Tuesday, August 20, 2019

11 - فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

11 - فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

11 - فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

11 - فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة 
فصّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة ووجه اختصاص هذه الكلمة بحكمتها هو أنّ لصالح عليه السّلام قد انفتق عن جبل الجبلَّة ناقة القوّة وإبل القابليّة . 
وله انفتح عند إنبائه وانبساطه على عرض أرض الإظهار أبواب مظاهر الأوصاف الكماليّة ، يعني الحيوان الذي به يظهر الحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر ، وعليه تقطع اللطيفة الإنسانيّة سباسب قفار الأمزجة الكثيفة الانحرافيّة ، إلى أن يبلغ سواد اعتدالها النوعي ، ورياض أوصافها الوجوديّة وأفعالها الكماليّة الكلاميّة ، الكاشفة عن كنه الكلّ ، فله صلوح الكشف عن الحكمة الفتوحيّة الحصوليّة الصلوحيّة .  
والذي يلوّح على ذلك اتّفاق عقدي الفاتح ( 21 ) والصالح ( 21 ) في الثلاثة التي عليها يقوم أمر فتح أبواب الظهور والإظهار كما سيحقّق ذلك  
وإلى ذلك أشار بقوله : ( من الآيات ) الكاشفة عن الحكمة الفاتحيّة( آيات الركائب )ركائب القوابل التي بها يقصد كلّ أحد مواطنه المتخالفة ، وعليها يسلك مسالكهم المتفاوتة المتباينة .  
( وذلك لاختلاف في المذاهب ) فإنّ القابليّة أصل الخصوصيّات ومعدن تكثّر التعيّنات .  
( فمنهم قائمون بها بحقّ ) أي واقفون بتلك الركائب على موطن الحقّ في عين الحركة والسلوك ، وفي لفظ « قائمون » إشارة إلى تلك الجمعيّة - فتنبّه. 
ومنهم قاطعون بها (السباسب) فإنّ من الناس من وقع بسبب تشدّدهم على ركائب قابليّاتهم بأسواط التعمّلات والتسببات في فيافي الأنظار والأفكار ، ومنهم من هام بها في مهامه الأوصاف والأحوال ، ومنهم من ضلّ في سباسب الأعمال والأفعال. " سباسب جمح سبسب : البيداء والصحراء ". 
( فأمّا القائمون فأهل عين )وشهود ، ضرورة قيام أمرهم بها ،( وأمّا القاطعون هم الجنائب ) أي المطيعون ، يقال : « فرس جنيب » أي منقاد والجنيب فيه معنى القربة والبعد ، ويقال : « جنيب » لفرس يتهيّأ للركوب ، وسائر المعاني هاهنا مستشعر منه .  
وإذ كان الغرض من هذا التفصيل تمييز مراتب السالكين وأطوارهم ، وإنّما يستفاد ذلك من الحصر - على ما لا يخفى - فما نوقش في هذا التركيب من ترك « الفاء » بمعزل عن الصواب عند أهل التحقيق ، سيّما في النظم .  
( فكلّ منهم ) - من أهل العين والجنائب - ( يأتيه منه ) أي من هو الذي آخذ بناصية الكلّ  ( فتوح غيوبه من كلّ جانب ) من فوقهم ومن تحت أرجلهم. 
[ الفرديّة والتثليث ]  
( اعلم - وفّقك الله ) للاستطلاع على حقائق العدد ومكنونات رموزه ودقائقه - ( أن الأمر ) - ظهورا كان أو إظهارا - ( مبنيّ في نفسه على الفرديّة ) وهي عدم الانقسام بالمتساويين عمّا من شأنه الانقسام فلا يشمل الواحد ضرورة .  
وقد لوّحت على ما بين بحث التثليث وهذه الحكمة من المناسبة آنفا فلا نعيده ، على أنّ الفرد مشتمل بيّناته الأول على عقدي التثليث الذي في الكلمة والحكمة ( ا ا ال ) ( 33 ) .  
وبيّن أنّ المنقسم إمّا أن ينقسم بالمتساويين ، فله الشفعية والتثنية من العدد ، أو لا ينقسم بالمتساويين ، - بل بالمتخالفين في الزيادة والنقصان - فله الفرديّة والتثليث ، ضرورة اشتمال القسم الزائد على الناقص وفضل ، وإليه أشار بقوله :  
(فلها التثليث ، فهي من الثلاثة فصاعدا . فالثلاثة ) في نفسه مجرّدا عمّا يقوم به ( أوّل الأفراد ) فإنّ المراتب العدديّة حقائق مجرّدة في نفسها عند أهل التحقيق ، وذلك التثليث هو الذي ظهر لقوم في صورة الفاعل والقابل والفعل ، ولآخر في العلَّة والمعلول والعليّة ، ولآخر في المحبّ والمحبوب والمحبّة ، ولآخر في الذات والصفة والاسم ، ولآخر في الإله والعبد والعبوديّة .  
( وعن هذه الحضرة الإلهيّة ) - التي لها التثليث - ( وجد العالم ، فقال تعالى : " إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناه ُ أَنْ نَقُولَ لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ " [ 16 / 40 ] فهذه ذات ذات إرادة وقول ، ولولا هذه الذات وإرادتها ، وهي نسبة التوجّه بالتخصيص لتكوين أمر ما ) . 
واعلم أنّ هذين الأمرين في التكوين بمنزلة المادّة ، التي بها الشيء بالقوّة ، والقول بمنزلة الصورة التي بها الشيء بالفعل . 
وإليه أشار بقوله : - ( ثمّ لولا قوله عند هذا التوجّه « كن » لذلك الشيء : ما كان ذلك الشيء ) ولذلك ترى القول في الآية المذكورة مكرّرة ، ضرورة أنّ الصورة من الشيء التي هي الغاية للحركة الإيجاديّة ، لها تكرّر تقدّم ذاتي أوّلا على الكل وتأخر رتبيّ ثانيا عنه .  
( ثمّ ظهرت الفرديّة الثلاثيّة أيضا في ذلك الشيء ) المتوجّه اليه ، فإنّ النسبة حاكمة على الطرفين ، مسمية لهما ، وبتكرّر هذه الفرديّة الثلاثيّة في طرفي الفاعل والقابل ثمّ أمر الكون ، فإنّ الستّة هي أوّل ما ظهر منه أمر تمام الكثرة ، ولذلك ترى صورة التثليث في الفرد مثنّاة ، كما لوّح عليه آنفا .  
فمن تلك الفرديّة والتثليث انتسب إليه الكون ( وبها من جهته ) - أي من طرف الشيء - ( صحّ تكوينه واتّصافه بالوجود ، و ) تلك الفرديّة الثلاثية ( هي شيئيّته وسماعه وامتثاله أمر مكوّنه بالإيجاد ، فقابل ثلاثة بثلاثة ) وبه يسمّى بالمقابل ، إذ بمقابلته الثلاثة بالثلاثة تمّ أمر الكثرة المستتبعة للصورة الكونيّة .  
وذلك ( ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها ، وسماعه في موازنة إرادة موجده ، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله « كُنْ » فكان هو ، فنسب التكوين إليه ) أي نسب ظهوره بالصورة الكونيّة إلى الشيء ، فهو الذي كوّن نفسه بالقابليّة المذكورة .  
(فلولا أنّه في قوته التكوين من نفسه عند هذا القول ، ما تكوّن ، فما أوجد الشيء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إلَّا نفسه ) وليس للحقّ تعالى سوى الأمر فقط ، ( فأثبت الحقّ تعالى أنّ التكوين للشيء نفسه ، لا للحقّ ، والذي للحقّ فيه أمره خاصّة ، وكذا أخبر عن نفسه ) بشهادة أداة الحصر على الأمر ( في قوله : " إِنَّما أَمْرُه ُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ " [ 36 / 82 ] فنسب التكوين لنفس الشيء عن أمر الله ) فإنّ الغاية للإرادة وتوجّه الذات بالتخصيص الأمري إلى الشيء إنّما هو تكوينه ، فلذلك قال : "فَيَكُونُ " أي بدون فاعل من خارج ، وللإشعار بأن الشيء هي الغاية قال : « لنفس الشيء » باللام دون إلى .  
( وهو الصادق في قوله ) . هذا ما يدلّ على ما ذكرنا بحسب منطوق النقل (وهذا هو المعقول) أيضا ( في نفس الأمر ، كما يقول الآمر الذي يخاف ولا يعصى لعبده : « قم » ، فيقوم العبد امتثالا لأمر سيّده ، فليس للسيّد في قيام هذا العبد سوى أمره بالقيام ، والقيام من فعل العبد ، لا من فعل السيّد. فقام أصل التكوين على التثليث ، أي من الثلاثة من الجانبين : من جانب الحقّ ، ومن جانب الخلق ).  
