما هو ، لأني ما أقامني الحق في صورة حيوان غير إنسان . 
كما أقامني في أوقات في صورة الملائكة .
الفتوحات ج 1 / 603 .
هذا يخالف تماما ما جاء هنا وفي الهامش 31

33 - وجعلت قرة عيني في الصلاة « الحديث »
حبب إليه صلى الله عليه وسلم الصلاة لما فيها من الجمع بين الشهود والكلام ، لأنه مناج مع اختلاف الحالات المحصورة من قیام و رکوع وسجود وجلوس بقوله « وجعلت قرة عيني في الصلاة ، وما تعرض لسمعه ولا للكلام ، لأن ذلك معروف في العموم أن الصلاة مناجاة بقوله يقول العبد « كذا » فيقول الله « كذا » وأنها مقسمة بين الله وعبده المصلي نصفين ، كما ورد في الحديث ، وما كانت الصلاة كبيرة إلا على غير المساهد ، وعلى من لم يسمع قول الحق مجيبا لما يقوله العبد في صلاته ، فهو صلى الله عليه وسلم مصل عن شهود من وقف يناجيه بين يديه من حضرة التمثيل وموطنه ، لأن فيه خطابا وردا وقبولا ، ولا يكون ذلك إلا في شهود التمثيل ، فإنه موطن يجمع بين الشهود والكلام ، فإن الله في قبلة المصلي ، وقد قال « اعبد الله كأنك تراه ، ومن أعظم المقامات مقام النيابة عن الحق تعالى ، ولما كان المصلي نائبا عن الحق في قوله « سمع الله لمن حمده » الذي لا يكون إلا في الصلاة ، كانت مرتبة الصلاة عظيمة ، فحبيت إليه صلى الله عليه وسلم ، وما حبب إليه صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة " النساء والطيب والصلاة "، إلا للمناسبة بينه وبينها ، فإن المناسبات تقتضي ميل المناسب إلى المناسب . 
المراجع - هي نفسها في هامش 15
الفتوحات ج 1 / 145 ، 444 - ج 2 / 49 ، 167 ، 190 ، 330 
الفتوحات ج 3 / 501 ، 503 ، 504 ، 55 - ج 4 / 84 ، 243 ، 269 ، 454 

ص 447

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين: فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل.
يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي.
يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي.
يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي.
يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي.
فهذا النصف كله له تعالى خالص.
ثم يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين : يقول الله هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. فأوقع الاشتراك في هذه الآية.
يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين: يقول الله فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأول له تعالى.
فعلم من هذا وجوب قراءة الحمد لله رب العالمين. فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين الله و بين عبده.
ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني.
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه. فهذه مشاهدة ورؤية.
فإن لم يكن ذا بصر لم يره. فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا.
فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، و يلقي السمع لما يرد به عليه الحق . فإن كان إماما لعالمه الخاص به )
…………………………………….
34 - قراءة الفاتحة في الصلاة
الصلاة جامعة بين الله والعبد في قراءة فاتحة الكتاب ، ومن هنا يؤخذ الدليل اتها على المصلي في الصلاة ، فمن لم يقرأها في الصلاة فما صلي الصلاة التي
، بينه وبين عبده ، فإنه ما قال قسمت الفاتحة ، وإنما قال قسمت الصلاة اللام اللتين للعهد والتعريف ، فلما فسر الصلاة المعهودة بالتقسيم جعل قسمة قراءة الفاتحة ، وهذا أقوى دليل يوجاء في فرض قراءة الحمد في ة ، والذي أذهب إليه وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وإن تركها لم تجزه ه ، فقراءة أم القرآن في الصلاة واجبة إن حفظها ، وما عداها من القرآن ما فيه .
الفتوحات ج 1 / 413 - ج 3 / 173 
راجع وجعلت قرة عيني في الصلاة هامش 33

ص 448 

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين: فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل.
يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي.
يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي.
يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي.
يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي.
فهذا النصف كله له تعالى خالص.
ثم يقول العبد إياك نعبد و إياك نستعين : يقول الله هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. فأوقع الاشتراك في هذه الآية.
يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين: يقول الله فهؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل.
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأول له تعالى.
فعلم من هذا وجوب قراءة الحمد لله رب العالمين. فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين الله و بين عبده.
ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني.
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه. فهذه مشاهدة ورؤية.
فإن لم يكن ذا بصر لم يره. فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا.
فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، و يلقي السمع لما يرد به عليه الحق . فإن كان إماما لعالمه الخاص به  )
…………………………………….
34 - قراءة الفاتحة في الصلاة
الصلاة جامعة بين اللّه والعبد في قراءة فاتحة الكتاب، ومن هنا يؤخذ الدليل بفرضيتها على المصلي في الصلاة، فمن لم يقرأها في الصلاة فما صلى الصلاة التي قسمها اللّه بينه وبين عبده، فإنه ما قال قسمت الفاتحة وإنما قال قسمت الصلاة بالألف واللام اللتين للعهد والتعريف، فلما فسر الصلاة المعهودة بالتقسيم جعل محل القسمة قراءة الفاتحة، وهذا أقوى دليل يوجد في فرض قراءة الحمد في الصلاة، والذي أذهب إليه وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وإن تركها لم تجزه صلاته، فقراءة أم القرآن في الصلاة واجبة إن حفظها، وما عداها "من القرآن" ما فيه توقيت.
عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاث غير تمام».
الفتوحات ج 1 / 413 - ج 3 / 173 
راجع وجعلت قرة عيني في الصلاة هامش 33

