Tuesday, August 20, 2019

11 - فص حكمة فاتحية في كلمة صالحية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د.أبو العلا عفيفي

11 - فص حكمة فاتحية في كلمة صالحية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د.أبو العلا عفيفي

11 - فص حكمة فاتحية في كلمة صالحية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د.أبو العلا عفيفي 

 

تعليقات د.أبو العلا عفيفي على كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

(1) الحكمة الفتوحية 
(1) تشرح هذه الحكمة معنى الخلق كما يفهمه ابن العربي.  
والخلق عنده فتوح- جمع فتح- أي سلسلة من التجليات و الظهور لا إحداث لوجود من عدم.  
وقد تؤخذ كلمة «الفتوح» على أنها مفرد لا جمع و معناها حصول شيء مما لم يتوقع ذلك منه، وهذا المعنى متحقق في ظهور ناقة صالح من الجبل و في ظهور الحق بصور الخلق في نظر الجاهل المحجوب. 
وبعض النسخ يعنون هذه الحكمة بالحكمة الفاتحية نسبة إلى الاسم الفاتح الذي فتح الحق به الوجود.  
وهذا أيضاً متمشٍ مع رأي متصوفة وحدة الوجود لأنهم يعتبرون «الخلق» فتحاً لصور الموجودات في الذات الأزلية لا إنشاء و لا إبداعاً لها. 
والحقيقة أن كل اسم من الأسماء الإلهية «فاتح» بهذا المعنى.  
ولهذا سموا هذه الأسماء مفاتح الغيب وقالوا إنها المشارة إليها في قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لايَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» (قرآن س 6 آية 59). 

(2) «من الآيات آيات الركائب» الأبيات. 
(2) الركائب في الأصل الإبل و لكنها مستعملة هنا بمعنى أعمّ بحيث تشمل الإبل و غيرها مما يمكن أن يركب.  
ومن المعجزات التي خصّ اللَّه بها الأنبياء ناقة صالح و براق محمد عليهما السلام.  
هذا هو المعنى الظاهر للشطر الأول من البيت الأول، و لكن له معنى آخر باطناً يدل عليه ما بقي من الأبيات. فكلمة الركائب في الحقيقة رمز لصور النفوس الحيوانية التي هي ركائب للنفوس الناطقة، كما أن الأبدان ركائب للنفوس الحيوانية.  
وبهذا المعنى يكون لكل نبي، بل و لكل إنسان ركيبة تسير به حيث تقتضيها طبيعتها، و هذا معنى قوله و ذلك لاختلاف في المذاهب. و لكن مهما اختلفت مذاهب السير و تعددت و تباينت فإنها تتجه كلها نحو هدف واحد هو الحق.  
غير أن بعض أصحاب تلك الركائب يسيرون بها في الطريق الحق و يصلون بها إلى اللَّه و هؤلاء هم أهل الكشف و الشهود، و بعضهم يقطعون بها البراري القفرة و الصحاري المجدبة التي يتيهون فيها و يحارون لكثرة ما يغْلب عليهم من ظلمات العقل و البدن جميعاً و هؤلاء هم المحجوبون من الفلاسفة و المتكلمين و غيرهم الذين يصفهم بالجنائب أي المبعدين عن الحقائق. قال الشاعر: 
هواي مع الركب اليمانين مصعد .... جنيب و جثماني بمكة موثق 

و ابن العربي أعدل من أن يبخس الناس أشياءهم و ينكر على المجتهدين ثمرة اجتهادهم. فالمهتدون القائمون بالحق و الضالون في غيابة الجهل في نظره سواء من حيث إن كلًا منهم يتبع في سيره إلى الحق ذلك النور الذي قدِّر له أن يسير فيه- قَلَّ ذلك النور أو عظم- و تنكشف له فتوح الغيب و أسراره، و ليس الغيب إلا الذات الإلهية، و ليست أسرارها إلا الوجود الظاهر. فكل منهم تنكشف له حقائق الغيب و أسراره على نحو يتفق و ذلك النور الذي يسير فيه، و هو إما نور القلب و الشهود أو نور العقل و البرهان، و بذلك يصل إلى الاعتقاد الخاص في اللَّه و هو ما أشرنا إليه في الفص السابق. 
وهذا هو مجمل البيت الأخير: 
وكل منهم يأتيه منه فتوح غيوبه من كل جانب ولا معنى للقول بأن الضمير في «منهم» يعود على القائمين بالحق دون غيرهم.  
(3) «اعلم وفقك اللَّه أن الأمر مبني في نفسه على الفردية و لها التثليث ... و عن هذه الحضرة وجد العالم». 
(3) تلعب فكرة التثليث دوراً هاماً جداً في فلسفة ابن العربي: و غريب حقاً أن يكون لها هذا الشأن في تفكير صوفي مسلم، و لكن صاحبنا خرج على كل مألوف و مقرر عند المسلمين، فِلمَ لا يقتبس من المسيحية كما اقتبس من غيرها ما دام في استطاعته أن يصبغ كل ما يقتبسه بصبغة نظريته في وحدة الوجود؟ 
أصل الوجود كله هو الواحد الحق و لكنه من حيث ظهور الوجود عنه- لا من حيث ذاته المطلقة وحدها- مثلث الصفات لأنه من حيث جوهره ذاتٌ. 
و من حيث صلته بالوجود الظاهر مريدٌ و آمرٌ.  
و لذا كان أساس الإيجاد الفرديةَ الأولى التي لها هذا التثليث: الذات الإلهية، و الإرادة و الأمر (الذي يعبّر عنه بالقول).  
و لا تظهر هذه الفردية الثلاثية في الموجِد وحده، بل تظهر كذلك في الشيء الموجود، و بغيرها لا يصح تكوينه و اتصافه بالوجود، فهو أيضاً ذاتٌ مطيعة لإرادة الموجِد ممتثلة أمره.  
و بذا حصلت المقابلة التامة بين الثالوثين: ثالوث الحق و ثالوث الخلق.  
""إضافة الجامع : ثالوث الحق : الذات – الصفات – الأسماء  
ثالوث الخلق : النساء - والطيب - وجعلت قرة عيني في الصلاة قال الشيخ علاء الدين المهائمي : حب (النساء) لحب الذات، (والطيب) لحب الصفات، ("وجعلت قرة عيني في الصلاة" )؛ لحب الأسماء . "" 
أو بين الثالوث الموجِد و الثالوث المكوّن و ظهر الوجود عن الواحد. 
و لكن وضع المسألة بهذه الصورة قد يشعر بأن ابن العربي يدين بفكرة الخلق بالمعنى المعروف، و أن للخالق إرادة مطلقة و أمراً حقيقيًّا في الوجود. 
في حين أنه ينكر بتاتاً الخلق بمعنى الإيجاد من العدم، و يبطل عمل الإرادة الإلهية- كما رأينا- بإخضاعها لنوع من الجبرية لا تستطيع عنه انفكاكاً، و يفسر الأمر من قِبَل الخالق و الامتثال من قِبَل المخلوق بأنه لسان حال، كأن الخالق في فعله و المخلوق في انفعاله ينطقان بلسان الحال أن بينهما نوعاً من التأثير و التأثر. 
لا على أنهما حقيقتان منفصلتان إحداهما عن الأخرى، بل على أنهما وجهان لحقيقة واحدة. 
فكأن فكرة الخلق و الإيجاد عند ابن العربي فكرة قضى بها المنطق لا طبيعة الوجود.  
فهي نظرية في العلّية منطقية لا وجودية.  
و يمكننا أن نوضح هذه العلاقة المنطقية بين الثالوثين اللذين يمثلان الحقيقة الوجودية على النحو الآتي: 
الحقيقة الوجودية على نحوين: 
الأول، الحق (الفاعل) ذات: إرادة  
قول الثاني، الخلق (القابل) ذات: سماع امتثال 
و تظهر فكرة التثليث المسيحية واضحة كل الوضوح في هذه المسألة و في كل ما ذكره ابن العربي في الحب : 
تثلث محبوبي و قد كان واحداً ... كما صير الأقنام بالذات أقنما 
و الإنتاج و الإيجاد في عالمي الكائنات و المعاني :" يقول مثلا إن الاستدلال القياسي قائم على التثليث لأنه يشترط فيه ثلاث قضايا و ثلاثة حدود."  
و فيما ذكره عن «الكلمة» التي يعتبرها الواسطة في الخلق.  
و لكنه لم يتأثر بالمسيحية نفسها بقدر ما تأثر بفلسفتها التي وصلته على النحو الذي صاغها فيه مفكر و الآباء المسيحيين بالإسكندرية منصبغة إلى حد كبير بأفكار إسلامية أدخلها عليها بعض فلاسفة الإسلام و متصوفية أمثال الحسين بن منصور الحلاج. 
و مع هذا كله تختلف فكرة التثليث عند ابن العربي اختلافاً جوهرياً عن نظيرتها في المسيحية، فإن تثليثه لا يخرج عن كونه اعتبارياً و في الصفات لا في الأقانيم، و هو فوق كل هذا حاصل من وجهي الحقيقة الوجودية على السواء. 