ومما يلوّح عليه تلويحا كاشفا اشتمال « الله » على الثلاثة المتكرّرة من لامي الفاعل والقابل ، وبهما تمّ أمر الظهور ، كما أنه بالستّة - التي هي من ألف الابتداء وهاء المنتهى - تمّ أمر الإظهار .  
ولما بيّن سريان الفرديّة الثلاثيّة في أمر الظهور أخذ يبيّن ذلك في أمر الإظهار قائلا :  
( ثمّ سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلَّة ، فلا بدّ في الدليل من أن يكون مركَّبا من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص ، وحينئذ ينتج ، لا بدّ من ذلك وهو أن يركَّب الناظر دليله من مقدّمتين : كلّ مقدّمة يحتوي على مفردين ، فتكون أربعة ، واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين ، لتربط إحداهما بالأخرى ، كالنكاح )  
فإنّه مشتمل على مقدّمتي الأبوين المنطويين على آلتيهما للتناسل ، وذلك الواحد المتكرر ( فتكون ثلاثة لا غير ، لتكرار الواحد فيهما ، فيكون المطلوب ) - ظهوريّا كان أو إظهاريّا ( إذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص - وهو ربط إحدى المقدّمتين بالأخرى ، بتكرار ذلك الوجه المفرد ، الذي به صحّ التثليث ) الموجب لتولَّد النتيجة ، فيكون ذلك هو العلَّة للتوليد ( والشرط المخصوص ) وهو ( أن يكون الحكم ) أي المحكوم به في المطلوب . 
المسمّى بالأكبر ( أعمّ من العلَّة ) المذكورة المسمّاة بالأوسط - كما يقال في « هذا حيوان » : « إنّه إنسان ، وكلّ إنسان حيوان » - ( أو مساويا لها ) - كما يقال فيه : « إنّه ماش ، وكلّ ماش حيوان » - ( وحينئذ يصدق ) النتيجة .  
( وإن لم يكن كذلك ) كما إذا كان الحكم أخصّ أو مباينا ، كما يقال :  
« كلّ إنسان حيوان ، وبعض الحيوان فرس » أو « ليس بإنسان » ( فإنّه ينتج نتيجة غير صادقة ) .  
وإذ كان الغرض هاهنا تبيين مثال ، اكتفى من أشكال البراهين بالأوّل منها ، ومنه بما ينتج الموجبات ، لا مطلقا ولذلك لم يتعرّض لإيجاب الصغرى ، كما تعرّض لكلَّية الكبرى .  
(وهذا ) الحكم التثليثيّة ( موجود في العالم ، مثل إضافة الأفعال إلى العبد ، معراة عن نسبتها إلى الله ) أي لا دخل له تعالى فيها أصلا ، كما هو رأي بعض المتكلَّمين ( أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا ) بدون دخل للعبد فيه - كما هو رأي أكثر الملَّيين - ( والحقّ ما أضافه إلَّا إلى الشيء الذي قيل له : " كُنْ " ) كما هو رأي أهل الحقّ ، وهذا هو الثالث الذي يتولَّد منه النتيجة الحقّة .  
هذا ما له من المثال في عالم الظهور ، وأمّا ما في عالم الإظهار والإثبات ( مثاله إذا أردنا أن ندل أنّ وجود العالم عن سبب ، فنقول : « كلّ حادث فله سبب » ) وفي تقديمه الكبرى إشارة إلى أنّها الامّ في التوليد المذكور وقربها إلى الإنتاج ( فمعنا الحادث والسبب ثمّ نقول في المقدّمة الأخرى : « والعالم حادث » ) وإنّما أخلّ بالترتيب بالمقدّمتين تنبيها على أنّ مرجع سائر الأشكال إنّما هو إلى الأوّل . 
بأيّ ترتيب وقعت ، فإنّ هذا ترتيب الرابع منها ، أو على أنّ المادّة الصحيحة والصورة المستجمعة للشرائط منتجة في أيّ ترتيب كان ، ( فتكرّر « الحادث » في المقدمتين ) .  
( والثالث قولنا : « العالم » ) هذا استشعار لما حكم آنفا من أن الأوسط هو الذي صحّ به التثليث المنتج ، فإنّه قد يكون ذلك الأصغر ، كما نبّه عليه. 