ص 448 

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وللملائكة المصلين معه فإن كل مصل فهو إمام بلا شك، "36"
فإن الملائكة تصلي خلف العبد إذا صلى وحده كما ورد في الخبر فقد حصل له رتبة الرسل في الصلاة وهي النيابة عن الله.
إذا قال سمع الله لمن حمده، فيخبر نفسه ومن خلفه بأن الله قد سمعه فتقول الملائكة والحاضرون ربنا ولك الحمد. فإن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده. "37"
فانظر علو رتبة الصلاة وإلى أين تنتهي بصاحبها.
فمن لم يحصل درجة الرؤية في الصلاة فما بلغ غايتها و لا كان له فيها قرة عين، لأنه لم ير من يناجيه. فإن لم يسمع ما يرد من الحق عليه فيها فما هو ممن ألقى سمعه.
ومن لم يحضر فيها مع ربه مع كونه لم يسمع و لم ير، فليس بمصل أصلا، ولا هو ممن ألقى السمع و هو شهيد. "38"
وما ثم عبادة تمنع من التصرف في غيرها )
……………………………………………...
36 - كل مصل إمام
فحضور جماعة العبد مع الله تعالى في الصلاة واجب بلا شك فعلى كل عضو من أعضائه في الصلاة صلاة وأقل ما ينطلق عليه اسم الجماعة اثنان 
يقول الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ووصف نفسه بأنه يصلي علينا وقد أدخل نفسه مع العبد في الصلاة وكل يصلي مع ربه بلا شك فهو في جماعة بلا شك ويكون الحق إماما والعبد مأموما لأنه هو الذي يقيمه ويقعده ويكون العبد إماما في المناجاة فإن الله جعل ابتداء القول إليه فما ثم مصل فذا فإن غاب عن الحضور مع الله في هذه الصلاة فقد انفرد في هذه العبادة بنفسه دون ربه.
الفتوحات  ج 1 / 443

37 - راجع وجعلت قرة عيني في الصلاة هامش 33

38 - صلاة الكامل
يقوم العارف بين يدي الله لا يرى في وقوفه ولا في نكبيره غير ربه ، فيقبل على المناجاة ، وفي هذا المقام يجب أن يكون العارف طاهرة ، وهذا الطهر إنما هو البراء من نفسه ورد الأمور كلها إلى الله ، فإن رأى أن طهر قلبه لمناجاة ربه بنفسه لم تحصل له الطهارة ، بل زاد د نسا إلى دنسه ، ثم يبدأ العارف الطاهر بمناجاة ربه بكلامه.

ولعلك تشتهي أن ترسم في التالين على الحق تعالی کتابه بأن تمر على حروفه وتكون فيه حالا مرتحلا ، وأنت لا نعقل معناه ولا تقف عند حدوده ، أو تتخيل أن يقول لك الحق تبارك وتعالی عند قولك « الحمد لله رب العالمين » حمدني عبدي ، لا والله يا بني ، ما يراجع الحق سبحانه وتعالى بقوله من « حمدني عبدي »

ص 449

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ما دامت- سوى الصلاة. وذكر الله فيها أكبر ما فيها لما تشتمل عليه من أقوال  )
…………………………………………………..
و « أثنى علي عبدي » إلا أهل الحضور معه عند التلاوة ، بأنه مناج نفسه بفعله ، والمناجي بإحاطته وذاته ، وأهل التدبر والتذكر لما أودع في كتابه العزيز من الأسرار والعلوم ، يفهم كل عبد على قدر مقامه وذوقه وكشفه ، بل أقول إن كل من قعد على منهج الاستقامة ، وكان حيلته الطاعة ، وكان اللسان صامتا عند تلاوة القرآن فإنه حامد لله بحاله ، شاكرا له بأفعاله ، 
ويقول الله فيه « حمدني عبدي » فإذا كان اللسان يقول « الحمد لله ، والقلب في الدكان أو في الدار أو في عرض من الأعراض ، متى عرف من هذه صفته أن يحمد الله ، وكيف ذلك والقلب غافل بما هو عليه عما جری به لسانه ، فإذا وفقك الله وتريد أن يسمع الحق جل اسسه منك تلاوتك ، ويرسمك في ديوان التالين ، ويقول لك على الكلمات و حمادني عبدي » فاعلم منازل التلاوة ومواطنها ، وكم التالين منك ، وذلك أن تعلم إن على اللسان تلاوة ، وعلى الجسم بجميع أعضائه تلاوة ، وعلى النفس تلاوة ، وعلى القلب تلاوة ، وعلى الروح تلاوة ، وعلى السر تلاوة ، وعلى سر السر تلاوة ، فتلاوة اللسان ترتيل الكلمات على الحد الذي رتب المكلف له ، وتلاوة الجسم المعاملات على تفصيلها في الأعضاء التي على سطحه ، وتلاوة النفس التخلق بالأسماء والصفات ، وتلاوة القلب الإخلاص والفكر والتدبر ، وتلاوة الروح التوحيد ، وتلاوة السر الاتحاد، راجع مفهوم الاتحاد عند الشيخ في كتابنا شرح كلمات الصوفية ص 99 - 107

وتلاوة سر السر الأدب ، وهو التنزيه الوارد عليه في الإلقاء منه جل وعلا ، فمن قام بين يدي سیده بهذه الأوصاف كلها فلم ير جزءا منه إلا مستغرقا فيه على ما يرضاه منه ، كان عبدا كليا ، 
وقال له الحق تعالی إذ ذاك « حمدني عبدي » أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قولا أو حالا ، فإن كان فيه بعض هذه الأوصاف وتعلقت غفاة ببعض التالين فليس بعبد کلیه ، ولا يكون فيه للحق تعالى من عبودية الاختصاص إلا على قدر ما اتصفت به ذاته ، فثم عبد يكون الله فيه السدس ولهواه ما بقى ، ولله  

ص 450

* * * * *
………………………………………………..
فيه الخمس ولهواه ما بقي، والربع والثلث والنصف ، على قدر ما يحضر منه مع الحق تعالی :
يقول العبد « إياك نعبد وإياك نستعين » فوحد بحرف الخطاب فجعله مواجها لا على جهة التحديد ولكن امتثالا لقول الشارع . 
قال صلى الله عليه وسلم للسائل عن الإحسان « آن تعبد الله كأنك تراه » فلابد أن تواجهه بحرف الخطاب وهو الكاف ، وإنما وحده ولم يجمعه لأن المعبود واحد ، وجمع نفسه بنون الجميع في العبادة والعون المطلوب ، لأن العابدين من العبد كثيرون ، وكل واحد من العابدين يطلب العون ، والمقصود بالعبادات واحد ، فعلى العين عبادة وعلى السمع عبادة ، وعلى البصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، فلهذا قال « نعبد » و « نستعين » بالنون ، فإذا نظر العالم إلى تفاصيل عالمه وأن الصلاة قد عم حكمها جميع حالاته ظاهرا وباطنا ، 
لم ينفرد بذلك جزء عن آخر ، فجميع عالمه قد اجتمع على عبادة ربه وطلب العون منه على عبادته ، فجاء بنون الجماعة في « نعبد » و « نستعين » فنرجم اللسان عن الجماعة كما يتكلم الواحد من الوفد بحضورهم بين يدي الملك . فعلم العبد من الحق لما أنزل عليه هذه الآية بإفراده نفسه أن لا يعبد إلا إياه ، ولما قيد العبد بالنون ، أنه يريد منه أن يعبده بكله ظاهرا وباطنا من فوی وجوارح ، ويستعين على ذلك الحد ، ومتى لم يكن المصلي بهذه المثابة من جمع عالمه على عبادة ربه لم يصدق في قوله « إياك نعبد وإياك نستعين » وهو مشغول في الالتفات ببصره والإصغاء إلى حديث الآخرين ، كان كاذبا في قراءته ، فإن الله ينظر إليه فيراه منلفا في صلاته أو مشغولا بخاطره وقلبه في دكانه وتجارته ، وهو مع هذا يقول « نعبد » فيقول الله له « كذبت » أين صدقك في قولك نعبد ؟ 
فيحضر العارف هذا كله في خاطره ويستحي أن يقول إياك نعبد لئلا يقول له كذبت ، فلابد أن يجتمع من هذه تلاوته على عبادة ربه حتى يقول له : صدقت في عبادني وطلب معوتني .


ص 451

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأفعال "39"
وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوحات المكية كيف يكون لأن الله تعالى يقول «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، لأنه شرع للمصلي ألا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها و يقال له مصل.
«و لذكر الله أكبر» يعني فيها: أي الذكر الذي يكون من الله لعبده حين يجيبه في سؤاله.
والثناء عليه أكبر من ذكر العبد ربه فيها، لأن الكبرياء لله تعالى."40"
ولذلك قال: «والله  )
…………………………………………...
ولاختلاف أحوال الذاکرین أعني البواعث لذكرهم ، فذاكر نبعثه الرغبة ، وذاكر تبعنه الرهبة ، وذاكر يبعثه التعظيم والإجلال ، أجاب الحق على أدنى مراتب العالم ، وهو الذي يتلو بلسانه ولا يفهم بقلبه لأنه لم يتدبر ما قاله - إذا كان التالي عالمة باللسان - ولا ما ذكره . فإن تدبر تلاوته أو ذكره كانت إجابة الحق له بحسب ما حصل في نفسه من العلم بما تلاه ، فتدبر ما نصصناه لك.
الفتوحات ج 1 / 416 ، 423 - مواقع النجوم .

39 - تكبيرة الإحرام في الصلاة
سميت التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ، أي يحرم على العبد في ص لاته أن يتصرف بعضو من أعضائه فيما ليس من الصلاة ، وكل ما أبيح له من الفعل فيها فهو من الصلاة ، ولكن لا من صلاة كل مصل إلا لمصل عرض له في صلاته من ذلك شيء تفعله مثل قتل العقرب والحية في الصلاة ، وهي الأمور المنصوص عليها ، وكل فعل يجوز أن يفعل في الصلاة فهو صلاة لأن الشارع عينها فلا تبطل الصلاة بفعل شيء منها ، وجعل الله أفضل أفعال الصلاة السجود وأفضل أقوالها ذكر الله بالقرآن.
الفتوحات ج 1 / 410 ، 443 - ج 3 / 503 .

40 - « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اکبر» - الآية
« إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر » يعني بصورتها ، فإن التكبيرة الأولى تحریمها والسلام منها تحليلها ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، هكذا أخبر تعالی انباء عن حقيقة لأجل ما فيها من الإحرام ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب تكبيرة الإحرام ، فإنه حرم على المصلي التصرف في غير الصلاة ما دام في الصلاة ، فذلك الإحرام نهاه عن الفحشاء والمنكر ، فإن الإحرام المنع من التصرف

ص 452


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( يعلم ما تصنعون» وقال «أو ألقى السمع وهو شهيد».
فإلقاؤه السمع هو لما يكون من ذكر الله إياه فيها."41"
ومن ذلك أن الوجود لما كان عن حركة معقولة نقلت العالم من العدم إلى الوجود عمت الصلاة جميع الحركات وهي ثلاث: حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلي، وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي، وحركة منكوسة وهي حال سجوده.
فحركة الإنسان مستقيمة، وحركة الحيوان أفقية، وحركة النبات منكوسة،"42" 
وليس للجماد حركة من ذاته: فإذا تحرك حجر فإنما )
……………………………………………..
في شيء مما يغاير كونه مصليا ، فانتهى المصلي . فصح له أجر من عمل بأمر الله وطاعه وأجر من انهي عن محارم الله في نفس الصلاة، وإن كان لم بنو دلك. فانظر ما أرى الصلاة كيف أعطت هذه المسألة العجيبة .
"ولذكر الله أكبر"، يعني القول فيها أشرف أفعال المكلف . فإنها نشتمل على أفعال وأقوال أي « ولذكر الله » فيها « أكبر » أعمالها وأكبر أحوالها . 
أي دكر الله أكبر ما فيها ، فهو أكبر من جملة أفعالها فإنها تشتمل على أقوال وأفعال . فذكر الله في الصلاة أكبر أحوال الصلاة ، قال تعالى « اذكروني أذكركم » فذكر الله في الصلاه أكبر من جميع أفعالها وأقوالها ، فإنك إن ذكرن الله فيها كان جليسك في باك العبادة ، فإنه أخبر أنه جليس من ذكره « فيذكر الله الذاكر له أيضا ».