(4) «كما يقول الآمر الذي يُخاف فلا يعصى لعبده قمْ فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده ... لا من فعل السيد». 
(4) هكذا يتصور ابن العربي الخلق- أو بعبارة أدق هكذا يقضي على فكرة الخلق و يعطل الإرادة الإلهية.  
لا شيء في عالمه يُخْلَق من عدم، و إنما الخلق إخراج ما له وجود بالفعل في حضرة أخرى من حضرات الوجود إلى حضرة الوجود الخارجي، أو هو إظهار الشيء في صورة غير الصورة التي كان عليها من قبل.  
فالعالم عنده حقيقة أزلية دائمة لا تفنى و لا تتغير إلا في صورها. أما ذات العالم أو جوهره فلا يخضع لقانون الكون و الفساد.  
فإذا أراد اللَّه خلق شي ء من الأشياء أمره أن يكون فيكون.  
و الكوْن أو التكوُّن من فعل الشي ء نفسه لا من فعل اللَّه. بل ليس للَّه في إيجاد الشي ء إلا قوله له «كن»، كالسيد الذي لا تعْصى أوامره. 
يقول لعبده قم فيقوم: فليس للسيد في قيام العبد سوى أمره له بالقيام.  
و القيام من فعل العبد لا من فعل السيد. أين الخلق هنا و أين القدرة عليه؟ بل أين إرادة الخلق؟ إن منطق مذهبه يقتضيه ألا يستعمل كلمة «الخلق» بمعناها الديني و إلا وقع في تناقض شنيع مع نفسه. 
و هو بالفعل لا يستعملها أبداً بهذا المعنى، و لكن حرصه على أن يتخذ من آيات القرآن أصولًا لآرائه ليصور هذه الآراء تصويراً دينياً في ظاهرها، يجره في أغلب الأحيان إلى استعمال كلمات «الخلق» و نحوها، فيبقي على الألفاظ في صورتها و يقرأ في معانيها ما شاء له مذهبه في وحدة الوجود أن يقرأه. 
و قد يقال كيف يخاطب الشي ء و يؤمر و هو بعد لم يكن؟  
كيف يشبَّه الشيء المخلوق- قبل خلقه- بالعبد الذي يمتثل أمر سيده؟  
أليس هذا قياساً مع الفارق؟ 
وأليس من التناقض أن نقول إن الشيء قبل أن يكون يؤمر بأن يكون؟ 
و الجواب على كل هذه الأسئلة ليس بالأمر العسير على ابن العربي:  
فقد ذكرنا أنه يرى أن الأشياء قبل وجودها الظاهر ليست أموراً عدمية صرفة، بل لها وجود ثابت في العالم المعقول: و هو وجود بالقوة.  
فالأمر الإلهي يخرجها من القوة إلى الفعل بمقتضى طبيعتها. و لكن تشبيه الخالق و المخلوق- حتى بالمعنى الذي يفهمه- بالسيد و العبد تشبيه لا يخلو من فجاجة، وهو- كغيره من التشبيهات الأخرى التي يستعملها- يزيد آراءه الميتافيزيقية غموضاً أكثر مما يوضحها. 

(5) «و الشرط المخصوص أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساوياً لها ...نتيجة غير صادقة». 
(5) المراد بالحكم هنا المحكوم به في نتيجة القياس- أي الحد الأكبر، و بالعلة الحد الأوسط. و من المسائل المقررة في المنطق أنه يشترط لصحة النتيجة أن يكون الحد الأكبر في القياس أعم من الحد الأوسط أو مساوياً له.  
و الأول كقولنا: 
كل حيوان جسم الإنسان حيوان: الإنسان جسم. فجسم- و هي الحد الأكبر أعم من حيوان. و الثاني كقولنا: 
كل حيوان حساس الإنسان حيوان: الإنسان حساس. فحساس و هي الحد الأكبر مساوٍ لحيوان. 
و قد ذكر القياس هنا ليستدل به على أن التثليث أساس الإنتاج في المعنويات كما أنه أساس الإنتاج في الخلق.  
(6) «و هذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى اللَّه، أو إضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى اللَّه مطلقاً». 
(6) بعد أن ذكر أن الدليل القياسي قائم على التثليث وبيَّن شروطه المنطقية قال إن مخالفة هذه الشروط تؤدي إلى نتائج غير صحيحة وذكر نتيجتين من هذه النتائج: 
الاولى أن أفعال العبد هي من عمله و هو رأي المعتزلة،  
و الثانية أن الخلق من فعل اللَّه و هو رأي جمهور المسلمين.  
و السبب في عدم صحة هذه النتائج هو عدم توافر شرط التثليث فيها.  
أما رأي المعتزلة في نسبة الأفعال إلى العبد فيَرد عليه بأن العبد لا يمكن أن يكون خالقاً لأفعاله لأنه مجرد قابل، و لا يمكن للقابل المحض أن يأتي فعلًا من الأفعال إلا إذا اكتسب قوة الفعل من فاعل- و الفاعل في كل شيء هو اللَّه.  
فنسبة الفعل إلى العبد معراة عن إضافته إلى اللَّه خطأ أتى من أنهم لم يقيموا دليلهم على التثليث الآتي و هو «قابل» - «فاعل» - «فعل».  
و لو أقاموه على هذا التثليث لوصلوا إلى نتيجة أخرى. 
و بمثل هذه الطريقة نستطيع أن نرد على القائلين بنسبة التكوين إلى اللَّه مطلقاً دون نظر إلى المكوَّن. نعم إن الممكن في ذاته لا قوة فيه على الوجود. 
و لكنه لكي يوجد امتثالًا لأمر اللَّه يجب أن تكون فيه القدرة و الاستعداد على أن يوجد. فمن الخطأ إذن أن ننسب التكوين إلى اللَّه وحده و نهمل إمكانية الممكن. 
بل الواجب أن نبني دليلنا على التثليث الآتي و هو: الممكن في قوته أن يكون: 
اللَّه الآمر بأن يكون: التكوين.  
(7) «فالوجه الخاص هو تكرار «الحادث»، و الشرط الخاص عموم العلة». 
(7) الإشارة هنا إلى كلمة «الحادث» الواردة في القياس الذي ذكره و هو: 
كل حادث فله سبب و العالم حادث. 
: العالم له سبب فكلمة «الحادث» و هي الحد الأوسط مكررة في القياس لورودها في المقدمتين. 
أما العلة التي أشار إليها فهي علة وجود العالم و هي أن له سبباً، فهي الحد الأكبر في القياس. و قد استعمل كلمة «العلة» في هذه المسألة بمعنيين مختلفين يجب الالتفات إليهما و إلا وقع الخلط و الإبهام في فهم كلامه. فقد استعمل «العلة» أولًا بمعنى الحد الأوسط في القياس لأن الحد الأوسط علة الإنتاج من ناحية أنه الرابطة بين الحدين الأكبر و الأصغر، ثم استعملها في مثال خاص- و هو المثال الذي يثبت فيه سببية العالم- بمعنى علة وجود العالم.  
(8) «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ». 
(8) أي فلله الحجة البالغة على عباده فيما يأتونه من الأفعال. و أي حجة أبلغ في إدانة العبد من أن يكون كل ما يظهر به في ظاهره من حكم ما استقر في باطنه؟ 
فالفعل فعله و ليس للحق فيه إلا أن يمنح ذلك الفعل الوجود، أو الفعل فعل الحق في صورة العبد و بذا تكون الحجة البالغة للحق على نفسه.  
و أياً ما كان مصدر الفعل فالجبرية ظاهرة فيه. 
راجع ما ذكرناه عن نظريته في الجبر فيما سبق. 
و لكن ابن العربي- كعادته- لا يترك المسألة عند هذا الحد: أي لا يقف عند حد التقرير الفلسفي فيها، بل يلتمس لها التأييد من جانب التصوف أيضاً. 
فالإنسان- في نظره- لا يدرك صدور الأفعال عن الأشياء نفسها و ما استقر في بواطنها بالعقل أو حيلة الدليل: و إنما يدرك ذلك بالذوق و الشهود.  
فبالذوق وحده يدرك صاحب الكشف سريان الحق في الوجود و ظهور كل ما يظهر منه بحسب طبيعة الوجود ذاتها.  
و لذا يقيم المعاذير للموجودات كلها فيما يظهر عنها مما يلائم أغراضها- و هو ما يسمى عادة بالخير- و ما لا يلائم أغراضها و هو الذي يسمى عادة بالشر. 
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment