Thursday, March 5, 2020

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.
ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.
فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى و الرحمة.
فالهدى بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما هو هارون بري ء منه.
والرحمة بأخيه، فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه مع كبره وأنه أسن منه.
فكان ذلك من هارون شفقة على موسى لأن نبوة هارون من رحمة الله، فلا يصدر منه إلا مثل هذا.
ثم قال هارون لموسى عليهما السلام «إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل» فتجعلني سببا في تفريقهم فإن عبادة العجل فرقت بينهم، فكان منهم من عبده اتباعا للسامري و تقليدا له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك.
فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه، فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه: و ما حكم الله بشيء إلا وقع.
فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه.
فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه كل شيء.
فكان موسى يربي هارون تربية علم و إن كان أصغر منه في السن.
ولذا لما قال له هارون ما قال، رجع إلى السامري فقال له «فما خطبك يا سامري» يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص، و صنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم.
فإن عيسى يقول لبني إسرائيل «يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله، فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم في السماء».
وما سمي المال مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة.
فهو المقصود الأعظم المعظم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه.
وليس للصور بقاء، فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه. فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا.
وقال له «انظر إلى إلهك» فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم، لما علم أنه بعض المجالي الإلهية: «لنحرقنه» فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون الله سخرها للإنسان، ولا سيما و أصله ليس من حيوان، فكان أعظم في التسخير لأن غير الحيوان ما له إرادة بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إبائه.
وأما الحيوان فهو ذو إرادة وغرض فقد يقع منه الإباءة في بعض التصريف: فإن كان فيه قوة إظهار ذلك ظهر منه الجموح لما يريده منه الإنسان وإن لم يكن له هذه القوة أو يصادف غرض الحيوان انقاد مذللا لما يريده منه، كما ينقاد مثله لأمر فيما رفعه الله به من أجل المال الذي يرجوه منه المعبر عنه في بعض الأحوال بالأجرة في قوله «ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا».
فما يسخر له من هو مثله إلا من حيوانيته لا من إنسانيته: فإن المثلين ضدان، فيسخره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيته ويتسخر له ذلك الآخر إما خوفا أو طمعا من حيوانيته لا من إنسانيته: فما تسخر له من هو مثله ألا ترى ما بين البهائم من التحريش لأنها أمثال؟
فالمثلان ضدان، ولذلك قال ورفع بعضكم فوق بعض درجات: فما هو معه في درجته.
فوقع التسخير من أجل الدرجات.
والتسخير على قسمين: تسخير مراد للمسخر، اسم فاعل قاهر في تسخيره لهذا الشخص المسخر كتسخير السيد لعبده وإن كان مثله في الإنسانية، وكتسخير السلطان لرعاياه، وإن كانوا أمثالا له فيسخرهم بالدرجة.
والقسم الآخر تسخير بالحال كتسخير الرعايا للملك القائم بأمرهم في الذب عنهم وحمايتهم و قتال من عاداهم و حفظه أموالهم و أنفسهم عليهم.
وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون في ذلك مليكهم، و يسمى على الحقيقة تسخير المرتبة. فالمرتبة حكمت عليه بذلك.
فمن الملوك من سعى لنفسه، و منهم من عرف الأمر فعلم أنه بالمرتبة في تسخير رعاياه، فعلم قدرهم و حقهم، فآجره الله على ذلك أجر العلماء بالأمر على ما هو عليه وأجر مثل هذا يكون على الله في كون الله في شئون عباده.
فالعالم كله مسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه أنه مسخر.
قال تعالى «كل يوم هو في شأن».
فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه، حكمة من الله تعالى ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة.
وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية.
ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله وإما عبادة تسخير.

فلا بد من ذلك لمن عقل. وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه: و لذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل رفيع الدرجة. فكثر الدرجات في عين واحدة.
فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها.
وأعظم مجلى عبد فيه و أعلاه «الهوى» كما قال «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا به، ولا يعبد هو إلا بذاته، و فيه أقول:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى
ألا ترى علم الله بالأشياء ما أكمله، كيف تمم في حق من عبد هواه و اتخذه إلها فقال «وأضله الله على علم» و الضلالة الحيرة: و ذلك أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص، حتى إن عبادته لله كانت عن هوى أيضا، لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى وهو الإرادة بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غيره.

وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم و اتخذها إلها ما اتخذها إلا بالهوى. فالعابد لا يزال تحت سلطان هواه. ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين، فكل عابد أمرا ما يكفر من يعبد سواه، والذي عنده أدنى تنبه يحار لاتحاد الهوى، بل لأحدية الهوى، فإنه عين واحدة في كل عابد.
«وأضله الله» أي حيره «على علم» بأن كل عابد ما عبد إلا هواه ولا استعبده إلا هواه سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف.
والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه «ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك.
هذا اسم الشخصية فيه.
والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده، وهي على الحقيقة مجلى الحق لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختص.
ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» مع تسميتهم إياهم آلهة حتى قالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب».
فما أنكروه بل تعجبوا من ذلك، 
فإنهم وقفوا مع كثرة الصور ونسبة الألوهة لها.
فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يعرف ولا يشهد، بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» لعلمهم بأن تلك الصور حجارة.
ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله «قل سموهم»: فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن تلك الأسماء لهم حقيقة.
وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين.
فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها، وإنما عبدوا الله فيها لحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم ، وجهله المنكر الذي لا علم له بما تجلى، ويستره العارف المكمل من نبي ورسول و وارث عنهم.
فأمرهم بالانتزاح عن تلك الصور لما انتزح عنها رسول الوقت اتباعا للرسول طمعا في محبة الله إياهم بقوله «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله».

فدعا إلى إله يصمد إليه ويعلم من حيث الجملة، ولا يشهد «ولا تدركه الأبصار»، بل «هو يدرك الأبصار» للطفه و سريانه في أعيان الأشياء.
فلا تدركه الأبصار كما أنها لا تدرك أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة.
«وهو اللطيف الخبير» والخبرة ذوق، والذوق تجل، والتجلي في الصور.
فلا بد منها ولا بد منه، فلا بد أن يعبده من رآه بهواه إن فهمت، وعلى الله قصد السبيل.


متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

24 - نقش فص حكمة إمامية في كلمة هارونية:
هارون لموسى بمنزلة نواب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد انفصاله إلى ربه فلينظر الوارث من ورث وفيما استنيب.
فتعينه صحة ميراثه ليقوم فيه مقام رب المال.
فمن كان على أخلاقه في تصرفه كان كأنه هو.


الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
24 -  فك ختم الفص الهاروني

1 / 24 - اعلم ان الامامة المذكورة في هذا الموضع ومثله فإنما تذكر باعتبار انها لقب من القاب الخلافة ولها التحكم والتقدم ، وهي تنقسم من وجه الى امامة لا واسطة بينها وبين الحضرة الالوهية والى امامة ثابتة بالواسطة والخالية عن الواسطة قد تكون مطلقة عامة الحكم في الوجود وقد تكون مقيدة ، بخلاف الامامة الثابتة بالواسطة ، فإنها لا تكون الا مقيدة ، والتعبير عن الامامة الخالية عن الواسطة مثل قوله للخليل عليه السلام : " إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً " [ البقرة / 124 ] والتي بالواسطة مثل استخلاف موسى عليه السلام هارون على قومه حين قال له : " اخْلُفْنِي في قَوْمِي وأَصْلِحْ " [ الأعراف / 142 ] ومثل ما قيل في حق ابى بكر انه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2 / 24  - وهذا بخلاف خلافة المهدى عليه السلام ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضف خلافته اليه ، بل سماه خليفة الله وقال : إذا رأيتم الرايات السود تقبل من ارض خراسان فأتوها ولو جثواً ، فان فيها خليفة الله المهديين  .
ثم قال : يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فأخبر بعموم خلافته وحكمه وانه خليفة الله بدون واسطة . فافهم .

3 / 24 - ثم نرجع الى بيان امامة هارون وسر اضافة حكمته الى الامامة ، فنقول : كل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق وانه من اولى العزم ، فان كثيرا من الناس لم يعرفوا معنى اولى العزم ، هم الذين يبلغون رسالات ويلزمون من أرسلوا إليهم بالايمان ، فان أبوا قاتلوهم ، بخلاف الرسالة إذا تقربوها الرسول لم يؤمر بالقتال ، فإنه ما عليه الا البلاغ ، كما كان الامر في اول عهد نبينا صلى الله عليه وسلم المنبه عليه في سورة قل يا ايها الكافرون
وفي قوله : " فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ " [ آل عمران / 20 ] وفي قوله : " وقُلِ الْحَقُّ من رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاءَ فَلْيَكْفُرْ " [ الكهف / 29 ]
وامثال ذلك مما تكرر ذكره بخلاف الحال فيما بعد - فإنه ورد الامر بالقتال وانسحب الحكم وانبسط على الأموال والمهج ، فنزل : " قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً " [ التوبة / 36 ] .
" واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ "  [ النساء / 91 ] ونحو ذلك .

4 / 24 - وإذا وضح هذا فأقول : لا خلاف في ان موسى وهارون عليهما السلام بعثا بالسيف ، فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة ، فهارون له الامامة التي واسطة بينه وبين الحق فيها ، وله الامامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إياه على قومه ، فجمع بين قسمى الامامة فقويت نسبته إليها ، فلذلك أضيف حكمته الى الامامة دون غيرها من الصفات .
فاعلم ذلك ، والله المرشد .  

كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة إمامية في كلمة هارونية :

الحيوان – الحيوانية – الإنسان الحيوان
في اللغة
حيوان : 1. الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة .
2. ما عدا الإنسان من أنواع الحيوانات .
حيوانية : البهيمية : الجانب الحيواني من الطبيعة البشرية  .

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير :-
الحيوان : هو كل من لا يملك السر الذي هو الإخلاص ، ومن يملكه فهو الإنسان.

تقول د. سعاد الحكيم في مفهوم الحيوان عند ابن العربي الطائي الحاتمي:
" لا يقصد ابن العربي بالحيوان والمرتبة الحيوانية تلك الصفة الشهوانية المعروفة ، ولكن يشير بها إلى صفة الحياة مصدر اشتقاقها ،
وهو يبين أن مرتبة الحيوان أكمل في الحياة وفي شرطها أي العلم من مرتبة الإنسان ، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه في اشتقاق لفظ بهائم من إبهام علومها على الإنسان " .

تقول د. سعاد الحكيم عند ابن العربي الانسان من جهة اطلاق اللفظ:
ان المرتبة الانسانية واحدة لا غير ، تتحقق في " الانسان الكامل " الذي يسميه ابن العربي " انسانا " وما عداه يطلق عليه اسم انسان لتشابهه مع الانسان الكامل في شكل أو صفة.

تقول د. سعاد الحكيم عند ابن العربي:
" الانسان الكامل وانما قلنا الكامل، لان اسم الانسان قد يطلق على المشبه به في الصورة، كما تقول في زيد انه انسان وفي عمرو انه انسان وان كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية وما ظهرت في عمرو، فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل انسان 4. . . " (فتوحات 2/ 396).

تقول د. سعاد الحكيم عن التشابه في صفة:
يطلق ابن العربي لفظ الانسان على ثلاث مراتب وجودية مختلفة: مرتبة الانسانية أو الانسان الكامل - العالم أو الانسان الكبير - القرآن أو الانسان الكلي. وهذا ما سنبحثه في ثلاثة مصطلحات تتفرع عن كلمة انسان وهي: الانسان الكامل - الانسان الكبير - الانسان الكلي   

يقول ابن العربي:
" ما في الوجود الا ثلاثة اناسي:
الانسان الأول الكل الأقدم،
والانسان العالم،
والانسان الآدمي. . . " (ف 3/ 231).

يقول ابن العربي:
" فالكل الجماد والنبات والحيوان عند أهل الكشف حيوان ناطق بل حيّ ناطق، غير أن هذا المزاج الخاص يسمى انسانا لا غير بالصورة ووقع التفاضل بين الخلائق في المزاج. . . قال تعالى:" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ " وشيء نكرة، ولا يسبح الا حيّ عاقل عالم بمسبحه، وقد ورد ان المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس. . . " (فتوحات 1/ 147).

الإنسان الحيوان
الانسان الحيوان هو من افراد الجنس البشري، جمع حقائق العالم فقط فكان صورة العالم، في مقابل الانسان الكامل الذي أضاف إلى مجموع حقائق العالم مجموع حقائق الحق وكان على الصورتين "صورة العالم وصورة الحق " وهو من جملة الحيوان رتبته من الانسان الكامل رتبة خلق النسناس منه.

يقول ابن العربي:
 " الانسان الحيوان: خليفة الانسان الكامل. وهو الصورة الظاهرة التي بها جمع حقائق العالم، والانسان الكامل هو الذي أضاف إلى جمعية حقائق العالم حقائق الحق التي بها صحت له الخلافة " (فتوحات 3/ 437).

". . . وان الانسان الكامل يخالف الانسان الحيوان في الحكم: فان الانسان الحيوان يرزق رزق الحيوان وهو للكامل وزيادة، فان للكامل رزقا الهيا 2 لا يناله الانسان الحيوان وهو: ما يتغذى به من علوم الفكر الذي لا يكون للانسان الحيوان، والكشف والذوق والفكر الصحيح. . . " (فتوحات 3/ 357).

" أكمل نشأة ظهرت في الموجودات الانسان عند الجميع، لأن الانسان الكامل وجد على الصورة لا الانسان الحيوان. . . " (فتوحات 1/ 163).
" وبالانسانية والخلافة صحت له الصورة على الكمال، وما كل انسان خليفة، فان الانسان الحيوان ليس بخليفة عندنا، وليس المخصوص لها أيضا الذكورية فقط، فكلامنا اذن في صورة الكامل من الرجال والنساء. . . " (عقله المستوفز ص 46).

" فظاهر الانسان خلق، وباطنه حق، وهذا هو الانسان الكامل المطلوب  وما عدا هذا فهو الانسان الحيواني، ورتبة الانسان الحيواني من الانسان الكامل رتبة خلق النسناس من الانسان الحيواني. . . " (فتوحات 3/ 296).

". . . فالانسان الحيواني من جملة الحشرات فإذا كمل فهو: الخليفة. . . وانما فرّقنا بين الانسان الحيواني والانسان الكامل الخليفة لقوله تعالى:" يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ "فهذا كمال النشأة الانسانية العنصرية الطبيعية ثم قال بعد ذلك:" فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ "3 ان شاء في صورة الكمال فيجعلك خليفة عنه في العالم، أو في صورة الحيوان فتكون من جملة الحيوان، بفصلك المقوم لذاتك الذي لا يكون الا لمن ينطلق عليه اسم الانسان " (فتوحات 3/ 297).

تقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي الحكمة في حدود الكلمة:
ان الانسان الكامل نسختان نسخة الحق ونسخة العالم. أو صورة الحق وصورة العالم.

تقول د. سعاد الحكيم :
"ان الجن حيوان ناطق خلق من روح نارية: هواء ونار. فبعنصر هوائه يتشكل في أيّة صورة يريد. وبناره يستعلي ويتكبّر، ستر عن ابصار الانس فاختص لذلك بهذا الاسم - وهو باطن الانسان في مقابل ظاهره (الانس)

يقول ابن العربي:
(1) " فان الجن يجتمعون مع الانس في الحدّ، فان الجن حيوان ناطق. . . " (فتوحات 3/ 491).
" فهو من عنصرين، هواء ونار، اعني الجان، كما كان آدم من عنصرين، ماء وتراب عجن به فحدث له " الماء" اسم الطين.
كما حدث لامتزاج النار بالهواء اسم المارج. ففتح  - سبحانه - في ذلك المارج صورة الجان. بما فيه من الهواء، يتشكل (الجان) في اي صورة شاء، وبما فيه من النار. . .
طلب القهر والاستكبار والعزّة. . . فان النار ارفع الأركان مكانا. . . وهو السبب الموجب لكونه استكبر عن السجود لآدم. . . " (فتوحات. السفر الثاني. فقرة 426).

ويقول : " ان اللّه تعالى لما خلق الأرواح النورية والنارية اعني الملائكة والجان شرك بينهما في امر وهو: الاستتار عن أعين الناس. . . ولهذا سمّى الطائفتين من الأرواح جنّا: اي مستورين عنا فلا نراهم. . . فلما شرك اللّه تعالى بين الملائكة وبين الشياطين في الاستتار سمى الكل جنّة.
فقال في الشياطين:" مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ " (114/ 5) يعني بالجنة هنا الشياطين، وقال في الملائكة" وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً " (37/ 158) يعني الملائكة. . . " (فتوحات 3/ 367).

