Thursday, March 5, 2020

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [ البقرة : 124 ] أي خليفة عليهم .
هذا فص الحكمة الهارونية ، ذكره بعد حكمة لقمان عليه السلام لاشتمال حكمة هارون عليه السلام على بيان ظهور العين الواحدة في صور كثيرة ، فناسب ما ذكر من ذلك في حكمة لقمان عليه السلام على طريق زيادة البيان والإيضاح لذلك .
(فص حكمة إمامية) ، أي منسوبة إلى الإمام وهو المقتدى به ولو في نوع من الكمال (في كلمة هارونية) إنما اختصت حكمة هارون عليه السلام بكونها إمامية ، لأنه عليه السلام كان خليفة عن أخيه موسى عليه السلام في قومه لما ذهب إلى ميقات ربه لقوله سبحانه :وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [ الأعراف : 142 ] ، والخليفة إمام يقتدى به .

قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ وجود هارون عليه السّلام كان من حضرة الرّحموت بقوله تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى :أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا[ مريم : 53 ] . فكانت نبوّته من حضرة الرّحموت .  فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة . ولمّا كانت نبوّة هارون من حضرة الرّحمة ، لذلك قال لأخيه موسى - عليهما السلام - :يَا بْنَ أُمَّ، فناداه بأمّه لا بأبيه إذ كانت الرّحمة للأمّ دون الأب أوفر في الحكم . ولولا تلك الرّحمة ما صبرت على مباشرة التّربية . ثمّ قال :لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي[ طه : 94 ] ،فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ[ الأعراف : 150 ] فهذا كلّه نفس من أنفاس الرّحمة . وسبب ذلك عدم التّثبّت في النّظر فيما كان في يديه من الألواح الّتي ألقاها من يديه . )

(اعلم )يا أيها السالك (أن وجود هارون عليه السلام) في الدنيا (كان من حضرة الرحموت) ، أي الرحمة العظيمة الإلهية (بقوله تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى) عليه السلام (أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [ مريم : 53 ] فكانت نبوّته) ، أي هارون عليه السلام (من حضرة الرحموت) ، أي الرحمة الإلهية (فإنه) ، أي هارون عليه السلام (أكبر من موسى) عليه السلام (سنا) ، أي عمرا (وكان موسى) عليه السلام (أكبر منه) ، أي من أخيه هارون عليه السلام (نبوّة) ، لأنه المقصود بالإرسال إلى فرعون وبني إسرائيل وأخوه هارون عليه السلام مساعد له في ذلك كما قال تعالى :" سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً " [ القصص: 35] ، أي في الأرض .

(ولما كانت نبوّة هارون) عليه السلام (من حضرة الرحمة) الإلهية بموسى عليه السلام ، لأنه موهوب له من قبل اللّه تعالى بدليل الآية السابقة (لذلك) ، أي لأجل ما ذكر (قال) ، أي هارون عليه السلام (لأخيه موسى) عليهما السلام حين أخذ بلحيته وبرأسه يضربه على تمكين بني إسرائيل من عبادة العجل في غيبة موسى عليه السلام في ميقات ربه تعالى : " يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي[ طه : 49 ] ،
وفي آية أخرى :وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "[ الأعراف : 150 ] ،

فناداه ، أي نادى أخاه ، لأنه كان شقيقه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة ، والشفقة للأم على الولد دون الأب ، فإن رحمته أقل من رحمة الأم بولدها أوفر ، أي أزيد وأكثر في الحكم الإلهي ولولا زيادة تلك الرحمة في الأم ما صبرت ، أي الأم على مباشرة مشقة التربية ، أي تربية الولد .
ثم قال ، أي هارون عليه السلام لأخيه موسى عليه السلام ("لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي") ، أي تقبض عليها ("وَلا بِرَأْسِي") وقال أيضا له (فلا تشمت بي الأعداء )، أي من بني إسرائيل الذين نهاهم عن ذلك فعادوه لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ( 90 ) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ( 91 ) [ طه : 90 - 91 ] ،

(فهذا) القول من هارون عليه السلام لأخيه موسى عليه السلام (كله نفس) بالفتح ، أي تنفس ما يجده في صدره (من أنفاس الرحمة) ، أي التذكير بالشفقة المقتضية تربيتهما من أمهما اليسرى حكمها بينهما أيضا (وسبب ذلك) ، أي سرعة معاتبة موسى لأخيه هارون عليهما السلام في عبادة بني إسرائيل العجل وضربه له وهذا التعطف والتلطف والتذكير بالرحمة والشفقة من هارون لأخيه موسى عليه السلام (عدم التثبت) ، أي التأني والتأمل في النظر ، أي نظر موسى عليه السلام فيما كان في يده من الألواح ، أي ألواح التوراة التي ألقاها من بين يديه وأخذ برأس أخيه يجره إليه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
ولما كان هارون نبيا وخليفة من اللّه وخليفة من موسى عليهما السلام أورد الحكمة الامامية في كلمته.
"" أضاف المحقق :
يدور هذا الفص حول مسألة الألوهية والعبادة . فيشرح ابن العربي نظريته في الدين بمعناه الصوفي الواسع .
وهو دين وحدة الوجود ، ويخلص منه إلى الحب هو أساس عبادة كل معبود ، وأن المعبود على الحقيقة هو المحبوب على الحقيقة وهو اللّه .""
"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون كان من حضرة الرحموت ) مبالغة من الرحمة ( بقوله :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا فكانت نبوته من حضرة الرحموت ) بالنص الإلهي ( فإنه ) أي هارون عليه السلام ( أكبر من موسى سنا ) والكبير لشفقته ورحمته للصغير تحت تسخيره
( وكان موسى أكبر منه نبوة ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة لذلك ) أي لأجل كون نبوته من الرحمة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( قال لأخيه موسى ) في وقت أخذه بلحيته ( يا ابن أمّ فناداه بأمه لا بأبيه ) أي لم يقل لموسى يا ابن أبي ( إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر ) أي أغلب ( في الحكم ) أي في الشفقة والمرحمة للولد ( ولولا تلك الرحمة ) للأم ( ما صبرت على مباشرة التربية ) لولده وجواب لما قال في قوله لذلك
قال فإن العامل مقدم على معموله في الأصل فكان أصل الكلام قال لذلك ( ثم قال ) هارون لأخيه موسى ( لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة وسبب ذلك ) الأخذ من موسى عليه السلام .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه) التي وجدت في الألواح أي الأمر الذي أغضب موسى عليه السلام هو عبادة قومه العجل .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

قال رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا». فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم. ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية. ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء». فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة. و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

قلت: ذكر، رضي الله عنه، قصة هارون مع موسى وأن هارون من حقيقة الرحمة الإلهية كان نبيا، لأنه رحمة في حق أخيه موسى وذكر أن هارون ما أنكر عبادتهم العجل وإنما خاف التفرقة بين بني إسرائيل .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

إنّما نسب الحكمة الإمامية إلى الكلمة الهارونية ، لكون هارون خليفة موسى في قومه ، وقد قال له :   " وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف "  .
 الإمامة لقب من ألقاب الخلافة ، وكانت الإمامة لهارون في صلواتهم ، وكذلك الإمامة فيهم إلى اليوم في آل هارون .

"" كان هارون عليه السّلام إمام الأئمّة من الأحبار في بني إسرائيل كلَّهم ، وأمره موسى عليه السّلام أن يؤمّ أمّته ، واستخلفه عليهم ، ولقد صرّح بإمامته في القرآن ، وصرّح هو أيضا بذلك في طلبه الاتّباع والطاعة من قومه في قوله : " فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي " .""
قال رضي الله عنه  : ( اعلم : أنّ وجود هارون عليه السّلام كان من حضرة الرحموت بقوله :   " وَوَهَبْنا لَه ُ من رَحْمَتِنا " [ مريم : 53 ] يعني موسى   " أَخاه ُ هارُونَ نَبِيًّا " [ مريم : 53 ]  فكانت نبوّته من حضرة الرحموت ، فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة . ولمّا كانت نبوّة هارون من حضرة الرحمة ، لذلك قال لأخيه موسى عليه السّلام :   " يَا بْنَ أُمَّ " [ طه :94 ] فناداه بأمّه لا بأبيه ، إذ كانت الرحمة للأمّ دون الأب أوفر في الحكم ، ولولا تلك الرحمة ، لما صبرت على مباشرة التربية .  ثم قال :   " لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي " [ طه : 94 ]  و   " فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ " [ الأعراف : 150 ] ، فهذا كلَّه نفس من أنفاس الرحمة . وسبب ذلك عدم التثبّت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها بين يديه  )

قال العبد : يريد التربية الربانية المتعيّنة لهارون في مادّة موسى عليهما السّلام فإنّ التربية لا تكون حقيقة إلَّا من الربّ ، لأنّ نبوّته من رحمة ربانية بموسى ، حتى يكمل بهارون أمره ويشدّ به أزره ،
فكان في تربية هارون وموسى من حيث لا يشعر بذلك إلَّا من شاء الله ، فإنّ جميع أفعال العبيد التي يجري الله على أيديهم صور نسب أحكام حقائقهم ، فيوجدها الله على حكم وعلوم تفرّد بعلمها هو ومن أعلمه بها ،
فوقوع العتب وعدم التثبّت وإلقاء الألواح من موسى وأخذه بلحية هارون ورأسه تأثير قويّ ، غير متوقّع من مثله في مثل أخيه الذي هو أكبر منه سنّا.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

24 -  فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
إنما خصت الكلمة الهارونية بالحكمة الإمامية ، لأن هارون عليه السلام كان إمام أئمة الأحبار ، وقد استخلفه موسى على قومه بقوله : " وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف "  .
والإمام لقب من ألقاب الخلافة ، وقد صرح هارون بذلك في قوله :  " فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي " وقد بقيت الإمامة في نسله إلى الآن ،
وهي الخلافة المقيدة أي الإمامة بالوساطة كما كانت لخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله الإمامة المطلقة لكونه نبيا مبعوثا بالسيف كإمامة المهدي عليه السلام ،
والمراد بالمطلقة التي لا واسطة بين صاحبها وبين الله وله رتبة التقدم والتحكم في الوجود ، ولو لم يكن كذلك لما صرح بوجوب اتباعه وطاعته في قوله  :"فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي " وهي التي قال فيها لخليله: "إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً " فله الإمامة المطلقة والمقيدة .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله :" ووَهَبْنا لَه من رَحْمَتِنا أَخاه هارُونَ نَبِيًّا " فكانت نبوته من حضرة الرحموت ، فإنه أكبر من موسى سنا وكان موسى أكبر منه نبوة .
ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة لذلك قال لأخيه موسى عليه السلام -   ( يَا بْنَ أُمَّ )   - فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ، ولولا تلك الرحمة ما صبرت أي الأم على مباشرة التربية ،

ثم قال : ( لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي ) و ( فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ )   فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة ، وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يده من الألواح التي ألقاها من يديه ،)
"" أضاف بالى زاده :
أي وجد موسى في الألواح ما أضل قومه إلا السامري ، وهارون بريء منه والرحمة بأخيه . أهـ بالى زاده ""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
( الإمامة ) اسم من أسماء الخلافة ، كما قال في حق نبيه إبراهيم ، صلوات الله عليه : " إني جاعلك للناس إماما " . أي ، خليفة عليهم . وهي إما بواسطة ، أو بلا واسطة . والقسمان ثابتان في هارون ، عليه السلام ، لذلك اختصت بكلمته .
أما الأول ، فلكونه خليفة موسى ، عليه السلام ، كما قال : " اخلفني في قومي " .
وأما الثاني ، فلكونه نبيا رسولا مبعوثا من الحق إلى الخلق بالسيف ، كأخيه موسى ، فقويت نسبة الإمامة إليه ، فكان إماما مطلقا من جانب الحق ، وإماما مقيدا من جانب موسى ، عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم ، أن وجود هارون ، عليه السلام ، كان من حضرة " الرحموت " بقوله)
أي ، بدليل قوله : ( " ووهبنا له من رحمتنا " . يعنى لموسى " أخاه هارون نبيا " . فكانت
نبوته من حضرت الرحموت . ) أي ، من حضرة ( الرحمة ) . سميت ب‍ ( الرحموت)
مبالغة ، كما يسمى عالم الملائكة ب‍ ( الملكوت ) ، وعالم المجردات ب‍ ( الجبروت ) .
وإنما كانت نبوته من الرحمة ، لأن موسى ، عليه السلام ، كان خشنا في الخلق ، صلبا في الدين ، ولم يكن فصيحا  في النطق .
فطلب من الله أخاه  هارون ، ليكون معه في الدعوة ، فيعينه بالأخلاق الحسنة ، فينجبر موسى بخلقه وفصاحته ويرغب الناس في طاعته ،
كما قال تعالى : " رب اشرح لي صدري ويسر لي  أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي  أشدد به أزرى وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا  بصيرا " .
فكان وجود هارون معه في الدعوة رحمة من الله وإجابة لدعوته .

قال رضي الله عنه :  ( فإنه أكبر من موسى سنا وكان موسى أكبر منه نبوة . ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة ، لذلك قال لأخيه موسى : " يا بن أم " . فناداه بأمه لا بأبيه ، إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم . ) أي ، حكم التعطف والشفقة .
( ولولا تلك الرحمة ) الذاتية في الأم ( ما صبرت على مباشرة التربية .
ثم ، قال : " لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء " . فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة . وسبب ذلك ) أي ، الغضب والأخذ باللحية ( عدم التثبت في النظر في ما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه .)

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

الفصّ الهاروني
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية  
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالأمة التي هي إما التصرف بالحق في الخلق من حققه بأسماء الحق ، أو إقامة أمره ونهيه في العموم ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى هارون عليه السّلام ؛ لتحققه بأسماء الحق من جهة كونه من حضرة الرحموت ، وإقامته أمر الحق ونواهيه باستخلاف أخيه إياه على قومه .
"إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً " [ البقرة : 124 ] أي : خليفة عليهم .
"" أضاف المحقق :
(الإمامة المذكورة هاهنا لقب من ألقاب الخلافة ، وهي تنقسم إلى إمامة بلا واسطة وبين حضرة الألوهية ، وإلى إمامة ثابتة بالواسطة ، وكل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق ، ولا خلاف في أن موسى وهارون بعثا بالسيف ؛ فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة . شرح الجامي) .""
"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ وجود هارون عليه السّلام كان من حضرة الرّحموت بقوله تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا [ مريم : 53 ] يعني لموسى :أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [ مريم : 53 ] ، فكانت نبوّته من حضرة الرّحموت ؛ فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة ، ولمّا كانت نبوّة هارون من حضرة الرّحمة ، لذلك قال لأخيه موسى - عليهما السلام :يَا بْنَ أُمَّ [ طه :94 ] ، فناداه بأمّه لا بأبيه إذ كانت الرّحمة للأمّ دون الأب أوفر في الحكم ، ولولا تلك الرّحمة ما صبرت على مباشرة التّربية ) .
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السّلام كان من حضرة الرحموت ) ، والرحمن اسم شامل تجليه تجليات سائر الأسماء ، والرحيم يدل على الاختصاص المشير إلى التحقق والتخلق والرحمة شاملة لهما ، فكان متحققا بالأسماء الإلهية .

قال رضي الله عنه :  ( بقوله تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا[ مريم :53 ] يعني لموسى ) بين الضمير ؛ لأن مرجعه وإن كان مذكورا في القرآن فليس مذكورا في الكتاب ، وفيه إشارة إلى أن خلافته عن موسى عين خلافته عن الحق ، وإنها مكملة لنبوته ونبوة موسى إذ وهبه له مع أخوته حال نبوته كما كان( أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا )؛ فكانت نبوته من حضرة الرحموت ) ،

فلابدّ أن تكون مكملة بالإمامة ، وكونه موهوبا لموسى من هذه الحضرة يستلزم كونه رحمة عليه ، ( فإنه أكبر من موسى سنا ) ، ومن شأن الكبير أن يكون راحما على الصغير ، ولا ينافي هذا كونه خليفة لموسى إذ ( كان موسى أكبر منه نبوة ) ، والصغير في النبوة يجوز أن يكون خليفة للكبير فيها ، وإن كان راحما على الكبير فيها من حيث كونه صغيرا في السن .

قال رضي الله عنه :  (ولما كانت نبوة هارون ) التي هي غاية كماله ( من حضرة ) الرحموت كان الغالب عليه في أفعاله وأقواله ما يناسب ( الرحمة ؛ لذلك قال لأخيه موسى - عليهما السلام ) مع كونه أخاه من الأبوين ؛( يَا بْنَ أُمَّ [ طه : 94 ] ، فناداه بأمه ) أي : إضافة إلى أمه ( لا بأبيه ) ، وإن كان أرحم من سائر الناس ،
( إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ) ، فإن أثر الرحمة في الأم أظهر وأكثر مما في الأب ، ( ولولا تلك الرحمة ) الوافرة الأثر من الأم على الصغير ( ما صبرت على مباشرة التربية ) للصغير كما لا يصبر عليه الأب ؛ ولذلك جعلت الحضانة أولا للأمهات .

قال رضي الله عنه :  ( ثمّ قال :لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [ طه : 94 ] ،فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ [ الأعراف : 150 ] ؛ فهذا كلّه نفس من أنفاس الرّحمة . وسبب ذلك عدم التّثبّت في النّظر فيما كان في يديه من الألواح الّتي ألقاها من يديه ،)

قال رضي الله عنه :  ( ثم ) أي : بعد قوله :يَا بْنَ أُمَّ ( قال :لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [ طه : 94 ] ،فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ [ الأعراف : 150 ] ) ، ولم يغضب عليه مع أنه فعل ذلك عن علمه ، ( فهذا ) القول وترك الغضب على موسى عليه السّلام ( كله نفس من أنفاس الرحمة ) المجتمعة تلك الأنفاس في هارون رحم بها موسى ؛ لئلا يزيد غضبه عن العجلة فيهلك ، وإن كان للّه ؛ لكونه بلا موجبة في الحقيقة ؛

وذلك لأن ( سبب ذلك ) الغضب والعجل من موسى ( عدم التثبت ) من الحيرة التي غلبت عليه من الغيرة في اللّه والغضب له عن عجلة ، فلم يثبت ( في النظر فيما كان ) أبلغ تثبت مع غاية قربه ، إذ كان ( في يديه من الألواح ) أي : ألواح التوراة ( التي ألقاها من يديه ) من عدم التثبت الموجب للحيرة الحاصلة من الغضب في اللّه ، والغيرة له إذ لا يتجرأ على مثل ذلك إلا عن الحيرة ، وإلا فهو معصوم ، وكذا ما فعل بأخيه .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

24 - فصّ حكمة إماميّة في كلمة هارونيّة
تسمية الفصّ
ووجه اختصاص هذه الكلمة بحكمتها هو أنّ هارون قد غلب عليه الرحمة المشتقة منها الرحم ، على ما ورد في الحديث أنّه : « لما خلق الرحم ، قال : أنا الرحمن وأنت الرحم ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتتّه » . رواه أحمد و أبو داود
قال تعالى :"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف

الإمام والإمامة
ومن ثمّة ظهر عليه عند الإنباء عن محمّد نشأته نسبة الأمومة ، حيث قال : “  يَا بْنَ أُمَّ “ [20 : 94 ].
والإمام عبارة عن « الامّ » بتكرار الإضافة اللازمة لمثله ، ولذلك صار مع نبوّته وخلافته عن الحقّ خليفة أخيه ، فله الخلافة الكاملة ، والإمامة هي كمال الخلافة ، فإنّها تستتبع إطاعة الأمم خالصة عن القهر والغلبة والظهور بالسيف والسفاك .
ولذلك قال تعالى لخليله : “  إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً “  [ البقرة : 124 ]  .
فالإمامة عند التحقيق هي النسبة الجمعيّة الوجوديّة الحبّية ، الموجبة لانقياد الأمم طوعا ورغبة.

ومما يلوّحك على هذا أنّ لفظ « الإمام » عبارة عن باطن لام الجمع وبيّناته مكرّرا ، كما أنّ الكلمة « الهارونيّة » عبارة عن الهاء التنبيهيّة الدالَّة على الحاضر ظاهرة بالنور وقلبه الذي هو ظاهر الوجود المنبسط على الكائنات ، المعبّر عنه بالرحمة ،
وذلك إذا اعتبر انبساطها على الجهات من الكائنات يعبّر عنها بالرحموت .

كان هارون من حضرة الرحموت
ولذلك قال رضي الله عنه  : ( اعلم أنّ وجود هارون كان من حضرة الرحموت ، بقوله “  وَوَهَبْنا لَه ُ من رَحْمَتِنا “  يعني موسى “  أَخاه ُ هارُونَ نَبِيًّا “  [ مريم : 53 ] وكانت نبوّته من حضرة الرحموت ) ، فإنّ النبوّة صورة كمال الوجود وغاية تطوّراته الإظهارية فإذا كان وجود هارون من حضرة الرحموت ، يكون ما يتفرّع عليه منها ، ضرورة وإذ كان الغالب على موسى أمر الغلبة القهريّة والغضب التسلَّطي ، وكان الغالب على هارون الرقّة والشفقة مما هو مقتضى الرحمة التي عليها جبلَّته ، سأل الله تعالى بقوله : “  وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً من أَهْلِي . هارُونَ أَخِي . اشْدُدْ به أَزْرِي . وَأَشْرِكْه ُ في أَمْرِي “  [ طه / 31 - 29 ] ،
ليعتدل مزاج صورته النبويّة ، ويناسب به لأمزجة العامّة ، تيسيرا بما هو بصدده من البلاغة والرسالة .

وإنما قال : “  اشْدُدْ به أَزْرِي . وَأَشْرِكْه ُ في أَمْرِي “ [طه : 31-32] ، ( فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة ) .

ظهور آثار الرحمة من هارون
(ولما كانت نبوّة هارون من حضرة الرحموت لذلك قال لأخيه موسى :“  ابْنَ أُمَّ “ فناداه بامّه ) عندما يريد الإبانة عن مجمع تفرقتهما ، ( لا بأبيه ) على أنّ أمر الجمعيّة بينهما في الأب أحكم امتزاجا واقترانا ، ( إذ كانت الرحمة للامّ - لا للأب - أوفر في الحكم ) وظهور الأثر المترتّب عليها من الرقّة والعطوفة ،
قال رضي الله عنه  : ( ولولا تلك الرحمة ) الوافرة الحكم ، الظاهرة الأثر منها ( ما صبرت على مباشرة التربية ) والتزام مقاساتها ، مع قصور القوّة فيها وضعف مزاجها بالنسبة إلى الأب .

قال رضي الله عنه  : ( ثمّ قال ) عندما رأي موسى تفرقة امّته في أيّام خلافة هارون وغيبته  عنهم فتحرّك منه الغضب وغلب عليه : (" لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ")[ طه : 94 ]  .

فإنّهما منشأ التفرقة من الشخص وبيّن أنّ ترشيح أمر التفرقة وتنفيذ أحكامها من مقتضى الرحمة ، والمؤاخذة على ما هو مقتضى أصل الطبيعة مما يشمت به أعداءه من المخالفين له في تلك الاقتضاء ، فلذلك قال : (و" فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ " ) [ الأعراف : 150] .

غضب موسى وما كتب في الألواح
قال رضي الله عنه  : ( فهذا كلَّه نفس من أنفاس الرحمة ، وسبب ذلك ) الغضب وظهوره عليه ( عدم التثبّت في النظر فيما كان في يديه ) من مبدأي قوّته وفعله ( من الألواح ) التفصيلية الثابتة فيها كل شيء ، ( التي ألقاها من يديه ) عند ثوران الغضب وشدّة حدّته ( فلو نظر فيها نظر تثبّت لوجد فيها الهدى والرحمة.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن وجود هارون عليه السلام كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا».
فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة.  ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.
ولو لا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية.
ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء».
فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة.
و سبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه.)

الفصّ الهارونى
24 - فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
قال رضي الله عنه :  ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [ البقرة : 124 ] أي خليفة عليهم .
اعلم أنّ وجود هارون عليه السّلام كان في حضرة الرّحموت بقوله تعالى :"وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا" يعني لموسى :أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [ مريم : 53 ] . فكانت نبوّته من حضرة الرّحموت .
فإنّه أكبر من موسى سنّا ، وكان موسى أكبر منه نبوّة . ولمّا كانت نبوّة هارون من حضرة الرّحمة ، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام: " يَا بْنَ أُمَّ، فناداه بأمّه لا بأبيه إذ كانت الرّحمة للأمّ دون الأب" أوفر في الحكم . )

فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
اعلم أن الإمامة المذكورة ههنا لقب من ألقاب الخلافة ، وهي تنقسم إلى إمامة بلا واسطة وبين حضرة الألوهية ، وإلى إمامة ثابتة بالواسطة ، وكل رسول بعث بالسيف فهو خليفة من خلفاء الحق ولا خلاف في أن موسى وهارون بعثا بالسيف ، فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة والخلافة ، فهارون له الإمامة التي لا واسطة بينها وبين الحق فيها وله الإمامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إياه على قومه فجمع بين قسمي الإمامة فقويت نسبته إليها ، فلذلك نسبت حكمته إلى الإمامة دون غيرها من الصفات .
قال تعالى : "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ "(142) سورة الأعراف

(اعلم أن وجود هارون عليه السلام) ، في مقام الإمامة وتحققه به (كان من حضرة الرحموت) ، هي مبالغة الرحمة ( بقوله ) ، أي بدلالة قوله : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني لموسى أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مريم : 53 ] فكانت نبوته من حضرة الرحموت ) ، أي الرحمة عليه وعلى موسى وعلى أمته ( فإنه أكبر من موسى سنا وكان موسى أكبر منه نبوة ) ، ولكن كان حسنا في الخلق صلبا في الدين ، ولم يكن فصيحا في النطق فطلب من اللّه أخاه هارون يكون معه في الدعوة فيعينه فوهبه اللّه لموسى ( ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة ، لذلك قال لأخيه موسى عليه السلام يا ابن أم فناداه ) ، مضافا ( بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ) ، أي في الأثر المرتب عليها من الرقة والعطوفة

قال رضي الله عنه :  ( ولولا تلك الرّحمة ما صبرت على مباشرة التّربية . ثمّ قال :لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [ طه : 94 ] ،فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ[ الأعراف : 150 ] فهذا كلّه نفس من أنفاس الرّحمة . وسبب ذلك عدم التّثبّت في النّظر فيما كان في يديه من الألواح الّتي ألقاها من يديه . )

قال رضي الله عنه :  ( ولولا تلك الرحمة ) ، أي أوفر في الأم ( ما صبرت على مباشرة التربية ثم قال : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء فهذا كله ) ، بل كل واحد منه ( نفس من أنفاس الرحمة . وسبب ذلك ) ، أي سبب ما وقع من موسى من الغضب وأخذ اللحية والرأس ( عدم التثبت ) من موسى ( في النظر فيما كان بين يديه من الألواح التي ألقاها من بين يديه . )
.
واتساب

No comments:

Post a Comment