( فأنتج أنّ « العالم له سبب » يظهر في النتيجة ما ذكر في المقدّمة الواحدة ) المسمّاة بالكبرى ، لاشتمالها على الأكبر ، يعني الحكم في النتيجة ( وهو السبب ) فإنّ الحكم والمحمول هو الظاهر على المحكوم عليه والموضوع ، وبهذا الاعتبار له الأكبر .  
( فالوجه الخاصّ هو تكرار الحادث ) هاهنا ( والشرط الخاصّ عموم العلَّة ) فإنّ العلَّة هو الحكم هاهنا ( لأنّ العلَّة في وجود الحادث السبب ، و ) ذلك السبب الذي هو الحكم هاهنا . 
( هو عامّ في حدوث العالم عن الله) فإنّ ما له سبب أعمّ من الحادث من الله - الذي هو العالم - والحادث من سبب آخر ، وإنّما صرّح بذلك تنبيها على أنّ الحكم في هذا المثال أعمّ من العلَّة فقوله : ( أعني الحكم ) - تفسير للضمير الغائب ( فنحكم على كلّ حادث أنّ له سببا ، سواء كان ذلك السبب ) أي العلَّة التي هي الوسط في القياس - وهو الحادث هاهنا - ( مساويا للحكم ) - كما في مثالنا هذا إذا أطلق الحادث على الذاتي ، ولم يخصّ بالحادث عن الله ، كما نبّه عليه آنفا - ( أو يكون الحكم أعمّ منه ) كما إذا أخذ الحادث زمانيّا أو لم يخصّ ( فيدخل ) الحادث ( تحت حكمه ) في الصورتين ( فتصدق النتيجة ) ضرورة تعدّى الحكم منه إلى الأصغر .  
وإنّما اختلط هاهنا في التعبير ، حيث أطلق السبب تارة على الأكبر ، وأخرى على الأوسط ، والعلَّة أيضا كذلك : تنبيها على أنّ محافظة أمر المصطلحات وتعيين مفهوماتها وتبيين أحكامها وموضوعاتها - على ما أكبّ عليه أرباب هذه الصناعة - مما لا يجدي فيها بطائل ، وتعريضا لهم بذلك .وعاد دعاوى القيل والقال وانج من عوادي دعاو صدقها قصد سمعة. 
( فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلَّة ،فأصل الكون التثليث) ظهوريّا أو إظهاريّا ، وجوديّا أو عدميّا . 
[ حكمة تأخير نزول العذاب على قوم صالح ]  
(ولهذا كانت حكمة صالح عليه السّلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام ) - لما في كلمته وحكمته من حكم التثليث - ( وعدا غير مكذوب) وفي بعض النسخ « وعد » - كما هو لفظ التنزيل - على الحكاية أو على خبر مبتدأ محذوف : أي ذلك وعد غير مكذوب .  
( فأنتج ) التثليث ذلك ( صدقا ) أي ما يطابق الواقع ( وهو الصيحة التي أهلكهم بها " فَأَصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ " ) [ 11 / 67 ] أي هالكين . 
وهذا الذي تنتجه الصيحة من أثر التثليث ( فأوّل يوم من الثلاثة اصفرّت وجوه القوم ) لأن الاصفرار أوّل ما يتدرّج به البياض نحو السواد ( وفي الثاني احمرّت ، وفي الثالث اسودّت ، فلما كملت الثلاثة ) في الأيّام الثلاثة كمًّا وكيفا . 
( صحّ الاستعداد ) للفساد ، أعني السواد - فإنّ السواد يناسب الفساد ويقربه عقلا وعقدا - ( فظهر كون الفساد فيهم ) إذ كلّ ما وقع في هذا العالم كون وظهور في نفسه ، وإن كان فسادا باعتبار آخر . 
ولذا عبّر عنه بقوله تعالى : " فَأَصْبَحُوا في دِيارِهِمْ " أي ما كانوا فيه وعليه" جاثِمِينَ " [ 11 / 67 ] أي ملتذّين به ، قاعدين عنده ، غير مترقّين عنه ( فسمّى ذلك الظهور هلاكا ) لما فيه من الخفاء لهم بالنسبة إلى السعداء .  
( فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى " وُجُوه ٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ " [ 80 / 38 ] من السفر وهو الظهور ) فكان الإسفار في أوّل يوم ظهور علامة السعادة ، ( كما كان الاصفرار في أوّل يوم ظهور علامة الشقاوة في قوم صالح ) .  
( ثمّ جاء في موازنة الإحمرار القائم بهم ) أي غير زائل عنهم سريعا ، كما في احمرار السعداء ، فإنّ ( قوله تعالى في السعداء " ضاحِكَةٌ " فإنّ الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه ، فهي في السعداء احمرار الوجنات ) الغير القائم ، كما هو أثر الضحك . ) 
ثمّ جعل في موازنة تغيير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى :  
(" مُسْتَبْشِرَةٌ " وهو ما أثّره السرور في بشرتهم ) من الآثار المتحوّلة السريعة الزوال ( كما أثّر السواد في بشرة الأشقياء ) أثرا قائما مستقرّا ، فالكلّ مشتركون في أثر بشرتهم الظاهرة  ( ولهذا قال في الفريقين بالبشرى ، أي يقول لهم قولا يؤثّر في بشرتهم ، فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا ) ضرورة أنّ ذلك اللون متبطَّنة فيهم إلى أن يقول الخاتم ويظهر ، فإنّ القول هو الإظهار ، ليس إلَّا .  
وفي قوله هاهنا تلميحات وإشارات خفيّة إلى أنّ الأشقياء هم المختصّون بخصائص أولى النهايات من ذوي الولايات ، كما أنّ السعداء لهم الكمال المختصّ بأهل البدايات من اولي النبوات ، كما قال ابن الفارض مصرّحا ببعض ما فيه من الإشارات: 
و قل لقتيل الحب وفيت حقه .... و للمدعى هيهات ! ما الكَحَلُ الكُحلُ 
وفي حبها بعت السعادة بالشقا، ... ضلالا وعقلي عن هداي به عقل 
وما في الحديث أيضا على ما هم عليه: " الفقر سواد الوجه في الدارين " . 
وكذا في قوله : (فقال في حقّ السعداء : "يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْه ُ وَرِضْوانٍ") [ 9 / 11 ] على صيغة الخبر والوعد بالرحمة العامّة والرضوان ). 
وقال في حقّ الأشقياء :" فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ "[ 9 / 34 ] . 
على صيغة الخطاب ، والأمر ببشارتهم بالعذاب الذي هو من المنح الخاصّة . 
على ما نصّ عليه قوله تعالى : " عَذابِي أُصِيبُ به من أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [ 7 / 156 ] .  
( فأثّر في بشرة كلّ طائفة ) وظاهر أمرهم ( ما حصل في نفوسهم ) و بواطن قابليّاتهم ( من أثر هذا الكلام ) الجمعي والإظهار الختمي. 
( فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلَّا حكم ما استقرّ في باطنهم من المفهوم ) عن ذلك الكلام ( فما أثّر فيهم سواهم ، كما لم يكن التكوين إلَّا منهم ، فللَّه الحجّة البالغة ) على الكل فيما يفيض عليهم ويمنحهم .  
( فمن فهم هذه الحكمة الفتوحيّة وقرّرها في نفسه ) تقرير متيقّن ( وجعلها مشهودة له ) في سائر أحواله ( أراح نفسه من التعلَّق بغيره ، وعلم أنّه لا يؤتى عليه بخير ولا بشرّ إلَّا منه ، وأعني بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه ، وأعني بالشرّ ما لا يوافق ولا يلائم طبعه ومزاجه ) حتّى تعلم أنّهما يختلفان بالنسبة والاعتبار ، فإنّ الخير عند قوم قد يكون شرّا عند آخر ، فالخير عند السعداء شرّ عند الأشقياء وبالعكس .  
(ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلَّها عنهم ، وإن لم تعتذروا ) هم عن أنفسهم ضرورة أنّه يعرف مبدأ ذلك ( ويعلم أنّه منه كان كلّ ما هو فيه كما ذكرناه أوّلا في أنّ العلم تابع للمعلوم فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه : « يداك أوكتا وفوك نفخ ") . 
أوكأ على ما في سقائه : إذا شدّه بالوكاء . 
وفي هذا المثل إشارة إلى مرتبتي الظهور والإظهار على ما لا يخفى .  
( والله يقول الحقّ وهو يهدى السبيل ) .  
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment