Tuesday, August 13, 2019

السفر الحادي عشر فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الحادي عشر فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الحادي عشر فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

11 - The Wisdom Of Opening In The Word Of SALIH

الفقرة الثالثة عشرة :
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:
11 -  فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية 
قال الشيخ رضي الله عنه : (
من الآيات آيات الركائب ... و ذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب "2"
فأما القائمون فأهل عين ... و أما القاطعون هم الجنائب 
و كل منهم يأتيه منه ... فتوح غيوبه من كل جانب  "3"


1 - المناسبة في تسمية هذا الفص :
 هي أن صالحا عليه السلام آیاته الناقة ، والناقة من الأنعام وهي الركائب ، والشيخ يشير في مقدمة الفص بشعره إلى طبقة من الأولياء تسمى الركبان .
کما سيأتي في شرح الأبيات الشعرية ، وما يذكره بعد ذلك في الفص من فتوح الغيب على هذه الطبقة التحدث عن أن الإيجاد لا يكون إلا عن الفردية والأفراد أولها الثلاثة .
ولهذا ساها فتوحية والمناسبة بين الفردية وصالح عليه السلام هي أنه عليه السلام هو القائل لقومه « تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » فأعقبت الثلاثة أيام الصيحة .
فذكره الثلاثة هو الرابط بينه عليه السلام وبين الفردية .
 2 - إشارة إلى قوله تعالی :
« الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون » غافر 79.
 وإلى قوله تعالی : « والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون » . الزخرف 12.

3 - يشير الشيخ بهذه الأبيات إلى طبقة من الأولياء ذكرهم في الباب الثلاثين من الفتوحات المكية ، حيث يقول :
في معرفة الطبقة الأولى والثانية من الأقطاب الركبان
إن لله عبادا ركبوا ... نجب الأعمال في الليل البهيم
وترقت همم الذل بهم ... لعزيز جل من فرد عليم
فاجتباهم وتجلى لهمو ... وتلقاهم بكاسات النديم
من يكن ذا رفعة في ذلة ... أنه يعرف مقدار العظيم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما يظهر فيها بالقديم
إن لله علوما جمة ... في رسول ونبي وقسيم
لطفت ذاتا فما يدركها ... عالم الأنفاس أنفاس النسيم


ص 162

قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم وفقك الله أن الأمر مبني في نفسه على الفردية و لها التثليث، فهي من الثلاثة فصاعدا. فالثلاثة أول الأفراد.
و عن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم فقال تعالى «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» و هذه ذات ذات إرادة و قول.
فلو لا هذه الذات و إرادتها و هي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لو لا قوله)

من يكن ذا رفعة في ذلة ... أنه يعرف مقدار العظيم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما يظهر فيها بالقديم
إن لله علوما جمة ... في رسول ونبي وقسيم
لطفت ذاتا فما يدركها ... عالم الأنفاس أنفاس النسيم

اعلم أيدك الله أن أصحاب النجب في العرف هم الركبان قال الشاعر
فليت لي بهمو قوما إذا ركبوا ..... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

الفرسان ركاب الخيل والركبان ركاب الإبل ، فالأفراس في المعروف تركبها جميع الطوائف من عجم وعرب ، والهجن لا يستعملها إلا العرب ."لهجن من الإبل البيض الكرام" 
والعرب أرباب الفصاحة والحماسة والكرم ، ولما كانت هذه الصفات غالبة على هذه الطائفة سيناهم بالركبان ، فمنهم من يركب نجب الهمم ، ومنهم من يركب نجب الأعمال ، فلذلك جعلناهم طبقتين أولى وثانية ، وهؤلاء أصحاب الركبان هم الأفراد في هذه الطريقة ، فإنهم رضي الله عنهم على طبقات .
فمنهم الأقطاب ومنهم الأئمة ومنهم الأبدال ومنهم النقباء ومنهم النجباء ومنهم الرجبيون ومنهم الأفراد .
وأول الأفراد الثلاثة . 
قال مع الثلاثة ركب ، فأول الركب الثلاثة إلى ما فوق ذلك ، ولهم من الحضرات الإلهية الحضرة الفردانية ، وفيها يتميزون ، ومن الأسماء الإلهية الفرد .
والمواد الواردة على قلوبهم من المقام الذي ترد منه على الأملاك المهيبة ولهذا يجهل مقامهم وما يأتون به ، مثل ما أنكر موسى عليه السلام على خضر ، مع شهادة الله فيه لموسى عليه السلام وتعريفه بمنزلته وتزكية الله إياه وأخذه العهد عليه إذ أراد صحبته .


ص 163

قال الشيخ رضي الله عنه : (عند هذا التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء.
ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود، و هي شيئيته و سماعه و امتثاله أمر مكونه بالإيجاد.
فقابل ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، وسماعه في موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله كن، فكان هو فنسب التكوين إليه فلولا أنه من قوته التكوين من نفسه عند هذا القول ما تكون.
فما أوجد هذا الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلا نفسه. 
فأثبت الحق تعالى أن التكوين للشيء نفسه لا للحق، والذي للحق فيه أمره خاصة. 
وكذلك أخبر عن نفسه في قوله «إنما قولنا لشيء إذا أردناه)


واعلم أيدك الله أن الأصول التي اعتمد عليها الركبان كثيرة ، منها التبري من الحركة إذا أقيموا فيها ، فلهذا ركبوا ، فهم الساكنون على مراكبهم ، المتحركون بتحريك مراكبهم ، فهم يقطعون ما أمروا بقطعه بغيرهم لا بهم .
فیصلون مستريحين مما تعطيه مشقة الحركة ، متبرئين من الدعوى التي تعطيها الحركة ، حتى لو افتخروا بقطع المسافات البعيدة في الزمان القليل ، لكان ذلك الفخر راجعا للمركب الذي قطع بهم تلك المسافة لا لهم .
فلهم التبري ، وما لهم الدعوى ، فهجيرهم لا حول ولا قوة إلا بالله ، و آيتهم « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمی » .
يقال لهم وما قطعتم هذه المسافات حين قطعتموها ولكن الركاب قطعتها ، فهم المحمولون ، فليس للعبد صوله إلا بسلطان سیده ، وله الذلة والعجز والمهانة والضعف من نفسه .
ولما رأوا أن الله قد نبه بقوله تعالى « وله ما سكن » فأخلصه له .
علموا أن الحركة فيها، الدعوى وأن السكون لا تشوبه دعوى ، فإنه في الحركة .
فقالوا إن الله قد أمرنا بقطع هذه المسافة المعنوية وجوب هذه المفاوز المهلكة إليه ، فإن نحن قطعناها بنفوسنا ، لم تأمن على نفوسنا من أن تنسدح بذلك في حضرة الاتصال .
فإنها مجبولة على الرعونة وطلب التقدم وحب الفخر ، فنكون من أهل النقص في ذلك المقام بقدر ما ينبغي أن نحترم به ذلك الجلال الأعظم .
فلنتخذ رکابا نقطع به ، فإن أرادت الافتخار يكون الافتخار للركاب لا للنفوس ، فاتخذت من « لا حول ولا قوة إلا بالله » نجبا .
 فتوحات ج 1 / 199 ، 202 

ص 164

قال الشيخ رضي الله عنه : (
 أن نقول له كن فيكون» . "4"
فنسب التكوين لنفس الشيء عن أمر الله وهو الصادق في قوله. و هذا هو المعقول في نفس الأمر.
كما يقول الآمر الذي يخاف فلا يعصى لعبده قم فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده.
فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام، و القيام من فعل العبد لا من فعل السيد.
فقام أصل التكوين على التثليث أي من الثلاثة من الجانبين، من جانب الحق و من جانب الخلق. ثم سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلة:
فلا بد من الدليل أن يكون مركبا من ثلاثة على نظام مخصوص و شرط مخصوص)

4 - الأعيان الثابتة والوجود العيني
في الآية قولنا لا أمرنا ، قال تعالى :" إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » النحل 40 .
وقال تعالى « إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له کن فیکون» يس ( 82 ) .
قوله تعالى « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » الإرادة هنا التوجه الإلهي بالإيجاد ، فنفى الأثر فيه عن السبب إن كان أوجده عند سبب مخلوق ، ولما توقف حكم الإرادة على حكم العلم قال « إذا أردناه » .
فجاء بظرف الزمان المستقبل في تعليق الإرادة ، والإرادة واحدة العين ، فاتقل حكمها من ترجيح بقاء الممكن في شيئية ثبوته إلى حكمها بترجيح ظهوره في شيئية وجوده .
والشيء هو الممكن ، وأجناسه محصورة في جوهر متحيز وجوهر غير متحيز ، وأكوان وألوان ، وما لا ينحصر هو وجود الأنواع والأشخاص « أن تقول له کن فیکون » فجعل سبحانه نسبة التكوين إلى نفس المأمور به ، والقدرة من الممكن حتى يأتيه أمر الآمر من ربه .
فإذا أمره بالتكوين وقال له « کن » مكن القدرة من نفسه ، وتعلقت القدرة بإيجاده ، فكونته من حينه ، فالاسم المريد هو المرجح والمخصص جانب الوجود على جانب العدم .
واعلم أنه ما ورد في الشرع قط أن الله يشهد الغيوب ، وإنما ورد يعلم الغيوب، ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال « ألم يعلم بأن الله يرى » .
ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ، ففرق بين النسب وميز بعضها عن بعض ، ليعلم ما بينها ، ولما لم يتصور أن يكون في حق الله غيب .
علمنا أن الغيب أمر إضافي لما غاب عنا ، وما يلزم من شهود الشيء العلم بحده وحقيقته ، ويلزم من العلم بالشيء العلم بحده وحقيقته ، عدما كان أو وجودا ، وإلا فما علمته ، وقد وصف الحق نفسه بأنه علام الغيوب ، والأشياء

ص 165

قال الشيخ رضي الله عنه : (وحينئذ ينتج لا بد من ذلك، وهو أن يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحوي على مفردين فتكون أربعة واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين لتربط إحداهما بالأخرى كالنكاح فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما.
فيكون المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص و هو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد المفرد الذي به يصح التثليث.
والشرط المخصوص )

كلها مشهودة للحق في حال عدمها .
ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها بالإيجاد عن بعض ، فكون العلم ميز الأشياء بعضها عن بعض ، وفصل بعضها عن بعض ، هو المعبر عنه بشهوده إياها وتعيينه لها .
أي هي بعينه يراها وإن كانت موصوفة بالعدم ، فما هي معدومة لله الحق من حيث علمه بها ، كما أن تصور الإنسان المخترع الأشياء صورة ما يريد اختراعها في نفسه ثم يبرزها ، فيظهر عينها لها.
فاتصفت بالوجود العيني ، وكانت في حال عدمها موصوفة بالوجود الذهني في حقنا ، والوجود العلي في حق الله ، فظهور الأشياء من وجود إلى وجود ، من وجود علمي إلى وجود عيني .
واعلم أن الطبيعة للأمر الإلهي محل ظهور أعيان الأجسام ، فيها تكونت وعنها ظهرت، فأمر بلا طبيعة لا يكون ، وطبيعة بلا أمر لا تكون ، فالكون متوقف على الأمرين .
ولا تقل إن الله قادر على إيجاد شيء من غير أن ينفعل أمر آخر ، فإن الله يرد عليك في ذلك بقوله « إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له کن فیکون » فتلك الشيئية العامة لكل شيء خاص .
وهو الذي وقع فيها الاشتراك هي التي أثبتناها ، وأن الأمر الإلهي عليها يتوجه لظهور شيء خاص في تلك الشيئية المطلقة .
فإذا ظهرت الأجسام أو الأجساد ، ظهرت الصور والأشكال والأعراض وجميع القوى الروحانية والحسية وربما قیل هو المعبر عنه بلسان الشرع العماء ، الذي هو للحق قبل خلق الخلق . 
ما تحته هواء وما فوقه هواء ، فذكره وسماه باسم موجود يقبل الصور والأشكال وعلى ذلك فثبوت عين المسكن في العدم به يكون التهيؤ لقبول الآثار ، وثبوته في العدم کالبذر لشجرة الوجود . فهو في العدم بذرة ، وفي الوجود شجرة 
ثبوت العين في الإمكان بذر  ……    ولولا البذر لم يك ثم نبت 
ظهوري عن ثبوتي دون أمر  ……      إلهي محال حيث كنت

ص 166

قال الشيخ رضي الله عنه : (أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها، و حينئذ يصدق، وإن لم يكن كذلك فإنه ينتج نتيجة غير صادقة. 
وهذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا.
والحق ما أضافه الا إلى الشيء الذي قيل له كن. 
و مثاله إذا أردنا أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب فمعنا الحادث و السبب.  ثم نقول )

ويقول : 
فلولا ثبوت العين ما كان مشهودا   ….  ولا قال كن كونا ولا كان مقصودا 
فما زال حكم العين لله عابدا    …..        وما زال كون الحق للعين معبودا 
فلما كساه الحق حلة  كونه    …..      وقد کان قبل الكون في الكون مفقودا 
تكونت الأحكام فيه بكونه       …..        فما زال سجادا فقیدا و موجودا 
وحكم الثبوت بين الله والخلق خلاف حکم الوجود ، فبحكم الوجود يكون الخلق هو الذي ثني وجود الحق ، وليس لحكم الثبوت هذا المقام .
فإن الحق والخلق معا في الثبوت وليسا معا في الوجود ، وكي نشرح لك ذلك المعنى نقول :
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها ، وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد ، وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والعلوم الآخر العدم المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا .
وهو المحال ، وهو في مقابلة الوجود المطلق ، فكانا على السواء ، حتى لو اتصفا لحكم الوزن عليهما ، وما من نقيضين إلا وبينهما فاصل به يتميز كل واحد من الآخر ، وهو المانع أن يتصف الواحد بصفة الآخر.
وهو الفاصل الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق ، لو حكم الميزان عليه لكان على السواء في المقدار من غير زيادة ولا نقصان ، وهذا هو البرزخ الأعلى ، وهو برزخ البرازخ .
له وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم ، فهو يقابل كل واحد من المعلومين بذاته وهو المعلوم الثالث وفيه جميع الممكنات وهي لا تتناهى كما أنه كل واحد من المعلومين لا يتناهی .
وللممكنات في هذا البرزخ أعيان ثابتة ، من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ، ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء ، الذي إذا أراد الحق

ص 167


قال الشيخ رضي الله عنه : ( في المقدمة الأخرى والعالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين. 
والثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، وظهر في النتيجة ما ذكر في المقدمة الواحدة وهو السبب. 
فالوجه الخاص هو تكرار الحادث، و الشرط الخاص عموم العلة لأن العلة في وجود الحادث السبب، وهو عام في حدوث العالم عن الله أعني الحكم.
فنحكم على كل حادث أن له سببا سواء كان ذلك السبب مساويا للحكم أو يكون الحكم أعم منه)

إيجاده قال له " کن" فیکون ، وليس له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه من العدم المطلق .
ولهذا يقال له « کن » وكن حرف وجودي فإنه لو أنه كائن ما قيل له کن ، وهذه الممكنات في هذا البرزخ بما هي عليه ، وما تكون إذا كانت ، مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأكوان.
وهذا هو العالم الذي لا يتناهى ، وما له طرف ينتهي إليه ، ومن هذا البرزخ وجود الممكنات ، وبها يتعلق رؤية الحق للأشياء قبل كونها .
وكل إنسان ذي خيال وتخيل إذا تخيل أمرا ما فإن نظره يمتد إلى هذا البرزخ وهو لا يدري أنه ناظر ذلك الشيء في هذه الحضرة .
وهذه الموجودات المسكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام ، ولما كان الظل في حكم الزوال لا في حكم الثبات.
وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سمیت ظلالات ، ليفصل بينها وبين من له الثبات المطلق في الوجود ، وهو واجب الوجود، وبين ما له الثبات المطلق في العدم وهو المحال .
لتتميز المراتب ، فالأعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ، فإنه ما ثم حضرة تخرج إليها ، ففيها تكتسب حالة الوجود ، والوجود فيها متناه ما حصل منه ، والإيجاد فيها لا ينتهي .
فما من صورة موجودة إلا والعين الثابتة عينها ، والوجود كالثوب عليها ، والعجب من الأشاعرة كيف تنكر على من يقول إن المعدوم شيء في حال عدمه وله عين ثابتة ثم يطرأ على تلك العين الوجود ، وهي تثبت الأحوال .
اللهم منكر الأحوال لا يتمكن له هذا ، ثم إن هذا البرزخ الذي هو المسكن بين الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم ، هو مقابلته للأمرين بذاته ، فالممكن ما هو من حيث ثبوته عين الحق ولا غيره ، ولا هو من حیث

ص 186

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فيدخل تحت حكمه، فتصدق النتيجة. 
فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة.
فأصل الكون التثليث، و لهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعدا غير مكذوب.
فأنتج صدقا و هو الصحيحة التي أهلكهم الله بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
فأول يوم من الثلاثة  )
 
عدمه عين المحال ولا غيره ، فكأنه أمر إضافي ، ولهذا نزعت طائفة إلى تفي الممكن وقالت ما ثم إلا واجب أو محال ، ولم يتعقل لها الإمكان .
فالممكنات على ما قررناه أعيان ثابتة من تجلي الحق ، معدومة من تجلي العدم ، ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم ، وعلمه له بنفسه أزلا .
فإن التجلي أزلا ، وتعلق علمه بالعالم أزلا على ما يكون العالم عليه أبدا مما ليس حاله الوجود، لا يزيد الحق به علما ولا يستفيد ولا رؤية ، تعالی الله عن الزيادة في نفسه والاستفادة .
وقوله تعالى « إذا أردناه » هنا الإرادة تعلق المشيئة بالمراد.
قال عليه السلام « ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن » فالممكن ما خرج عن حضرة الإمكان لا في حال وجوده ولا في حال عدمه .
والتجلي له مستصحب ، والأحوال عليه تتحول وتطرأ ، فهو بين حال عدمي وحال وجودي ، والعين هي تلك العين ، فما في الوجود إلا الله تعالى وأسمائه وأفعاله .
فهو الأول من الاسم الظاهر ، وهو الآخر من الاسم الباطن ، فالوجود كله حق ، فما فيه شيء من الباطل.
إذ كان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما فيما ادعى صاحبه أنه موجود ، ولو لم يكن الأمر كذلك لانفرد الخلق بالفعل ولم يكن الاقتدار الإلهي يعم جميع الكائنات ، بل كانت الإمكانات تزول عنه .
فسبحان الظاهر الذي لا يخفی وسبحان الخفي الذي لا يظهر ، حجب الخلق عن معرفته وأعماهم بشدة ظهوره ، فهم منكرون مقرون ، مترددون حائرون ، مصیبون مخطئون ، ومن أراد أن يعرف
حقيقة ما أومأت إليه في هذه المسألة ، فلينظر خيال الستارة وصوره ، ومن الناطق من تلك الصور عند الصبيان الصغار الذين بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بينهم وبين اللاعب بتلك الأشخاص والناطق فيها.
فالأمر كذلك في صور العالم ، والناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم ، فالصغار في المجلس يفرحون ويطربون ،

ص 169

قال الشيخ رضي الله عنه : ( اصفرت وجوه القوم، وفي الثاني احمرت و في الثالث اسودت.
فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكا، فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى «وجوه يومئذ مسفرة» من السفور و هو الظهور.
 كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح. )

والغافلون يتخذونه لهوا ولعبا .
والعلماء يعتبرون ويعلمون أن الله ما نصب هذا إلا مثلا لعباده ليعتبروا وليعلموا أن أمر العالم مع الله مثل هذه الصور مع محركها . 
وأن هذه الستارة حجاب سر القدر الحكم في الخلائق .
ولما كان تقدم العدم للممکنات نعتا نفسيا لأن الممكن يستحيل عليه الوجود أزلا ، فلم يبق إلا أن يكون أزلي العدم ، فنقدم العدم له نعت نفسي . 
والمسكنات متميزة الحقائق والصور في ذاتها ، لأن الحقائق تعطي ذلك ، فلما أراد الله أن يلبسها حالة الوجود ، خاطبها من حيث حقائقها.
فقال « إنما قولنا » من كونه تعالی متکلما « لشيء » وهو المخاطب من الممكنات في شيئية ثبوتها ، فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية.
بقوله « لم يكن شيئا » فهي الشيئية المتوجه عليها أمره بالتكوين إلى شيئية أخرى ، فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ، ينظر إليها ويميز بعضها عن بعض بما هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها .
ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى ، وترتيب إيجاد الممکنات يقتضي بتقدم بعضها على بعض ، وهذا ما لا يقدر على إنكاره ، فإنه الواقع ، فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا ، بخلاف ما هي عليه في شيئية الثبوت .
فإنها كلها غير مرتبة ، لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها والأزل لا ترتيب فيه ولا تقدم ولا تأخر ، فتوقف حكم الإرادة على حكم العلم .
ولهذا قال تعالى « إذا أردناه » فجاء بظرف الزمان المستقبل في تعليق الإرادة ، فأدخل الله تعلق إرادته تحت حكم الزمان ، فجاء بإذا وهي من صيغ الزمان ، والزمان قد يكون مرادا ولا يصح فيه إذا لأنه لم يكن بعد فيكون له حكم فقوله تعالى « إذا أردناه » هو التوجه الإلهي على الشيء في حال عدمه و أن نقول له » وهو قوله لكل شيء يريده وذلك من کون الحق متكلما .
وما يأمر إلا من يسمع بسمع ثبوتي أو

ص 170

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحكة»، فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في السعداء احمرار الوجنات.
ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» و هو ما أثره السرور )

وجودي ، يسمع الأمر الإلهي «کن» بالمعنى الذي يليق بجلاله ، وكن حرف وجودي أو إن شئت أمر وجودي ، فما ظهر عنها إلا ما يناسبها .
فلا يكون عن هذا الحرف إلا الوجود ، ما يكون عنه عدم ، لأن العدم لا يكون ، لأن الكون وجود، وكن كلمة وجودية من التكوين ، فكن عين ما تكلم به .
وهو الأمر الذي لا يمكن للمأمور به مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروك ، فظهر عن هذا الأمر الذي قيل له « کن » فيكون ذلك الشيء في عينه ، فيتصف ذلك المسكون بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود .
فإذا ظهر عن قوله « کن » لبس شيئية الوجود ، وهي على الحقيقة شيئية الظهور لنفسه ، وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ولكن لربه لا لنفسه ، فما ظهر لنفسه إلا بعد تعلق الأمر الإلهي من قوله «کن» بظهوره ، فاكتسب ظهوره لنفسه ، فعرف نفسه وشاهد عينه .
فاستحال من شيئية ثبوته إلى شيئية وجوده ، وإن شئت قلت استحال في نفسه من كونه لم يكن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه ، فما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممكنات لما أراد الله بذلك .
وأضاف الله التكوين إلى الذي يكون لا إلى الحق ولا إلى القدرة ، بل أمر فامتثل السامع في حال عدم شيئيته وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتي ، فأمره قدرته ، وقبول المأمور بالتكوين استعداده .
فإن الممكنات لها الإدراكات في حال عدمها ، ولذا جاء في الشرع أن الله يأمر الممكن بالتكوين فيتكون ، فلولا أن له حقيقة السمع وأنه مدرك أمر الحق إذا توجه عليه لم يتكون ، ولا وصفه الله بالتكوين ، ولا وصف قفسه بالقول لذلك الشيء المنعوت بالعدم .
فتعلق الخطاب بالأمر لهذه العين المخصصة بأن تكون فامتثلت فكانت ، فلولا ما كان للممكن عين ولا وصف لها بالوجود يتوجه على تلك العين الأمر بالوجود لما وقع الوجود ، فالمأمور به إنما هو الوجود .
 ولذلك أعلمنا الله أنه خاطب الأشياء في حال عدمها وأنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب ،

ص 171


قال الشيخ رضي الله عنه : ( بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء.
ولهذا قال في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا.
فقال في حق السعداء «يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» .
وقال في حق الأشقياء )

فبادرت إلى امتثال ما أمرها به ، فلولا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك.
وهو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليه في حال العدم .
فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها ومن حيث ما به بقاؤها، فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها وإن تغيرت عليها الأعراض والأمثال والأضداد ، إلا أن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما.
وذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم ، ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية ، فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود ، فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين وليست كذلك في حال العدم .
فإنه لا يتغير عليها شيء في حال العدم ، بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت ، إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ، ولا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصفت العين القائم به هذا المسكن الخاص بالوجود .
فالأمر بين وجود و عدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة «فیکون» يعني حكم ما توجه عليه أمر كن ، كان ما كان ، فيعدم به ويوجد ، فليس متعلقه إلا الأثر ، فترى الكائنات ما ظهرت ولا تكونت من شيئيتها الثابتة إلا بالفهم ، لا بعدم الفهم ، لأنها فهمت معنی کن فتكونت .
ولهذا قال « فیکون » يعني ذلك الشيء لأنه فهم عند السماع ما أراد بقوله كن فبادر لفهمه دون غيره بالتكوين .
 وعندنا قوله تعالى « فیکون » ما هو قبول التكوين ، وإنما قبوله للتكوين أي يكون مظهرا للحق ، فهذا معنى قوله فیکون ، لا أنه استفاد وجودا ، وإنما استفاد حكم المظهرية. 
حيث أنه قبل السماع من حيث عينه الثابتة الموجودة ، فالحق عين كل شيء في الظهور ، وما هو عين الأشياء في ذواتها ، سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشياء أشياء

ص 172

قال الشيخ رضي الله عنه : ( «فبشرهم بعذاب أليم»  
فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا الكلام. 
فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم. 
فما أثر فيهم سواهم كما لم يكن التكوين إلا منهم. فلله الحجة البالغة. 
فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه )

فلولا الحق ما تميزت الموجودات بعضها عن بعض ولكان الأمر عينا واحدا ، فعين سمييز الحق لها وجودها ، وعين تمييز بعضها عن بعض فلا نفسها .
ولذلك لم ترد كلمة الحضرة في كل كائن عنها على كلمة « کن » شيئا آخر ، بل انسحب على كل كائن عين كن لا غير .
فلو وقفنا مع كن لم نر إلا عينا واحدة ، وإنما وقفنا مع أثر هذه الكلمة ، وهي المكونات ، فكثرت وتعددت وتميزت بأشخاصها ، والخلاصة هي أن الله سبحانه يرانا في حال عدمنا في شيئية ثبوتنا .
كما يرانا في حال وجودنا ، لأنه تعالی ما في حقه غيب ، فكل حال له شهادة ، فيتجلى تعالى للأشياء التي يريد إيجادها في حال عدمها من اسمه النور تعالى ، فينفهق على تلك الأعيان أنوار هذا التجلي ، فتستعد لقبول الإيجاد ، فيقول له عند هذا الاستعداد کن فیکون من حينه من غير تثبط .
الفتوحات ج 1 / 46 ، 260 ، 265 ، 323 ، 538 ، 732 .
ج 2 / 62 ، 190 ، 201 ، 259 ، 280 ، 302 ، 400 ، 4014 ، 402 ، 495 ، 672.
ج 3 / 46 ، 68 ، 90 ، 134 ، 217 ، 254 ، 255 ، 263 ، 282 ، 286 ، 289 ، 295 ، 525 .
ج  4 / 70 .

5 - البشارات في القرآن :
و من جملة الخطابات الإلهية البشارات ، وهي على قسمين بشارة بما يسوء مثل قوله « فبشرهم بعذاب أليم » .
وبشارة بما يسر مثل قوله تعالى « فبشره بمغفرة. وأجر کریم » فكل خبر يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشرى.
 فالبشرى لا تختص بالسعداء في الظاهر ، وإن كانت مختصة بالخير ، والكلام على هذه البشرى لغة وعرفا ، فأما البشري من طريق العرف.
فالمفهوم منها الخير ولابد ، ولما كان هذا الشقي ينتظر البشري في زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق ، قيل بشره لانتظاره


ص 173

قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا يؤتى عليه بخير و لا بشر إلا منه. و أعني بالخير ما يوافق غرضه و يلائم طبعه و مزاجه، و أعني بالشر ما لا يوافق غرضه و لا يلائم طبعه و لا  مزاجه.
و يقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم و إن لم يعتذروا، و يعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع للمعلوم. "6"
 فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه : يداك أوكتا و فوك نفخ.
و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. )

البشري ، ولكن كانت البشري له بعذاب أليم ، وأما من طريق اللغة .
فهو أن يقال له ما يؤثر في بشرته ، فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه وضحكا وفرحا واهتزازا وطربا .
وإذا قيل له شر أثر في بشرته قبضا و بكاء وحزنا وكندا واغبرارا وتعبيسا.
ولذلك قال تعالى : " وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة » فذكر ما أثر في بشرتهم .
فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير والشر لغة ، وأما في العرف فلا .
فقيل « بشرهم » لأثر ما بشر به في بشرة كل من بشر .
يقول تعالى :" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا " 
فقيل : "فبشرهم بعذاب أليم" .
وقيل : « يبشرهم ربهم برحمة منه » لأن كل واحد أثر في بشرته ما بشر به.
الفتوحات  ج 3 / 5 ، 85  - ج 4 / 410

6 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3  ص 42

"" العلم تابع للمعلوم الفص 2 هامش 3  ص 42
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .

فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .

فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني .
يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟  فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه.
ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.

أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.

فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.

فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".

وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235.  ""

ص 174


واتساب

No comments:

Post a Comment