Friday, April 3, 2020

السفر السادس والعشرون فص حكمة صمدية في كلمة خالدية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس والعشرون فص حكمة صمدية في كلمة خالدية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس والعشرون فص حكمة صمدية في كلمة خالدية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26   - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
هذا فص الحكمة الخالدية ، ذكره بعد حكمة موسى عليه السلام لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل كما أن موسى عليه السلام أوّلهم .
(فص حكمة صمدية) ، أي منسوبة إلى الصمد من أسماء اللّه تعالى ، وهو الذي يصمد إليه بالحوائج ، أي يقصد فيها (في كلمة خالدية .)
إنما اختصت حكمة خالد بن سنان بكونها صمدية لأن نبوّته كانت برزخية ، ففيها الكشف عن أحوال البرزخ الأخروي ، والجميع محتاجون إلى معرفة ذلك وبيانه لهم ، فهو مصمود إليه بذلك ومقصود في بيانه من حيث نفس الأمر ، وإن أضاعه قومه ، ولم يعتبروا منه ما هم محتاجون إليه .

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا . فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه . )

قال رضي الله عنه :  (وأما حكمة خالد بن سنان) عليه السلام العبسي من بني عبس . روي أن ابنته سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ :"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"[ الإخلاص : 1 ] .
فقالت : كان أبي يقرأ هذا . ذكره الدميري في حياة الحيوان في التفسير وقصته : أنه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن من اليمن ، فخرجت نار عظيمة من مغارة هناك فأهلكت الزرع والضرع ، فالتجأ إليه قومه في دفع ذلك عنهم ، فأخذ خالد عليه السلام يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها ،

ثم قال لأولاده : إني أدخل المغارة خلف هذه النار حتى أطفئها وأمرهم أن ينادوه بعد ثلاثة أيام تامة ، فإنهم إن نادوه قبل ثلاثة أيام فإنه يخرج ويموت ،
وإن صبروا ثلاثة أيام ونادوه يخرج سالما .
فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا تمام ثلاثة أيام ، وظنوا أنه هلك ، فنادوا به فخرج عليه السلام من المغارة وعلى رأسه ألم حصل له من صياحهم به قبل الوقت
فقال : ضيعتموني وأضعتم قولي ووصيتي وأخبرهم بأنه يموت وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما ،
فإنه يأتيهم قطيع من الغنم يقدمها حمار أبتر ، أي مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره ، فإنه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ وأحوال القبور عن يقين ورؤية ،
فانتظروا بعد موته أربعين يوما ، فجاء القطيع ويقدمه حمار أبتر فوقف حذاء قبره ، فأراد المؤمنون من قومه أن ينبشوا عليه كما أمر فامتنع أولاده من ذلك خوفا من العار لئلا يقال لهم أولاد المنبوش فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه  . رواه الحاكم في المستدرك

فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءت بنت خالد فقال لها صلى اللّه عليه وسلم : " مرحبا يا بنت نبي أضاعه قومه " . رواه الحاكم في المستدرك
وروى الدارقطني : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : " كان نبيا فضيعه قومه " ، يعني خالد بن سنان .
وذكر غيره من العلماء : أن ابنته أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فبسط لها رداءه فقال : " أهلا ببنت خير نبي " أو نحو ذلك .

ذكره الكواشي والزمخشري وغيرهما أنه كان بين محمد وعيسى عليهم السلام أربعة أنبياء من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسي . وذكر البغوي أنه لا نبي بينهما . وقيل : إن خالد بن سنان هو النبي الذي دعا على العنقاء الطير الكبير المشهور لما شكا إليه قومه ما يلقون منها ، فانقطع نسلها وانقرضت ، فلا توجد إلى يوم القيامة .

وقيل : إنه كان وكّل به من الملائكة مالك خازن النار ، ذكره الدميري في حياة الحيوان في العنقاء (فإنه) ، أي خالدا عليه السلام (أظهر بدعواه) إلى اللّه تعالى (النبوّة) مفعول أظهر (البرزخية) ، أي المقتضية للأخبار عن أحوال البرزخ وهو العالم الذي بين الدنيا والآخرة الذي تنتقل إليه نفوس الأموات بعد موتهم ويبقون فيه على مراتب ما كانوا عليه في الدنيا إلى أن ينفخ في الصور وينتقلوا إلى الآخرة فيكونون في جنة أو في نار وإظهار ذلك منه بقوله : إنه يخبرهم بأحوال البرزخ والقبور ،

قال رضي الله عنه :  (فإنه) ، أي خالدا عليه السلام (ما ادعى الإخبار بما هنالك) ، أي بأحوال البرزخ والقبور (إلا بعد الموت) ، أي بعد موته ووضعه في القبر
(فأمر أن ينبش عنه) قبره ويسأل عن ذلك حتى يكون إخباره عن ذوق حقيقي وكشف حسي .
وقد أخبرت الأنبياء عليهم السلام عن أحوال البرزخ والقبور ، ولكن بطريق الوحي والخبر الإلهي الواصل إليهم ، لأن ذلك كان منهم قبل موتهم ،
وخالد عليه السلام أراد أن يخبر بعد موته وعوده إلى الدنيا ثانيا (فيخبر أن الحكم) الواقع (في البرزخ) من أحوال الموتى (على صورة) ما كانوا عليه من نتائج الأعمال والأحوال (الحياة الدنيا) طبق ما أمرتهم به الرسل عليهم السلام ونهتهم عنه من أحكام اللّه تعالى ،
وإن لم يشعروا بذلك وهم في الحياة الدنيا ، وإنما المؤمنون به بالغيب والكافرون كافرون به حتى يموتوا فيذوقونه ويشهدونه حسا وكشفا .

قال رضي الله عنه :  (فيعلم) بالبناء للمفعول (بذلك) ، أي بما يخبر عنه (صدق الرسل كلهم) من آدم إليه عليهم السلام (فيما أخبروا) ، أي الرسل عليهم السلام (به في حياتهم الدنيا) قبل موتهم مما هو نافع للمكلفين في أمور آخرتهم عند اللّه تعالى أو ضار لهم فيها من الأعمال والأقوال والأحوال ظاهرا وباطنا
قال رضي الله عنه :  (فكان غرض خالد صلى اللّه عليه وسلم) حصول إيمان ، أي تصديق العالم كله ، أي جميع المكلفين (بما جاءت به الرسل) عليهم السلام من عند اللّه تعالى وإزالة شبه الجميع عن أقوال الرسل وإخباراتهم عليهم السلام (ليكون) ، أي خالد عليه السلام (رحمة للجميع) ، أي الرسل وأممهم حيث اقتضت نبوّته تصديق الكل بالحق وزوال التكذيب به عنهم .

(فإنه) ، أي خالدا عليه السلام (تشرف) ، أي صار شريفا فارتفعت همته إلى هذا الأمر العظيم الشأن الجسيم ، الذي لم تتطاول إليه يد نبي من الأنبياء الماضين عليهم السلام أصلا (بقرب) ، أي بسبب قرب (نبوّته) ، أي خالد عليه السلام (من نبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم) ، الذي قال اللّه تعالى فيه ":وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ" [ الأنبياء  : 107].

قال رضي الله عنه :  (وعلم) ، أي خالد عليه السلام بالوحي الكشفي (أن اللّه) تعالى (أرسله) ، أي أرسل محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وإن لم يظهر زمان إرساله لأنه حق كائن في وقته (رحمة للعالمين) .
(ولم يكن خالد) عليه السلام (برسول اللّه) وإنما كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل ، ولهذا أضاعه قومه ، لأن اللّه تعالى أوحى إليه ولم يأمره بالتبليغ ، ولو أمره لما قدر على إضاعته أحد كما أمر المرسلين من أولي العزم وغيرهم عليهم السلام وتعرض لهم قومهم بالتكذيب والجحود وإبطال الحق الذي جاؤوا به والمنع من متابعتهم ، ولم يقدروا وقد أعجزهم اللّه تعالى وردهم مخذولين خاسرين خائبين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى :"وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ( 171 ) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ( 172 ) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ" [ الصافات : 171 - 173 ] .

وكذلك اتباع المرسلين عليهم السلام من ورثتهم الذين هم خاصة أممهم ملحقون بهم أيضا أهل دعوة إلى اللّه تعالى صحيحة مأمورا بها كما قال تعالى :" قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي " [ يوسف : 108 ] ،
فلا يمكن رد دعواهم ولا إضاعتهم أصلا ، وإنما هم منصورون نافذ أمرهم ونهيهم على كل حال لقوله صلى اللّه عليه وسلم " فليبلغ الشاهد منكم الغائب ".

وقوله عليه السلام : « الشيخ في جماعته كالنبي في أمته » .  
""حديث : بجلوا المشايخ، فإن تبجيل المشايخ من إجلال الله، فمن لم يبجلهم فليس مني".
رواه ابن حبان في التاريخ ، والديلمى عن أنس .""

ولكنهم كما يرثون الأنبياء في علومهم الإلهية وأحوالهم الكمالية يرثونهم أيضا في وقائعهم وقت التبليغ من تكذيب الناس لهم وأذيتهم والسخرية عليهم ، واللّه تعالى حافظهم وناصرهم على كل حال . والأنبياء الذين ليسوا بمرسلين لم يؤمروا بالتبليغ إلى الناس،
وإنما هم مأمورون بالعمل الصالح في أنفسهم والاستقامة عليه ونصح من تابعهم برضى خاطره وانقاد إليهم من الأمم ، فإذا خالفوهم وعصوهم فإنهم لم يؤمروا بمحاربتهم ولا قتالهم ولا التعرض لهم في شيء أصلا ولم يخبر تعالى أنه ناصرهم ولا حافظهم ممن كذبهم ، فلهذا قتل يحيى ونشر زكريا وكثير من بني إسرائيل عليهم السلام لتعرضهم للعصاة والكافرين وهم لا يؤمرون بذلك ، وخالد بن سنان عليه السلام كان كذلك فلهذا أضاعه قومه .

قال رضي الله عنه :  (فأراد) ، أي خالد عليه السلام (أن يحصل من هذه الرحمة) الواسعة لجميع العالمين الكائنة (في) زمان (الرسالة المحمدية) إلى كافة البرية (على حظ وافر) ونصيب متكاثر حيث يكون ممهدا لقواعدها ومشيدا لأركانها قبل مجيء زمانها .

وهذه كانت نيته وهي من أكبر الطاعات لكن لا خصوص إذن له بذلك من اللّه تعالى ، وإنما معه في ذلك الإذن العام بعمل الخير والطاعة فله ثواب ذلك ويحشر يوم القيامة على نيته وفعل طاعته .

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " يبعث الناس على نياتهم" . رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي هريرة رضي اللّه عنه وابن ماجه في سننه.

ولم يؤمر ، أي خالد عليه السلام بالتبليغ ، أي تبليغ ما أوحى اللّه تعالى إليه إلى قومه كما أمرت المرسلون عليهم السلام وورثتهم كما ذكرنا .

قال رضي الله عنه :  (فأراد) ، أي خالد عليه السلام (أن يحظى) ، أي يفوز (بذلك) ، أي بالحظ الوافر من الرحمة العامة في الرسالة المحمدية (في) بيان (أحوال البرزخ) والقبور (ليكون) ذلك (أقوى في العلم) الإلهي (في حق الخلق) فيعلمون به إذا بلغه إليهم صدق المرسلين عليهم السلام في جميع ما بلغوه عن اللّه تعالى من الحق (فأضاعه) ، أي خالدا عليه السلام (قومه) ، ولم يحفظوا وصيته كما سبق بيانه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)
26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
الصمد المصمد إليه أي المحتاج إليه أو الصمد هو الذي لا جوف له ولما غلبت صفة الصمدية على خالد عليه السلام اختصت الحكمة الصمدية بكلمته ( وأما حكمة خالد بن سنان عليه السلام فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية ( أي الاخبار عن أحوال القبر .
"" أضاف المحقق :
هو خالد بن سنان بن غيث العبسي من أهل زمن الفترة التي امتدت بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى اللّه عليه وسلم ، أو ممن عاش قبل زمن عيسى عليه السلام على بعض الأقوال .
والمعروف عنه أنه كان يقول بالتوحيد قبل بعثة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ناهجا نهج الملة الحنفية وقد عده كثير من المسلمين ومنهم ابن عربي من الأنبياء ،
استنادا فيما يظهر على ما يروى من أن ابنته أو إحدى بنات ذرّيته جاءت إلى الرسول فقال لها : " مرحبا يا بنت نبي أضاعه قومه " .
ويقال إنها لما أتت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم سمعته يقرأ :قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌفقالت قد كان أبي يقرأ هذا . ذكره القاشاني في شرحه على الفصوص ص 426 .""

قال رضي الله عنه :  ( فإنه ما ادّعى الاخبار بما هنالك ) أي لم يدّع الاخبار بما في البرزخ ( إلا بعد الموت فأمر أن ينبش عليه فيسأل ) عن أحوال القبر ( فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا فيعلم بذلك (  أي بما أخبره خالد عليه السلام .

قال رضي الله عنه :  ( صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ) من نعيم القبر وعذابه ( فكان غرض خالد عليه السلام إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ) من المقامات البرزخية وأحوالها ومقصود خالد عليه السلام من هذا الفعل ( ليكون ) خالد عليه السلام ( رحمة للجميع فإنه تشرف ) من التشريف ( بقرب نبوته من نبوة محمد عليه السلام وعلم ) خالد عليه السلام ( أن اللّه أرسله ) أي محمدا عليه السلام ( رحمة للعالمين ولم يكن خالد عليه السلام فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر ولم يؤمر بالتبليغ فأراد أن يحظ بذلك ) التبليغ.

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق ) أي ليظهر أعلميته بين الناس في البرزخ وقصته مذكورة في كتب التفاسير ونحن أوردناها على ما أوردها القيصري في شرحه بعبارته بلا نقص ولا زيادة تبركا بهذه الحكاية وهي أنه كان مع قومه يسكنون بلاد عدن فخرجت نار عظيمة من مغارة فأهلكت الذرع والضرع فالتجأ إليه قومه
فأخذ خالد عليه السلام يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها ...
ثم قال لأولاده إني أدخل المغارة خلف النار حتى أطفأها وأمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيام تامة فإنهم إن نادوا قبل ثلاثة أيام فهو يخرج ويموت .
وإن صبروا ثلاثة أيام يخرج سالما فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا تمام ثلاثة أيام فظنوا أنه هلك فصاحوا به فخرج من المغارة وعلى رأسه ألم حصل من صياحهم .

فقال : ضيعتموني وأضعتم قولي ووصيتي وأخبرهم بموته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما فإنهم يأتيهم قطيع من الغنم يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب
فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه فإنه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين ورؤية فانتظروا أربعين يوما فجاء القطيع ويقدم حمار أبتر فوقف حذاء قبره
فهمّ مؤمنو قومه أن ينبشوا عليه فأبى أولاده خوفا من العار ، لئلا يقال لهم أولاد المنبوش قبره فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه
فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءته بنت خالد عليه السلام فقال الرسول عليه السلام مرحبا يا ابنة نبيّ أضاعه قومه .
قال رضي الله عنه :  ( فأضاعه قومه) أي وصيته.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا . فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


قلت : هذا خالد بن سنان كان في الفترة التي بين عيسى، عليه السلام، وبين محمد صلی الله عليه وسلم، وأنه ليس برسول بل نبي،
فذكر الشيخ رضي الله عنه، أنه من أنبياء البرزخ وهو عالم الخيال المطلق وهي حضرة من الحضرات الإلهية شريفة المقام بين الحضرات الإلهية .
وقد أخبر بمراده وأن قومه أضاعوه وما ضاع بل كان له أجر على قدر رتبته ، فما حصل له التبليغ بل نية التبليغ.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26 -  فصّ حكمة صمدية في كلمة خالدية
كان هجّير خالد الأحد الصمد ، ومشهوده الصمدية ، وكان في قومه مظهر الصمدية يصمدون إليه في المهمّات ، ويقصدونه في العظائم والملمّات ، لهذا أضيفت الحكمة الصمدية إليه ، كما سنذكر إن شاء الله تعالى .
"" دعا إلى الأحد الصمد ، وكان قومه يصمدون إليه ويقصدونه في الملمّات والمهمّات ، فيكشف الله إيّاها عنهم بدعائه عليه السّلام  .""
قال رضي الله عنه  : ) وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخية ، فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنا لك إلَّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ، ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ، فيعلم بذلك صدق الرسل كلَّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ، فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلَّه بما جاءت به الرسل ليكون رحمة للجميع ، فإنّه أشرف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلم أنّ الله أرسله رحمة للعالمين ، ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظَّ وافر وإن لم يؤمر بالتبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق فأضاعه قومه ( .

يشير رضي الله عنه  إلى أنّ خالدا لمّا استشرف على كمال نبوّة محمّد ، وأنّه المبعوث رحمة للعالمين كافّة ، تمنّى أن يكون له عموم إنباء ونبوّة مستندة إلى العلم الحاصل للكافّة بما في البرزخ بعد الموت ، فإنّ العامّة والجمهور لا ينقادون لإنباء الأنبياء وأنبائهم مثل انقيادهم مثلا ، إلى إنباء من ينبئ بما بعد الموت وإنبائه بعد أن يموت ، وأحياه الله في رأى العين وأخبر بما شاهد ، فإنّ تأثير مثل ذلك في عموم إيمان الخلق أبلغ ،

فكان من قضيّة خالد عليه السّلام أنّه كان قويّ الهمّة ، والغالب عليه شهود الأحدية ، فظهرت في زمانه بين قومه - وكانوا يسكنون في بلاد عدن - نار عظيمة خرجت من مغارة ،
فأهلكت الزرع والضرع ، فصمد إليه قومه وقصدوه - على ما اعتادوا منه في دفع الملمّات ورفع المهمّات - حتى يدفع عنهم أذيّة تلك النار ، وكانوا مؤمنين ، فلما رأى خالد بن سنان عليه السّلام تلك النار ، أخذ يضربها بعصاه من خلفها ،

ويقول : بدّا بدّا ، حتى بدّد النار وفرّقها ، فرجعت النار هاربة وهو يضربها بعصاه ويقول : بدّا بدّا حتى ساقها إلى مغارة خرجت منها فأدخلها في المغارة
ثمّ قال لأولاده وقومه : إنّى أدخل المغارة خلف النار ، حتى أطفئها ، وأمرهم أن يدعوه ولا يدعوه إلى ثلاثة أيّام تامّة ، فإنّهم إن نادوه ودعوه قبل تمام ثلاثة أيّام وفي أثنائها ، فإنّه يخرج ويموت ،
وإن صبروا إلى تمام ثلاثة أيّام ، خرج سالما ، وقد دفع عنهم أذية النار ، فلمّا دخل المغارة خلف النار ، صبروا يومين واستفزّهم الشيطان ، فلم يصبروا تمام ثلاثة أيّام ، فصاحوا به قبل تمام الوقت ودعوه ونادوه وارتابوا أنّه ربما يكون قد هلك ،
فخرج عليه السّلام من المغارة ويداه على رأسه من الألم الذي ألمّ به من صياحهم وندائهم قبل تمام الميقات ،
فقال لهم : « ضيّعتموني وأضعتم قولي وعهدي » وأخبرهم بموته ، وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما فإنّه يأتيهم بعد الأربعين قطيع غنم يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف ، فلينبش على خالد عليه السّلام قبره ، فإنّه يقوم ويخبرهم بجليّة الأمر بعد الموت عن شهود ورؤية ويقين ، فيحصل الخلق كلَّهم على اليقين بما أخبرت الرسل ، وتصحّ عندهم الإخبارات النبويّة كلَّها ،

ثمّ مات خالد ، فدفنوه وانتظروا عبور أربعين يوما ، وانتظروا بعد ذلك قطيع غنم ، فجاء القطيع - كما ذكر - يقدمه حمار أبتر ، فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنو قومه ، وأولاده أن ينبشوا عليه كما أمرهم حتى يخبرهم بصدق الأنبياء والنبوّات كلَّها فأبى أكابر أولاده ،
وقالوا يكون عار عند العرب أن ينبش على أبينا ، فيقال فينا : أولاد المنبوش وندعى بذلك ، فحملتهم الحميّة الجاهلية على ذلك ، فضيّعوا وصيّته وأضاعوه .

ثمّ بعد بعثة رسولنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم جاءته بنت خالد ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  " مرحبا بابنة نبيّ أضاعه قومه " .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26 -  فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
إنما اختصت الكلمة الخالدية بالكلمة الصمدية ، لأن دعوته إلى الأحد الصمد ، ومشهده الصمدية ، وهجيره في ذكره الأحد الصمد ، وكان في قومه مظهر الصمدية يصمدون إليه في المهمات ، ويقصدونه في الملمات ، فيكشف الله عنهم بدعائه البليات .
( وأما حكمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية ) أي الحجابية التي تكون في عالم المثال بعد الموت ، فإنه لم يظهر نبوته في حياته ، ولذلك لم يعتبرها نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال « إني أولى الناس بعيسى ابن مريم فإنه ليس بيني وبينه نبي » فعلم أنه لم يكن نبيا في هذا الموطن ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك إلا بعد الموت ) أي ادعى أنه يخبر بعد موته عن أحوال الآخرة.

قال رضي الله عنه :  ( فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ، فيعلم بذلك صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ، فكان غرض خالد عليه السلام إيمان العالم كله بما جاء به الرسل ليكون رحمة للجميع ، فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلم أن الله أرسله رحمة للعالمين ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر ولم يؤمر بالتبليغ فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق فأضاعه قومه ).

فلما استشرف خالد عليه السلام كمال نبوة محمد وعلم أنه المبعوث رحمة للعالمين كافة تمنى أن يكون له عموم أنباء ونبوة مستندة إلى العلم الحاصل للكافة بما في البرزخ بعد الموت ، فإن العامة لا ينقادون لأنباء الأنبياء انقيادهم لأنباء من ينبئ بعد أن يموت فيحييه الله فيخبر بما شاهد هنالك ، فإن تأثير مثل ذلك في إيمان عموم الخلق أبلغ .

وكان من قصته عليه السلام أنه كان قوى الهمة والغالب عليه شهود الأحدية ، وكان هو وقومه يسكنون بلاد عدن فظهرت بينهم نار عظيمة خرجت من مغارة فأهلكت الزرع والضرع فصمد إليه قومه على ما اعتادوا منه في دفع الملمات حتى يدفع عنهم أذى تلك النار وكانوا مؤمنين به ، فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه من خلفها ويقول : بدّا بدا حتى بردت النار فرجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها وهو يسوقها حتى أدخلها ،

ثم قال لأولاده وقومه : إني أدخل المغارة خلف النار حتى أطفئها ، فأمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيام تامة فإنهم إن نادوه قبل انقضائها فهو يخرج ويموت ، وإن صبر وأخرج سالما وقد دفع عنهم مضرة النار ، فلما دخل صبروا يومين واستفزهم الشيطان فلم يصبروا تمام ثلاثة أيام ، فارتابوا أنه هلك فصاحوا به فرجع عليه السلام من المغارة ويداه على رأسه من الألم الذي أصابه من صياحهم ،
فقال لهم : ضيعتمونى وأضعتم قولي وعهدي وأخبرهم بموته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما ، فإنه يأتيهم قطع من الغنم يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره فإنه يقوم ويخبرهم بجلية الأمر بعد الموت عن شهود ورؤية فيحصل للخلق كلهم عين اليقين بما أخبرت به الرسل عليهم السلام .

ثم مات خالد فدفنوه فانتظروا مضى الأربعين وورود قطيع الغنم ، فجاء القطيع كما يذكر يقدمه حمار أبتر فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنو قومه وأولاده أن ينبشوا عليه كما أمرهم حتى يخبرهم بصدق الأنبياء والنبوات كلها ، فأبى أكابر أولاده وقالوا : يكون علينا عارا عند العرب أن ينبش على أبينا فيقال فينا أولاد المنبوش وندعى بذلك ، فحماتهم الحمية الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه .

ثم بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته بنت خالد فقال لها صلى الله عليه وسلم « مرحبا بابنة نبي أضاعه قومه » ولم يصف النبي عليه الصلاة والسلام قومه بأنهم ضاعوا لإصابتهم في الإيمان فصحت نبوته .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
قال رضي الله عنه :  ( الصمد ) يقال على مالا جوف له : تقول ( هذا مصمود ) أي ليس بمجوف ، ويقال للمقصد والملجأ : قال الله تعالى ( الله الصمد ) .
ولما كان خالد ، عليه السلام ، في قومه صمدا محتاجا إليه ، ملجاء لهم ، يستندون إليه في كل حاجة ، وكان مظهرا للإسم ( الصمد ) وذاكرا ربه بالأحد الصمد ، اختصت الحكمة الصمدية بكلمته .

قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة خالد بن سنان ، فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية . ) أي ، أظهر بدعواه الإنباء عن البرزخ الذي بعد الموت ، وما أظهر نبوته في الدنيا ، لذلك قال نبينا ، صلى الله عليه وسلم : ( إني أولى الناس بعيسى بن مريم : فإنه ليس بيني وبينه نبي ) . أي ، نبي داع للخلق إلى الله ومشرع .

والمراد ب‍ ( البرزخ ) هنا الموطن الذي بين الدنيا والآخرة . وهو غير البرزخ الذي بين عالم الأرواح المثالي ، وبين هذه النشأة العنصرية ، كما مر في المقدمات  في الفصل الكاشف عن أحوال عالم المثال .

قال رضي الله عنه :  ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك ) أي ، بما في البرزخ ( إلا بعد الموت ، فأمر أن  ينبش عليه ويسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ، فيعلم بذلك )
الإخبار ( صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا . فكان غرض خالد
صلى الله عليه وسلم إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ) من أحوال القبر والمواطن
والمقامات البرزخية .

قال رضي الله عنه :  ( ليكون ) خالد ( رحمة للجميع ، فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وعلم خالد أن الله أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر ولم يؤمر بالتبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك ) التبليغ من مقام الرسالة ( في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق . )
أي ، ليعلم قوة علمه بأحوال الخلائق في البرزخ .

قال رضي الله عنه :  (  فأضاعه قومه .) أي ، أضاعوا وصية نبيهم

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

الفصّ الخالدي
26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية  
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالاستعلاء ؛ للاستغناء عن الكل مع افتقار الكل إليه ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى خالد بن سنان العنسي عليه السّلام ، إذ قصد أن يخبر عن الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها عن مشاهدة يعترف بها كل أحد من غير حاجة إلى معجزة ، ولا إلى تصديق نبي آخر ، وتصديق الأنبياء عليهم السّلام  يفتقر إلى هذا عند البعض ، وهؤلاء يفتقر في إثبات مدعاهم إلى شيء ،
"" أضاف المحقق :
إنما اختصت الكلمة الخالدية بالكلمة الصمدية ؛ لأن دعوته إلى الأحد الصمد ، ومشهده الصمدية وهجيره في ذكره الأحد الصمد ، وكان في قومه مظهر الصمدية يصمدون إليه في المهمات ، ويقصدونه في الملمات ، فيكشف اللّه عنهم بدعائه البليات . القاشاني . ""

وقصته : أنه كان يسكن عدن ، فخرجت نار عظيمة من مغارة ، فأهلكت الزرع والضرع ، فالتجأ إليه قومه ، فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه من خلفها ،
ويقول : بدا بدا حتى ترد النار ، فرجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها ، ثم قال لأولاده : إني أدخل المغارة خلف النار لأطفئها ، وأمرهم أن يدعوه ثلاثة أيام تامة ، فإنهم إن دعوه قبلها خرج ومات ، وإن صبروا تمام ثلاثة أيام خرج سالما ، وقد وضع عنهم مضرة النار ، فلما دخل صبروا يومين ،
واستفزهم الشيطان فظنوا أنه ربما هلك ، فصاحوا به فخرج من المغارة ويداه على رأسه من الألم الذي أصابه من صياحهم ،

فقال لهم : ضيعتموني وضيعتم قولي ووصيتي ، أخبرهم بموته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما ، فإنه يأتيهم قطيع من الغنم يقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاز قبره ووقف ، فلينبشوا عليه قبره ، فإنه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن رؤية وشهود ، فتحصل الخلق كلهم على اليقين بما أخبرت الرسل عليهم السّلام ،
فمات خالد فدفنوه ، فانتظروا مضي الأربعين ، وورود قطيع الغنم ، فجاء القطيع يقدمه حمار أبتر ، فوقف حذا قبره ، فهمّ مؤمنو قومه أن ينبشوا عليه كما أمرهم ، فأبى أكابر أولاده خوفا من العار أن يقال لهم : أولاد المنبوش ، فحملتهم الحمية الجاهلية على ذلك ، وضيعوا وصيته وأضاعوه .

فلما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جاءته بنت خالد عليه السّلام ، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : " مرحبا بابنة نبي أضاعه قومه " ،
ورأيت في بعض التواريخ : « أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ سورة الإخلاص
فقالت : سمعت أبي يقرأها »  ، انتهى ، وهذا يدل على كون حكمته صمدية كما قال رحمه اللّه .

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان ؛ فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة ، فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا ، فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع ؛ فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه ،)

قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة خالد بن سنان ) ، أي : العلم اليقيني المختص به ، وهو العلم المستغني بإفادة اليقين عن غيره المفتقر إليه علوم سائر الأنبياء - عليهم السّلام - فيما أخبروا ، وهو التخلق أو التحقق بالصمدية ،
قال رضي الله عنه :  ( فإنه أظهر بدعواه للنبوة النبوة البرزخية ) أي : الإخبار عما يجب الإيمان به من أحوال البرزخ والقيامة بعد مصيره إلى البرزخ ، وهو عالم القبر المتوسط بين الدنيا والقيامة ، ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك ) ، أي : بما في البرزخ والقيامة
( إلا بعد الموت ) قبل القيامة إذا خرج من قبره بعد أربعين يوما ، ( فأمر أن ينبش عنه ويسأل ) من أحوال البرزخ والقيامة ، ( فيخبر أن الحكم ) ، أي : حكم أرواح الإنسان في التلذذ والتألم.

قال رضي الله عنه :  ( في البرزخ ) احتراز عن القيامة ، فإنها من عالم المحسوسات والمعقولات ( على صورة الحياة الدنيا ) ، أي : من عالم المثال ، فيراه من تمثل في خياله دون من لم يتمثل ؛ فلذلك لا يرى الحي إذا نبش عن الميت ما هو فيه .

قال رضي الله عنه :  ( فيعلم ) أي : يعلم كل واحد ممن يقدر على الاستدلال بالمعجزة لاطلاعه على الفرق بينهما وبين السحر ، وممن لا يقدر ( صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به ) من أحوال البرزخ والقيامة ؛ فإنهم وإن أخبروا عن ذلك بالمشاهدة أو الوحي تقرر في قلوب العامة ، شهد أنهم أخبروا بذلك لا عن مشاهدة ؛ لأنهم كانوا ( في الحياة الدنيا ) ، فهم ومن أخبروهم سواء في عدم المشاهدة في زعمهم ،
قال رضي الله عنه :  ( فكان غرض خالد عليه السّلام ) بالإخبار عما هناك بعد الموت ( إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ) ؛ لأن حياته بعد الموت أقوى معجزة عند العامة ، وإخباراته تكون عن مشاهدة يعترف بها الكل ، فلا يبقي في معجزته شبهة الالتباس بالسحر ، ولا في إخباراته شبهة عدم المشاهدة لأحد ، فتطمئن قلوبهم إلى أخباره وإلى ما وافق أخباره

أخبار الأنبياء - عليهم السّلام ، فيقع التصديق للكل به وبهم عليه السّلام ، وإنما كان غرضه ذلك ؛ ( ليكون رحمة للجميع ) ، وإن لم يبعث إلى الجميع ، لكن عد نفسه من أتباع محمد عليه السّلام وإن تقدمه زمانا ، ( فإنه لشرف قرب نبوته من نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ) ، فكأنه مقارن له في الزمان ، فيجوز أن يكون له حكم المتابع له .

قال رضي الله عنه :  ( وعلم أن اللّه أرسله رحمة للعالمين ) ، فيجوز أن يكون لمتابعة نصيب من هذه الرحمة سيما من كان نبيّا ، ( ولم يكن خالد برسول ) حتى تمنع رسالته من متابعته ، إذ يكون الرسول صاحب شرع مستقل بخلاف من يمحض نبيّا ، ( فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر ) ؛ لأن حظ النبي في متابعة الرسول أوفر من حظ سائر المتابعين ،

وقد صار في حكم المقارن له حيث ( لم يؤمر بالتبليغ ) قبل الموت ، فكأنه لم يكن نبيّا أيضا ، فهو أولى بالتبعية ؛ ولذلك لم يعتبره نبيا عليه السّلام ، فقال : « أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، فإنه ليس بيني وبينه نبي » . رواه البخاري ومسلم

قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن يحظى بذلك ) الحظ الوافر من الرحمة الجامعة في الرسالة المحمدية ( في البرزخ ) الذي يكون بعض أجزاء مدته مفاوتة لزمان بعثة نبينا عليه السّلام ، وإنما المراد ذلك ؛ ( ليكون أقوى في ) إفادة ( العلم ) في ( حق ) عامة ( الخلق ) حتى أن يكون أقوى في حقهم من معجزات نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإن في بعضها أمور دقيقة لا يطلع عليها إلا الحاذقون بالحقائق لأرباب الفطانة البتراء كالقرار ؛

ولذلك قال فيه بعض أرباب هذه الفطانة البتراء : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، ( فأضاعه ) عطف على قوله : فأراد ، الأخير ( قومه ) بأن لم ينبشوا عنه كما قال عليه السّلام لابنته ، وكان حقه أن يقول عليه السّلام لها : ضاعوا ، إذ الأنبياء لا يضيعون بل تحصل لهم الدرجات العالية ، وإنما يصير القوم ضائعين بتضييعهم وصاياهم ، ولكن لم يصف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قومه بأنهم ضاعوا ؛ لأنهم كانوا أصحاب إيمان به وبالرسل وإخباراتهم ،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26 - فصّ حكمة صمديّة في كلمة خالديّة
تسمية الفصّ
ووجه اختصاص هذه الكلمة بحكمتها هو أنّ الصمد : السيد المصمود إليه في الحوائج - من صمد : إذا قصد - فلا بدّ أن يكون جامعا لخصوصيّات الكلّ ، حتى يتمكَّن من تفصّي مقتضيات الجمع ففيه معنى أحديّة جمع الخصوصيّات والحكمة الخالديّة لو ظهرت وتمّت كان أمرها أن ينبئ عن تصديق نبوّة جميع الأنبياء وتحقيق خصوصيّاتهم ، فالحكمة هاهنا مشتملة على أحديّة جميع الحكم كلَّها ، كما أنّ الكلمة كذلك .

وأيضا بيّنات « الصمد » بنفسها هو « الدائم » بموادّها ، وهو « الخالد » مفهوما ومعنى .

النبوّة البرزخيّة
ثمّ إنّ الصورة التي هي أصل قواعد النبوّة وأساس بنائها لها مجليان في العوالم :
 أحدهما في عالم الشهادة ، والصورة فيه هيولانيّة جسمانيّة ، تامّة في مصدريّة أحكامها وآثارها ، كاملة بالكمال الجمعيّ والإحاطة الذاتيّة ، ولكن لا دوام لها
والأخرى عالم المثال ، والصورة فيه شبحانيّة جسدانيّة ، غير تامّة في مصدريّة الخواصّ والآثار ، ولكن لها الجمعيّة البرزخيّة ، بحسب احتياز الأوصاف وجمع الأطراف فإنّ من شأن البرزخ أن يحيط بطرفيه ويحوي أوصافهما ويظهر بهما .

والمثال هو البرزخ بين عالم الأرواح والأجسام ، ولها الخلود والدوام بالنسبة إلى الشهاديّة .
ثمّ إذا تقرّر لك هذا فاعلم إنّه كما أنّ النبوّة الشهاديّة في الصورة التماميّة قد اقتضت ظهور الأنبياء عليهم السّلام بالإنباء عمّا عليه أمرها والإظهار بجملة أحكامها وآثارها ،
كذلك النبوة البرزخيّة اقتضت أن يكون لها كلمة مستقلَّة بين الأنبياء ينبئ عما عليه تلك الصورة في حدّها ، تتميما لأحكام النبوّة المطلقة واستيفاء لمقتضى الصورة التي أصلها بطرفيها ، واستقصاء لأمر الإظهار الذي هو غايتها بعالميها .
وحكمتها هو المشار إليها بقوله :

خالد بن سنان أراد أن يخبر عن البرزخ
"" أضاف المحقق :
اسمه خالد بن سنان بن غيث بن عبس علي ما ذكره المسعودي في مروج الذهب و أيضا أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير و الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني""

قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة خالد بن سنان ، فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخيّة ) والظهور بها في عالم البرزخ ، ( فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلَّا بعد الموت ) وتحقّقه بالصورة البرزخيّة ، خالصة عمّا يخالفها من الأحكام المزاجيّة التي هناك ، حتى يتمكَّن عن الإنباء بما عليه أمر ذلك العالم بخصوصه ، متحقّقا به .

قال رضي الله عنه :  ( فأمر أن ينبش عليه ، ويسأل ، فيخبر ) بعد تحقّقه بها ( أنّ الحكم ) بجمله وتفاصيله  ( في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ، فيعلم بذلك صدق الرسل كلَّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ) فإنّ الصور البرزخيّة غير متحيّزة بالمكان ، ولا مقترنة بالزمان ، فلا اختصاص لأحكامها والإنباء عنها بامّة زمانه ، بل تشمل العالمين ، وإذ لم يكن تلك الرقيقة بينه وبين امّة زمانه خاصّة في البرزخ ، لم يتمّ له ذلك الأمر وما سمعوا كلامه .

قال رضي الله عنه :  ( وكان غرض خالد إيمان العالم كلَّه بما جاءت به الرسل ، ليكون رحمة للجميع ) من العالمين ، ولكن في البرزخ ، فإنّ ذلك العالم لتقدّمه على الشهادة لا يظهر أمر من الأمور بالصور الشهاديّة قطَّ ، إلَّا بعد ظهوره بالصور المثاليّة في البرزخ فإذا ظهر بالصور المثاليّة يكون آية ، لقرب ظهوره بالصور الشهاديّة .

ومن هذا الأصل تتفرّع معرفة الرؤيا واستعلام الأحوال المستقبلة عن تعبيرها ، وإلى ذلك أشار بقوله رضي الله عنه  : ( فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وعلم ) بميامن ذلك القرب أيضا ( أنّ الله أرسله رحمة للعالمين ، ولم يكن خالد برسول ) حتى يصحّ له النسبة الكاملة بامّة زمانه ، ويترتّب عليها البلاغ وسماعهم منه سماع قبول وتربية ، ( فأراد أن يحصّل من هذه الرحمة ) الشاملة

قال رضي الله عنه :  ( التي في الرسالة المحمديّة على حظَّ وافر ، ولم يؤمر بالتبليغ ) حتى يتحقّق بذلك الحظَّ في عالم الشهادة .
( فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ، ليكون ) ذلك من خوارق العادات والمعجزات المختصّة به ، وحينئذ يكون ( أقوى في العلم في حقّ الخلق ) ، لأنّه إعلام أمر مع الإعجاز المؤيّد له ، وهو الدليل الواضح عند العامّة.

خصائص الأمور البرزخيّة وسبب عدم توفيق خالد بن سنان
قال رضي الله عنه :  ( فأضاعه قومه ) لعدم وثاقة النسبة وتصحيحها المترتّب عليه أحكامها ، ولأنّ الصورة البرزخيّة - من حيث هي كذلك - إنّما تقتضي ظهورا ما في مرتبتها على ما اقتضته ، غير كامل النظام ولا متّسق الترتيب فإنّ مبنى أمر النظام والترتيب الزمان والمكان ، وقد عرفت أنّ هذه الصورة في هذه المرتبة غير متحيّزة ولا مقترنة مكانا وزمانا ، وبيّن أنّ نسبة السيّد والنبيّ إلى قومه إنّما استوثقت من الصور الترتيبيّة والهيئة التأليفيّة الشهاديّة ، التي لا بدّ له من نظام حتى يتمّ .

فالنسبة بين خالد وامّته وثيقة حيث كان في الصور الشهاديّة ، وإذا انتقل إلى البرزخ ما بقي النسبة على ما كانت عليه فلذلك قال النبي : « قومه » ، لا : " امّته" .

وإذا لم يكن خالد برسول مأمور بالتبليغ ، بل ذلك إنما هو غرضه المختصّ به أن يحتظي من الرحمة العامّة الختميّة من دون وحي إلهيّ ، ولذلك قال : " أضاعه قومه " .
( ولم يصف النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قومه بأنهم ضاعوا ) ، ولو كان رسولا مأمورا بالتبليغ
كانوا هم الضائعين أولا ،

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة .
فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا .
فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع .
فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

الفصّ الخالدي
26 - فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
قال رضي الله عنه :  (وأمّا حكمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخيّة) .
..........................

فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
الصمد : الملجأ والمحتاج إليه ، ولما كان خالد في قومه ملجأ لهم يصمدون إليه في المهمات ويقصدونه في الملمات جعلت حكمته صمدية ونسبت إليه كلمته .

وقصته أنه كان في زمان الفترة وبين نبينا صلى اللّه عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام قريبا من مبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم كان مع قومه يسكنون بلاد عدن ، فخرجت نار عظيمة من مغارة فأهلكت الزرع والضرع ، فالتجأ إليه قومه فأخذ خالد يضرب تلك النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التي خرجت منها ،
ثم قال لأولاده
: إني أدخل المغارة خلف النار حتى أطفؤها ، وأمرهم أن يدعوه بعد ثلاثة أيام تامة فإنهم إن نادوه قبل ثلاثة أيام فهو يخرج ويموت ، وإن صبروا ثلاثة أيام يخرج سالما ، فلما دخل صبروا يومين فاستفزهم الشيطان فلم يصبروا تمام ثلاثة أيام ، فظنوا أنه هلك فصاحوا فخرج عليه السلام من المغارة وعلى رأسه ألم حصل من صياحهم
فقال : ضيعتموني وأضعتم قولي ووصيتي ، وأخبرهم موته وأمرهم أن يقبروه ويرقبوه أربعين يوما ، فإنه يأتيهم قطيع من الغنم يقدمها حمارا أبتر مقطوع الذنب فإذا حاذى قبره ووقف فلينبشوا عليه قبره ، فإنه يقوم ويخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن يقين ورؤية ،
فانتظروا أربعين يوما ، فجاء القطيع ويقدمه حمار أبتر ، فوقف حذاء القبر فهم مؤمنو قومه أن ينبشوا عليه فأبى أولاده خوفا من العار لئلا يقال لهم : أولاد المنبوش ، فحملتهم الجاهلية على ذلك فضيعوا وصيته وأضاعوه فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاءته بنت خالد فألقى لها رداءه وأجلسها عليه . وقال مرحبا بابنة نبي أضاعه قومه .
"" أضاف المحقق :
رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ذكر نبي اللّه وروحه عيسى . . . ، حديث رقم ( 4173 ) [ ج 2 ص 654 ] ولفظه : « عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رجلا من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه : إني أطفىء عنكم نار الحدثان قال فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه واللّه ما قلت لنا يا خالد قط إلّا حقا فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفئها قال فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها فقال إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا قال فاستقبلها خالد فضربها بعصاه
وهو يقول بدا بدا بدا كل هدى زعم بن راعية المعزى أني لا أخرج منها وثناي بيدي حتى دخل معها الشق قال فأبطأ عليهم قال فقال عمارة بن زياد واللّه لو كان صاحبكم حيا لقد خرج إليكم بعد قالوا ادعوه باسمه قال فقالوا إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه
فدعوه باسمه قال فخرج إليهم وقد أخذ برأسه
فقال ألم أنهكم أن تدعوني باسمي قد واللّه قتلتموني فادفنوني فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حيا
قال فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر فقلنا انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه قال عمارة بن زياد لا تحدث مضر إنا ننبش موتانا واللّه لا ننبشه أبدا
قال وقد كان أخبرهم أن في عكن امرأته لوحين فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه
وقال لا يمسهما حائض قال فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض
قال فذهب بما كان فيهما من علم
قال فقال أبو يونس قال سماك بن حرب سأل عنه النبي صلى اللّه عليه وسلم
فقال ذاك نبي أضاعه قومه
وقال أبو يونس قال سماك بن حرب أنّ ابن خالد بن سنان أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال مرحبا بابن أخي قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه
فإن أبا يونس هو الذي روى عن عكرمة هو حاتم بن أبي صغيرة وقد احتجا جميعا به واحتج البخاري بجميع ما يصح عن عكرمة
فأما موت خالد بن سنان هكذا فمختلف فيه فإني سمعت أبا الأصبغ عبد الملك بن نصر وأبا عثمان سعيد بن نصر وأبا عبد اللّه بن صالح المعافري الأندلسيين وجماعتهم عندي ثقات يذكرون أن بينهم وبين القيروان بحر وفي وسطها جبل عظيم لا يصعده أحد وإن طريقها في البحر على الجبل وأنهم رأوا في أعلى الجبل في غار هناك رجلا عليه صوف أبيض محتبيا في صوف أبيض ورأسه على يديه كأنه نائم لم يتغير منه شيء وإن جماعة أهل الناحية يشهدون أنه خالد بن سنان واللّه تعالى أعلم » .أهـ ""

( أما حكمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية) .


قال رضي الله عنه :  ( فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالك إلّا بعد الموت ، فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أنّ الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدّنيا ، فيعلم بذلك صدق الرّسل كلّهم فيما أخبروا به في حياتهم الدّنيا . فكان غرض خالد عليه السّلام إيمان العالم كلّه بما جاءت به الرّسل ليكون رحمة للجميع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة )
................................................................
فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك ) ، أي في البرزخ ( إلا بعد الموت فأمر أن ينبش عنه فيسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا ) ، في الألم واللذة والسعادة والشقاوة ( فيعلم بذلك صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا ) ، من أحوال البرزخ والآخرة ( فكان غرض خالد إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ليكون رحمة للجميع ) ، أي جميع العالم ( فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم


قال رضي الله عنه :  ( للعالمين . ولم يكن خالد برسول ، فأراد أن يحصل من هذه الرّحمة في الرّسالة المحمّديّة على حظّ وافر . ولم يؤمر بالتّبليغ ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حقّ الخلق فأضاعه قومه . )

(وعلم ) خالد ( أن اللّه أرسله ) ، أي محمدا صلى اللّه عليه وسلم ( رحمة للعالمين ولم يكن خالد برسول فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر . ولم يؤمر بالتبليغ قبل الموت ، فأراد أن يحظى بذلك في أحوال البرزخ ليكون أقوى في العلم الذوقي ) ، الحاصل له ( في حق الخلق ) وأحوالهم البرزخية ( فأضاعه قومه ) ، كما علمت ( ولم يصف النبي صلى اللّه عليه وسلم قومه بأنهم ضاعوا ) ، لأنه لم يكن رسولا مأمورا بالتبليغ حتى تلزم من تضييع ما أمرهم به ضياعهم لو كان كذلك لكانوا هم الضائعين أولا .
.
العودة إلى الفهرس
واتساب

No comments:

Post a Comment