(2) ". . . هذا إذا لم تكن الجن عبارة عن باطن الانسان فكأنه يقول وما خلقت الجن
: وهو ما استتر من الانسان وما بطن منه، والانس: وهو ما يبصر منه لظهوره. . . " (ف 3/ 354).

ان الجان أمة منها الطائع والعاصي، استحق العاصي الكافر اسم الشيطان. اي المبعود من رحمة اللّه - والجان أجهل العالم الطبيعي باللّه.

 يقول ابن العربي:
(1) " فمنهم "الجان" الطائع والعاصي مثلنا، ولهم التشكل في الصور كالملائكة. " (فتوحات السفر الثاني فقرة 429).

يقول ابن العربي:
" فمن عصى من الجان كان شيطانا، اي مبعودا من رحمة اللّه، وكان أول من سمّى شيطانا من الجنّ: الحارث، فابلسه اللّه ، اي طرده من رحمته، وطرد الرحمة عنه، ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها، فمن آمن منهم. . . التحق بالمؤمنين من الجن، ومن بقي على كفره كان شيطانا. . . " (فتوحات. السفر الثاني. فقرة 443).
" ثم اعلم أن الجان هم اجهل العالم الطبيعي باللّه. . . ولهذا ما ترى أحدا قط، جالسهم فحصل عنده منهم علم باللّه. جملة واحدة. غاية الرجل الذي تعتني به أرواح الجن، ان يمنحوه من علم خواص النبات والأحجار، والأسماء 3 " (فتوحات. السفر الرابع فقرة 314).


موضوع :
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
يقول الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي في كتابه الفتوحات المكية الجزء الثالث الصفحة 117 ما يلي:
اعلم أنه لولا الهوى ما عبد اللّه في غيره، وأن الهوى أعظم إله متّخذ عبد، فإنه لنفسه حكم، وهو الواضع كل ما عبد،
وفيه قلت:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
قال تعالى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ " فلولا قوة سلطانه في الإنسان، ما أثر مثل هذا الأثر فيمن هو على علم بأنه ليس بإله،
فإذا جسّده قرره على ما حكم به فيمن قام به، فحار وجاء وباله عليه، فعذب في صورته.

ويقول في نفس الكتاب في الجزء الثالث الصفحة رقم 364:
الكون موصوف بالتحجير، فتوجه عليه الخطاب بأنه لا يحكم بكل ما يريد، بل بما شرع له، ثم أنه لما قيل له فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى
أي لا تحكم بكل ما يخطر لك، ولا بما يهوى كل أحد منك، بل احكم بما أوحى به إليك. .
فدل التحجير على الخلق في الأهواء، أن لهم الإطلاق بما هم في نفوسهم، ثم حدث التحجير في الحكم والتحكم. . .
فليست الأهواء إلا مطلق الإرادات. . . ثم لتعلم أن الهوى وإن كان مطلقا، فلا يقع له حكم إلا مقيدا، فإنه من حيث القابل يكون الأثر،
فالقابل لابد أن يقيده، فإنه بالهوى قد يريد القيام والقعود من العين الواحدة، التي تقبلهما على البدل في حال وجود كل واحد منهما في تلك العين، والقابل لا يقبل ذلك، فصار الهوى محجورا عليه بالقابل، فلما قبل الهوى التحجير بالقابل، علمنا أن هذا القبول له قبول ذاتي، فحجر الشرع عليه فقبل، وظهر حكم القابل في الهوى، ظهوره في مطلق الإرادة فيمن اتصف بها.

ويقول في نفس الكتاب بالجزء الرابع الصفحة رقم 206.
حضرة الاسم العزيز - من هنا ظهر كل من غلبت عليه نفسه واتبع هواها، ولولا الشرع ما ذمه بالنسبة إلى طريق خاص، لما ذمه أهل اللّه، فإن الحقائق لا تعطي إلا هذا، فمن اتبع الحق فما اتبعه إلا بهوى نفسه وأعني بالهوى هنا الإرادة . ""يشير إلى الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"".
فلو لا حكمها عليه في ذلك ما اتبع الحق، وهكذا حكم من اتبع غير الحق، وأعني بالحق هنا ما أمر الشارع باتباعه،
وغير الحق ما نهى الشرع عن اتباعه، وإن كان في نفس الأمر كل حق ، لكن الشارع أمر ونهى، كما أنا لا نشك أن الغيبة حق، ولكن نهانا الشرع عنها، ولنا
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
فبالهوى يجتنب الهوى، وبالهوى يعبد الهوى،
ولكن الشارع جعل اسم الهوى خاصا بما ذم وقوعه من العبد، والوقوف عند الشرع أولى، ولهذا بينا قصدنا بالهوى الإرادة لا غير،
فالأمر يقضي أن لا حاكم على الشيء إلا نفسه فيما يكون منه، لا فيما يحكم عليه به من خارج، لكن ذلك الحكم من خارج لا يحكم عليه إلا بما تعطيه نفسه، من إمضاء الحكم فيه، فكل ما في العالم من حركة وسكون، فحركات نفسية وسكون نفسي.

ويقول في الجزء الرابع الصفحة 336:
لا احتجار على الهوى، ولهذا يهوى، بالهوى يجتنب الهوى، بالهوى يتبع الحق «2»، والهوى يقعدك مقعد الصدق، الهوى ملاذ، وفي العبادة به التذاذ، وهو معاذ لمن به عاذ.

ويقول الشيخ نفس المعنى في الجزء الرابع من الكتاب نفسه الصفحة 385:
لولا الهوى ما هوى من هوى، به كان الابتلاء، فإما إلى نزول وإما إلى اعتلا، وإما إلى نجاة وإما إلى شقاء.

ويقول الشيخ في الجزء الرابع من الفتوحات في الصفحة 382.
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
ما ثمّ غيره، فالأمر أمره، فالعقل محتاج إليه، وخديم بين يديه، له التصريف، والاستقامة والتحريف، عم حكمه، لما عظم علمه، فضل عليه العقل، بالنظر الفكري والنقل، ما حجبه عن القلوب إلا اسمه، وما ثمّ إلا قضاؤه وحكمه.
ما سمي العقل إلا من تعقله ... ولا الهوى بالهوى إلا من اللدد
إن الهوى صفة والحق يعلمها ... يضل عن منهج التشريع في حيد
هو الإرادة لا أكني فتجهله ... لولاه ما رمي الشيطان بالحسد

ويقول :
والعقل ينزل عن هذا المقام فما ... له به قدم فانظره يا سندي
له النفوذ ولا يدري به أحد ... له التحكم في الأرواح والجسد
هو الذي خافت الألباب سطوته ... هو الأمين الذي قد خص بالبلد

ويقول الشيخ في الجزء الرابع من الفتوحات في الصفحة رقم 428.
ومن ذلك: حاز جنة المأوى، من نهى النفس عن الهوى.
إذا نهيت النفس عن هواها ... كانت لها جناته مأواها
بها حباها اللّه إذ حباها ... وكان في فردوسه مثواها
قال « الروح الذي خاطب الشيخ »:
نهى النفس عن الهوى أن يكون هواها، لا تأته من حيث ما هو هواها، بل من حيث ما هو إرادة الحق، وأنت لا تدري،
فإذا نهي النفس عن الهوى من حيث أنه مذموم، لا من حيث ما أشرنا إليه، فإن اللّه قد ستر عنه العلم الصحيح في ذلك، فعبر عنه بجنة المأوى، أي الستر الذي أوى إلى ظله، فهو وإن كان مدحا، فمن حيث أنه علق الذم بالهوى، فلو عرف أنه ما دفع الهوى إلا بالهوى، وأن الهوى ما هو غير عين الإرادة، وكل مراد، إذا حصل لمن أراده فهو ملذوذ للنفس، فكل إرادة فهي هوى، لأن الهوى تستلذه النفوس، وما لا لذة لها فيه فليس بهواها،
وما سمي هوى إلا لسقوطه في النفس، وليس سقوطه إلا منك في إرادة ربه، فلا أعلا من الهوى، لأنه يردك إلى الحق، فلا تشهد غيره في التذاذه بذلك،
إلا أن الخلق حجبوا عن هذا الإدراك، فهم مع الإرادة فيهم ويسمونها هوى وليست بهوى، والهوى للعارفين والإرادة للعامة، والذم لهم في الهوى، فهم له عاملون.

ولذلك يقول في الديوان صفحة 93:
واللّه إني عابد الهوى ... ليس له فأين توحيدي
حكم الهوى صيرني عابدا ... لربه فذاك معبودي
ولذلك يفرق الشيخ بين موطن الهوى في الدنيا والآخرة، وبين موطن العقل في الدنيا والآخرة،

فيقول في الجزء الرابع الصفحة رقم 382:
للهوى السراح والسماح، وله لكل باب مفتاح، وهو الذي يتولى فتحه فتسمى بالفتاح، سلطانه في الدنيا والآخرة، ولكن ظهوره في الحافرة، فما هي لأهل السعادة كرة خاسرة، ولا تجارة بايرة، لكم فيها ما تشتهي أنفسكم، وليست الشهوة سوى الهوى، ومن هوى فقد هوى.
يعني الشيخ قدس اللّه سره بذلك أن الهوى المذموم - وهو تسريح الشهوة وإطلاقها - أورد أصحابه في الدنيا الحافرة في الآخرة، وكان حكمه لأهل السعادة في الآخرة، لكم فيها ما تشتهي أنفسكم.

وأما العقل وهو القيد، الذي قيد به السعداء أنفسهم بأحكام الشريعة في الدنيا،
فيقول عنه الشيخ قدس اللّه سره العزيز في نفس الصفحة:
ليس لأهل الجنان عقل يعرف، إنما هو هوى وشهوة يتصرف، العقل في أهل النار مقيله، وبه يكثر حزن الساكن بها وعويله، لما ساء سبيله، العقل من صفات الخلق، ولهذا لم يتصف به الحق، ولولا ما حصر الشرع في الدنيا تصرف الشهوة، ما كان للعقل جلوة، فما عرف حقيقة العقل غير سهل (يعني سهل بن عبد اللّه التستري)، فعيّن ما له من الأهل، قيد المكلف بالتكليف، عن التصريف، فإذا ارتفع التحجير، بقي البشير وزال النذير، وتأخر العقل، لتأخر النقل.

يشير الشيخ قدس اللّه سره بذلك، إلى أن أهل السعادة لما قيدهم العقل في الدنيا بالتكليف، أورثهم في الآخرة إطلاق الشهوة والإرادة حيث لا تحجير، وأما أهل الهوى في الدنيا، الذين لم يقفوا عند قيد العقل والتزام التكليف، فقد أورثهم العقل، أي القيد والتحجير في الآخرة، حيث يكثر حزنهم وعويلهم، لإساءتهم استخدام العقل في دار الدنيا، وإطلاقهم لأنفسهم هواها فيما أرداها، فلا يزال العبد العالم الناصح نفسه، المستبريء لدينه، في جهاد أبدا، لأنه مجبول على خلاف ما دعاه إليه الحق، فإنه بالأصالة متبع هواه، الذي هو بمنزلة الإرادة في حق الحق، فيفعل الحق كل ما يريده، فإننا كلنا عبيده ولا تحجير عليه، ويريد الإنسان أن يفعل ما يهوى وعليه التحجير، فما هو مطلق الإرادة، فهذا هو السبب الموجب في كونه لا يزال مجاهدا أبدا.

ولذلك يصرح الشيخ قدس اللّه سره العزيز في الجزء الرابع الصفحة 463 من وصاياه فيقول:
طلب أصحاب الهمم أن يلحقوا بدرجات العارفين باللّه، حتى تكون إرادتهم إرادة الحق، أي يريدون جميع ما يريده الحق، وهو ما هم الخلق عليه، فيريدونه من حيث أن اللّه أراد إيجاده، ويكرهون منه بكراهة الحق ما كرهه الحق، ووصف نفسه بأنه لا يرضاه، فهو يريده لا يرضاه، ويريده ويكرهه في عين إرادته، إن أراد أن يكون مؤمنا، وإن لم يكن كذلك وإلا فقد انسلخ من الإيمان نعوذ باللّه.

وفي هذا يقول د. أبو العلا عفيفي:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى .... ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
يقسم بقدسية الهوى (الحق) أن الهوى الساري في جميع مراتب الوجود، المعبود في جميع صوره، هو علة الحب في جزئياته وأشكاله، وأنه لولا وجوده وتجليه في صور المعبودات، وفي قلوب العابدين، ما عبد معبود ولا وجد عابد،
ويذكر الشيخ في «فتوحاته» أنه «شاهد الهوى» في بعض مكاشفاته ظاهرا بالألوهية، جالسا على عرشه، وجميع عباده حافون من حوله ويقول «ما شاهدت معبودا في الصور الكونية أعظم منه».
فالهوى إذا - في نظر ابن العربي - اسم من أسماء اللّه، هو الحب عينه، وهو المحبوب، بل هو أعظم أسماء اللّه على الإطلاق – أهـ.

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في أنواع نيابة الإنسان:
"النيابة الأولى" : " الإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه الله هذا الكمال إلا ليكون بدلا من الحق ، ولهذا سماه : خليفة ... فهذه هي النيابة الأولى .

وأما النيابة الثانية : فهي أن ينوب الإنسان بذاته عن نصف الصورة من حيث روحانيتها , لأن الله إذا تجلى في صورة البشر كما ورد ، فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنى .
فالنيابة هنا : الخاصة هي النيابة عن روح تلك الصورة المتجلى فيها ، ولا يكون ذلك إلا في حضرة الأفعال الإلهية التي تظهر في العالم على يد الإنسان ...

النيابة الثالثة : في تحقيق الأمر الذي قام به الممكن حتى أخرجه من العدم إلى الوجود ، فإن ذلك نيابة عن المعنى الذي أوجب للحق أن يوجد هذا الممكن المعين ...

النيابة الرابعة : فهي نيابته فيما نصبه الحق له مما لو لم يكن عنه لكان ذلك عن الله تعالى ... فلما نصب الدلالة عليه نصبها في الآفاق ، فدلت آيات الآفاق على وجوده خاصة ، فما نابت الآفاق في الدلالة عليه بما جعل فيها من الآيات منابه لو ظهر للعالم بذاته ، فخلق الإنسان الكامل على صورته ، ونصبه دليلا على نفسه لمن أراد أن يعرفه بطريق المشاهدة لا بطريق الفكر الذي هو طريق الرؤية في آيات الآفاق ...

النيابة الخامسة : فهي نيابة الإنسان عن رفيع الدرجات في العالم لا غير ، وصورة رفعه أن الإنسان الكامل من حيث أنه ليس أحد معه في درجته , لأنه ما حاز الصورة الإلهية غيره ...

النيابة السادسة : فإن الله وصف نفسه بأن له كلمات فكثر ، فلا بد من الفصل بين آحاد هذه الكثرة ، ثم الكلمة الواحدة أيضا منه كثرها في قوله : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن ".
فأتى بثلاثة أحرف : إثنان ظاهران وهما الكاف والنون وواحد باطن خفي لأمر عارض وهو سكونه وسكون النون ، فزال عينه من الظاهر لالتقاء الساكنين ، فناب الإنسان الكامل في هذه المرتبة مناب الحق في الفصل بين الكلمة المتقدمة والتي تليها ...

النيابة السابعة : فهي النيابة في الأفعال الظاهرة والباطنة في وجود الإنسان ، وهو ما يحدثه في نفسه من الأفعال والكوائن لا ما يحدثه في غيره ، وآيته من كتاب الله قوله تعالى : " حتى نعلم "
والعلم له صفة قديمة ، وهذا العلم الخاص الظاهر عن الابتلاء هو ما يريده بالنيابة فيه ...

النيابة الثامنة : التي شفعت وترية الحق من حيث أنه تعالى مجلى لها ، وهي مجلى له فهو ينظر نفسه فيها نظر كمال ، وهي تنظر نفسها فيه نظر كمال ... فلا تظهر هذه الصورة إلا في مرآة الإنسان الكامل الذي هو ظله الرحماني ...

النيابة التاسعة : فهي الظهور في البرزخ المعقول الذي بين المثلين ، وهو الفصل الذي يكون بين الحق والإنسان الكامل ، فإن هذا الفصل أوجب تمييز الحق من الخلق ... هذه النيابات كلها التي ذكرناها ونذكرها نيابات توحيد لا غير ذلك ...

النيابة العاشرة : فهي نيابة توحيد الموتى ، فإنه بالموت تنكشف الأغطية ويتبين الحق لكل أحد ... فهذه النيابة عن الحق لعبد في البرزخ ، فيقوم حاكما بصورة حق ونيابة في عالم الخيال ... لصاحب هذه النيابة في هذه الحضرة التصرف دائما كما ذكرناه المسمى في العامة : كرامات " .

واتساب

No comments:

Post a Comment