41 - « او القى السمع وهو شهيد» - الآية
« أو ألقى السمع » لخطاب الحق لما قيل له وعرف به . فالدي ينبغي للعبد أن يصغي إلى الحق ويخلي سمعه لكلامه ، حتى يكون الحق هو الذي يسلوه بلسانه ويسمعه ويتولى شرح کلامه ويترجم للعبد عن معناه ، فيأخذ العلم منه لا من فكره واعتباره . وإنما ألقى السمع لما يقوله الحق له « يا عبدي أردت بهده الآية كذا وكذا وبهذه الآية الأخرى كذا وكذا ».
الفتوحات ج 1 / 239 - ج 3 / 471 ، 484

42 - الحركات الثلاث
اعتبر العلماء الجهات بوجود الإنسان ، وجعلوا الاستقامة في نشأته وحركته إلى جهة رأسه فسموا حركته مستقيمة ، وكل حركة تقابل حركة الإنسان على سستها تسمى منكوسة فالنبات الذي لا حس له وله النمو حرکته كلها منكوسة ، وإذا كانت

ص 453

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  يتحرك بغيره.
وأما قوله «و جعلت قرة عيني في الصلاة ولم ينسب الجعل إلى نفسه فإن تجلي الحق للمصلي إنما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلي: فإنه لو لم يذكر هذه الصفة عن نفسه لأمره بالصلاة على غير تجل منه له.
فلما كان منه ذلك بطريق الامتنان، كانت المشاهدة بطريق الامتنان. فقال وجعلت قرة عيني في الصلاة.
وليس إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين المحب، من الاستقرار: فتستقر العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره في شيء و في غير شيء."43"
ولذلك نهي عن الالتفات في الصلاة، وأن الالتفات شيء يختلسه الشيطان من صلاة العبد فيحرمه مشاهدة محبوبه.
بل لو كان محبوب هذا الملتفت، ما التفت في صلاته إلى غير قبلته بوجهه.
والإنسان يعلم حاله في نفسه هل هو بهذه المثابة في هذه العبادة الخاصة أم لا، فإن «الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره».
فهو يعرف كذبه من صدقه في نفسه، لأن الشيء لا يجهل حاله فإن حاله له ذوقي.
ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى، فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا أنه يصلي علينا. فالصلاة منا ومنه.
فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر، فيتأخر عن وجود العبد: "44" )
……………………………………….
الحركة بين الحركة المنكوسة والمستقيمة يقابل المتحرك برأسه الأفق كانت حركته أفقية كالحيوان ۰الفتوحات ج 2 / 464.
فالصلاة تعم جميع المقامات الخصوصية بروحانية أهل السموات ، وحبيت بجميع الحركات . المستقيمة في الإنسانيات عند القرآن ، والأفقيات في الحيوانات عند الركوع للأذكار العظيمات، والمنكوسة في النباتات عند السجود لابتغاء القربات.
راجع كتاب التنزلان الموصلية.

43 - راجع حبب إلي من دنياكم ثلاث ص 434 - حب النساء

44 - الصلاة
اعلم أيدك الله بروح القدس ، أن مسي الصلاة يضاف إلى ثلاثة وإلى رابع" هو الحق تعالی" ثلاثة بمعنيين ، بمعنی شامل ، وبمعني غير شامل ، فتضاف الصلاة إلى الحق بالمعنى الشامل ، والمعنى الشامل هو الرحمة ، قال تعالى « هو الذي يصلي عليكم » فوصف نفسه بأنه يصلي أي يرحمكم بأن يخرجكم من الظلمات إلى النور ، يقول من الضلالة

ص 454

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده و هو الإله المعتقد. "45"
ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الاستعداد كما قال الجنيد  )
………………………………………………..
إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة ، وتضاف الصلاة إلى الملائكة بسعني الرحمة والاستغفار والدعاء ، وتضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء والأفعال المخصوصة المعلومة شرعا. وتضاف الصلاة إلى كل ما سوى الله من جميع المخلوقات ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعينت له ، قال تعالى « ألم تر أن الله يسبح له من في السوان ومن في الأرض والطير صافات ، كل قد علم صلاته وسبيحه » فأضاف الصلاة إلى الكل . والصلاة لغة مشتقة من المصلي في الخيل وهو الذي يلي السابق في الحلبة . 
لذا كان السابق في القواعد ( حديث بني الإسلام على خمس ) الشهادة والمصلي هي الصلاه . وأخبرنا أنه يصلي علينا . والمفهوم من هذا أمران . 
الأمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح والثناء و نصلي له بكرة وأصيلا ، والأمر الآخر أنكم إذا صايم وذكرتم الله فإنه يصلي عليكم ، فإنه لما أمرنا بالذكر والصلاة فال « هو الذي بصلي عليكم » فصلاتنا وذكرنا له سبحانه بين صلاتين من الله تعالی . صلي علينا فصايا فصلى علينا ، فمن صلاته الأولى صلينا له ، ومن صلاته التانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صلاتنا له وذكرنا ، لذلك جاءت إقامة الصلاة المفروضة بالفعل الماضي «فد قامت الصلاة » أراد قيام الصلاة من الله على العبد. ليقوم العبد إلى الصلاة فيقيم بقيامه نشأتها.
الفتوحات ج 1 / 386 ، 387 ، 539 .
أما من ناحية الاسم الإلهي الأول والاسم الآخر فليراجع التنزلات الموصلية في معرفة أسرار الفرق بين الفاتحة والسورة.

45 - إله المعتقد
في هذا المقام يقول العارف « أما أنا فعرفته وما بقي إلا أن يعرفني » عسر هذا الكلام على أكثر أهل الأفهام من السادات الأعلام ، وما علم المنكر أن لكل معتقد ربا في قلبه أوجده فاعتقده ، وهم أصحاب العلامة يوم القيامة ، فما اعتقدوا إلا

ص 455

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حين سئل عن المعرفة بالله و العارف فقال لون الماء لون إنائه. وهو جواب ساد خبر عن الأمر بما هو عليه.  "46" فهذا هو الله الذي يصلي علينا.
وإذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنا فيه كما ذكرنا في حال من له هذا الاسم، فنكون عنده  بحسب حالنا، فلا ينظر إلينا إلا بصورة ما جئناه بها فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة.
وقوله «كل قد علم صلاته وتسبيحه» أي رتبته في التأخر في عبادته ربه، و تسبيحه الذي يعطيه من التنزيه استعداده، فما من شيء إلا وهو يسبح بحمد ربه )
…………………………...
ما نحتوا، ولذلك لما تجلى لهم في غير تلك الصوره بهتوا ، فهم عرفوا ما اعتقدوا ، والدي اعتقدوه ما عرفهم لأنهم أوجدوه ، والأمر الجامع أن المصنوع لا يعرف الصانع ، الدار لا تعرف من بناها ولا من عدلها فسواها . 
الفتوحات ج 4 / 391

46 - « نون الماء لون إنائه »
اعلم أنه لما لم يتقيد أمر الإله ولا انضبط ، وجهل الأمر ، وتبين أنه لم يكن معلوما في وفت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ، ولم بحصل في العلم به أمر ثبوني بل سلب محقق ونسبة معقولة ، أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان ، فلا كيف ولا این ولا مني ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا كم وهو المقدار ، وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق وفاعل معين ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول يرى أثره ولا يعرف خبره ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه ، فإنه ما تم من يقع عليه عين ، ولا يضبطه خیال ، ولا من يحدده زمان . 
ولا من تعدده صفات وأحكام . ولا من تكيفه أحوال ، ولا من يمیزه أوضاع . 
ولا من تظهره إضافة ، فهو لا يقبل الصفات ، والعلم يرفع الخيال . 
فالذي يحفظه الإنسان إنما هو اعتقاده في قلبه ، فذلك الذي وسعه عن ربه . 
فاعلم أنك ما زلت عنك ، ولا عرفت سوى ذاتك ، فالحادث لا يتعلق إلا بالمناسب . 
وهو ما عندك منه ، وما عندك حادت ، فما برحت من جنسك ، وما عبدت على الحقيقة سوى ما نصبته في نفسك ، ولهذا اختلفت المقالات في الله ، وتغيرت الأحوال ، فقالت طائفة في العلم به « لون الماء لون إنائه » .
الفتوحات ج 2 / 211

ص 456

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحليم  الغفور. "47"
ولذلك لا يفقه تسبيح العالم على التفصيل واحدا واحدا. "48"
وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله «وإن من شيء إلا يسبح بحمده» أي بحمد ذلك الشيء.
فالضمير الذي في قوله «بحمده» يعود على الشيء أي بالثناء الذي يكون عليه كما قلنا في المعتقد إنه إنما يثني على الإله الذي في معتقده وربط به نفسه.
وما كان من عمله فهو راجع إليه، فما أثنى إلا على نفسه، فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك، فإن حسنها و عدم حسنها )
……………………………………………..
47 - «كل قد علم صلاته وتسبيحه » - الآية
الضمير يعود على الله من قوله صلاته ، أي صلاة الله عليه بنفس وجوده ورحمته به في ذلك وأضاف الله الصلاة في هذه الآية إلى الكل « وتسبيحه و الضمير يعود في تسبيحه على كل ، أي ما يسبح ربه به ، قال تعالی د تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن » « وإن من شيء إلا يسبح بحمده » فان الله ما خلق الأشياء من أجل الأشياء ، وإنما خلقها ليسبحه كل جنس من الممكنات بما يليق به من صلاة وتسبيح ، لتسري عظمته في جميع الأكوان وأجناس الممكنات وأنواعها وأشخاصها ، فالكل له تعالى ملك ، وباعادة الضمير في صلاته على الله ، وصف الحق نفسه بالصلاة وما وصف نفسه بالتسبيح ، فعم بهذه الآية العالم الأعلى والأسفل وما بينهما برحمته ، فإن صلاة الله هي رحمته ، والتسبيح تنزيه . 
الفتوحات ج 1 / 540 ، 386 - ج 2 / 200 - ج 3 / 555.

48 - « ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا » - الآية
فقوله تعالى " يسبح بحمده " تسبیح نطق يليق بذلك الشيء ، لا تسبیح حال، ولهذا قال « ولكن لا تفقهون تسبيحهم » لاختلاف ما يسبحون به إلا لمن سمعه ، فهذا التسبيح لا يفقه بالنظر العقلي من جهة الفكر والنظر ، إلا أن يمن الله على بعض عباده بعلم ذلك "إنه كان حليما" ، فلم يعجل عليكم بالعقوبة وأمهلكم حيث لم يؤاخذكم سريعة بما رددتم من ذلك وقلتم إنه تسبيح حال ، فلم يؤاخذ مع القدرة « غفورا » حيث ستر عنكم تسبيح هؤلاء فلم تفقهوه ، فكان غفورا أي ساترة نطقهم عن أن تتعاق به الأسماع إلا لمن خرق الله له العادة ، فإذا أراد العبد نجاة نفسه

ص 457

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( راجع إلى صانعها.
وإله المعتقد مصنوع للناظر فيه، فهو صنعه: فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه.
ولهذا يذم معتقد غيره، ولو أنصف لم يكن له ذلك.
إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه على غيره فيما اعتقده في الله، إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده، وعرف الله في كل صورة وكل معتقد.
فهو ظان ليس بعالم، ولذلك قال «انا عند ظن عبدي بي» لا أظهر له إلا في صورة معتقده: فإن شاء أطلق و إن شاء قيد.
فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده،"49"  فإن الإله  )
…………………………………...
وتحصيل أسباب سعادته فلا يحمد الله إلا بحمده كان ما كان على علم الله في ذلك من غير تعيين ، وهذه الآية إخبار من الحق عن الأشياء أنها تنزه بحمده أي بالثناء عليه، والتنزيه البعد، وما ذكر الله أنه أمرهم بتسبيحه بل أخبر أنهم يسبحون بحمده. الفتوحات ج 1 / 247 ، 398 - ج 2 / 510 - ج 3 / 375 ، 393

49 - رؤية الحق في كل اعتقاد
ورد في الحديث أن الله يتجلى يوم القيامة لهذه الأمة وفيها منافقوها ، فيقول : أنا ربكم فيستعيذون منه ، لا يجدون له تعظيمة وينكرونه لجهلهم به ، فإذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها أنه ربهم حينئذ يجدون عظمته ، وحديث التجلي في الصور أخرجه مسلم في صحيحه ، فالحق سبحانه يتحول في الصور وهو سبحانه لا غيره ، فأنكر في صورة وأقر به في صورة ، والعين واحدة والصور مختلفة ، ولو لم يكن من شرف العلم إلا في تجلي الحق في صورة تنكر ثم تحوله في صورة تعرف [ وهو هو في الأولى والثانية ، وان موطن تلك المشاهدة لا يتمكن في نفس الأمر إلا أن تكون مقيدة ، لأن الذي يشهد وهو عين العبد مقید بامكانه ، فلا يمكن له شهود الإطلاق. ولا بد من الشهود ، فظهر له المشهود مقيدا بالصورة : مقيدا بالتحول في الصور ] فأعطى التحول الإنسان علما لم يكن عنده ، فعلم عند ذلك أن الأمر لا يتناهى ، وما لا يتناهى لا يدخل تحت القيد ، ويريد بذلك ارتفاع الشك في أنه المرئي تعالی لا غيره .

ص 458


* * * * *
……………………………………………...
والعالم والعارف أن الحق وإن احتجب ، فهو في تجل لا يعرفه كل عارف إلا من أحاط علما بما أحاط به الكامل من المعارف ، ألا ترى الحق يتجلى في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة، فينكرون ربوبيته ومنها يتعوذون وبها يتعوذون، ولكن لا يشعرون ، ولكنهم يقولون لذلك المتجلي نعوذ بالله منك ، وها نحن لربنا متنظرون ، فيخرج الحق عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون له بالربوبية وعلى أنفسهم بالعبودية ، فهم لعلامتهم عابدون وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون ، فمن قال إنه عبد الله كيف يصح عندما يتجلى له أن ينكره ، فمن قيده بصورة دون سورة فتخيله عبد ، وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة ، فهو يتخيل أنه يعبده وهو يجحده ، والعارفون ليس في الإمكان خفاؤه عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم إلا الحق ، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائه .
فالرؤية يوم الزيارة تابعة للاعتقادات في الدنيا ، فمن اعتقد في ربه ما أعطاه النظر وما أعطاه الكشف وما أعطاه تقليد رسوله ، فإنه يرى ربه في صورة وجه كل اعتقاد ربط عليه ، إلا أنه في تقليد نبيه يراه بصورة نبيه من حيث ما أعلمه ذلك الرسول فما أوحى به إليه في معرفته بربه ، فلمثل هذا ثلاث تجليات بثلاثة أعين في الآن الواحد ، وكذلك حكم صاحب النظر وحده أو صاحب الكشف وحده أو صاحب التقليد وحده ، والعارف الكامل يعرفه في كل صورة يتجلى بها ، وفي كل صورة ينزل فيها ، وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده وينكره إذا تجلى له في غيرها.
عقد الخلائق في الإله عقائدا   …..    وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه
لا بدا صورة لهم متحولا    …..        قالوا بما شهدوا وما جحدوه 
ذاك الذي أجني عليهم خلفهم  …..       بجميع ما قالوه واعتقدوه 
إن أفردوه عن الشريك فقد نحوا …..     في ملكه ربا كما شهدوه

ص 459

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه: "50"
والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا لا يسعها فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
تم بحمد الله و عونه وحسن توفيقه، والحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه وسلم تسليما كثيرا.
وكان الفراغ منه في عاشر شهر جمادي الآخرة سنة تسع و ثلاثين و ثمانمائة أحسن الله عاقبتها بمحمد و آله آمين. )

…………………………………………….
قد أعذر الشرع الموحد وحده    ….     والمشركون شقوا وإن عبدوه 
وكذالك أهل الشك أخسر منهم  ….    والجاحدون وجود من وجدوه 
والقائلون بنفيه أيضا شقوا      …..     مثل الثلاثة حين لم يجدوه 
أجني عليهم من تأله حين ما    …..    أهل السعادة بالهدى عبدوه
لو وافق الأقوام إذ أغواهم      …..     وتنزهوا عن غيه طردوه 

الفتوحات ج 2 / 85 - ج 3 / 132

لا يتجلى الحق لعبد إلا في صورة نفسه - فص 12 ، هامش 9، ص 192
""9 – أ -  التجلي الإلهي :
لما كان العلم الأول في المعرفة هو العلم بالحقائق وهو العلم بالأسماء الإلهية كان العلم الثاني من علوم المعرفة هو علم التجلي ، وهو أن التجلي الإلهي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، فإن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عناء .
واعلم أن الحق له نسبتان في الوجود :
نسبة الوجود النفسي الواجب له .
ونسبة الوجود الصوري ، وهو الذي يتجلى فيه لخلقه .
إذ من المحال أن يتجلى في الوجود النفسي الواجب له ، فالتجلي الذاتي منوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر ، لأنه لا عين لنا ندر که بها، إذ نحن في حال عدمنا ووجودنا مرجحون ، لم يزل عنا حكم الإمكان ، فلا تراه إلا بنا من حيث ما تعطيه حقائقنا ، لأن التجلي على ما هو المتجلي عليه في نفسه محال حصوله لأحد ، فلا يقع التجلي إلا من دون ذلك مما يليق بمن يتجلى له .
فعلمنا قطعا أن الذات لا تتجلى أبدا من حيث هي ، وإنما تتجلى من حيث صفة ما معتلية ، والتجلي الإلهي لا يكون إلا للإله والرب، لا يكون الله أبدا فإن الله هو الغني .
كما لا يتجلى في الاسم الأحد ولا في الاسم الله ولا يصح النجلي فيه ، فإنه لا يعرف معناه ، ولا يسكن وقتا ما في معناه .
و بهذا السر تميز الإله من المألوه ، والرب من المربوب ، وما عدا هذين الأسمين من الأسماء المعلومات لنا فإن التجلي يقع فيها ، كما أن حضرة الجلال لها السبحات المحرقة، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، ولكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فبه يقع التجلي .
إذا علمت هذا فلابد أن يكون تجلي الحق في الوجود الصوري ، وهو التجلي في المظاهر ، وهو التجلي في صور المعتقدات كائنة بلا خلاف ، والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف ، وهما تجلي الاعتبارات ، لأن هذه المظاهر سواء كانت صورالمعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم.
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمر لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم ، وليس وراء ذلك العلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا، وأما التجلي في الأفعال أعني نسبة ظهور الكائنات والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات وتظهر عنها المظاهر ، فالحق سبحانه قرر في اعتقادات قوم وقوع ذلك ، وقرر في اعتقادات قوم منع وقوع ذلك .
فالتجلي الصوري هو الذي يقبل التحول والتبدل ، فتارة يوصف به الممكن الذي يختلع به ، وتارة يظهر به الحق في تجليه ، فإن للألوهية أحكاما وإن كانت حکما ، وفي صورة هذه الأحكام يقع التجلي في الدار الآخرة حيث كان ، فإنه قد اختلف في رؤية النبي مع ربه كما ذكر ، وقد جاء حديث النور الأعظم من رفرف الدر والياقوت وغير ذلك .
واعلم أن الله تجليين ، تجليا عاما إحاطيا ، وتجليا خاصا شخصيا، فالتجلي العام تجل رحماني ، وهو قوله تعالى « الرحمن على العرش استوى » والتجلي الخاص هو ما لكل شخص شخص من العلم بالله .
فتوحات ج 1 / 41 ، 91 - ج 2 / 303 ، 542 ، 606 - ج 3 / 101 ، 178 ، 180 ، 516.
ذخائر الأعلاق - التنزلات الموصلية .

9 - ب - حظ العارف من العلوم في التجلي:
لما كانت العلوم تعلو وتتضع بحسب المعلوم لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته .
فأعلاها مرتبة العلم بالله ، وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ودونها علم النظر ، وليس دون النظر علم إلهي وإنما هي عقائد في عموم الخلق لا علوم، التجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، فأول مقام للعارف هو أن يتجلى له الحق في غير مادة ، لأن العارف أو العالم
في حضرة الفكر والعقل ، فيعلم من الله على قدر ما كان ذلك التجلي ولا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق ، إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير .
وسبب ذلك أن الله يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر ، ولا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر .
فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه ولا ينقال ، فإذا رجع العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد صحبه تجلي الحق ، فما من حضرة يدخلها من الحشرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة ، والعبد قد ضبط منه أولا ما ضبط ، فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر ، فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه .
فإن الله ما تجلى لأحد فاتحجب عنه بعد ذلك ، فإنه غير ممكن أصلا ، فإذا نزل العبد إلى عالم خیاله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما و إيمانا ، رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية ، فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب .
ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه ، فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم ، لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ، ويراه عين نفسه ، ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم.
ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ، وهذا مشهد عزیز .
ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام و الأجساد ، وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه ، وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا .
إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله ، فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال .
ورد في الخبر الصحيح في تجابه سبحانه في موطن التلبيس ، وهو تجليه في غير صور الاعتقادات من حضرة الاعتقادات ، فلا يبقى أحد يقبله ولا يقر به ، بل يقولون
إذا قال لهم « أنا ربكم » « نعوذ بالله منك » فالعارف في ذلك المقام يعرفه ، غير أنه قد علم منه بما أعلمه أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة من كان هنا مقيد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها .
فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار ولكن لا يتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه يعرفه ، فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة عند تلك النظرة « هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها» فيقولون « نعم » فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة ، مع اختلاف العلامات .
فإذا رأوها وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها ، حينئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقيقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة .
راجع كتابنا الخيال ص 15 ، 24، وكتابنا ترجمة حياة الشيخ ص 171.
فتوحات ج 1/ 166 - ج 2 / 609 - ج 3 / 234 ، 235.

9 - ج - التجلي الإلهي للحس والبواطن من الاسم الإلهي الظاهر
إن الله جعل لكل شيء ونفس الإنسان من جملة الأشياء ظاهرا وباطنا.
فهي تدرك بالظاهر أمورا تسمى عينا، وتدرك بالباطن أمورا تسمى علما، والحق سبحانه هو الظاهر والباطن، فبه يقع الإدراك.
فإنه ليس في قدرة كل ما سوى الله أن يدرك شيئا بنفسه ، وإنما أدر که بما جعل الله فيه (راجع « كنت سمعه و بصره » الفص 10  ص 146 ) .
و تجلي الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لا يقع فيها تجل أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة . 
إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلي ، وهو الاسم الظاهر ، فإن معقولية النسب لا تتبدل وإن لم يكن لها وجود عيني لكن لها الوجود العقلي ، فهي معقولة ، فإذا تجلى الحق إما منة أو إجابة لسؤال فيه ، فتجلى لظاهر النفس ، وقع الإدراك بالحس في الصورة في برزخ التمثل ، فوقعت الزيادة عند المتجلى له في علوم
الأحكام إن كان من علماء السريعة، ومن علوم موازين المعاني إن كان منطقيا، ومن علم میزان الكلام إن كان نحويا.
وكذلك صاحب کل علم من علوم الأكوان وغير الأكوان تقع له الزيادة في نفسه من علمه الذي هو بصدده، فأهل هذه الطريقة يعلمون أن هذه الزيادة إنما كانت من ذلك التجلي الإلهي لهؤلاء الأصناف.
فإنهم لا يقدرون على إنكار ما کشف لهم، وغير العارفين يحسون بالزبادة وينسبون ذلك إلى أفكارهم، وغير هذين يجدون من الزيادة ولا يعلمون أنهم استزادوا شيئا فهم في المثل کمثل الحمار يحمل أسفارا.
وإذا وقع التجلي أيضا بالاسم الظاهر الباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد، وهي المعبر عنها بالنصوص. 
إذ النص ما لا إشكال فيه ولا احتمال بوجه من الوجوه، وليس ذلك إلا في المعاني، فيكون صاحب المعاني مستريحا من تعب الفكر، فتقع الزيادة عند التجلي في العلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة، وهذا مخصوص بأهل طريقنا. 
فتوحات ج 1 / 166 . 

9 - د - التجلي لكل مخلوق من الوجه الخاص
اعلم أنه ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجده إذا كان من عالم الخلق، وإن كان من عالم الأمر فما له سوى ذلك الوجه الخاص.
وأن الله يتجلى لكل موجود من ذلك الوجه الخاص فيعطيه من العلم به ما لا يعلمه منه إلا ذلك الموجود.
وسواء علم ذلك الموجود أو لم يعلمه، أعني أن له وجها خاصا، وأن له من الله علما من حيث ذلك الوجه، لا علم للعقل به، فإنه سر الله الذي بينه وبين كل مخلوق لا تعرف نسبته. 
ولا يدخل تحت عبارة، ولا يقدر مخلوق على إنكار وجوده، فهو المعلوم المجهول وما فضل أهل الله إلا بعلمهم بذاك الوجه، ثم يتفاضل أهل الله في ذلك.
فمنهم من يعلم العلم الذي يحصل له من التجلي، ومنهم من لا يعلمه، أعني على التعيين .
وما أعني بالعلم إلا متعلق العلم هل هو كون أو هو الله من حيث أمر ما.

فتوحات ج 2 / 304 - ج 4 / 222 .

9  - هـ - أنواع التجلي الإلهي
اعلم أن التجلي الإلهي لكل مخلوق من الوجه الخاص هو التجلي في الأشياء المبقي أعيانها .
وأما التجلي للاشياء فهو تجل يفني أحوالا ويعطي أحوالا في المتجلی له .
ومن هذا التجلي توجد الأعراض والأحوال في كل ما سوى الله ، ثم له تجل في مجموع الأسماء فيعطي في هذا التجلي في العالم المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع وما يليق بعالم الأجسام وعالم الأرواح والحروف اللفظية والرقمية وعالم الخيال .
ثم له تجل آخر من أسماء الإضافة خاصة ، كالخالق وما أشبهه من الأسماء ، فيظهر في العالم التوالد والتناسل والانفعالات والاستحالات والأنساب ، وهذه كلها حجب على أعيان الذوات الحاملات لهذه الحجب عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحجب الموجد أعيانها في أعيان الذوات . و بهذا القدر تنسب الأفعال للأسباب . 
ولولاها لكان الكشف فلا يجهل ، فـ بالتجلي تغير الحال على الأعيان الثابتة من الثبوت إلى الوجود ، وبه ظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات، وهو خشوع تحت سلطان التجلي .
فله النقيضان يمحو ويثبت ، ويوجد ويعدم ، فالله متجلي على الدوام لأن التغييرات مشهودة على الدوام في الظواهر والبواطن ، والغيب والشهادة والمحسوس والمعقول ، فشأنه التجلي وشأن الموجودان التغيير بالانتقال من حال إلى حال ، فمنا من يعرفه ، ومنا من لا يعرفه . 
فمن عرفه عبده في كل حال ومن لم يعرفه أنكره في كل حال.
 فتوحات ج 2 / 303 ، 304 .


9  - و - الموانع من إدراك التجلي
القلوب أبدا لا تزال مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر ، الذي هو التجلي الذاتي ( هذا اصطلاح ليس المقصود منه تجلي الذات على ما هي عليه ) .
فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلي من التجليات ، ودونه تجلي الصفات ، ودونهما تجلي الأفعال ، ولكن من كونها من الحضرة الإلهية .
ومن لم تتجلى له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى .
فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه ، وإن اشتغل القلب بعلم الأسباب عن العلم بالله ، كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب .
فما يجده عالم الطبيعة من الحجب المانعة عن إدراك الأنوار من العلوم والتجليات بکدورات الشهوات والشبهات الشرعية وعدم الورع في اللسان والنظر والسماع والمطعم والمشرب والملبس والمركب والمنكح ، و کدورات الشهوات بالانكباب عليها والاستفراغ فيها وإن كانت حلالا .
وإنما لم يمنع نيل الشهوات في الآخرة وهي أعظم من شهوات الدنيا من التجلي ، لأن التجلي هناك على الأبصار ، وليست الأبصار محل الشهوات .
والتجلي هنا في الدنيا إنما هو على البصائر والبواطن دون الظاهر ، والبواطن محل الشهوات .
ولا يجتمع التجلي والشهوة في محل واحد ، فلهذا جنح العارفون والزهاد في الدنيا إلى التقليل من نيل شهواتها والشغل بكسب حطامها .
ومن أحدث في نفسه ربوبية فقد انتقص من عبوديته بقدر ما أحدث ، وإذا انتقص من عبوديته بقدر ذلك ينتقص من تجلي الحق له ، وإذا انتقص من تجلي الحق له اتنقص علمه بربه ، وإذا انتقص علمه بربه جهل منه سبحانه وتعالى بقدر ما نقصه فتوحات ج 1 / 91 ، 154 ، 343.

 9 - ز - الإستعداد للتجلي
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .

واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.

إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكل حس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل
فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية، وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية . 

9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کثیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 -  ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .

واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحا في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .

فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه
الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .

9 - ط۔ - خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :
إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى
قالوا أنت المسبح الأعلى .
فتوحات ج 1 / 49  ""

50 - وحدة الوجود
راجع الظاهر في المظاهر - فص 5، هامش 10، ص 87 

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر - فص 5، هامش 6 - 10، ص 87 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606
"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
( الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟

( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي إذا امكن التعبير بلغتنا خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال.""

راجع وحدة الوجود فص 2، هامش 6، ص 45

"" 6 - وحدة الوجود - المرايا        - فص 2، هامش 6، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .

ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .

فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.

"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".

تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
( الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟

( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

ص 460

  .
الفقرة السابعة والثلاثون على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله
واتساب

No comments:

Post a Comment