Sunday, April 19, 2020

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر
الفصّ المحمدي
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إنّما كانت حكمته فرديّة لأنّه أكمل موجود في هذا النّوع الإنسانيّ ، ولهذا بدئ به الأمر وختم ، فكان نبيّا وآدم بين الماء والطّين ، ثمّ كان بنشأته العنصريّة خاتم النبيّين . وأوّل الأفراد الثّلاثة ، وما زاد على هذه الأوّليّة من الأفراد فإنّها عنها .)
…………………………………
فص حكمة فردية في كلمة محمدية
لا حاجة لنا أن نشتغل ببيان جهة توصيف الحكمة المنسوبة إلى كلمته صلى اللّه عليه وسلم بالفردية ، لأن الشيخ رضي اللّه عنه كفي مؤنة هذا الشغل عنا فقال : ( إنما كانت حكمته فردية ) لتفرده بالأكملية ( لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني ) ، فإن الكاملين في هذا النوع هم الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين وكل منهم مظهر لاسم كلي وجميع الأسماء الكلية داخلة تحت الاسم اللّه الذي هو مظهره فهو أكمل هؤلاء الكاملين ( ولهذا ) ، أي لكونه أكمل النبيين ( بدىء به الأمر ) ، أي أمر النبوة ( وختم ) به ما بدئ به بحسب روحانيته ( وكان نبيا وآدم بين الماء والطين ) « 1 » ، رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه
أي بين الروح والجسد وقيل : بين الصورة العلمية التي هي عينه الثابتة وبين صورته العنصرية ( ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين ) ثم يشير رضي اللّه عنه إلى وجه آخر في توصيف حكمته صلى اللّه عليه وسلم بالفردية فنقول :
( وأول الأفراد ) ، أي الأفراد العددية ( الثلاثة ) ، فإن الواحد ليس عددا ( وما زاد على هذه الأولية ) ، أي على هذه الثلاثة التي لها الأولية ( من الأفراد فإنه ) ، أي ما زاد عليها فهو متفرع ( عنها ) ، فإن الخمسة متفرعة عنها بإضافة جزأين منها إلى نفسها والسبعة من الخمسة المتفرعة عنها بإضافة جزأين منها إلى نفسها والتسعة بضرب الثلاثة في نفسها وهكذا إلى ما لا نهاية لها ، وكذلك نبينا صلى اللّه عليه وسلم من حيث روحه وجسمه وحقيقته الكلية الجامعة لهما أول الأفراد الوجودية وسائر الأفراد متفرعة عنها إذ الكل أجزاء وتفاصيل له


قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان صلى اللّه عليه وسلم أدلّ دليل على ربّه ، فإنّه أوتي جوامع الكلم الّتي هي مسمّيات أسماء آدم . فأشبه الدّليل في تثليثه . والدّليل دليل لنفسه .
ولمّا كانت حقيقته تعطي الفرديّة الأولى بما هو مثلّث النشأة لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الوجود : « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث » بما فيه من التّثليث .
ثمّ ذكر النّساء والطّيب وجعلت قرّة عينه في الصّلاة .
فابتدأ بذكر النّساء وأخّر الصّلاة ، وذلك لأنّ المرأة جزء من الرّجل في أصل ظهور عينها .)
.........................................................
 ( فكان عليه السلام ) مع فرديته الأولية التي هي الثلاثة ( أدل دليل على ربه ، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي ) أمهات الحقائق الإلهية والكونية الجامعة لجزئياتها كما هي ( مسميات أسماء آدم ) ، أي الأسماء التي علمها آدم ، أي أودعها في الحقيقة النوعية الإنسانية فهو أول دليل على ربه ، فإن كل دليل يكون غيره فهو جزء من أجزائه ( فأشبه ) صلى اللّه عليه وسلم ( الدليل في ) دلالته ( تثليثه ) أما دلالته وتثليثه صلى اللّه عليه وسلم فقد عرفتهما ، وأما الدليل فدلالته على مدلوله ، وأما تثليثه فباعتبار الأصغر والأكبر والحد الأوسط ، فهو صلى اللّه عليه وسلم فرد آخر فقوي فيه معنى الفردية ؛ فلذلك وصف حكمته بالفردية ، ولما شبه صلى اللّه عليه وسلم بالدليل فرّع على هذا التشبيه أمرا آخر فقال : ( والدليل ) ، أي دليل كان فإنما هو ( دليل لنفسه ) ، أي دلالته على مدلوله ذاتية لا يحتاج فيها إلى ما سواه ، وكذلك دلالته صلى اللّه عليه وسلم ذاتية لا احتياج له فيها إلى غيرها بخلاف سائر الموجودات ، فإنه لا يجيء منها شيء من غير استمداد منه ، ثم فرع رضي اللّه عنه على فرديته صلى اللّه عليه وسلم أمرا آخر فقال : ( ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشء ) ، أي بسبب أن نشأته بحسب روحه وجسمه وحقيقته الجامعة ثلاث ( ولذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الوجود حبب إليّ من دنياكم ثلاث بما فيه من التثليث ) ، وتبرأ أي من ذلك ، ومحبة هذه الأمور الثلاثة إنما انتشأت من نشأته الثلاث لكن وجهه خاف علينا ( ثم ذكر ) صلى اللّه عليه وسلم في معرض بيان هذه الأمور الثلاثة : ( النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة فابتدأ بذكر النساء وأخر الصلاة وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها ) . رواه الحاكم في المستدرك ولفظه : عن أنس رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « حبب إلي النساء والطيب ، وجعلت قرّة عيني في الصلاة » ، والنسائي ورواه غيرهما .
ومعرفة الجزء الذي هو المرأة مقدمة على معرفة


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومعرفة الإنسان بنفسه مقدّمة على معرفته بربّه ، فإنّ معرفته بربّه نتيجة عن معرفته بنفسه لذلك قال صلى اللّه عليه وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
فإن شئت قلت بمنع المعرفة في الخبر والعجز عن الوصول فإنّه سائغ فيه ، وإن شئت قلت بثبوت المعرفة . فالأوّل أن تعرف أنّ نفسك لا تعرفها فلا تعرف ربّك ؛ والثّاني أن تعرفها فتعرف ربّك .
فكان محمّد صلى اللّه عليه وسلم أوضح دليل على ربّه ، فإنّ كلّ جزء من العالم دليل على أصله الّذي هو ربّه فافهم .
وإنّما حبّب إليه النّساء فحنّ إليهنّ لأنّه من باب حنين الكلّ إلى جزئه ، فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحقّ في قوله في هذه النّشأة الإنسانيّة)
.......................................................................
الكل الذي هو الرجل من أفراد الإنسان ( ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفة ربه ، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه ، لذلك قال عليه السلام : « من عرف نفسه فقد عرف ربه » ) أورده العجلوني في كشف الخفاء .
فمعرفة المرأة مقدمة على معرفة ربه ومن البين أن الصلاة مما تتفرع على معرفة الرب فلذلك قدمت النساء على الصلاة .
( فإن شئت قلت بمنع المعرفة ) ، أي معرفة ربك بكنهه وحقيقة ذاته ( في هذا الخبر والعجز عن الوصول ) إلى غايتها ( فإنه سائغ فيه ) ، أي في هذا الخبر ( وإن شئت قلت :
بثبوت المعرفة ) ، أي معرفة ربك بصفاته وكماله . ( فالأول أن تعرف نفسك لا تعرفها ) أنت بحقيقتها أو كنه ذاتها ( فلا تعرف ربك ) أيضا كذلك .
( والثاني : أن تعرفها ) أنت بصفاتها وأفعالها وآثارها ( فتعرف ربك ) أيضا كذلك ، فبالاعتبار الثاني تكون كل نفس دليلا على ربها ومرآة لمشاهدة صفاته وأفعاله ( وكان محمد صلى اللّه عليه وسلم ) من حيث نفسه ( أوضح دليل ) لجلاء مرآته وصقالتها وأشملها لجامعيتها الكمالات كلها ( على ربه فإن ) ذاته صلى اللّه عليه وسلم أحدية جميع أجزاء العالم ومن البين أن ( كل جزء من العالم دليل على أصله ) ، والاسم ( الذي هو ربه فافهم ) .
فهو صلى اللّه عليه وسلم دليل على جميع الأسماء الإلهية التي هي أصول أجزاء العالم ، وحيث حبب إليه النساء فحن إليهن حنين الكل إلى جزئه عرف أن أصله اشتياق الحق سبحانه إلى عبده الذي نفخ فيه الروح اشتياق الكلي إلى جزئه ،
وإلى هذا أشار رضي اللّه عنه بقوله : ( وإنما حبب إليه النساء فحن إليهن حنين الكلي إلى جزئه فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( العنصريّة وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي[ الحجر : 29 ] .
ثمّ وصف نفسه بشدّة الشّوق إلى لقائه فقال للمشتاقين : « يا داود إنّي أشدّ شوقا إليهم » يعني للمشتاقين إليه . وهو لقاء خاصّ .
فإنّه صلى اللّه عليه وسلم قال في حديث الدّجّال إنّ أحدكم لن يرى ربّه حتّى يموت ؛ فلا بدّ من الشّوق لمن هذه صفته .
فشوق الحقّ لهؤلاء المقرّبين مع كونه يراهم فيحبّ أن يروه ويأبى المقام ذلك .
فأشبه قوله :حَتَّى نَعْلَمَ[ محمد : 31 ] مع كونه عالما فهو سبحانه وتعالى يشتاق لهذه)
..............................................................................
الحق في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية ونفخت فيه من روحي ثم وصف الحق نفسه ) . بعدما قال : ونفخت فيه من روحي وأثبت بينه وبين العبد نسبة الكلية والجزئية ( بشدة الشوق إلى لقائه فقال ) لداود عليه السلام ( للمشتاقين ) ، أي لأجلهم ( يا داود إني أشد الناس شوقا إليهم يعني للمشتاقين إليه وهو لقاء خاص ) لا يكون إلا بعد الموت ( فإنه صلى اللّه عليه وسلم قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) رواه الترمذي باب ما جاء في علامة الدجال : « عن ابن عمر قال : قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ولقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وإن اللّه ليس بأعور قال الزهري وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنته تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت وإنه مكتوب بين عينيه ك ف ر يقرأه من كره عمله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .

فما يشتاق إليه الحق لقاء العبد رائيا له بعد الموت ، وهذا هو اللقاء الخاص الذي لا يكون إلا بعد الموت . ( فلا بد من الشوق لمن هذه صفته ) ، أي لا بدّ أن يشتاق الحق إلى من هذه الرؤيا التي تكون بعد الموت صفته ( فتشوق الحق ) ، إنما يكون ( لهؤلاء المقربين ) ، أي إليهم ( مع كونه يراهم ) قبل موتهم ( فيجب أن يروه ) بعده حتى يراهم رائين له ولكن بهم ( ويأبى المقام ) الدنيوي ( ذلك ) فما لم يخرج المقرب عنه بالموت إراديا كان أو طبيعيا فيرتفع عنه الحجاب الدنيوي لا يرى ربه ولا يراه ربه رائيا له به ( فأشبه ) رؤية الحق إياه رائيا له به .
( قوله : حتى نعلم مع كونه عالما ) بالمعلومات أزلا وأبدا فالعلم الحاصل بالاختيار إنما هو العلم الحاصل في صور المظاهر ، فكذلك الحق سبحانه كان يراهم أزلا وأبدا ، فالرؤية الحاصلة بعد الموت إنما هي في صورة المظاهر ، وكذلك رؤيته إياه رائيا له ، والشوق إلى هذه الرؤية كلها في صور المظاهر ( فهو سبحانه وتعالى يشتاق لهذه



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الصّفة الخاصّة الّتي لا وجود لها إلّا عند الموت .
فيبلّ بها شوقهم إليه كما قال تعالى في حديث التّردّد وهو من هذا الباب : « ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بدّ له من لقائي » فبشّره بلقائه .
وما قال له ولا بدّ له من الموت لئلا يغمّه بذكر الموت .
ولمّا كان لا يلقى الحقّ إلّا بعد الموت كما قال عليه السّلام : «إنّ أحدكم لا يرى ربّه حتّى يموت» . لذلك قال تعالى : «ولا بدّ له من لقائي» . فاشتياق الحقّ لوجود هذه النّسبة .
يحنّ الحبيب إلى رؤيتي  .....  وإني إليه أشدّ حنينا
وتهفو النّفوس ويأبى القضا  ..... فأشكو الأنين ويشكو الأنينا )
.................................................................
الصفة الخاصة ) ، أي إليها وهي رؤيته ( التي لا وجود لها إلا عند الموت فيبلّ بها ) ، أي بتلك الصفة التي هي الرؤية ، أي يسكن بماء الوصال ( شوقهم ) ، أي حرارة شوقهم ( إليه ) وقولنا فهو يشتاق إلى الصفة التي هي الرؤية بعد الموت باعتبار الاشتمال على ذكر اشتياقه إلى لقاء العبد .
( كما قال تعالى في حديث التردد وهو ) ، أي حديث التردد ( من هذا الباب ) ، أي من باب ذكر اشتياقه إلى لقاء العبد ( ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي ) ، أي مثل ترددي ( في قبض نسمة عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من لقائي فبشره ) رواه البخاري وابن حبان ورواه غيرهما.

أي عبده المؤمن ( باللقاء ) حيث قال ولا بد له من لقائي . ( وما قال ولا بد له من الموت لئلا يغمه بذكر الموت . ولما كان لا يلقى العبد ) المؤمن ( الحق إلا بعد الموت كما قال له عليه السلام « إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت » لذلك قال تعالى ولا بد له من لقائي فاشتياق الحق ليس إلا لوجود هذه النسبة ) .
وفي النسخة المقروءة عليه رضي اللّه عنه فاشتياق الحق لوجود هذه النسمة ، أي إلى وجود هذه الصفة أعني لقاء العبد فإنه نسمة بين الحق والعبد . ( يحن الحبيب ) ، أي العبد المؤمن ( إلى رؤيتي . . . وإني أشد إليه حنينا . . وتهفو النفوس ) ، أي تضطرب لشوق لقائي ( ويأبى القضاء ) عن تلك الرؤية فإنه قدر لكل أحد أجلا معينا لا يمكن تقديمه ولا تأخيره .
 


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلمّا أبان أنّه نفخ فيه من روحه ، فما اشتاق إلّا لنفسه . ألا تراه خلقه على صورته لأنّه من روحه ؟
ولمّا كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسمّاة في جسده أخلاطا ، حدث عن نفخه اشتعال بما في جسده من الرّطوبة ، فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته ، ولهذا ما كلّم اللّه موسى إلّا في صورة النّار وجعل حاجته فيها ، فلو كانت نشأته طبيعيّة لكان روحه نورا .
وكنّى عنه بالنّفخ يشير إلى أنّه من نفس الرّحمن ، فإنّه بهذا النّفس الّذي هو النّفخة ظهر عينه ، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا ، فبطن نفس الحقّ فيما كان به الإنسان إنسانا .
ثمّ اشتقّ له شخصا على صورته سمّاه امرأة ، فظهرت بصورته فحنّ إليها حنين الشّيء إلى نفسه وحنّت إليه حنين الشّيء إلى وطنه .
فحبّب إليه النّساء ، فإنّ اللّه أحبّ من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته)
...............................................................................
(فأشكو الأنين ) من التحنن إلى حلول الأجل ( ويشكو ) المحب ( الأنينا . . فلما أبان ) الحق سبحانه ، أي أظهر ( أنه نفخ فيه من روحه فما اشتاق إلا لنفسه ) ، فإن روحه ليس إلا نفس هويته منصبغة بصفة الحياة ( ألا تراه خلقه على صورته ) ، أي صنعته ( لأنه من روحه ) ، الذي هو نفس هويته كما عرفت .
( ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة في جسده أخلاطا حدث عن نفخه ) أي عن نفخ الحق فيه ( اشتعال بما في جسده ) أي بسبب ما في جسده ( من الرطوبة ) التي هي كالدهن للسراج ( فكان روح الإنسان ) الحاصل من نفخه ( نارا لأجل نشأته ) العنصرية ( ولهذا ما كلم اللّه موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها ، فلو كانت نشأته طبيعية ) غير عنصرية كنشأة الملائكة السماوية ( لكان روحه نورا ) ، أي ظاهرا في الصورة النورية لا الصورة النارية ( وكنى عنها ) ، أي عن الروح وإفاضته على البدن الإنساني ( بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن ) ، فإن النفخ لا يكون إلا من النفس ( فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه ) ، أي عين الروح في الخارج ( وباستعداد المنفوخ فيه ) ، يعني البدن ( كان الاشتعال نارا لا نورا ) ، لأنه عنصري لا طبيعي نوري ( فبطن ) ، أي استتر ( نفس الحق فيما كان به الإنسان إنسانا ) يعني الصورة البدنية الإنسانية ( ثم اشتق له شخصا على صورته سماه امرأة فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه ) ، الذي كانت فيه قبل اشتقاقها وخروجها منه .
( فحبب إليه النساء فإن اللّه أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( النّوريّين على عظم قدرهم ومنزلتهم وعلوّ نشأتهم الطّبيعيّة . فمن هناك وقعت المناسبة .
والصّورة أعظم مناسبة وأجلّها وأكملها : فإنّها زوج أي شفعت وجود الحقّ ، كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرّجل فصيّرته زوجا .
فظهرت الثّلاثة : حقّ ورجل وامرأة ؛ فحنّ الرّجل إلى ربّه الّذي هو أصله حنين المرأة إليه . فحبّب إليه ربّه النّساء كما أحبّ اللّه من هو على صورته .
فما وقع الحبّ إلّا لمن تكوّن عنه ، وقد كان حبه لمن تكوّن منه وهو الحقّ .
فلهذا قال : « حبّب » ولم يقل أحببت من نفسه لتعلّق حبّه بربّه الّذي هو على صورته حتّى في محبّته لامرأته ؛ فإنّه أحبّها بحبّ اللّه إيّاه تخلّقا إلهيا .
ولمّا أحبّ الرّجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة الّتي تكون في المحبّة فلم يكن في صورة النّشأة العنصريّة أعظم وصلة من النّكاح ، ولهذا تعمّ الشّهوة)
..............................................................................
النورانيين على عظم قدرهم ومنزلتهم وعلو نشأتهم الطبيعية ) ، الغير العنصرية ( فمن هنا ) ، أي مقام أن المرأة على صورة الرجل كما أن الرجل على صورة ربه ( وقعت المناسبة ) بين المرأة والرجل في كون كل منهما لأصله ( والصورة أعظم مناسبة ) ، أي بين الأصل وبين ما هي صورة له وهي بالجر على الإضافة بقرينة ما عطف عليه أعني قوله .
( وأجلها وأكملها فإنها ) ، أي الصورة ( زوج أي شفعت ) بوجودها ( وجود الحق كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا فظهرت الثلاثة ) التي هي الفردية الأولى ( حق ورجل وامرأة ؛ فحن الرجل إلى ربه الذي هو الأصل ) ا لذي أحبه لأنه على صورته ( حنين المرأة إليه ) ، أي إلى الرجل الذي المرأة على صورته ( فحبب إليه ربه النساء كما أحب اللّه من هو على صورته ) اللائي على صورته ( فما وقع الحب ) من الرجل ( إلا لمن تكوّن عنه ) ، أعني المرأة ( وقد كان حبه ) ، أي حب الرجل ( لمن تكون ) الرجل ( منه وهو الحق ) الذي خلق الرجل على صورته ( فلهذا قال حبّب ولم يقل أحببت ) حكاية ( من نفسه لتعلق حبه بربه الذي هو على صورته ) في كل صفة ( حتى في محبته لامرأته ) ، التي على صورته ( فإنه أحبها بحب اللّه إياه في حبه لها تخلقا إلهيا ) فإن كلا من الحنين حب من ذوي الصورة إلى الصورة فيكون منشأ حبه هذا هو التخلف فلا يكون سند إلى نفسه فلذلك جاء بصفته حبب على البناء للمفعول ولم يسنده إلى نفسه .
( ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة التي تكون في المحبة فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح ) ، أي المجامعة مع المرأة ( ولهذا تعم الشهوة


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أجزاءه كلّها ، ولذلك أمر بالاغتسال منه ، فعمّت الطّهارة كما عمّ الفناء فيها عند حصول الشّهوة .
فإنّ الحقّ غيور على عبده أن يعتقد أنّه يلتذّ بغيره . فطهّره بالغسل ليرجع بالنّظر إليه فيمن فني فيه ، إذ لا يكون إلّا ذلك .
فإذا شاهد الرّجل الحقّ في المرأة كان شهودا في منفعل ، وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل .
وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكوّن عنه كان شهوده في منفعل عن الحقّ بلا واسطة .
فشهوده للحقّ في المرأة أتمّ وأكمل ، لأنّه يشاهد الحقّ من حيث هو فاعل منفعل ؛ ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصّة .)
..................................................................
أجزاءه كلها ولذلك ) ، أي لعموم الشهوة أجزاءه ( أمر بالاغتسال منه ) ، أي من النكاح ، وكذا الحال في المرأة أيضا ( فعمت الطهارة ) ، أجزاء كل منها ( كما عم ) الرجل ( الفناء فيها ) ، والمرأة الفناء فيه ( عند حصول الشهوة فإن الحق غيور ) يغار ( على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره ) ، وإنما قال : أن يعتقد لأن الغيرة إنما هي على هذا الاعتقاد ولا التذاذ بغيره في الواقع .
وهذا الاعتقاد إنما هو شأن المحجوبين ، فإن العارف يعتقد حال الإلتذاذ بها أنه يلتذ بالحق الظاهر فيها لا بالغير ( فطهره بالغسل ليرجع ) ، أي العبد عن هذا الاعتقاد ( بالنظر ) ، أي إلى النظر ( إليه ) ، أي إلى الحق ومشاهدته والالتذاذ به ( فيمن فني فيه ) ، يعني المرأة ( إذ لا يكون ) في الواقع ( إلا ذلك ) ، أي الالتذاذ بالحق لا بالغير ( فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة ) ، من حيث صدورها عن الرجل ( كان شهوده في منفعل ) عن الرجل وهو المرأة ( وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل ) شاهده في فاعله ، وهو الرجل وهذان الشهودان إنما كانا للرجل مع استحضاره صورة ما تكون عنه ( و ) أمّا ( إذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه ) ، يعني المرأة ( كان شهوده ) ، إلا ( في منفعل عن الحق بلا واسطة ) ، وهو نفسه ولا شك أن هذه الشهودات الثلاثة منفصل بعضها عن بعض من غير لزوم اتصال ومعية بينها ( فشهوده ) ، أي شهود الرجل ( الحق في المرأة ) حين المواقعة ( أتم وأكمل ) من هذه الشهودات ( لأنه ) ، أي الرجل ( يشاهد الحق فيها من حيث هو فاعل منفعل ) معا من غير انفصال بينهما أما مشاهدة الحق فيها من حيث هو فاعل فلأنها تؤثر في نفس الرجل بتهييج الرجل فيه ، وأما مشاهدته فيها من حيث هو منفعل فمن حيث تأثرها عنه حين المواقعة ( و ) لا يشاهد الرجل الحق ( من نفسه ) ، إلا ( من حيث هو منفعل خاصة ) ، أي بلا معية


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلهذا أحبّ صلى اللّه عليه وسلم النّساء لكمال شهود الحقّ فيهنّ ، إذ لا يشاهد الحقّ مجرّدا عن الموادّ أبدا . فإنّ اللّه بالذّات غنيّ عن العالمين .
فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ، ولم تكن الشّهادة إلّا في مادّة ، فشهود الحقّ في النّساء أعظم الشّهود وأكمله .
وأعظم الوصلة النّكاح وهو نظير التّوجّه الإلهيّ على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه صورته بل نفسه فسوّاه وعدله ونفخ فيه من روحه الّذي هو نفسه، فظاهره خلق وباطنه حقّ.
ولهذا وصفه بالتّدبير لهذا الهيكل ، فإنّه تعالى :يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ وهو العلوّ ،إِلَى الْأَرْضِ[ السجدة : 5 ] وهو أسفل السّافلين ، لأنّها أسفل الأركان كلّها .
وسمّاهنّ بالنّساء وهو جمع لا واحد له من لفظه ، ولذلك قال عليه السّلام :  )
...........................................................................
مشاهدته من حيث هو فاعل ، وذلك أن شاهده من استحضار ما يكون عنه أو من حيث هو فاعله خاصة ، أي بلا معية مشاهدته من حيث هو منفعل ، وذلك إذا شاهده من حيث ظهور المرأة ، وإنما ترك هذا الشق لأنه يعلم بالمقايسة ، فإن قلت إذا شاهد الرجل الحق في نفسه من حيث إنه فاعل مؤثر في المرأة يمكن أن يشاهده في نفسه من حيث إنه متأثر عن المرأة أيضا فكيف يكون شهوده في المرأة أتم وأكمل ؟ قلنا : شهوده في المرأة إن لم يكن أتم وأكمل كما أنه أتم وأكمل كيفا فإنه لا فناء له في شهوده في المرأة على ما لا يخفى .
( فلهذا أحب صلى اللّه عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا . فإن اللّه بالذات غنى العالمين ) ، لا علاقة بينه وبين شيء أصلا بالشهود لا بغيره ( فإن كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا ولم تكن الشهادة ) ، أي الشهود ( إلا في مادة فشهود الحق في النساء ) ، عند المواقعة ( أعظم الشهود وأكمله . وأعظم الوصلة ) ، بين الرجل والمرأة في وجودهما الجسماني ( النكاح ) ، يعني المواقعة ( وهو نظير التوجه الإرادي على من خلقه على صورته ليخلفه ) ، أي يصير خليفة له ( فيرى فيه صورته ) باعتبار التعين ( بل نفسه ) باعتبار عينه المطلقة ( فسواه وعدله ونفخ فيه من روحه الذي هو نفسه فظاهره ) ، أي ظاهر ما سواه وهو صورته ( خلق وباطنه ) وهو عينه المطلقة ( حق .
ولهذا ) ، أي لكون باطنه حقا ( وصفه ) ، أي رسمه ( بالتدبير لهذا الهيكل ) الجسماني ( فإنه ) ، أي الحق ( تعالى ) به أي بالباطن ( يدبر الأمر من السماء وهو العلو إلى الأرض وهو أسفل سافلين لأنها أسفل الأركان كلها ، وسماهن بالنساء وهو جمع لا واحد له من



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث : النّساء » ولم يقل المرأة .
فراعى تأخّرهنّ في الوجود عنه ، فإنّ النّسأة هي التّأخير قال تعالى :إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ[ التوبة : 37 ] والبيع بنسيئة يقول بتأخير . فلذلك ذكر النّساء .
فما أحبّهنّ إلّا بالمرتبة وأنّهنّ محلّ الانفعال . فهنّ له كالطّبيعة للحقّ الّتي فتح فيها صور العالم بالتّوجّه الإرادي والأمر الإلهيّ الّذي هو نكاح في عالم الصّور العنصريّة ، وهمّة في عالم الأرواح النّوريّة ، وترتيب مقدّمات في المعاني للإنتاج .
وكلّ ذلك نكاح الفرديّة الأولى في كلّ وجه من هذه الوجوه .
فمن أحبّ النّساء على هذا الحدّ فهو حبّ إلهيّ ، ومن أحبّهنّ على جهة الشّهوة الطّبيعيّة خاصّة نقصه علم هذه الشّهوة ، فكان صورة بلا روح عنده ، وإن كانت تلك )
......................................................................................
لفظه ولذلك ) ، أي لكونهن مسماة بالنساء ( قال النبي عليه السلام حبب إلي من دنياكم ثلاث : النساء ولم يقل المرأة فرعى تأخرهن في الوجود عنه ) ، أي عن الرجل ( فإن النّسأة هي التأخير قال اللّه تعالى :إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [ التوبة : 37 ] ، وذلك أن الكفار ما كانوا يصبرون على القتل والنهب والفساد إلى أن تخرج الأشهر الحرام وكانوا يؤخرون الحرمة إلى أشهر أخر ويقاتلون فيها ( والبيع بنسيئة أي بتأخير فلذلك ) ، لكون النساء التأخر ( ذكر النساء ) لا المرأة ( فما أحبهن إلا بالمرتبة ) ، أي إلا بسبب مرتبتهن التي هي التأخر عن الرجال ولذلك تراها مغلوبة تحت حكمهم ( و ) إلا بسبب ( أنهن محل الانفعال ) والتأثير من الرجل فأحبهن للالتذاذ بالتأثير فيهن وبظهور الآثار منهن كالأولاد ( فهن له ) ، أي للرجل ( كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي والأمر الإلهي الذي هو نكاح ) ، أي صورته نكاح ومواقعة بين الذكر والأنثى ( في عالم الصور العنصرية ) ، فإذا تعلق الأمر الإلهي بوجود ولد في العالم العنصري ظهر بصورة النكاح والوقاع بين ذكر وأنثى يترتب عليه الولد ( و ) كذا الأمر الإلهي هو ( همة ) وتوجه ( في عالم الأرواح النورية ) ، فإذا تعلق الأمر الإلهي بصدور نتيجة من الأرواح النورية تظهر صور همهم وتوجهاتهم إلى صدورها ( و ) كذلك الأمر الإلهي ( ترتيب مقدمات في ) عالم ( المعاني للانتاج ) فإذا تعلق الأمر الإلهي بحصول صورة علمية نظرية في ذهن أحد ظهر بصورة ترتيب المقدمات المنتجة لها ( وكل ذلك نكاح الفردية الأولى ) وصورة جمعيته وهي الذات الأحدية والأسماء الإلهية والطبيعية الكلية وذلك النكاح هو الساري ( في كل وجه من هذه الوجوه ) الثلاثة .
( فمن أحب النساء على هذا الحد ) ، الذي ذكرناه من العلم والمعرفة ( فهو ) ، أي حبه ( حب الهي ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الصّورة في نفس الأمر ذات روح ولكنّها غير مشهودة .
لمن جاء امرأته أو أنثى حيث كانت لمجرّد الإلتذاذ ولكن لا يدري لمن فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمّه هو بلسانه حتّى يعلم كما قال بعضهم :
صحّ عند النّاس أنّي عاشق  ....  غير أن لم يعرفوا عشقي لمن
كذلك هذا أحبّ الالتذاذ فأحبّ المحلّ الّذي يكون فيه وهو المرأة ولكن غاب عنه روح المسألة ، فلو علمها لعلم بمن التذّ ومن التذّ . وكان كاملا .
وكما نزلت المرأة عن درجة الرّجل بقوله :وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [ البقرة : 228 ] نزل المخلوق على الصّورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته .
فبتلك الدّرجة الّتي تميّز بها عنه ، بها كان غنيّا عن العالمين وفاعلا أوّلا ، فإنّ الصّورة فاعل ثان .  فما له الأوّليّة الّتي للحقّ . فتميّزت الأعيان بالمراتب : فأعطى كلّ ذي حقّ )
..................................................................
فكان صورة بلا روح عنده ، وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح ولكنها ) ، أي لكن روح تلك الصورة ( غير مشهودة ) ، أي غير معلومة ( لمن جاء امرأته أو أنثى ) غيرها من السراري ( حيث كانت لمجرد الالتذاذ ولكن لا يدري لمن ) ذلك الالتذاذ في مظهر الرجال وممن ذلك الالتذاذ في مظهر المرأة ، ( فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ) ، من الملتذ والملتذ به ( ما ) دام ( لم يسمعه هو ) للغير ( بلسانه حتى يعلم ) ، على البناء للفاعل والضمير للغير أو على البناء للمفعول والضمير لما يجهل .
والحاصل أن العارف لمحل الالتذاذ يظهر ذلك عند نفسه ويظهر للغير والجاهل به يخفى عند ذلك ويخفى للغير ، وإن كان الالتذاذ بنفسه ظاهرا له ولغيره ( كما قال بعضهم) :
(صح عند الناس أني عاشق  .....  غير أن لم يعرفوا عشقي لمن )
( كذلك هذا ) أي الرجل الجاهل ( أحب الالتذاذ فأحب المحل الذي يكون ) الإلتذاذ ( فيه وهو المرأة ولكن غاب عنه روح المسألة ، فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ ، وكان كاملا . وكما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ نزل المخلوق على الصورة درجة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته فتلك الدرجة ) الرفيعة ( التي تميز ) الحق تعالى ( بها عنه ) ، أي عن المخلوق على الصورة وقوله بها ، بدل من تلك أي بتلك الدرجة الرفيعة ( كان ) الحق تعالى ( غنيا عن العالمين وفاعلا أولا فإن الصورة ) ، أي المخلوق على الصورة ( فاعل ثان ) ، أي في المرتبة الثانية باعتبار مظهريته لفعل الحق ( فما له ) ، أي للمخلوق على الصورة ( الأولية التي للحق فتميزت الأعيان )


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حقّه كلّ عارف .
فلهذا كان حبّ النّساء لمحمّد صلى اللّه عليه وسلم عن تحبّب إلهيّ وأنّ اللّه تعالى :أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ [ طه : 50 ] وهو عين حقّه .
فما أعطاه إلّا باستحقاق استحقّه بمسمّاه ؛ أي بذات ذلك المستحقّ .
وإنما قدّم النساء لأنّهنّ محلّ الانفعال ، كما تقدّمت الطبيعة على من وجد منها بالصّورة .
وليست الطّبيعة على الحقيقة إلّا النّفس الرّحمانيّ ، فإنّه فيه انفتحت صور العالم أعلاه وأسفله لسريان النّفخة في الجوهر الهيولانيّ في عالم الأجرام خاصّة .
وأمّا سريانها لوجود الأرواح النّوريّة والأعراض فذلك سريان آخر .
ثمّ إنّه صلى اللّه عليه وسلم غلّب في هذا الخبر التّأنيث على التّذكير لأنّه قصد التّهمّم بالنّساء)
.................................................................................................
الوجودية بعضها عن بعض حقا كان أو خلقا ( بالمراتب . فأعطى كل شيء خلقه كما أعطى كل ذي حق ) ، من أصحاب المراتب ( حقه كل عارف فلهذا ) ، أي لإعطاء كل ذي حق حقه ( كان حب النساء لمحمد صلى اللّه عليه وسلم عن تحبب إلهي ) ، لا عن محبة نفسانية شهوانية لأن حقه الذي يستحقه كان ذلك التحبب لا هذه المحبة ( وأن اللّه أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ وهو ) ، أي ما أعطاه كل شيء ( عين حقه ) ، أي حق ذلك الشيء ( فما أعطاه ) ، أي اللّه ذلك الشيء ( إلا بالاستحقاق الذي استحقه بمسماه أي ) ، بذاته يعني ( بذات ذلك ) الشيء ( المستحق وإنما قدم النساء ) ، في الحديث المذكور ( لأنهن محل الانفعال ) ، كالطبيعة لا جرم تقدمت في الذكر ( كما تقدمت الطبيعة ) ، بالذات ( على من وجد منهما بالصورة ) ، أي بصورته المعينة التي استحقها ( وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني فإنه فيه انفتحت صور العالم ) الجسماني ( أعلاه وأسفله ) لكن لا لنفسه بل ( لسريان النفخة ) ، أي النفس الرحماني ( أولا في الجوهر الهيولاني ) القابل للصور الجسمانية ( في عالم الأجرام خاصة ) ، دون عالم الأرواح والأعراض وانفتاح تلك الصور فيه ثانيا ( وأما سريانها لوجود الأرواح النورية ) ، فلا يكون إلا بواسطة سريانها في الطبيعة العرضية التي هي جنس للأعراض .
وهذا بخلاف ما عليه الحكماء من الطبيعة العينية ليست جنسا لما تحتها من الأغراض ذاتيا لها كالطبيعة الجوهرية بل أمر عارض ( فذلك ) السريان لوجود الأرواح والأعراض ( سريان آخر ) ، مغايرا لسريانها في الهيولى الجسمانية .
( ثم إنه عليه السلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم ) ،

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقال : « ثلاث » ولم يقل « ثلاثة » بالهاء الّذي هو لعدد الذّكران ، إذ همّه فيها .
ذكر الطّيب وهو مذكّر . وعادة العرب أن تغلّب التّذكير على التأنيث فتقول « الفواطم وزيد خرجوا » ولا تقول خرجن . فغلّبوا التّذكير - وإن كان واحدا - على التّأنيث وإن كنّ جماعة ؛ وهو عربيّ صلى اللّه عليه وسلم فراعى المعنى الّذي قصد به في التّحبّب ما لم يكن يؤثر حبّه .
فعلّمه اللّه ما لم يكن يعلم وكان فضل اللّه عليه عظيما . فغلّب التّأنيث على التّذكير بقوله : « ثلاث » بغير هاء فما أعلمه صلى اللّه عليه وسلم بالحقائق ، وما أشدّ رعايته للحقوق !
ثمّ إنّه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التّأنيث وأدرج بينهما التّذكير ، فبدأ بالنّساء وختم بالصّلاة وكلتاهما تأنيث ، والطّيب بينهما كهو في وجوده ، فإنّ الرّجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنّثين : تأنيث ذات ، وتأنيث حقيقيّ . كذلك النّساء تأنيث حقيقيّ والصّلاة تأنيث غير حقيقيّ والطّيب مذكّر )
..........................................................................
أي الاهتمام ( بالنساء فقال : ثلاث ولم يقل ثلاثة بالهاء الذي هو لعدد الذكران ) إذ فيها ذكر النساء ( إذ همه فيها . ذكر الطيب ) فالواو في وفيها للعطف على مقدر ( وهو ) ، أي الطيب ( مذكر وعادة العرب أن تغلب التذكير على التأنيث فتقول الغواني وزيد خرجوا ولا تقول خرجن فغلبوا التذكير وإن كان واحدا على التأنيث وإن كنّ جماعة فراعى صلى اللّه عليه وسلم المعنى الذي قصد به ) ، أي بالتغليب وذلك المعنى هو التهمم بالنساء بترجيح التذكير على التأنيث وذلك التهمم إنما هو ( في التحبب ) ، أي فيما يتحبب إليه عليه السلام ( ما لم يكن يؤثر ) ، هو عليه السلام بنفسه ( حبه ) ، وهو النساء وحاصله أنه عليه السلام راعى التهمم بالنساء فيما يتحببن إليه بناء على أصل إلهي من غير أن يؤثر هو بنفسه حبهن فما في قوله ما لم تكن موصلة وهي فاعل ( فعلمه اللّه ما لم يكن يعلم ) ، هو بنفسه وهو المعنى الباعث على تغليب التأنيث على التذكير خلاف ما جرت به عادة العرف .
( وكان فضل اللّه عليه عظيما ، فغلب التأنيث على التذكير بقوله « ثلاث » بغير هاء فما أعلمه صلى اللّه عليه وسلم بالحقائق وما أشد رعايته للحقوق .
ثم إنه صلى اللّه عليه وسلم ) ، تنبيها بلسان الإشارة على أن الخاتمة نظيرة السابقة الأزلية ( جعل الخاتمة ) في الحديث المذكور ( نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما التذكير ، فبدأ بالنساء وختم بالصلاة وكلتاهما تأنيث والطيب بينهما مذكر كهو ) ، أي كالنبي صلى اللّه عليه وسلم ( في وجوده فإن الرجل مندرج بين ذات ظهر هو ) ، أي ذلك الرجل ( عنها وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنثين : تأنيث ذات ، وتأنيث حقيقي . كذلك النساء تأنيث حقيقي والصلاة


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بينهما كآدم بين الذّات الموجود هو عنها وبين حواء الموجودة عنه ، وإن شئت قلت الصّفة فمؤنثة أيضا ، وإن شئت قلت القدرة فمؤنّثة أيضا ، فكن على أيّ مذهب شئت ، فإنك لا تجد إلّا التّأنيث يتقدّم حتّى عند أصحاب العلّة الّذين جعلوا الحقّ علّة في وجود العالم والعلّة مؤنّثة .
وأمّا حكمة الطّيب وجعله بعد النّساء فلما في النّساء من روائح التّكوين ، فإنّه أطيب الطّيب عناق الحبيب . كذا قالوا في المثل السائر .
ولمّا خلق عبدا بالأصالة لم يرفع رأسه قطّ إلى السّيادة ، بل لم يزل ساجدا واقفا مع كونه منفعلا حتّى كوّن اللّه عنه ما كوّن . فأعطاه رتبة الفاعليّة في عالم الأنفاس الّتي هي الأعراف الطّيّبة . فحبّب إليه الطّيب : فلذلك جعله بعد النّساء .)
.............................................................
تأنيث غير حقيقي والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود هو عنها أو بين حواء الموجودة عنه ، وإن شئت قلت الصفة ) ، كالعلم والإرادة والقدرة ( فمؤنثة أيضا ، وإن شئت قلت : القدرة فمؤنثة أيضا ، فكن على أي مذهب شئت فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم ) ، وهم الحكماء وفي التعبير عنهم بأصحاب العلة إيهام لطيف .
( والعلة مؤنثة . وأما حكمة ) جعل ( الطيب ) مما أحب صلى اللّه عليه وسلم ( وجعله بعد النساء ) في الذكر مبنيا على تأخيره في الرتبة ، أما الأولى ( فلما في النساء من روائح التكوين ) ، متضاعفة أي تكوين اللّه إياها في أنفسها وتكوين الأولاد منها وفيها مرتبة ، وأما روائحه فالنفحات الجودية والأنفاس الرحمانية الوجودية التي تشم منها من حيث أنفسها ومن حيث أولادها الذين منهم الطيبون والطيبات ، فكما وجدت النساء بمقتضى قوله : حبب إليّ النساء مرتبة المحبوبين له صلى اللّه عليه وسلم كذلك الروائح الطيبة الفائحة منهن عند لقائها وعناقها صارت محبوبة ( فإن أطيب الطيب عناق الحبيب ) ، أي ما يثمر عناقه ( كذا قالوا في المثل السائر ) ، وحيث حبب إليه تلك الروائح بتبعية النساء حبب إليه كل طيب يكون وراءها لأنه صورتها ، وأما الثاني فلأن النساء في أصل جبلتهن للقابلية والانفعال عما فوقهن .
( و ) النبي صلى اللّه عليه وسلم ( لما خلق عبدا بالأصالة ) ، أي منفعلا متأثرا عن سيده ومولاه في أصل جبلته ( لم يرفع رأسه قط إلى السيادة ) ، التي هي الظهور بالفعل والتأثير ( بل لم يزل ساجدا ) ، على جهة عبوديته ( واقفا مع كونه منفعلا ) غير متحاذر عنه أصلا ( حتى كوّن اللّه عنه ما كوّن فأعطاه رتبة الفاعلية والتأثير في عالم النفوس ) ، حتى أتى بجوامع الكلم ( التي هي الأعراف الطيبة ) ، المتأخرة عن مرتبة عبديته ( فحبب إليه الطيب ، فلذلك ) ، أي ترتب الأعراف الطيبة المرتبة على رتبة فاعليته المتأخرة عن جهة عبوديته التي هي القابلية


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فراعى الدّرجات الّتي للحقّ في قوله :رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ[ غافر : 15 ] لاستوائه عليه باسمه الرّحمن .
فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرّحمة الإلهيّة : وهو قوله تعالى :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ الأعراف : 156 ] ، والعرش وسع كلّ شيء .
والمستوي الرّحمن فبحقيقته يكون سريان الرّحمة في العالم كما قد بيّناه في غير موضع من هذا الكتاب ومن الفتوح المكّي .
وقد جعل الطّيب في هذا الالتحام النّكاحي في براءة عائشة فقال :الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ [ النور : 26 ] .
فجعل روائحهم طيّبة وأقوالهم صادقة لأنّ القول نفس ، وهو عين الرّائحة فيخرج بالطّيّب والخبيث على حسب ما يظهر في صورة النّطق .)
........................................................................
والانفعال ( جعله ) ، أي الطيب ( بعد النساء ) التي هي صورة تلك القابلية والانفعال ( فراعى ) صلى اللّه عليه وسلم في هذا الحديث ( الدرجات التي للحق ) سبحانه ( في قوله :رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) [ غافر : 15 ] ، والعرش إشارة إلى النفس الرحماني المعبر عنه بالطبيعة الكلية ( لاستوائه ) ، أي لاستواء الحق ( عليه باسم الرحمن . فلا يبقى فيما حواه ) عليه ذلك ( العرش ) ، من الصور الجسمانية والجسدانية والروحانية والمعاني الأسمائية الإلهية والحقائق الكونية المسماة بالأعيان الثابتة ( من لا تصيبه الرحمة الإلهية وهو ) ، ما يدل عليه ( قوله تعالى :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ والعرش ) الذي هو النفس الرحماني أيضا ( وسع كل شيء والمستوي ) عليه الاسم ( الرحمن فبحقيقته ) ، أي بحقيقة العرش أو بحقيقة الاسم الرحمن المستوي عليه ( يكون سريان الرحمة في العالم كما قدمنا في غير موضع في هذا الكتاب وفي الفتوح المكية وقد جعل الطيب ) ، الحق ( تعالى ) واستعمله ( في هذا الالتحام النكاحي ) المعلوم لكل واحد ( في براءة عائشة رضي اللّه عنها فقال :الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [ النور : 26 ] في شأنهم من الخبائث التي قد نسبوها إليهم .
( فجعل روائحهم ) ، أي أقوالهم الدالة على أحوالهم ( طيبة ) ، أي مبرأة عن النقص والخبث ( وأقوالهم صادقة لأن القول نفس وهو عين الرائحة فيخرج بالطيب وبالخبيث على حسب ما يظهر به ) من الدلالة على أعيانهم الموجودات وأحوالها ( في صورة النطق ) ، صدقا كان أو كذبا .
  

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فمن حيث إنه إلهيّ بالأصالة كلّه طيّب : فهو طيّب؛ ومن حيث ما يحمد ويذمّ فهو طيّب وخبيث .
فقال في خبث الثّوم هي شجرة أكره ريحها ولم يقل أكرهها . فالعين لا تكره ، وإنّما يكره ما يظهر منها . والكراهة لذلك إمّا عرفا أو بعدم ملاءمة طبع أو غرض أو شرع ، أو نقص عن كمال مطلوب وما ثمّ غير ما ذكرناه .
ولمّا انقسم الأمر إلى خبيث وطيّب كما قرّرناه ، حبّب إليه الطّيّب دون الخبيث ووصف الملائكة بأنّها تتأذّى بالرّوائح الخبيثة لما في هذه النّشأة العنصريّة من التّعفين فإنّه مخلوق من صلصال من حمأ مسنون أي متغيّر الرّيح ، فتكرهه الملائكة بالذّات .)
............................................................................
(فمن حيث هو إلهي ) منسوب إلى اللّه ( بالأصالة كله طيب فهو ) بهذا الاعتبار ( طيب ومن حيث ما يحمد ) بعضه ( ويذم ) بعضه لانتسابه إلينا ( فهو طيب وخبيث فقال ) صلى اللّه عليه وسلم ( في خبث الثوم هي شجرة أكره ريحها ولم يقل أكرهها ، فالعين لا تكره وإنما يكره ما ظهر عنها والكراهة لذلك ) ، أي لما يظهر منها ( إما ) واقعه ( عرفا ) ، وعادة بأن تكون هذه الكراهة مجرد الاعتياد ومشاهدة عرف أبناء زمانه من غير ملاحظة غرض صحيح كما هو المشاهد من تلبس أهل كل بلد بنوع من اللباس يكره غيره ( أو بعدم ملائمة طبع ) ، أي بسبب عدم ملائمته لطبع الكاره كالأعمال البدنية التي يكرهها لما في طبعه وجبلته من الكسل والبطالة ( أو ) بسبب عدم ملائمته ( غرض ) بأن لا يكون موافقا لغرض إنكاره كالحريص على اكتساب المال والجاه فإنه يكره كل أمر يعوقه عن ذلك الاكتساب ( أو ) بسبب عدم ملاءمة ( شرع ) ، أي حكم شرعي كبعض المنكرات الشرعية التي يكرهها الشرع ، كما أنها موافقة لطبعه ( أو نقص عن كمال مطلوب ) عطف على عدم ملاءمة طبع ، أي أو يكون مبدأ الكراهة بسبب نقص المكروه عن الكمال المطلوب منه كما يكره بعضنا بعضا لجهله وعدم اتصاله بالأخلاق المرضية والأفعال الحسنة ( وما ثم ) شيء يكون سببا لكراهة ( غير ما ذكرناه ) من الأسباب الخمسة .
(ولما انقسم الأمر إلى خبيث وطيب كما قررناه حبب إليه الطيب دون الخبيث ) تحببا إلهيا لا حبا طبيعيا ( ووصف ) النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الملائكة بأنها تتأذى بالروائح الخبيثة ) وهذا مبدأ كراهتهم الإنسان ( ثم لما في هذه النشأة العنصرية ) الإنسانية ( من التعفين فإنه مخلوق من صلصال ) وهو الطين الجاف المنتن ( من حمأ ) وهو الطين الأسود المنتن ( مسنون ، أي متغير الريح فتكرهه الملائكة بالذات ) لصفاء روحانيتها عن الأمور المذكورة ؛ ولذلك أمرنا بطهارة الثوب والبدن ودوام الوضوء واستعمال الروائح الطيبة لتحصيل المناسبة بيننا وبين الملائكة فيلحق بالطيبين وذلك لتضرر الأمور المتقابلة بعضها


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( كما أنّ مزاج الجعل يتضرّر برائحة الورد وهي الرّوائح الطّيبة . فليس ريح الورد عند الجعل بريح طيبة . ومن كان على مثل هذا المزاح معنى وصورة أضرّ بالحقّ إذا سمعه وسرّ بالباطل : وهو قوله :وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ؛ ووصفهم بالخسران فقال :أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ[ العنكبوت : 52 ]الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ[ الأنعام : 12 ] فإنّه من لم يدرك الطّيّب من الخبيث فلا إدراك له .
فما حبّب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلّا الطّيّب من كلّ شيء وما ثمّة إلّا هو . وهل يتصوّر أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلّا الطيّب من كلّ شيء ولا يعرف الخبيث أم لا ؟ قلنا هذا لا يكون : فإنّا ما وجدناه في الأصل الّذي ظهر العالم منه وهو الحقّ ، فوجدناه يكره ويحبّ ؛ وليس الخبيث إلّا ما يكره ولا الطّيب إلّا ما يحبّ .
والعالم على صورة الحقّ والإنسان على الصّورتين فلا يكون ثمّة مزاج لا يدرك إلّا الأمر الواحد من كلّ شيء ، بل ثمّة مزاج يدرك الطّيّب من الخبيث ، مع علمه بأنّه خبيث بالذّوق طيّب بغير الذّوق ، فيشغله إدراك الطّيّب منه عن الإحساس بخبثه .)
.............................................................................................
ببعض ( كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد وهي من الروائح الطيبة ) عند الإنسان ( فليس الورد ) ، أي ريحه ( عند الجعل بريح طيبة ومن كان على مثل هذا المزاج ) ، الجعلي في الأمور الجسمانية الحسية ( معنى ) في المكاره العقلية الروحانية ( وصورة أضرّ به الحق إذا سمعه ) ، كما أضرب بالجعل رائحة الورد ( وسر بالباطل ) ، سرور الجعل بالرائحة الخبيثة ( و ) الذي يدل على ذلك ( هو قوله :وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ ووصفهم بالخسران فقال :أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ[ العنكبوت : 52 ] الذين خسروا أنفسهم فإنه من لم يدرك الطيب ) مميزا إياه ( من الخبيث فلا إدراك له فما حبب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ) بالتحبب الإلهي دون التحبب الطبيعي ( إلا الطيب من كل شي وما ثم ) ، أي في الوجود ( إلا هو ) ، أي الطيب ( وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شيء ولا يعرف الخبيث أم لا ؟ قلنا : هذا لا يكون ، فإنّا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه وهو الحق ، فوجدناه يكره ويحب ، وليس الخبيث إلا ما يكره ولا الطيب إلا ما يحبّ .  والعالم على صورة الحق والإنسان على الصورتين ) .
صورة الحق وصورة الخلق ( فلا يكون ثمة مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شيء ، بم ثم مزاج يدرك الطيب من الخبيث ) ، إذ لا خبيث إلا وله نصيب من الطيب ولو بالنسبة إلى بعض الأمزجة ( مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق ، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه



قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذا قد يكون . وأمّا رفع الخبيث من العالم - أي من الكون - فإنّه لا يصحّ .  
ورحمة اللّه في الخبيث والطّيب . والخبيث عند نفسه طيّب والطيّب عنده خبيث . فما ثمّة شيء طيّب إلّا وهو من وجه في حقّ مزاج ما خبيث : وكذلك بالعكس .
وأمّا الثالث الّذي به كملت الفرديّة فالصّلاة .
فقال : « وجعلت قرّة عيني في الصّلاة » لأنّها مشاهدة : وذلك لأنّها مناجاة بين اللّه وبين عبده كما قال : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.
وهي عبادة مقسومة بين اللّه وبين عبده بنصفين : فنصفها للّه ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصّحيح عن اللّه تعالى أنّه قال : « قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل . يقول العبد : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 1 ) يقول اللّه : ذكرني عبدي . يقول العبد :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ( 2 ) يقول اللّه حمدني عبدي . يقول العبد :الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 3 ) يقول
.............................................................................
هذا قد يكون وأما رفع الخبيث من العالم ، أي من الكون فإنه لا يصح ورحمه اللّه ) حاصله ( ظاهرة في الخبيث والطيب ) على سواء ( والخبيث عند نفسه طيب والطيب عنده خبيث . فما ثم شيء طيب إلا وهو من وجه في حق مزاج ما خبيث ، وكذلك بالعكس كما مر آنفا .
وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة فقال : « وجعلت قرة عيني في الصلاة » لأنها ) ، أي الصلاة إذا وقعت على وجه الكمال كما قال علي رضي اللّه عنه لم أعبد ربا لم أره ( مشاهدة ) ومشاهدة المحبوب تقر عين المحب ( وذلك ) ، أي كونها مشاهدة ، ( لأنها مناجاة بين اللّه وبين عبده ) ، ولا بد من المناجاة من مشاهدة كل من طرفي المناجاة للآخر ، أو لأن المناجاة ذكر والمناجي ذاكر والذاكر جليس المذكور والجليس يشاهد الجليس وكون المناجاة بين اللّه وعبده ككون الذاكر بينهما ( كما قال ) تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وهي ) ، أي الصلاة ( عبادة مقسومة بين اللّه وبين عبده بنصفين : فنصفها له تعالى ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن اللّه تعالى : أنه قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 1 ) يقول اللّه : ذكرني عبدي يقول العبد :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ( 2 ) يقول اللّه : حمدني عبدي يقول العبد :الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ( 3 )



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اللّه : أثنى عليّ عبدي . يقول العبد :مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ( 4 ) يقول اللّه : مجّدني عبدي ، فوّض إليّ عبدي . فهذا النّصف كلّه للّه تعالى خالص . ثمّ يقول العبد :إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( 5 ) يقول اللّه : هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . فأوقع الاشتراك في هذه الآية . يقول العبد :اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ( 6 )صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ( 7 ) [ الفاتحة : 1 - 7 ]
يقول اللّه : فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل .
فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأوّل له تعالى . فعلم من هذا وجوب قراءة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ( 2 ) . فمن لم يقرأها فما صلّى الصّلاة المقسومة بين اللّه وبين عبده » .
ولمّا كانت مناجاة فهي ذكر ، ومن ذكر الحقّ فقد جالس الحقّ وجالسه الحقّ .
فإنّه صحّ في الخبر الإلهيّ أنّه تعالى قال : « أنا جليس من ذكرني » . ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر حديد رأى جليسه . )
............................................................................
يقول اللّه : أثنى علي عبدي . يقول العبد :مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ( 4 ) يقول اللّه : مجدني عبدي فوّض إلي عبدي فهذا النصف كله للّه تعالى خالص . ثم يقول العبد :إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( 5 ) يقول اللّه : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فأوقع الاشتراك في هذه الآية يقول العبد :اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ( 6 )صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ( 7 ) [ الفاتحة ] يقول اللّه : هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل" .  رواه مسلم وابن خزيمة وابن حبان ورواه غيرهم .
( فخلص هؤلاء لعبده كما خلص الأولى له تعالى فعلم من هذا وجوب قراءة :الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ( 2 ) فمن لم يقرأها فما صلى الصلاة المقسومة بين اللّه وبين عبده . ولما كانت ) ، أي الصلاة ( مناجاة ) لما قال عليه السلام المصلي يناجي ربه ( فهي ) ، أي الصلاة ( ذكر ) للحق سبحانه لأنه لا بد في مناجاة الحق من ذكرنا ولو بمجرد خطوره وحضوره في القلب ( ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق . فإنه صح في الخبر الإلهي بأنه تعالى قال : « أنا جليس من ذكرني » رواه ابن أبي شيبة  "الرجل يذكر اللّه وهو على الخلاء أو وهو يجامع"
ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر حديد رأى جليسه .



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهذه مشاهدة ورؤية . فإن لم يكن ذا بصر لم يره . فمن ههنا يعلم المصلّي رتبته هل يرى الحقّ هذه الرّؤية في هذه الصّلاة ، أم لا ؟ فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنّه يراه فيخيّله في قبلته عند مناجاته ، ويلقي السّمع لما يرد به عليه من الحقّ .
فإن كان إماما لعالمه الخاصّ به وللملائكة المصلّين معه - فإنّ كلّ مصلّ فهو إمام بلا شكّ ، فإنّ الملائكة تصلّي خلف العبد ؛ إذا صلّى وحده كما ورد في الخبر - فقد حصل له رتبة الرّسول في الصّلاة .
وهي النّيابة عن اللّه . وإذا قال سمع اللّه لمن حمده . فيخبر نفسه ومن خلفه بإنّ اللّه قد سمعه .
فتقول الملائكة والحاضرون ربّنا ولك الحمد . فإنّ اللّه قال على لسان عبده :
سمع اللّه لمن حمده . فانظر علوّ رتبة الصّلاة وإلى أين تنتهي بصاحبها . فمن لم يحصّل درجة الرّؤية في الصّلاة فما بلغ غايتها ولا كان له قرّة عين ، لأنّه لم ير من يناجيه .)
................................................................................
فهذه ) الصلاة ( مشاهدة ) عيانية روحانية في المقام الجمعي ( ورؤية ) عينية بصرية في المظاهر الفرقية ( فإن لم يكن ذا بصر لم يره فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا ؟ فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه ) ، وهو المسمى بالإحسان وهو المشاهدة وأعلى من الإيمان الغيبي ، لأنه مشبه بالرؤية وهي الصورة الخيالية ( فيخيله في قبلته عند مناجاته ويلقي السمع لما يرد به ) ، الباء للتعدية ، أي لما أورده عليه ( الحق ) من الواردات الروحانية والمعاني العينية .
( فإن كان إماما لعالمه الخاص به ) ، من الأشخاص المشاركين له في هذا العالم في الصلاة ( وللملائكة المصلين معه ) ، إن لم يكن إماما لعالمه الخاص به ( فإن كل مصل فهو إمام بلا شك ، فإن الملائكة تصلي خلف العبد إذا صلى وحده كما ورد في الخبر فقد حصل له رتبة الرسول في الصلاة ) ، فإن الإمامة للناس من مراتب الرسالة وقوله : فقد حصل له جواب الشرط ( و ) الصلاة ( هي النيابة عن اللّه . وإذا قال ) المصلي نيابة عن اللّه ( سمع اللّه لمن حمده فيخبر نفسه ومن خلفه بأنّ اللّه قد سمعه ) ، أي قبل حمد من حمده ( فتقول الملائكة والحاضرين ) ، أي مع الحاضرين ( ربنا ولك الحمد ، فإن اللّه قال على لسان عبده : سمع اللّه لمن حمده . فانظر علو رتبة الصلاة وإلى أين تنتهي بصاحبها ، فمن لم يحصل درجة الرؤية قي الصلاة فما بلغ غايتها ) ، المطلوبة منها ( ولا كان له فيها قرة عين لأنه لم ير من يناجيه .



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن لم يسمع ما يرد من الحقّ عليه فيها فما هو ممّن ألقى السّمع . ولا سمعه .
ومن لم يحضر فيها مع ربّه مع كونه لم يسمع ولم ير ، فليس بمصلّ أصلا ، ولا هو ممّن ألقى السّمع وهو شهيد .
وما ثمّة عبادة تمنع من التّصرّف في غيرها - ما دامت - سوى الصّلاة . وذكر اللّه فيها أكبر ما فيها لما تشتمل عليه من أقوال وأفعال . وقد ذكرنا صفة الرّجل الكامل في الصّلاة في الفتوحات المكيّة كيف تكون لأنّ اللّه تعالى يقول :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ، لأنّه شرع للمصلّي أن لا يتصرّف في غير هذه العبادة ما دام فيها ويقال له مصلّ .)
........................................................................
(فإن لم يسمع ما يرد به الحق عليه فيها ) ، أي في الصلاة ( فما هو ممن ألقى السمع ولا سمعه . ومن لم يحضر فيها مع ربه مع كونه لم يسمع ولم ير ، فليس بمصل أصلا ولا هو ممن ألقى السمع وهو شهيد . وما ثم عبادة تمنع من التصرف في غيرها ما دامت ) ، أي ما بقيت وثبتت ، فما دامت تامة ، ويحتمل أن تكون ناقصة والخبر محذوف ، أي ما دامت كائنة قائمة
( سوى الصلاة وذكر اللّه فيها أكبر ما فيها ) ، وإنما ثبتت الأكبرية لذكر اللّه فيها لما تشتمل ، أي لأجل ما تشتمل الصلاة عليه من أقوال متعددة وأفعال كثيرة ومستحقرة بالنسبة إلى ذكره تعالى .
وقيل : معناه ذكر اللّه أكبر فيها ( لما تشتمل ) الذكر ( عليه من أقوال ) في الذكر اللفظي ( وأفعال ) في الذكر الفعلي الذي يتعلق بباقي الجوارح باطنة وظاهرة .

( وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوحات المكية ) في باب طويل من المجلد الأول .
( كيف يكون ) ، أي كيف ينبغي أن يكون الرجل الكامل في الصلاة وإنما ذكرنا صفة ذلك الرجل ، ( لأن اللّه يقول :إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [ العنكبوت : 45 ] فيبنبغي أن نبين المراد بالفحشاء والمنكر حتى يجتنب عنهما المصلي ويكون من الرجال الكاملين في صلاتهم ، فكل أمر يغاير الصلاة فاشتغال المصلي به حين هو مصل من قبيل الفحشاء والمنكر
( لأنه شرع للمصلي أن لا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها و ) ما دام ( يقال له ) هو ( مصل ) فإذا تصرف في غيرها على خلاف ما شرع له فذلك التصرف منه من قبيل الفحشاء والمنكر ، وفي الفتوحات أن معناه بحسب الظاهر أن المصلي ما دام في الصلاة ما يتمكن من فعل الفحشاء والمنكر بقدرها .
وبحسب الباطن أن العبادة الحقيقية تنهى عن الفحشاء والمنكر اللذين هما بمعنى الغير ورؤية نفس السالك المتوجه إلى اللّه ، فإن هذا هو الفحشاء والمنكر المنهي عنهما لا غيره ولما كان ذكر اللّه يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول
والثاني : أن يكون من قبيل إضافته إلى الفاعل .



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر ُيعني فيها : أي الذّكر الّذي يكون من اللّه لعبده حين يجيبه في سؤاله . والثّناء عليه أكبر من ذكر العبد ربّه فيها ، لأنّ الكبرياء للّه تعالى .
ولذلك قال :وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ[ العنكبوت : 45 ] .
وقال :أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ] فإلقاؤه السّمع هو لما يكون من ذكر اللّه إيّاه فيها .
ومن ذلك أنّ الوجود لمّا كان عن حركة معقولة نقلت العالم من العدم إلى الوجود عمّت الصّلاة جميع الحركات وهي ثلاث : حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلّي ، وحركة أفقيّة وهي حال ركوع المصلّي ، وحركة منكوسة ؛ وهي حال سجوده وقد أشار فيما سبق إلى المعنى الأول
أراد أن يشير إلى المعنى الثاني فقال : )
........................................................................
( ولذكر اللّه أكبر يعني فيها أي : الذكر الذي يكون من اللّه لعبده حين يجيبه في سؤاله و ) في ( الثناء عليه أكبر من ذكر العبد ربه فيها ) ، أي في الصلاة ( لأن الكبرياء ) ، أي العلو ( للّه تعالى ) في ذاته وصفاته وأفعاله ( ولذلك ) ، أي لأجل أن المراد بالذكر ذكر اللّه في مقابلة ما يصنع العبد من السؤال والثناء ( قال تعالى :وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) [ العنكبوت : 45 ] ،
يعني في سلامتكم من الأقوال والأفعال .

( وقال :أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فإلقاؤه السمع هو لما يكون من ذكر اللّه إياه فيها . ومن ذلك ) المذكور من الحقائق المودعة في الصلاة ( أن الموجود لما كان عن حركة معقولة ) ، لا محسوسة ( نقلت العالم من العدم ) ، أي الثبوت العلمي مع عدم اتصافه بالوجود العيني ( إلى الوجود ) العيني ( عمت الصلاة جميع الحركات ) الوجودية الطبيعية لأن الإرادية ( وهي ثلاث : حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلي ) ، فإنه لا يتحقق القيام إلا بالحركة من السفل إلى العلو على الاستقامة .

فالمراد بالحركة المستقيمة ما يكون من جهة السفل إلى العلو وهو ما يضاد المنكوسة لا المستديرة كما هو مصطلح الحكيم ( وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي ) فإنه لا يتيسر إلا بتحريك رأسه ( وحركة منكوسة وهي حال سجوده ) فإنه لا يتحقق إلا بالانتكاس .
( فحركة الإنسان مستقيمة ) ، فإنه لا يتحرك بالطبع في نموه حركة أظهر مما سواها إلا على استقامة قامته كأنه يصعد رأسه إلى السماء ( وحركة الحيوان ) ما عدا الإنسان ( أفقية ) ، فإنه يتحرك في نموه حركة أظهر مما سواها نحو الأفق ( وحركة النبات منكوسة ) ، فإن رأس النبات هو أصله الذي به يتغذى فجعل حركتها منكوسة أن يقال :
انتكاس حركته إنما هو باعتبار عروقه النابتة في الأرض فله حركتان : حركة مستقيمة وحركة منكوسة .
ولو جعلت العبارة المستقيمة عبارة عن الحركة من القدم إلى الرأس والحركة المنكوسة عبارة عن الحركة من الرأس إلى القدم لاستقام الكلام من غير تكلف



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فحركة الإنسان مستقيمة وحركة الحيوان أفقيّة وحركة النّبات منكوسة ؛ وليس للجماد حركة من ذاته : فإذا تحرّك حجر فإنّما يتحرّك بغيره .
وأمّا قوله : « وجعلت قرّة عيني في الصّلاة » - ولم ينسب الجعل إلى نفسه - فإنّ تجلّي الحقّ للمصلّي إنّما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلّي .
فإنّه لو لم يذكر هذه الصّفة عن نفسه لأمره بالصّلاة على غير تجلّ منه له .
فلمّا كان منه ذلك بطريق الامتنان ، كانت المشاهدة بطريق الامتنان . فقال : وجعلت قرّة عيني في الصّلاة .
وليست قرّة عينه إلّا مشاهدة المحبوب الّتي تقرّ بها عين المحبّ ، من الاستقرار)
.................................................................................
( وليس للجماد ) إذا خلي وطبعه من غير أن أخرجه قاصر من حيزه ( حركة من ذاته ) ولهذا انحصرت الحركات الطبيعية في الثلاث ( فإذا تحرك حجر ) إما بتحريك قاسر عن حيزه أو مثلا إما بحركته إلى حيزها ، بعد ذلك التحريك ( فإنما يتحرك بغيره ) لا بذاته .

ثم اعلم أن الحركات الثلاث التي للمصلي في صلاته إنما هي إشارة إلى حركات الوجود الساري في حقائق العالم ، إما لنقلها من العدم إلى الوجود وذلك حركة منكوسة من أعلى عليين أعني التعبير الأول من أسفل سافلين أعني وجود الإنسان بصورته العنصرية ، وإما لإيصالها وإرجاعها إلى انتشائه ولا يتصور ذلك إلا في الإنسان فإن في استعداده الرجوع إلى ما ابتدأ عنه وذلك حركة مستقيمة من أسفل سافلين إلى أعلا عليين ، وإما لإيصال كل حقيقة من الحقائق الآفاقية إلى كمالها اللائق بها وذلك حركة أفقية عرضية لا طولية ولا يبعد أن يجعل قول الشيخ رضي اللّه عنه : وليس للجماد حركة إيماء إلى أن القعدة الأخيرة من الصلاة التي لا حركة فيها المنطوية على التشهد إشارة إلى أعلا مراتب الشهود الذي هو مستقر الكمل حيث لا يتحركون عنها ولا يفارقونها أبد الآبدين واللّه تعالى أعلم .

( وأما قوله ) ، أي حكمة قوله : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) ، حيث أتى بصيغة الفعل المبني للمفعول ( ولم ينسب الجعل إلى نفسه فأن تجلي الحق ) بفتح الهمزة جواب أما أي الحكمة فيه أن تجلى الحق ( للمصلي إنما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلي فإنه ) ، أي الحق سبحانه ( لو لم يذكر هذه الصفة عن نفسه ) ، ولم يظهر بها والمراد بها ذكره للعبد بتجليه عليه عند سؤاله والثناء عليه ( لأمره بالصلاة من غير تجل فلما كان منه ذلك ) ، أي ذكره للعبد بالتجلي ( بطريق الامتنان كانت المشاهدة ) ، المترتبة عليه أيضا ( بطريق الامتنان فقال :
وجعلت قرة عيني في الصلاة ) من غير أن يكون لنفسه دخل في هذا الجعل سوى استعداده الراجع إلى الفيض الأقدس ( وليس ) ، أي قرة العين ( إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فتستقرّ العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره في شيء وفي غير شيء .
ولذلك نهي عن الالتفات في الصّلاة ، فإن الالتفات شيء يختلسه الشّيطان من صلاة العبد فيحرمه مشاهدة محبوبه . بل لو كان محبوب هذا الملتفت ، ما التفت في صلاته إلى غير قبلته بوجهه .
والإنسان يعلم حاله في نفسه هل هو بهذه المثابة في هذه العبادة الخاصّة أم لا ، فإنّ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( 14 ) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ( 15 ) [ القيامة : 14 - 15 ] فهو يعرف كذبه من صدقه في نفسه ، لأنّ الشّيء لا يجهل حاله فإنّ حاله له ذوقيّ . )
................................................................................
المحب ) ، والقرة إما من المقر يعني البرد فتكون قرة عينه كناية عن المسرة فإن عين المسرور تبرد لقرار باطنه وعين المهموم تسخن لاضطراب باطنه . وإما من القرار فيكون المراد بقرة العين ما تستقر عليه العين .

ولما كان المشهور أن قرة العين مأخوذة من القر بمعنى البرد كما ذكرنا أراد رضي اللّه عنه أن يشير إلى جواز أخذها من القرار فإنه أنسب بالمقام وألطف فقال : ( من الاستقرار فتستقر العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره ) ، سواء كانت تلك الرؤية ( في شيء ) من المجالي الصورية كما تجلى لموسى عليه السلام في صورة النار ولنبينا صلى اللّه عليه وسلم في صورة شاب أمرد ( وفي غير شيء ) من تلك المجالي كما في التجليات الذاتية الذوقية المعنوية .

(ولذلك نهى عن الالتفات في الصلاة فإن الالتفات شيء يختلسه الشيطان من صلاة العبد فيحرمه ) الشيطان ( مشاهدة محبوبه ) في زمان الالتفات ( بل لو كان ) الحق ( محبوب هذا ) المصلي ( الملتفت ) على صيغة اسم الفاعل ( ما التفت ) في صلاته ( إلى غير قبلته بوجهه ) الباء متعلقة بالالتفات أي ما التفت بوجهه ولا صرفه إلى غير قبلته التي هي مشاهدة محبوبه إذ ليس من شأن المحب أن يصرف نظره عن مشاهدة محبوبه عند تيسرها .

( والإنسان ) وإن لم يزل يظهر حاله عند الناس على أحسن وجه ويلقى معاذيره فيما يظهر لديهم من النقائص لكنه ( يعلم حاله في نفسه هل هو بهذه المثابة في هذه العبادة الخاصة أم لا ؟ فإن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره فهو يعرف كذبه من صدقه في نفسه ) ، عندما يظهر حاله إلى الناس ( لأن الشيء ) ، أي شيء كان ( لا يجهل حاله فإن حاله له ذوقي ) ، أي إدراك حاله له ذوقي وجداني لا حاجة فيه إلى أمر خارج عنه فكيف يفارقه ، وهذا التعميم بناء على أن العلم لازم للوجود ، فكل ما اتصف بالوجود اتصف



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثمّ إنّ مسمّى الصّلاة له قسمة أخرى ؛ فإنّه تعالى أمرنا أن نصلّي له وأخبرنا أنّه يصلّي علينا . فالصّلاة منّا ومنه .
فإذا كان هو المصلّي فأنّما يصلّي باسمه الآخر ، فيتأخّر عن وجود العبد : وهو عين الحقّ الّذي يخلقه العبد في قلبه ، بنظره الفكريّ أو بتقليده وهو الإله المعتقد .
ويتنوّع بحسب ما قام بذلك المحلّ من الاستعداد كما قال الجنيد حين سئل عن المعرفة باللّه والمعارف . فقال لون الماء لون إنائه . . وهو جواب سادّ أخبر عن الأمر بما هو عليه .)
.............................................................
بالعلم لكن بحسب استعداده ( ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى ) ، فالمراد بمسمى الصلاة ما يسمى صلاة ، فالمعنى المشترك بين الانقسام هو هذا لا المفهوم العامي كما يقال مسمى ، أي ما يسمى بهذا الاسم إما ذهب أو عين جارية أو ذات قائمة بنفسها أو غير ذلك ، وهكذا كل مشترك لفظي يصح انقسامه بهذا التأويل . ( فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له وأخبرنا بأنه يصلي علينا ) ، بقوله : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ[ الأحزاب : 43 ]
( فالصلاة ) منقسمة بالصلاة ( منا و ) بالصلاة ( منه فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر ) ، فإن المصلي هو الفرس التابع المتأخر عن المجلى وهو السباق في حلبة السابق ( فيتأخر ) ، أي الحق ( عن وجود العبد وهو ) ، أي الحق المتأخر ( عين الحق الذي يخلقه العبد في قبلته بنظره الفكري ) إن كان ذا رأي وفكر ( أو بتقليده لغيره ) إن لم يكن ذا رأي وفكر ( وهو الإله المعتقد ) ولا شك أن الاعتقاد تابع لوجود المعتقد فيتأخر عن وجوده .
( ويتنوع ) الإله المعتقد ( بحسب ما قام بذلك المحل ) القائم بهذه الصورة الاعتقادية به ( من الاستعداد ) للصور تنوع الماء بحسب ما قام بمحله أعني الإناء من الأعراض المحسوسة التي أجلاها اللون ( كما قال الجنيد حين سئل عن المعرفة باللّه والعارف فقال : لون الماء لون إنائه ) ، يعني حال المعرفة في مراتبها التقييدية إنما هي بحسب حال العارف في استعداداتها المتفاوتة للمعرفة ، كما أن الماء له لون في حد ذاته ويتلون بألوان ظرفه ، وإن كان ظرفه مما لا لون له فلا يتلون بلون بل يبقى على عدم لون لونيته ( وهو ) ، أي ما قاله الجنيد ( جواب ساد ) ، أي سديد صائب مستقيم أخبر ( أخبر عن الأمر بما هو عليه ) ، وإن كان العارف من أصحاب الاعتقادات التقييدية فكرية كانت أو تقليدية ، فحاله كحال الماء المتلون بلون إنائه المتلون ، وإن كان هيولاني الوصف قابلا لجميع صور الاعتقادات تابعا للتجليات الإلهية الأسمائية من غير تقييد ببعضها فحاله ما قيل :



قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهذا هو اللّه الّذي يصلّي علينا .
وإذا صلّينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنّا فيه كما ذكرناه في حال من له هذا الاسم ، فنكون عنده بحسب حالنا ، فلا ينظر إلينا إلّا بصورة ما جئناه بها فإنّ المصلّي هو المتأخّر عن السّابق في الحلبة .
وقوله تعالى :كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [ النور : 41 ] أي رتبته في التّأخّر في عبادته ربّه ، وتسبيحه الّذي يعطيه من التّنزيه استعداده .
فما من شيء إلّا وهو يسبّح بحمد ربّه الحليم الغفور . ولذلك لا نفقه تسبيح )
..........................................................................................
يقول لون الماء لون إنائه ، أنا الآن من ماءنا بلا لون ( فهذا ) ، أي الإله المعتقد ( هو اللّه الذي يصلي علينا ) ، كما جاء في الآية المذكور ، أي يتجلى علينا بصورة اسمه الآخر ( وإذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر ) ، وهو الأول ( فكنا فيه بنا ) ، أي في مقام صلاتنا له متأخرين عنه ( كما ذكرناه في حال من له هذا الاسم ) ، وهو الإله المعتقد الذي له الاسم الآخر ، فكما أن في صورة صلاته علينا له الاسم الآخر وله الاسم الأول ( فنكون ) نحن ( عنده بحسب حالنا ) ، أي بحسب أحوالنا التي نتحول فيها بحسب تقلبه في الشؤون والأفعال ( فلا ينظر ) الحق ( إلينا ) ، أي لا يتجلى علينا ( إلا بصورة ما جئناه بها ) ، في كل لحظة ولمحة من تلك الأحوال التابعة لتقلبه في شؤونه وأفعاله ، فباعتبار هذه التبعية نحن مصلون له متأخرون عنه وباعتبار تجليه علينا بحسب استعداداتنا هو مصل علينا ( فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة ) فيصح التعبير به عن كل من الحق والعبد .

والحاصل أن للحق سبحانه تجليين :
أحدهما : تجليه بصور استعدادات العبد من حيث تقلبه في الشؤون والأفعال ، فاستعدادات العبد في هذا التجلي تابعة لتقلبه في الشؤون والأفعال .
والثاني : تجليه عليه بحسب تلك الاستعدادات ، فهو سبحانه في هذا التجلي تابع للاستعدادات ،
فباعتبار الأول : نحن نصلي له ،
أو باعتبار الثاني : هو يصلي علينا ، أو بالنظر إلى هذين الاعتبارين حمل صاحب اللمعات قول الجنيد تارة على لون معنى المحبوب لون محبه ، وتارة على معنى لون المحب لون محبوبه .
( وقوله تعالى : كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [ النور : 41 ] ، أي كل منا ومن الحق فالعبد علم صلاته ( أي رتبته في التأخر عن عبادة ربه وتسبيحه ) ، أي ( الذي يعطيه من التنزيه استعداده ) الفطري الأصلي فإن أصل الاستعداد إنما يعطى التنزيه ، وكذلك الحق على صلاته ، أي رتبة تأخره عن العبد فيما ذكرنا ، وتسبيحه : أي تطهيره العبد عن دنس النقائص الإمكانية ( فما من شيء إلا ويسبح ربه الحليم ) ، أي المتنزل إلى رتبة من هو دونه وهذا التنزل هو ظهوره بصور الأشياء لإظهار كمالاته فهو ناظر إلى الحمد ( الغفور ) ، أي الساتر هذا التنزل كما هو مقتضى التنزيه والتسبيح ( ولذلك ) ، أي لعموم


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( العالم على التّفصيل واحدا واحدا . وثمّة مرتبة يعود الضّمير على العبد المسبّح فيها في قوله :"وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" أي بحمد ذلك الشّيء . فالضّمير الّذي في قوله بِحَمْدِهِ [ الإسراء : 44 ] يعود على الشّيء أي بالثّناء الّذي يكون عليه.
كما قلنا في المعتقد إنّه إنّما يثني على الإله الّذي في معتقده وربط به نفسه ، وما كان من عمله فهو راجع إليه ، فما أثنى إلّا على نفسه ، فإنّه من مدح الصّنعة فإنّما مدح الصّانع بلا شكّ ، فإنّ حسنها وعدم حسنها راجع إلى صانعها . وإله المعتقد مصنوع للنّاظر فيه ، فهو صنعته فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه .
ولهذا يذمّ معتقد غيره ، ولو أنصف لم يكن له ذلك .
إلّا أنّ صاحب هذا المعبود الخاصّ جاهل بلا شكّ في ذلك لاعتراضه على)
.......................................................................................
تسبيح كل شيء ( لا نفقه تسبيح ) أفراد ( العالم على التفصيل واحدا واحدا ) ، لأنا لا نقدر على الاطلاع على تفاصيل الوجود وأسرارها بل لا نفقه على سبيل التفصيل إلا تسبيح بعضها ، وأما تسبيح الكل فلا نفقهه إلا على سبيل الإجمال .
هذا كله في التسبيح والحمد اللذين في مرتبة صلاة العبد فالمصلي والمسبح والحامد في هذه المرتبة هو العبد ( وثم مرتبة ) ، أي وهي مرتبة صلاة الحق على العبد ، فالمصلي والمسبح والحامد في هذه المرتبة هو الحق وحينئذ ( يعود الضمير على العبد المسبح ) ، على أنه لسان من ألسنة الحق يسبح ويحمد به ( فيها ) ، أي في تلك المرتبة وذلك الضمير هو الضمير المجرور الذي ( في قوله :" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" [ العنكبوت : 44 ] ، أي بحمد ذلك الشيء فالضمير الذي في قوله بحمده يعود على الشيء ) ، أي يسبح ( بالثناء الذي يكون عليه ) ، فإن الحمد هو الثناء وثناء الحق على الشيء بما هو عليه مما يثنى به ثناء الحق على نفسه ، فإن العبد مصنوع له تعالى وثناء الصنع راجع إلى الصانع ( كما قلنا في المعتقد إنه إنما أثنى ) ، في صلاته التي هي صلاة العبد للحق ( على الإله ) المجعول (الذي في معتقده فيربط به نفسه ) .
ربط العبد بآلاته الغير المجعول ( و ) لكن ( ما كان من عمله فهو راجع إليه فما أثنى إلا على نفسه فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك فإن حسنها وعدم حسنها راجع إلى صانعها ) .
والمدح والذم راجعان إليهما ( والإله المعتقد مصنوع للناظر فيه ) ، إن كان ذا نظر ، وأما المقلد فهو إنما يقلد ذا نظر فإلهه أيضا مصنوع للناظر فيه ( فهو صنعته ) المعمولة له ( فثناؤه على ما اعتقده ثناء على نفسه ولهذا يذم معتقد غيره ) ، فإنه على خلاف ما صنعه ( ولو أنصف ) إنصاف عارف بالأمر ( لم يكن له ذلك ) الذم لمعتقد غيره .
( إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل ) لا إنصاف به ( بلا شك في ذلك ) ،


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( غيره فيما اعتقده في اللّه .
إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلّم لكلّ ذي اعتقاد ما اعتقده ، وعرف اللّه في كلّ صورة وكلّ معتقد .
فهو ظان ليس بعالم ، فلذلك قال : « أنا عند ظنّ عبدي بي » أي لا أظهر له إلّا في صورة معتقده : فإن شاء أطلق وإن شاء قيّد .
فإلّه المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الّذي وسعه قلب عبده ، فإنّ الإله المطلق لا يسعه شيء لأنّه عين الأشياء وعين نفسه : والشّيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا أنه لا يسعها فافهم ،وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [ الأحزاب : 4 ] .)
...........................................................................
لحضرة الحق في صورة اعتقاده المعمول له ( لاعتراضه على غيره فيما اعتقده في اللّه ) الجامع لجميع الأسماء بحقيقته المطلقة الجمعية الأحدية ( إذ لو عرف ما قاله الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده وعرف اللّه في كل صورة ) .
قال رضي اللّه عنه :
عقد الخلائق في الإله عقائدا  ....   وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه
( وكل معتقد فهو ظان ) ، ظنا غير مطابق للواقع باعتبار حصره في صورة معتقده وإن كان صادقا باعتبار أنه من صوره فهو ( ليس بعالم ) بالأمر على ما هو عليه ( ولذلك ) ، أي لأجل أن كل معتقد ظان ( قال تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، أي لا أظهر له إلا في صورة معتقده فإن شاء ) الأمر على ما هو عليه ( أطلق ) وشاهد الحق في جميع الصور الاعتقادية وغيرها .
( وإن شاء قيد ببعضها ) على ما هو عند أصحاب النظر والتقليد ( فإله المعتقدات ) ، أي الإله الذي له نسبة إلى صورة خاصة من الصور المعتقدة بالنسبة إلى كل معتقد ( تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده فإن الإله المطلق ) من حيث إطلاقه ( لا يسعه شيء) ، لأنه عين الأشياء ( وعين نفسه ) فالوجود كله عينه ونفسه ( والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا أنه لا يسعها فافهم ) .
فإن ذلك معنى إطلاقه الذاتي هذا هو القول الحق الذي لا سبيل إليه إلا من خلص من المقيد بالاعتقادات الجزئية الفكرية أو التقليدية ( واللّه يقول الحق ) بلسان العبد (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) إليه وينصب الدليل عليه .
قال مؤلفه رحمة اللّه عليه : لقد وفق للفراغ عن فك ختام هذه الفصوص ، وكشف إيهام هذه النصوص ، العبد المتذلل بالشخوص بين يدي عموم أهل الخصوص عبد الرحمن بن أحمد الجامي ، تجاوز اللّه سبحانه عن مزال أقدامه ومزالق أقلامه ، غرة جمادى الأولى المنتظمة في سلك شهور سنة ست وتسعين وثمانمائة ، واللّه أعلم .
تمّ  الفص المحمدي
.
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment